«سرجنا الجياد» هي واحدة من سلسلة معارك أطلقتها فصائل مسلحة معارضة للنظام السوري، أبرزها جيش أسود الشرقية وقوات الشهيد أحمد العبدو، وبدأت من خلالها تحرير المنطقة الواقعة شرق محافظتي السويداء ودرعا وصولاً إلى الريف الدمشقي من جهة الشرق، ونحو القلمون الشرقي ثم ريف حمص الجنوبي.
دارات تلك المعارك في مناطق بالغة الأهمية على الصعيد الاستراتيجي، فهي تصل بين عدة جبهات في محافظات مختلفة، وتفصل في الوقت نفسه بين عقد اتصال تربط سوريا بالأردن والعراق نحو الشرق والجنوب الشرقي، وتصلها بلبنان غرباً. وكانت داعش قد سيطرت على تلك المناطق منذ نحو عامين، بعد معارك فصائل في الجيش السوري الحر، التي كانت قد طردت قوات النظام منها خلال العام 2012. ومنذ أن سيطرت داعش على مساحات واسعة هناك، وقعَ عشرات آلاف المدنيين، وفصائل في الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية المقاتلة هناك، تحت الحصار في منطقة جبال البترا ومدن وبلدات جيرود والناصرية والرحيبة والضمير، حيث تحيط بها قوات النظام السوري في القلمون، وقوات داعش على جميع الطرقات المؤدية إلى البادية.
تدور معارك «سرجنا الجياد» اليوم في البادية وأطراف القلمون الشرقي، وتشارك فيها عدة فصائل ضمن غرفة عمليات مشتركة، في حين فتحت بعض الفصائل معارك أخرى منفردة أيضاً.
يقول يونس السلامة، الإعلامي في جيش أسود الشرقية، إن المكون البشري لهذا الفصيل يرجع إلى عناصر من الجيش الحر خرجت من دير الزور باتجاه القلمون بعد سيطرة داعش على دير الزور في الشهر الثامن من عام 2014. وهو يعمل في المنطقة إلى جوار فصائل أخرى من أبنائها وأبناء مناطق غيرها سيطرت عليها داعش. وهذه الفصائل هي: قوات الشهيد أحمد العبدو، ومعظم مقاتليها من ريف حمص والقلمون ومن الغوطة وريف دمشق الشرقي. لواء شهداء القريتين، وأغلب مقاتليه من أبناء ريف حمص الشرقي، ومن القريتين على وجه الخصوص. قوات مغاوير الثورة، جيش سوريا الجديد سابقاً، وأغلب مقاتليها من أبناء دير الزور بقيادة المقدم مهند الطلاع، وفيه متطوعون من مناطق أخرى أيضاً.
***
رائد العلي/أبو راشد، القائد العسكري في جيش أسود الشرقية، تحدث إلينا عبر تطبيق واتس آب، رغم صعوبة الاتصال. يقول أبو راشد:
«كان الهدف من المعركة الأولى التي حملت اسم: ردّ الاعتبار، وانطلقت بتاريخ 29/12/2016، تقليصَ وجود داعش وإضعاف وضعها العسكري وقطع بعض طرق الإمداد عنها، وشملت تلك المعركة مناطق عديدة من القلمون الشرقي وريفي درعا والسويداء، وتلتها معارك أخرى تكللت بإعلان معركة سرجنا الجياد منذ نحو شهر.
لا تزال المعارك مستمرة ضمن معركة سرجنا الجياد في منطقة المحسا التي تتبع لريف حمص وتل مكحول (تمت السيطرة عليها بعد حديثنا مع القائد العسكري)، الذين يعتبران من آخر معاقل داعش في المنطقة».
عن مسار المعركة ومراحلها، يقول أبو راشد: «وضعنا الخطط لمعركة سرجنا الجياد بحيث يتم ضرب داعش في كل شبر في البادية، وقد منَّ الله علينا بالفتح بدايةً في زازا والسبع بيار، واخترقنا عمق مناطق سيطرة التنظيم في بير مداد وباتجاه المحسا، وكانت المعارك مستمرةً في سريه البحوث العلمية ومناطق سيس وتيس وحاجز مكحول وجبل مكحول.
ثم انطلقنا لضرب داعش في خاصرته القوية في ريف السويداء الشرقي، الذي يعتبر خط الإمداد الرئيسي له، وانتهت المعارك هناك بسيطرة جيش أسود الشرقية على مناطق الساقية والكراع والدياثة وتل الأصفر وشنوان وبير العورة وبير قنيات، وبالتالي طرد داعش من تلك المناطق بشكل كامل.
استمرت الضربات على كامل نقاطهم المنتشرة في البادية، وتم تحرير سرية البحوث العلمية وهي واحدة من أبرز معاقل داعش في منطقة التيس، وكذلك جبل سيس وبير الهيل وبير مداد وجبل عادة ومفرق المحسا وأوتستراد أبو الشامات. وجميع هذه المناطق تقع ضمن نطاق غرفة عمليات الحماد السوري، التي تضم كلاً من جيش أسود الشرقية ولواء شهداء القريتين وتجمع أحمد العبدو ومغاوير الثورة، والقائد الميداني للمعركة هو أبو برزان السلطاني نائب قائد جيش أسود الشرقية.
تزامن تحرير تلك المناطق مع معارك في جبهة ريف دمشق، حيث تم تحرير تل دكوة ومحيطها وبير القصب والصريخي وتل الدخان ورجم البقر، وبذلك نكون قد طهرنا كامل ريف السويداء وصولاً إلى ريف دمشق بالكامل أيضاً، ويكون ما يسمى بولاية دمشق قد خرج من سيطرة تنظيم داعش، باستثناء أحياء دمشق التي يسيطر عليها في الحجر الأسود وأجزاء من مخيم اليرموك.
هذه المعارك تجعل من الوصول إلى الغوطة الشرقية وبالتالي فك الحصار عنها أمراً ممكناً، لكن ذلك يتبع لخطط عملياتية نقوم بالعمل عليها. ومن المؤكد بعد فك الحصار عن القلمون الشرقي، أننا سنعمل على أن يكون طريقنا الى الغوطة الشرقية، ولكن لا يزال هناك بعض التواجد لداعش في مناطق من البادية».
أما عن القلمون الشرقي الذي لا يزال محاصراً، يقول أبو راشد: «لم يتبقَ لنا سوى 18 كم فقط عملياً حتى نتمكن من فك الحصار عن مناطق القلمون الشرقي التي يقطنها مئات الآلاف من أهلنا، ونحن مستمرون حتى تحقيق هذا الهدف. كانت معركة سرجنا الجياد تتمة لمعركة رد الاعتبار التي أضعفت داعش في المنطقة، ومن ثم تم ترميم غرفة العمليات وتوحيدها في معركة سرجنا الجياد لتطهير الحماد. تم الاتفاق ليلاً على خطة المعركة، وبدأ العمل مع فجر اليوم التالي، في 18/3/2017».
ولكن هل حدثت صدامات مع قوات النظام؟ يقول أبو راشد: «لم نصطدم بشكل مباشر مع النظام بسبب وجود داعش في المناطق المستهدفة، لكن على أرض الواقع فإن النظام ساند قوات داعش بالطيران والمدفعية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث استهدف رتلاً لنا كان متوجهاً لقتال داعش، لكن دون حدوث خسائر ولله الحمد».
وحول السبب في عدم فتح جبهات مع النظام رغم ذلك، يضيف: «لا نريد في الوقت الحالي فتح معارك جديدة، وبالتالي تشتيت الجهد العسكري لنا ما يضعف عملنا في المعركة، فالنظام وداعش يقاتلوننا وكأنهما حلفاء، وكان بينهما هدنة غير معلنة في المنطقة، ولكن إن استمر النظام باختبار صبرنا سيكون الرد مباشراً ودون تأخير، وخاصة إذا واصلَ استفزازنا عن طريق استهداف أرتالنا بالطيران.
النظام يهدف لإيقاف هذه المعركة قبل فك الحصار عن القلمون، كون فك الحصار يهدد أمن قواته حول دمشق، لأن فتح خطوط إمداد للغوطة الشرقية يعني أن المنطقة ستصبح عمقاً استراتيجياً للفصائل الموجودة هناك، وبالتالي تخفيف عبء الحصار عنها وإعطائها حرية الحركة، وكذلك تخفيف الحصار عن المدنيين مما يزيد من قدرتهم على الصمود».
عن الفصائل المشاركة في المعارك وقطاعات عملها، يقول رائد العلي: «في معارك ريف السويداء وبير القصب ومنطقة تل دكوة وريف دمشق كان جيش أسود الشرقية هو القوة الفاعلة، أما مناطق زازا والسبع بيار وبير مداد والبحوث العلمية، فكانت تحت قيادة غرفة العمليات المشتركة، ومعارك مفرق المحسا المستمرة كذلك كانت تحت قيادة غرفة العمليات، التي تضم إضافة لجيش أسود الشرقية، لواء شهداء القريتين، ومغاوير الثورة، وتجمع الشهيد أحمد العبدو، كما أسلفنا سابقاً».
***
تكمن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الحماد والقلمون الشرقي في أنها صلة وصل مع جنوب شرق سوريا مروراً بالوسط، وبالتالي فهي تعطي القوات المسيطرة عليها ميزة التحكم بطرق الإمداد، وإذا نجحت الفصائل في فك الحصار عن الريف الدمشقي، فإنها تكون قد غيرت من قواعد اللعبة والاشتباك فيها. كذلك فإن السيطرة المطلقة للفصائل على تلك المنطقة تضع المعارضة السورية في موقع أقوى حيال النظام، إذ تكون قادرة على تهديد مناطق سيطرته في وسط سوريا، كما أنها تُفشِل احتمالية انسحاب تنظيم داعش باتجاه البادية وجبال القلمون الشرقي وتحصنه فيها بعد أي هزائم أخرى قد تلحق به.
يبدو أن هناك تفاؤلاً كبيراً عند المقاتلين، يجعلهم يتوقعون الانطلاق لاحقاً نحو مناطق جديدة تخضع لتوازنات دولية وإقليمية، لكن هذه التوازنات قد تجعل من الصعب التوجه إلى دمشق لفك الحصار عن غوطتها، وربما ستكون هناك محاولات لفتح جبهات قد تخفف الضغط عن الغوطة المحاصرة.
تفتح هذه المعارك الطريق باتجاه دير الزور أحد أهم معاقل التنظيم في سوريا، وربما آخرها إذا نجحت معركة الرقة التي يدور الحديث عنها الآن، وهذا ليس بعيداً عن تفكير المقاتلين في معركة سرجنا الجياد، ولا شك أن تلك المعركة المنتظرة تعيش في مخيلتهم دوماً، خاصةً أن أغلبهم من أبناء مناطق تسيطر عليها داعش. غير أن معركة دير الزور تحتاج إلى الوقت وتجهيز العدة والعديد، وإلى توافقات دولية وإقليمية، وعلى أي حال يبدو واضحاً أن الفصائل في البادية تعد العدة كي تكون دير الزور معركتها الكبرى، وهي تقول عبر بياناتها إنها ستحرر دير الزور من تنظيم داعش حال تم التجهيز بشكل جيد.
المعارك التي تخوضها الفصائل في البادية، تفتحُ الطريق إلى جعلها واحدة من القوى التي يمكن البناء عليها كحليفٍ في إخراج تنظيم الدولة من دير الزور، ويقول يونس السلامة، الإعلامي في جيش أسود الشرقية، للجمهورية إن «المعركة التي يخوضونها توازي في أهميتها معركة تحرير الرقة، وهي فاصلة بالنسبة للتنظيم». كما صرّح بأنهم يتلقون دعماً من الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر، وأنهم قادرون على فتح معارك باتجاه النظام وداعش، وعازمون على ذلك إذا توافرت ظروفٌ مواتية.
وإذا كان الهدف الرئيسي والمعلن لمعركة سرجنا الجياد، هو فكّ الحصار عن القلمون الشرقي، فإن ذلك حسب يونس السلامة: «أولاً رداً لجميل أبناء تلك المنطقة، وهم الذين استقبلوا أبناء دير الزور بعد أن سيطرت داعش عن مناطقهم، وللأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة الوعرة التي تمر عبرها خطوط إمدادٍ رئيسية في البلاد».