شهدت مناطق وبلدات درعا الخارجة عن سيطرة النظام كثيراً من عمليات الاغتيال بواسطة العبوات الناسفة طوال السنوات الماضية، لكن وتيرة هذه الاغتيالات ارتفعت في الأشهر الأخيرة، وبالعودة إلى موقع مكتب ثوثيق الشهداء في درعا، سنجد أنها سجلت في معظم أشهر 2017 ارتفاعاً ملحوظاً، مقارنةً مع أشهر عام 2016. وشهدَ العام 2017 منذ بدايته أحداثاً ووقائع كبرى في محافظة درعا، وهي معركة المنشية (معركة الموت ولا المذلة)، وبالتزامن معها تقدم جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ليحتل قرى جديدة في حوض اليرموك، ثم الإعلان عن هدنة الجنوب السوري.

تم تنفيذ معظم عمليات الاغتيال على الطرق الواصلة بين بلدات ريف درعا الشرقي، مع تسجيل عدد أقل منها في الريفين الشمالي والغربي، ويخضع ريف درعا الشرقي لسيطرة فصائل الجيش الحر المنضوية في تحالف الجبهة الجنوبية، مع تواجد ضئيل للجماعات الإسلامية غير المنضوية في هذا التحالف، وتتسم فصائل تحالف الجبهة الجنوبية بالتنظيم النسبي والمشاركة القوية والفاعلة في المعارك ضد النظام، وضد جيش خالد بن الوليد، وتتلقى دعمها المادي واللوجستي العسكري من غرفة عمليات الموك. أما ريفي درعا الغربي والشمالي فهما أيضاً تحت سيطرة فصائل تابعة للجيش الحر، لكن مع تواجد أوسع للفصائل الاسلامية وسيطرتها على مواقع استراتيجية كتل الجموع، وقد اتجهت فصائل الجيش الحر في ريف درعا الغربي مؤخراً لمواجهة جيش خالد بن الوليد، الذي يسيطر على معظم قرى وبلدات حوض اليرموك، مع محاولة الأخير للتمدد واحتلال المزيد من القرى والبلدات.

تستهدف العبوات الناسفة في أغلب الأحيان سيارات عسكرية تابعة لعناصر وقادة الجيش الحر، حتى أصبحت قيادة سيارات (تويوتا هايلوكس البيضاء) التي يستخدمها الجيش الحر في نقل العناصر إلى الجبهات، تثير الخوف والقلق في نفوس راكبيها. ويقول أبو علي، وهو قيادي في أحد فصائل الجيش الحر: «أتجنب قيادة سيارة الهايلوكس إلا في حالات الضرورة القصوى، وقبل قيادتها أفتشها جيداً خوفاً من لصق عبوة ما عليها، ولا أقودها في ساعات الصباح الباكر، وأحرص على العودة لمنزلي قبل غياب الشمس، إذ غالباً ما يتم زرع العبوات الناسفة على الطرقات فجراً أو في أوقات متأخرة من الليل». فيما يفضّلُ إبراهيم، وهو أحد عناصر الجيش الحر، الذهاب إلى نقطة رباطه يوم مناوبته باستخدام وسيلة نقله الخاصة وهي الدراجة النارية (الموتور).

وبالاستناد إلى موقع مؤسسة تجمع أحرار حوران الاعلامية، فإن عمليات الاغتيال التي حصلت منذ أواسط شهر تموز الماضي هي:

عدنان عبد الكريم الوادي، عنصر في الجيش الحر، اغتيل على الطريق الواصل بين سرايا وإنخل بريف درعا الشمالي بتاريخ ١٣/٧.

زيد سلامة عوض، عنصر في الجيش الحر، اغتيل على أطراف بلدة كفر شمس بريف درعا الشمالي بتاريخ ١٨/٧.

موفق أحمد المحاميد وموسى فيصل المحاميد، عنصران في الجيش الحر، اغتيلا على طريق غرز بريف درعا الشرقي بتاريخ ٢٣/٧.

هارون محمد العماري وسامر أحمد العماري ومحمد جواد العماري، عناصر في الجيش الحر، اغتيلوا على الطريق الواصل بين الغارية الشرقية والصورة بريف درعا الشرقي بتاريخ ١٨/٨.

حيان فادي العماري، ناشط إعلامي، اغتيل على الطريق الواصل بين الغارية الشرقية والصورة بريف درعا الشرقي بتاريخ ١٨/٨.

أسامة ناصر الزعبي، ناشط إعلامي، اغتيلَ مع أخيه وابن أخيه على الطريق الواصل بين الكرك الشرقي ورخم بريف درعا الشرقي بتاريخ ٢١/٨.

خالد الزعبي وابنه، مدنيان، اغتيلا على الطريق الواصل بين الكرك الشرقي ورخم بريف درعا الشرقي بتاريخ ٢١/٨.

معتز محمد أبازيد، عنصر في الجيش الحر، اغتيل على الطريق الواصل بين النعيمة وأم المياذن بريف درعا الشرقي بتاريخ ٢٢/٨.

أربعة مدنيين، اغتيلوا على الطريق الواصل بين بصر الحرير والمسيكة بمنطقة اللجاة بتاريخ ٢٥/٨.

محمد محسن الدنيفات، عنصر في الجيش الحر، اغتيل على الطريق الواصل بين زمرين وأم العوسج بريف درعا الشمالي بتاريخ ٢٦/٨.

أحمد محمد الزعبي وهاني أحمد الدنيفات، عنصران في الجيش الحر، اغتيلا على الطريق الواصل بين زمرين وسملين بريف درعا الشمالي بتاريخ ٢٩/٨.

عبد الله محمد الفراج، مدني، اغتيل على الطريق الواصل بين زمرين وسملين بريف درعا الشمالي بتاريخ ٢٩/٨.

عن العبوات الناسفة وطرق استخدامها

يتم زرع العبوات الناسفة على أطراف الطرقات بعد طليها بألوان تتناسب مع لون صخور وأحجار المنطقة، بحيث يصبح من الصعب تمييزها. ويتحدث الأستاذ (م. الحوراني)، وهو شخصٌ يحمل خبرةً في العبوات الناسفة وكيفية صناعاتها: «تتباين أحجام العبوات الناسفة وتختلف شدتها التدميرية بحسب مقدار المواد المتفجرة التي توضع فيها، ومن المواد التي تستخدم في صناعتها مادة TNT، التي يمكن تأمينها أو تصنيعها من حشوات القنابل والصواريخ، السماد الآزوتي، البنزين، بقايا الآليات العسكرية والألغام. يتم وضع المواد في عبوات معدنية أو بلاستيكية، وهناك طريقتان لتفجير العبوة، الأولى سلكياً عبر ربطها بسلك نحاسي يمتد لمسافة بضعة أمتار، والثانية لاسلكياً، ويتوجب هنا وجود قطعتين يتم تثبيت إحداهما على العبوة والثانية تربط بجهاز ريموت كونترول، ويمكن استخدام الموبايلات بديلاً عنه. وبالعموم إن عملية تعليم صناعة العبوات الناسفة وطرق استخدامها لا تتطلب من الشخص أن يكون ذا خلفية وخبرة علمية معينة، ولا يحتاج الشخص لفترة طويلة كي يتقن صناعتها، كما أن تكاليف صناعتها غير مرتفعة».

أكثر الطرق استهدافاً بالعبوات الناسفة

بحسب ناشطين وعسكرين ومدنيين، وبعد متابعة الصفحات الإخبارية، فإن أكثر الطرق استهدافاً بالعبوات الناسفة:

الطريق الواصل بين الكرك الشرقي ورخم، ويطلق عليه (طريق الموت) لكثرة عمليات الاغتيال التي وقعت عليه. يبعد الطريق حوالي 500 متر عن مناطق تمركز قوات النظام، ويطل على مطار الثعلة العسكري الواقع في محافظة السويداء من جهة الشرق، وقد تعرض للقصف بالقذائف من قبل قوات النظام مرات كثيرة بعد استيلاء الجيش الحر على اللواء (52) المتواجد في بلدة رخم. ومن الشخصيات التي تم اغتيالها على هذا الطريق، الإعلامي أسامة ناصر الزعبي مدير الهيئة السورية للإعلام في الداخل، ويعد واحداً من أبرز إعلاميي درعا، غطى العديد من معاركها وكان آخرها معركة الموت ولا المذلة.

الطريق الواصل بين الغارية الشرقية والصورة، والبلدتان قريبتان من أماكن تواجد قوات النظام، فالغارية الشرقية تبعد بضعة كيلومترات عن قرية خربة غزالة الواقعة على الأوتوستراد الدولي (دمشق – درعا) الخاضع لسيطرة النظام. وقد تم اغتيال حيان فادي العماري على هذا الطريق، وهو إعلامي عسكري لفصيل فرقة شباب السنة التابعة للجيش الحر، مع ثلاثة عناصر من الفرقة، وتعدُّ فرقة شباب السنة بقيادة أحمد العودة من أقوى وأكثر الفصائل تنظيماً في ريف درعا الشرقي، وخاضت معارك كبرى وشرسة ضد النظام.

الطريق الواصل بين بصر الحرير وناحتة، والطريق الواصل بين بصر الحرير ومنطقة اللجاة، وهو الطريق الذي تدخل منه البضائع القادمة من السويداء، وقد تم قصفه بالطيران الحربي عدد من المرات.

ذلك بالإضافة الى الطرق الواصلة إلى منطقة غرز، والطريق الواصل بين زمرين وسملين، والطريق الواصل بين الغارية الشرقية وصيدا، وجميع تلك الطرق مكشوفة لأماكن تمركز قوات النظام وقريبة من مناطق نفوذه.

وتنبغي الإشارة إلى أن تلك الطرقات مستخدمة من قبل الآليات ووسائط النقل المختلفة بشكل يومي ومستمر، وينتشر الرعاة (البدو) على أطرافها، حيث تتم مشاهدتهم في ساعات الصباح الأولى وقبل ساعة الغروب.

الفاعل المجهول؟

ليس ثمة معلومات مؤكدة حول الجهات التي تنفذ هذه العمليات، ولم تستثنِ أصابع الاتهام التي يوجهها الناس في أحاديثهم اليومية أحداً، فقد أشارت إلى النظام والجماعات الإسلامية غير المنضوية في الجبهة الجنوبية وداعش، وحتى إلى فصائل الجبهة الجنوبية نفسها، وإلى مدنيين أيضاً! ولكن النظام كان له الحصة الأكبر من الاتهامات والشكوك.

يقول أبو رأفت المقداد وهو صحفي سابق: «لا بدَّ من الربط بين تصاعد ظاهرة العبوات الناسفة مؤخراً، وبين الإعلان عن الهدنة المزعومة، وأعتقد أن من يقف وراء تلك العمليات يريد أن يوجّه رسالة مفادها أن مناطق المعارضة تعاني من الفلتان والفوضى الأمنية، وغير قادرة ولا مؤهلة لإدارة ذاتها. كما أنه لا بدَّ من أخذ خلفيات ومرجعيات الضحايا الذين يتم اغتيالهم بعين الاعتبار، فهم في غالبيتهم عناصر من الجيش الحر أو إعلاميون حربيون، ومن المعروف أن فصائل الجيش الحر توصف بأنها معتدلة، وهي مقبولة دولياً ويتقبلها الشارع عموماً، وبالنسبة للإعلاميين على وجه الخصوص، فإنهم يشكلون خطراً كبيراً على جميع الجهات المعادية لقيام الثورة من أساسها».

أبو سلافة وهو عنصر من عناصر أحد ألوية الجيش الحر في ريف درعا الغربي: «قُتِلَ ثلاثة من عناصر لوائنا بواسطة عبوة ناسفة تم زرعها على طريق الطيرة في الريف الغربي، وقد يكون الفاعل النظام لأن العبوة التي قتل بها زملائي تشبه إلى حد كبير العبوات التي يصنعها، إذ تم دكها بالمسامير والشظايا. لكنني لا أستبعدُ أيضاً أن يكون الفاعل جيش خالد بن الوليد التابع لداعش، فنحن في معارك مستمرة معه، وكذلك لا يمكنني نفي وجود خلايا نائمة ضمن عناصر الجيش الحر تتبع لداعش أو للنظام، لأن السيارات المستهدفة تتم مراقبتها ومعرفة تحركاتها ووجهتها والطرقات التي سوف تسلكها».

أبو الكنان، عنصر في أحد فصائل الجيش الحر في الريف الشرقي يقول: «سادَ عندنا اعتقادٌ بأن الجماعات الإسلامية كجبهة النصرة هي المسؤولة عن عمليات الاغتيال بالعبوات الناسفة، رغم تعرض بعض قادتها وعناصرها لمحاولات اغتيال بالعبوات الناسفة، كالقائد أبو صلاح (طارق مزعل المسالمة) والأمير العسكري أبو رامي عون، وهي عمليات تم تبنيها من قبل لواء شهداء اليرموك المبايع لتنظيم الدولة. وكان السبب وراء اعتقادنا هذا أننا على خلاف عقائدي وعسكري معها، يعود لغلوها في مسألة الدين من جهة، ولأنها سعت لاحتكار النصر والغنائم لها وحدها في المعارك من جهة ثانية، وهي تريد فرض سيطرتها ونفوذها على المناطق المحررة، كما أن جبهة النصرة والفصائل الإسلامية التابعة لها ترفض الهدنة التي أُعلنت في جنوب سوريا في شهر تموز الماضي. ولكن إعلان بدء المعارك على جيش خالد بن الوليد المبايع لداعش، وإعلان هدنة الجنوب، وضعا كلاً من النظام وجيش خالد بن الوليد في دائرة الاتهام أيضاً، فكلاهما مستفيدان من قتل أكبر عدد ممكن من عناصر الجيش الحر».

لا تزال العبوات الناسفة ومن يقف خلفها مصدر حيرة للجميع، وفي ظل عدم ظهور أي إشارات حاسمة تدل على فاعل محدد، أصبح لدي كثيرين في درعا وريفها اعتقادٌ بأن أفراداً ينفذون كثيراً من هذه العمليات، وليس فقط جماعات أو تنظيمات أو عملاء، وذلك تصفيةً لحسابات شخصية ربما لا يكون لها علاقة بالصراع الدائر.