– يقع حي الوعر، المعروف رسمياً باسم حمص الجديدة، شمالي غرب مدينة حمص، ويفصله عن بقية أحيائها نهر العاصي وبساتين الميماس المحيطة به، التي تخترقها ثلاثة طرق رئيسية تصل الحي بالمدينة، كما يوجد طريقان آخران إلى الحي من خارج المدينة.
– في شرق الحي وجنوبه الشرقي وجنوبه تنتشر إذن بساتين الميماس، أو البساتين اختصاراً، وفي شماله الشرقي الكلية الحربية، وشماله الغربي غابةٌ تفصله عن قرى ريف حمص الشمالي، وإلى جنوبه الغربي قرية المزرعة الشيعية الملاصقة تماماً له، وخلفها عقدة المواصلات الطرقية الهامة المعروفة بتحويلة حمص-طرطوس.
– الوعر هو اسم المنطقة قبل عمرانها، ويرجع الاسم إلى وعورتها الناتجة عن الأحجار البركانية السوداء المنتشرة فيها، والتي استخدمها أهل حمص في بناء بيوتهم القديمة ذات الأحجار السوداء المميزة.
– ينقسم الحي سكانياً وعمرانياً إلى قسمين؛ الأول هو الوعر القديم، وسكانه معظمهم من عشائر العقيدات أو «العكيدات» كما تُلفظ، الذين اتخذوا هذا القسم من الحي سكناً لهم منذ بداية ستينات القرن الماضي، ويتميز بأن أبنيته بسيطة، معظمها من طابق واحد أو طابقين. والقسم الثاني هو الوعر الجديد، المكون من ثماني جزر سكنية بعض أبنيتها أبراج تصل إلى عشرة طوابق، ويتميز عن القديم بتنوع سكانه، وكان يوجد فيه عائلات مسيحية وعلوية، مع أغلبية سنيّة واضحة.
– توجد ضمن الحي قرية صغيرة متواضعة عمرانياً اسمها الرقة، سكانها من الطائفة الشيعية، ونتيجة للامتداد العمراني لجزر الوعر السكنية؛ طُوِّقَت القرية بأبنية الحي الجديدة، وأصبحت جُغرافياً جزءً من الحي.
– خرجت أولى مظاهرات الحي في 8/4/2011، في حي الوعر القديم، الذي تركزت فيه معظم مظاهرات الأشهر الأولى من الثورة.
– أول شهيد في حي الوعر هو الشهيد خالد العويد، الذي استشهد بتاريخ 10/4/2011 جراء إصابة سابقة، يُقال إنها كانت في جمعة العزة في 25/3 عند الساعة الجديدة في مركز المدينة. وشهد تشييعه مناداة المتظاهرين في الوعر لأول مرة بعبارة: الشعب يريد إسقاط النظام.
– تتالت المظاهرات في الحي لتشمل الوعرين القديم والجديد منذ صيف 2011، وسقط العديد من الشهداء في تلك الفترة برصاص الجيش والشبيحة.
– ظهرت في الحي منذ نهايات العام 2011 مجموعات عديدة حملت السلاح للدفاع عن الحي من اقتحامات قوات النظام، وعلى وجه الخصوص للدفاع عن مستشفى البر في الوعر القديم، التي كانت تستقبل الجرحى والمصابين ومن هم بحاجة لعمليات جراحية.
– أُعلن رسمياً عن تأسيس أول كتيبة للجيش الحر في الحي بتاريخ 16/2/2012، وهي كتيبة البراء بن مالك في الوعر القديم، معظم عناصرها من «العكيدات».
– شهدت الأشهر الأولى من عام 2012 موجات النزوح الأولى من مدينة حمص، وأغلبها كانت تتجه إلى حي الوعر، حتى وصل عدد سكانه مع نهاية 2012 إلى ما يزيد عن نصف مليون نسمة حسب إحصاءات الجمعيات الإغاثية، بعد أن كان عدد سكانه يُقدَّرُ بنحو خمسة وسبعين ألفاً عام 2011.
– أصبح الوعر في تلك الفترة السوق الرئيس في حمص نتيجة كثافته السكانية العالية وإغلاق أسواق المدينة، وقد افتتحت غرفة تجارة حمص «مدينة المعارض» في الوعر الجديد في آب 2012، لتصبح سوقاً بديلاً عن أسواق المدينة، وقد تعرضت مدينة المعارض لاحقاً لدمار جزئي نتيجة قصفها عدة مرات.
– في تلك الفترة عمل النظام على نشر حواجز طيارة في الشوارع للتفتيش والاعتقال، ونفذ عناصره بعض المداهمات لمراكز الإيواء بحجة أن الثوار كانوا يستخدمونها كمستودعات للسلاح.
– صَعَّدَ مقاتلو الحي من استهدافهم لهذه الحواجز، ما أجبر النظام على عدم نشرها أبداً منذ منتصف العام 2013، لكنه حافظ على ثلاثة مواقع ضمن الحي الذي بات شبه محرر، بالإضافة إلى استمرار تواجده على أطراف الحي من جهة الجزيرة السابعة وضمن قرية الرقة.
– المواقع الثلاثة داخل الحي هي: مخفر الشرطة، والقصر العدلي المعروف بالسرايا، وحاجز مستشفى البر والخدمات الاجتماعية. ولم ينسحب النظام من مخفر الشرطة والسرايا إلا في منتصف حزيران 2014، بينما بقي في حاجز مستشفى البر حتى يوم الثلاثين من أيار 2016، علماً أن دخول النوبات وخروجها كان يتم بمعرفة ثوار الحي.
حي الوعر بتاريخ 11 أيلول 2013، وفي الصورة تظهر مدينة المعارض وأطراف الجزيرتين الثانية والأولى في الوعر الجديد / تصوير وائل عبد الحميد
– لعب مقاتلو الوعر دوراً كبيراً في معركة باباعمرو الثانية في آذار 2013، باعتبار أن البساتين كانت خط الإمداد الطبي والغذائي واللوجستي باتجاه مزارع طريق طرابلس الواصلة إلى باباعمرو.
– قام مقاتلو الوعر بإخلاء النقاط المثبتة في البساتين مع الانسحاب من بابا عمرو، وذلك لعدم جاهزيتها عسكرياً وعدم إمكانية الرباط فيها نتيجة للكثافة النيرانية التي رافقت الانسحاب.
– عاود مقاتلو الفصائل بعد فترة قصيرة التمركز في بعض النقاط في البساتين، لتكون نقاط مراقبة وموطئ قدم لهم في الأراضي الواصلة إلى باقي أحياء المدينة وطريق طرابلس وطريق إمداد النظام بين حمص والساحل السوري، ما أثار حفيظة النظام فقرر اقتحام المنطقة.
– اتخذ ثوار الوعر قرار الصمود أمام قوات النظام والميليشيات الشيعية التي شاركته هجومه في 18/5/2013، وكلف هذا الاقتحام الحيَّ فاتورة كبيرة، إذ خسر مقاتلوه قسماً كبيراً جداً من البساتين التي تمركز فيها جيش النظام واتخذها مكاناً لقصف الحي بالشيلكا والهاون، كما استشهد أكثر من 15 مقاتلاً من المدافعين عنها.
– في 27/5/2013 تم تفجير سيارة مفخخة عند كازية الماجستيك في الحي، واعتُبِرَ هذا إعلاناً غير صريح من قبل النظام أن الحي بات مستهدفاً، وفعلاً أصبح الحي في تلك الفترة يستهدف بالهاون وقذائف الشيلكا بشكل مستمر.
– مرَّ الحي بالعديد من مراحل التفاوض التي بدأت في تلك الفترة عبر تكليف أشخاص من أهالي الحي منهم بشار نقرور، وهو مسيحي حمصي، الذي تم اعتقاله بعد اجتماع لهيئة المصالحة في حمص بداية الشهر السادس 2013، واعتُقِلَ بعده أمين الحلواني الذي كان مسؤولاً عن ملف حمص القديمة.
– في 20/6/2013 منع النظام لأول مرة دخول الخبز مُعلناً أول حصار للوعر، لكنه سمح به بعد ذلك بأيام. كما أغلقَ في التاريخ نفسه حاجز طريق المزرعة ثم فتحه بعد عدة أيام، وما لبث أن أغلقه نهائياً في الشهر التاسع. وكان قبلها في الشهر الرابع قد أغلق طريق الخراب (خالد بن الوليد) وحاجز الغاردينيا، وقبلها طريق الميماس أيضاً، لينحصر الدخول والخروج من وإلى الحي عبر حاجز واحد فقط هو حاجز الشؤون الفنية الواقع على تحويلة حمص طرطوس.
– على العكس من معركة البساتين الأولى التي اتخذ قرارها جيش النظام، اتخذ الثوار قرار معركة البساتين الثانية في 1/8/2013، في محاولة منهم للسيطرة على كامل البساتين، وعلى برج الغاردينيا أعلى أبراج مدينة حمص. لم يمضِ على المعركة سوى عدة ساعات، انسحب بعدها مقاتلو الفصائل، وقِيلَ وقتها إن السبب في ذلك كان تخاذل بعض الكتائب وعدم تنفيذهم للخطة المتفق عليها.
– الأثر الأكبر لهذه المعركة كان نزوح كثيرين من حي الوعر نتيجة القصف الشديد، وفي الخامس من آب خسر الثوار نهائياً طريق الإمداد الوحيد إلى حمص المحاصرة، وذلك بخسارة البساتين الواقعة بين القرابيص والوعر.
– وقّعت كتائب الوعر ميثاق الهيئة الشرعية في الرابع من أيلول 2013، وكانت الهيئة قد بدأت عملها قبل ذلك بأشهر قليلة، واستمر الشيخ حامد عسكر الصالح في رئاستها حتى نهاية الثورة في الوعر، وكان يعتبر الرجلَ الأول في الحي، والمتحكم بمعظم شؤونه بما فيها سعر صرف الدولار، وقد استقال من رئاسة الهيئة عدة مرات وعاد عن استقالته.
– في الفترة نفسها تقريباً تم تشكيل شرطة ثورية لم يكتب لعملها النجاح، ولاحقاً في آب 2014 تأسست الضابطة العدلية (مكتب حل المنازعات)، لكن عملها لم يجرِ كما هو مفترض، بسبب وجود جهاز تنفيذي آخر هو الهيئة الشرعية، فاقتصر معظمه على توثيق المعاملات والعقود.
– بدأ الحصار الفعلي للحي بشكل تدريجي منذ تاريخ 9 تشرين الأول 2013، والبداية كانت بمنع دخول الخبز وسيارات المواد الغذائية مع السماح بالدخول والخروج من وإلى الحي لمن يرغب، إلى أن تم منع الدخول والخروج نهائياً في شهر تشرين الثاني، باستثناء طلاب الجامعات والموظفين وبعض التجار.
16 كانون الأول 2013 / تصوير وائل عبد الحميد
– المعركة التي غيرت مصير الحي جذرياً، ودفعت النظام إلى تثبيت الحصار وإحكامه، كانت معركة الجزيرة السابعة، وهي جزيرة سكنية تحيط بقرية الرقة الشيعية. بدأت هذه المعركة صباح 28/10/2013، وانتهت مع غروب شمس اليوم نفسه، واستطاع فيها الثوار فرض سيطرتهم على معظم أبراج الجزيرة السابعة، وعلى قرية الرقة الشيعية بالكامل، التي نزح جميع سكانها.
– تعرض حي الوعر للمرة الأولى لقصف الطيران الحربي «الميغ» بصاروخين، وذلك في 28/11/2013.
– في الربع الأخير من عام 2013 خرج أربعة أشخاص من حمص القديمة إلى الوعر لتشكيل لجنة تفاوض موحدة بين الوعر وحمص القديمة، وفعلاً تم تشكيل لجنة مشتركة، لكن مهمتها انتهت مع عقد اتفاق حمص القديمة الذي انتهى بخروج الثوار منها في أيار 2014.
– بعدها أصبح الوعر هو الحي الوحيد الخارج عن سلطة النظام في مدينة حمص، وتم تشكيل لجنتين متتاليتين من وجهاء الحي للتفاوض. تراوحت المفاوضات بين مد وجزر، وعُقِدَت عبرها عدة هدن مؤقتة كانت ما تلبث أن يتم خرقها، أو إنهاؤها بحصار جديد أقسى وأكثر مرارة من سابقه.
– في النصف الثاني من عام 2014، اتخذ مسار التفاوض منحىً أكثر جدية، وصولاً إلى إبرام الاتفاقية المعروفة باتفاقية الوعر في الأول من كانون الأول 2015، والتي كان من المفترض أن تنفذ على عدة مراحل. ووفقاً لبنودها جرى إخلاء أول دفعة من مقاتلي الحي وسكانه إلى إدلب في التاسع من كانون الأول 2015.
– بقي الحي يتعرض للقصف بشتى أنواع الأسلحة طيلة مراحل التفاوض قبل توقيع الاتفاقية وبعده، وحدثت مجازر عدّة أقساها على الإطلاق مجزرة أطفال العيد في السادس والعشرين من أيلول 2016.
– على الرغم من قيام لجنة حي الوعر بتنفيذ التزاماتها، أوقف النظام تطبيق الاتفاقية في 10/3/2016 تهرباً من تنفيذ التزاماته المتمثلة بتقديم لوائح المعتقلين وتبيان وضعهم والإفراج عن غير المحالين للقضاء، ونتج عن هذا التوقيف فرض حصار خانق على الحي استمر ستة أشهر.
– منع النظام في هذا الحصار إدخال الأدوية والمواد الغذائية إلى الحي، إضافة إلى قصف مستمر بلغ ذروته في شهر آب، عندما نفذ طيران النظام الحربي 38 غارة على الحي خلال 48 ساعة فقط، في محاولة منه للضغط على السكان والمقاتلين.
– تم عقد عدة جلسات تباحث بين لجنة مفاوضات الحي والنظام بهدف العودة إلى تطبيق الاتفاقية، وبتاريخ 1 أيلول 2016 تم وضع آلية تنفيذ واضحة لإعادة العمل باتفاقية حي الوعر، على أن يكون نص الاتفاقية هو المرجع الرئيس.
– في يوم 5 أيلول 2016، وبعد حصارٍ دام 179 يوماً، دخلت سيارات قليلة تحمل مواد غذائية إلى الحي، وزادت كميتها مع الأيام.
– في يوم 6 أيلول تم فتح معبر للأهالي الراغبين بالدخول إلى الحي لتفقد أبنائهم أو بيوتهم، وللراغبين بالخروج من الحي لتفقد ذويهم في بقية أحياء حمص.
– خرج من الحي في 28/9/2016 ما يقارب 250 مقاتلاً مع عائلاتهم إلى ريف حمص الشمالي.
– سلمت لجنة التفاوض في بداية الشهر العاشر بعض الأسلحة المتفق على تسليمها وفق شروط الاتفاقية الأساسية، وقدَّمَ النظام لائحة بأوضاع ما يقارب ألفي معتقل من محافظة حمص من أصل 7365 اسماً طلبت لجنة التفاوض تبيان وضعهم والإفراج عنهم، إلا أن النظام خالف الاتفاق للمرة الثانية.
– فرض النظام حصاراً جديداً على الحي في 22/10/2016، مانعاً الدواء والطعام، كما شنَّ حملة قصف شديدة على جميع أنحاء الحي.
– استمر القصف العنيف على الوعر حتى يوم 28/11/2016، حين جلست لجنة تفاوض الحي مع ضابط روسي في الفرن الآلي الواقع في محيط الحي من جهة حاجز الشؤون الفنية لإطلاعه على مجريات المفاوضات مع النظام.
– استمرت المفاوضات من جديد بوساطة روسية، مع هدوء حذر تخلله القليل من القصف عكس الفترات الماضية، حتى يوم السابع من شباط 2017 الذي بدأ فيه النظام تصعيداً جديداً فاجأ أهالي الحي بعنفه، واستخدم الطيران الحربي، ما اضطر معظم الأهالي لالتزام الملاجئ طيلة تلك الفترة.
– في يومي 19و20/2/2017 جرت محاولات لإدخال قوافل مساعدات أممية مقدمة من الصليب الأحمر، إلا أنه تم منعها بالقوة من ميلشيات الرضا الشيعية.
– بعد الهجوم على فرعي أمن الدولة والأمن العسكري في حمص بتاريخ 25/2/2017، اتخذ العنف ضد الحي منحىً مختلفاً بقصفه بثلاثة وأربعين غارة جوية، واستمرت وتيرة القصف على ما هي عليه طيلة الأيام اللاحقة.
– انخفضت وتيرة القصف في يوم الخامس من آذار، وتوقفت نهائياً بعد ذلك، لتبدأ لجنة شكلت للتباحث عملها مع الروس حول آلية الخروج والتسليم.
– الجدير بالذكر أن القرارات التي كانت تتخذ في المفاوضات في تلك الفترة، باتت تتخذها لجنة مؤلفة من 15 شخصاً من ممثلي الفصائل العسكرية وعلماء الدين فقط.
– تقرر الإخلاء إلى ثلاث وجهات؛ جرابلس، إدلب، وريف حمص الشمالي، وكان يوم الثامن عشر من آذار 2017 يومَ بداية الإخلاء الأخير، عندما خرجت الدفعة الأولى إلى جرابلس، ثم تبعتها دفعات أخرى منها إلى جرابلس ومنها إلى إدلب مع دفعة واحدة صغيرة إلى ريف حمص الشمالي، وكانت الدفعات تخرج أسبوعياً.
– أُسدلت الستارة على آخر فصول الثورة السورية في مدينة حمص بخروج الدفعة الأخيرة من حي الوعر المحاصر في الحادي والعشرين من أيار 2017.
– لا يزال معظم سكان الحي والذين نزحوا إليه موزعين في أنحاء سوريا بعد أن بعثرتهم الحرب التي شنها نظام الأسد على الثائرين عليه، ولا تزال مساحات واسعة من الحي مدمرةً. ويقطنه اليوم بضع مئات فقط، هم بعض العائلات المكونة بمعظمها من النساء والأطفال، والتي اختارت البقاء في الحي وعدم مغادرته بموجب الاتفاق. وعائلات عادت إلى الحي بعد أن كانت قد غادرته إلى أحياء أخرى من حمص أو مدن سورية أخرى خاضعة لسيطرة النظام خلال مراحل الحصار المتكرر والقصف والمعارك، بالإضافة إلى عدد قليل ممن عادوا من جرابلس لاحقاً بموجب اتفاق مع قوات النظام.