تهدف التعاونية المتكاملة الكتالونية التي أنشئت في أيار/مايو 2010 لبناء اقتصاد بديل في كتالونيا، قادر على تلبية حاجات المجتمع المحلي باستدامة وفعالية أكبر من النظام القائم، وبالتالي الانتقال لمرحلة ما بعد-رأسمالية متحررة من تغول الدولة وجشع السوق. شعار التعاونية هو التحول الاجتماعي من الأسفل للأعلى عبر الإدارة الذاتية، التنظيم الذاتي، والتشبيك. إن اعتماد هذه المفاهيم والعمل وفق ثقافة التعاون والتنسيق المشترك يخلق مجالات أوسع للإبداع تكون مقادة بالذكاء الجمعي المتوضع على بنى شبكية مرنة تتحمل الصدمات ومحاولات التقويض، مقارنة بالهرمية، الصلبة منها والمرنة. كما أن هذه البنى تستبدل تلك التقليدية القائمة على مورد شحيح اسمه السلطة التي يتنافس الأفراد طلباً لاحتكارها (السلطة بأنواعها كسلطة اتخاذ القرار أو سلطة المعرفة وغيرها)، وتطرح بدلاً من ذلك موارد قائمة على الوفرة الفياضة قوامها المهارات والخبرات والتنسيق والتأثير الإيجابي وإعلاء صوت الفرد.
وبالرغم من أن هذه التجربة لديها حالياً بعض العيوب، أهمها قيامها على مبدأ الإجماع في صناعة القرار، وهو المبدأ الذي يخلق تحدياً أسمته الناشطة زينب توفيقجي في كتابها الذي استعرضناه في موقع الجمهورية بالجمود التكتيكي، إلا أنها ما زالت تقدم نموذجاً فريداً ألهم مجتمعات في دول عدة كالأرجنتين واليونان على استنساخها. والمطلّع على تاريخ نشأة التعاونية يستنتج تنبهها لهذا النوع من العيوب، وأنها تعمل حثيثاً على تداركه والوصول لحالة أفضل عبر زيادة وعي الناس في البيئة المحيطة في الإقليم وبناء الأدوات المعينة على ذلك.
اعتمدت الدراسة منهجية البحثَ الميداني القائم على الملاحظة المباشرة ومقابلة الأطراف العاملة في التعاونية خلال الفترة من آذار/مارس إلى أيار/مايو 2016. ولكي نسهل على القارئ فهم خريطة الكيانات والعلاقات التي تتفاعل في التعاونية والشبكات المرتبطة بها، قمنا برسم الشكل التالي، الذي سنستعرض جميع مكوناته في السطور القادمة من هذا الملخص:
محتوى المقال يشرح العناصر المتضمنة في هذا الرسم التخطيطي لنشاط التعاونية، لمشاهدته وتحميله بدقة أعلى اضغط على الرابط
١) المجموعات المحورية التنظيمية
تمثل هذه المجموعات القلب التنظيمي للتعاونية، وقد آثرنا استخدام لفظة «مجموعة» بدلاً من «لجنة»، مع أن الاسم المعتمد لها هو «Committee»، لما للأخيرة من إيحاء قد يبدو سلبياً لدى البعض. تعمل في التعاونية 10 مجموعات لكل منها مسؤوليات ونطاق اختصاص، ويتم تنسيق العمل فيما بينها عبر عقد اجتماعات دائمة تُتخذ فيها القرارات بشكل جماعي. سيأتي لاحقاً الحديث عن البنية الاقتصادية للتعاونية وماهية مصادر الدخل والإنفاق، ولكن من المهم توضيح أن الأعضاء يستلمون دخلاً أساسياً يُدفع قسم منه باليورو، وقسم آخر بالعملة الاجتماعية المستقلة المسماة بالإيكو Eco، وهي عملة متداولة ضمن التعاونية والشبكات المتعاونة معها (يستلم الأعضاء دخلاً أساسياً مختلفاً بحسب الاختصاص، ولكن أعلى راتب شهري في التعاونية هو 765 يورو و135 إيكو).
يوضح الجدول أدناه هذه المجموعات ومهامها وحجمها من ناحية عدد الأعضاء وطبيعة الاستدامة الاقتصادية المطروحة ووتيرة الاجتماعات:
اسم المجموعة
وصف المسؤوليات / المهام
الحجم
الاستدامة الاقتصادية
وتيرة الاجتماعات
ملاحظات
مجموعة التنسيق
التنسيق بين المجموعات، وتقييم عمل المجموعات والتكتلات العاملة الأخرى.
وضع أجندة «الاجتماع الدائم» بناء على النقاط والملاحظات التي سلمها الأعضاء في المجموعات.
3 أعضاء رئيسيين، 3 متعاونين (ميسر أعمال وخبير نفسي)
الدخل الأساسي
(داخلي) مرة أسبوعياً في مبنى AureaSocial في برشلونة.
(مع المجموعات) الاجتماع الدائم مرة شهرياً لأخذ القرارات بشكل جماعي – يتم بأسلوب الإجماع.
مجموعة الاستقبال
استيعاب الأعضاء الجدد.
توفير المعلومات والإرشاد للمهتمين حول خدمات التعاونية، أنشطتها، أدواتها القانونية والاقتصادية.
عمل المقابلات الشخصية للراغبين بالعمل والتعاون.
بناء وتطوير قدرة أعضاء التعاونية.
ترويج وتشبيك المشاريع المرتبطة بالتعاونية ببعضها.
تطوير علاقات تعاون ودعم مشترك مع تعاونيات ومشاريع حول العالم.
8 أعضاء (6 منهم في برشلونة)
الدخل الأساسي
مرة أو مرتان أسبوعياً في مبنى AureaSocial في برشلونة.
تنظم المجموعة حدثاً تعريفياً للمهتمين بشكل أسبوعي اسمه «Acollida» يعقد في مبنى AureaSocial.
مجموعة التواصل
إدارة شؤون التواصل المتعلقة بالتعاونية ومجموعاتها الرئيسية.
الترويج لأنشطة التعاونية لدى الجمهور عموماً.
التعاطي مع طلبات المعلومات والأسئلة التي تصل من شبكات التعاونية والمجتمع عموماً.
تسهيل التواصل بين التعاونية المتكاملة والتعاونيات الأخرى.
إثراء مهارات الأعضاء للعب أدوار التواصل مع الشبكة والمجتمع دون تدخل المجموعة.
3 أعضاء
الدخل الأساسي
مرة شهرياً في مبنى AureaSocial في برشلونة.
مجموعة تقنية المعلومات IT
تطوير وصيانة البنية التحتية للتعاونية: خادم البريد، المواقع، موقع الشبكة الاجتماعية الداخلية، أدوات تقنية خاصة كبرنامج معالجة الفواتير GestioCI المستخدم من قبل «مجموعة إدارة الاقتصاد» والأعضاء العاملين لحسابهم الخاص.
7 أعضاء
الدخل الأساسي
مرتان أسبوعياً في مبنى AureaSocial في برشلونة.
مجموعة المساحات المشتركة Common Spaces
إدارة وصيانة المساحات المشتركة في التعاونية كالمباني والمنازل المستخدمة من قبل الأعضاء كموارد مشتركة.
5 أعضاء
الدخل الأساسي
مجموعة المشاريع المنتجة
تسهيل العمل على الحساب الخاص Self-employment وتبادل المعرفة والمهارات.
إدارة منصة الوظائف Job Portal الخاص بالتعاونية للتوفيق بين الباحثين عن عمل والفرص المتاحة في المشاريع المنتجة المتحالفة مع التعاونية.
إدارة دليل إلكتروني يحوي المشاريع التعاونية والمدارة ذاتيا في كتالونيا والتي تقبل التداول بالعملية الرقمية الاجتماعية Eco لقاء خدماتها ومنتجاتها.
عضوان
غير موضح (يبدو أنه ضمن الدخل الأساسي أيضاً)
مجموعة إدارة الاقتصاد
إدارة المصروفات والموارد الخاصة بالتعاونية.
استيعاب الأعضاء الجدد العاملين على حسابهم الخاص (auto-ocupados) وتعريفهم بالأدوات القانونية والمالية بالإضافة للبنى الاجتماعية والاقتصادية في شبكات التعاونية المتكاملة والمجتمعات المرتبطة بها.
6 أعضاء (5 منهم بدوام كامل) مكاتبهم في مبنى AureaSocial بالإضافة إلى ٤ أعضاء منتشرون في أرجاء كتالونيا.
غير موضح (يبدو أنه ضمن الدخل الأساسي أيضاً)
بعض التفاصيل عن مصادر الدخل والانفاق مذكورة في فصل لاحق في هذا المقال بعنوان: الاستدامة الاقتصادية للتعاونية المتكاملة الكتالونية.
المجموعة القانونية
إدارة الشؤون القانونية للتعاونية.
توفير خدمات مساعدة قانونية مدفوعة لأعضاء التعاونية وتقديمها بشكل يهدف لتمكين الأعضاء ونقل الخبرة القانونية لهم دون احتكار المعرفة.
عضوان (محاميان) مكاتبهم في مبنى AureaSocial
الرسوم المحصلة من تقديم الخدمات للأعضاء.
الدخل الأساسي.
مركز التوريد والإمداد في كتالونيا
إنشاء الشبكة اللوجستية لنقل وتوصيل منتجات صغار المنتجين (العاملون على حسابهم الخاص) في أرجاء كتالونيا (وهي الخدمة العامة التي تقدمها التعاونية المتكاملة للمنتجين والمستهلكين).
البنية الرئيسية للشبكة مكونة من مخازن مدارة ذاتية حول كتالونيا (عددها 20 مخزناً).
يدار كل مخزن باستقلالية عبر مجموعة مستهلكين محلية ترغب بالحصول على منتجات محلية أو متوفرة في مخازن أخرى (يتيح المركز دليلاً شاملاً عن المنتجات المصنعة).
إدارة منصة إلكترونية لتسليم وإدارة الطلبات.
4 أعضاء (اثنان منهم بدوام كامل).
5-6 متعاونين يستخدمون سياراتهم لتوزيع وتوصيل المنتجات للمخازن.
يؤخذ مبلغ 5٪ من سعر أي منتج يتم إنتاجه.
18 سنت (من اليورو) لكل كغ يتم توصيله.
للأعضاء: الدخل الأساسي.
للسائقين: 21 سنت (من اليورو) عن كل كم يتم قطعه.
3 اجتماعات كل شهر. المكان غير ثابت ويتم كل مرة في مخزن بغرض تعزيز العلاقات بين «العضو المنسق» أي المركز وبين مجموعات المستهلكين المحلية.
يسمى المركز بنواة الإدارة الذاتية المحلية Nuclei of local self-management.
يوجد اليوم 70 من المنتجين تشحن منتجاتهم لمخزنين محوريين Hubs، وتوزع فيما بعد لباقي المخازن المحلية بسيارات فان.
يسعى المركز لتفعيل منهجية الإدارة الذاتية بشكل أكبر حيث يقوم بأنشطة لتقوية العلاقات بين مجموعات المستهلكين في المخازن وبين المنتجين لتنخفض الحاجة لتدخل المركز لأقل مستوى ممكن.
شبكة العلوم، الأساليب، والتقنية XCTIT
تطوير الأدوات والآلات المقادة باحتياجات المشاريع المنتجة المرتبطة بشبكة التعاونية المتكاملة.
عقد ورشات العمل التدريبية وجلسات تبادل المعرفة.
إدارة وتفعيل تراخيص التقنيات المطورة من قبل شبكة المجموعة والمتعاونين (رخصة XCTIT-GPL).
تُصَمَّم الحلول والتقنيات والأساليب استناداً إلى مبادئ التصاميم والمصادر الحرة والتقنية الملائمة المقادة بالحاجات المحلية.
5 أعضاء رئيسيين.
20 متعاوناً.
متواجدون في مساحة عمل مدارة جماعياً قرب برشلونة (مساحتها 4000 م2 تحتضن أنشطة وفعاليات 12 تجمعاً Collectivity بجانب XCTIT)، اسمها Can Fugarolas
أجرة مساحة العمل المشتركة 1000 يورو شهرياً (تسدد بشكل جماعي من XCTIT والتجمعات الأخرى تبعاً للحيز الذي تشغله كل جهة، حصة XCTIT 100 يورو).
كان الأعضاء الرئيسيون يستلمون رواتب ضمن الدخل الأساسي. ولكن تم في الاجتماع الدائم في مايو 2016 إقرار تحويل XCTIT لمشروع مستقل مادياً عبر تحصيل عوائد على الشكل التالي: 1) 20٪ من عوائد ورشات العمل التي تنظمها التجمعات العاملة في المساحة. 2) بيع النماذج الأولية والمنتجات التي أنتجتها XCTIT والمتعاونون معها عبر متجر الكتروني.
اجتماع مرة أسبوعياً.
تم تطوير العديد من النماذج الأولية لأدوات وآلات (مع التركيز على الزراعية منها). تؤمن المجموعة/الشبكة بأن الآلات المطورة في مصانع اليوم غير ملائمة لحاجات المشاريع ذات التوجه المشاعي.
2) أعضاء التعاونية العاملون على حسابهم الخاص Self-Employed
وهم أعضاء من أصحاب الخبرات والمهارات ومنتجون صغار (أفراد ومجموعات) يستفيدون من الأدوات القانونية والاقتصادية التي تقدمها التعاونية، وبالتالي هم ليسوا جزءً من المجموعات التنظيمية ويمثلون بذلك الأطراف Peripherals بلغة الشبكات. بلغ عدد الأعضاء عند إعداد الدراسة حوالي 600 عضو يديرون مشاريعهم المستقلّة. يدفع الأعضاء لقاء الخدمات التي تقدمها التعاونية مبلغ 75 يورو كل ثلاثة أشهر. من المثير معرفة أن التعاونية نفسها لا يوجد لها شكل قانوني رسمي، مما يمنحها مرونة عالية في وجه الدولة وتحكّمها، وهذا الأمر يتبع لمنهجية تتبناها التعاونية تسميها «العصيان الاقتصادي».
3) الشبكة الاقتصادية الإقليمية للتعاونية
تؤمن التعاونية المتكاملة الكتالونية بأن من أهم أدوارها تسهيل عملية خلق خدمات عامة/شعبية Public Services تقدم بديلاً حقيقياً لما تقدمه الدولة المركزية للناس. وبالرغم من محاولات التعاونية تنسيق الجهود مع الفاعلين المؤثرين في الإقليم لخلق خدمات صحية وتعليمية مستدامة، تبقى الخدمات الاقتصادية الأكثر نضجاً، وهي أكثر ما يدفع صغار المنتجين وأصحاب المهارات للانضمام لشبكة التعاونية.
خصصت التعاونية مجموعة معنية بالتوريد والإمداد كما ظهر في الجدول السابق (أسمتها مركز التوريد والإمداد في كتالونيا)، تهدف للربط بين المنتجين والمخازن المنتشرة في أرجاء الإقليم عبر توفير بنية تحتية للنقل والشحن. يوجد حاليا 20 مخزناً للمنتجات (Rebosts بالكتالونية) مدارة ذاتياً من قبل مجموعات محلية من المستهلكين الذين يحددون احتياجاتهم ويتواصلون مع المركز ومجموعات المستهلكين الأخرى لضبط العرض والطلب. الدور الحالي للمركز تنسيقي، وبحسب الدراسة فإن القائمين عليه ينسحبون تدريجياً من المشهد لدفع المنتجين نحو التنسيق المباشر مع مجموعات المستهلكين المحلية للوصول لحالة متقدمة من التنظيم الذاتي.
تمتد الشبكة الاقتصادية الإقليمية للتعاونية ليندرج تحتها عنصران آخران، وهما مشاريع المبادرات الجماعية المستقلة وشبكات التبادل التجارية المحلية.
أ-٣) مشاريع المبادرات الجماعية المستقلة
تربط المشاريع المستقلة بالتعاونية علاقات تعاون ودعم مباشر، أي أن الأخيرة لا تملك هذه المشاريع ولا تفرض عليها توجهاً محدداً، حتى ضمن المشاريع الأكثر تعاوناً وعملاً مع المجموعات التنظيمية التعاونية كـ AureaSocial وCASX. فيما يلي نبذة مختصرة عن أبرز المشاريع، وللمزيد من المعلومات، يمكن العودة للدراسة:
– مشروع AureaSocial: وهو مبنى يقع في برشلونة، يمثل المقر غير الرسمي للتعاونية وتعقد فيه الاجتماعات وورش العمل والمحاضرات، كما أنه يحتوي على مساحات عمل مشتركة تؤجر للمستقلين والعاملين على حسابهم الخاص لتغطية أجور العاملين والمبنى.
– مشروع CASX: وهو تعاونية مستقلة تعنى بتوفير التمويل الذاتي الشبكي الاجتماعي (عبر المدخرات، التبرعات، الاستثمارات) بغرض تمويل المشاريع المنطلقة من أطروحات التعاونية المتكاملة الكتالونية وأفكار الثورة المتكاملة Integra Revolucio. يضم المشروع 155 عضوا يسددون رسوما شهرية (15 يورو للمشروع الفردي و51 يورو للتشاركي) ويسعى المشروع لتطوير نموذج ربحي مستدام، بغرض الانتقال نحو اللامركزية الكاملة والانتشار في كافة المدن والقرى، وبالتالي صب الموارد المحلية لخدمة المشاريع المحلية المقادة باحتياجات كل منطقة.
– مشروع كالافو Calafou: وهي مستعمرة ما بعد رأسمالية نشأت في مصنع نسيج مهجور يبعد 65 كم عن برشلونة. تهدف المستعمرة لخلق نموذج تشاركي لمجتمع صغير متعافٍ نفسياً، يعيش وينتج وينظم نفسه بشكل مستدام ومتوازن مع النظام البيئي. تحتوي المستعمرة على منازل ومساحات عمل وتجارب ومختبرات حيوية وستوديو فني وغيرها من المرافق، ونموذجها الاقتصادي يقوم على عدة مصادر مثل تحصيل أجرة سكن القاطنين الـ 22 فيها (بواقع 175 يورو شهرياً)، بالإضافة للعوائد المجزية للفعاليات الثقافية والفنية التي تقام فيها.
– مشروع MaCUS: وهو معمل تعاوني يتم فيه دمج الآلات التقليدية بالتقنيات الحديثة، بغرض تطوير وإنتاج مشاريع وأبحاث تفيد الإقليم. يحقق المشروع استدامته الاقتصادية عبر تأجير مساحات العمل للفرق العاملة.
من الملاحظ أن الدور الأهم لأغلب المشاريع هو توفير الأدوات والموارد للأفراد للعمل والإنتاج، دون تأطيرهم وفرض تصورات معينة عليهم. إن هذه المشاريع هي بمثابة المنصات أو المحاور Hubs المُيسِّرة، وهو ما يتيح مرونة وانتشارا أعلى.
ب-٣) شبكات التبادل التجارية المحلية
يوجد في كتالونيا أكثر من 40 شبكة تبادل محلية يتعامل معها أكثر من 2500 شخص، والشبكة هي أقرب ما تكون لسوق محلي يتبادل فيه التجار والمستهلكون المنتجات والخدمات. إن السمة الفارقة لهذه الشبكات، وما يجعل الارتباط بها مهماً للتعاونية، هو أن التبادل التجاري فيها يتم عبر استخدام العملة الاجتماعية البديلة إيكو Eco. تكتسب هذه العملة قيمتها من ثقة المتداولين بها ضمن ديناميكية العرض والطلب في الأسواق وحجم هذا التداول، حالها حال العملات الرقمية المشفرة كالبت كوين. لم توضح الدراسة أهمية هذه النقطة، ولكن يمكن الاستنتاج بأن خيار التوسع والانتشار ضمن النموذج الشبكي يؤدي لرفع حجم التداول (Trading Volume) بعملة الإيكو وبالتالي جعلها مستقرة وقابلة للاستدامة. من المثير معرفة أن هذه العملة ليست متداولة في شبكات الإقليم وحسب، بل إنها متداولة في الأرجنتين، البرازيل، فرنسا، واليونان. بدعم هذه العملة تكون التعاونية المتكاملة قد جمعت جميع العناصر الأساسية للاقتصاد: الإنتاج، الاستهلاك، التمويل، والعملة، والذي يفضي بدوره لجعل الحراك الذي تمثل التعاونية جزءً منه صحياً.
ترتبط هذه الشبكات المحلية ببعضها تقنياً عبر منصة إلكترونية مشتركة لعقد الصفقات وتنسيق الأمور التشغيلية. كما ترتبط تنظيمياً عبر مجالس تنسيقية، وظيفية وجغرافية، لتسهيل جوانب الحوكمة في الوسط المحيط ككل واتخاذ القرارات الجماعية وحل النزاعات.
بحسب الدراسة فإن انتشار هذه الشبكات وتداول العملة البديلة على نطاق عالمي، ما هو إلا تجسيد لفكرة تعتنقها التعاونية المتكاملة الكتالونية، وهي التعاون المفتوح Open Cooperativism، التي تدعو لجعل الهياكل المطورة والأدوات والتقنيات متاحة للجميع، وتعتبرها بحسب الناشط والفيلسوف البرازيلي Euclides Mance «أدوات التحرر» من الاعتمادية على الشركات الرأسمالية ومظهراً من مظاهر «السيادة التقنية» بمفهومها العام.
الاستدامة الاقتصادية للتعاونية المتكاملة الكتالونية
تعنى مجموعة إدارة الاقتصاد في التعاونية بمتابعة مصادر الدخل والإنفاق، ويمكن جمعها فيما يلي:
– قنوات الإنفاق: المداخيل الأساسية لأعضاء المجموعات (الرواتب الشهرية) وتمويل المشاريع المتعاونة.
– مصادر الدخل: 50٪ من النفقات يتم تغطيتها من رسوم العضوية المحصلة من العاملين على حسابهم الخاص (75 يورو على الأقل كل 3 أشهر للعضو). النصف الباقي من النفقات يتم تغطيتها من الضرائب المرتجعة لكل فاتورة يصدرها العاملون على حسابهم الخاص والمستقلون، وهي حيلة قانونية أتاحتها منهجية «العصيان الاقتصادي» التي تتبعها التعاونية. وهناك مصدر دخل ثانوي قوامه تبرعات من الداعمين والمؤمنين بأفكار التعاونية.
خاتمة
قمنا في هذا المقال بتسليط الضوء على تجربة رائدة تطبق مفاهيم تقدمية تفضي إلى خلق نماذج عمل بديلة لا تعيش على هامش السيستم ولا تخدمه من حيث تدري أو لا تدري، وإنما تحاول تجاوزه بالكامل. وكانت القيمة الفريدة التي طرحتها الدراسة هي استعراضها بشكل مفصل للعمق التنظيمي للتعاونية وشبكاتها وكافة الكيانات المتعاونة معها، مما يتيح للمهتمين بناء تصورات واضحة عن الجانب التنفيذي لهذا النوع من المشاريع. وبالرغم من أن تجربة التعاونية المتكاملة الكتالونية ما زالت قيد التشكل، إلا أنها بشكلها الحالي، وما تتوق لتحقيقه، تمثل مصدراً ملهما ًللمشاريع التغييرية في مناطقنا للخروج من حالة الاستعصاء والعجز المُعطِّل.