youtube://v/KrersmOZj0U
شكراً لاستقبالك لنا في منزلك مايسترو جوسا.
أهلا بكم، على الرحب والسعة.
لن أسألك عن حياتك الشخصيّة، ولن أزعجك بأسئلة من قبيل «متى ستتزوج؟»، أو كيف غيرت مجلة أولّامجلة أولّا، من أشهر المجلات الإسبانية المتخصصة بأخبار المشاهير، ويعني اسمها «مرحباً». يُحيل هذا السؤال إلى بدء ظهور أخبار الكاتب في «الصحافة الوردية» إثر ارتباطه بإيزابيل بريسلر، زوجة المغني الإسباني الشهير خوليو إغليسياس سابقاً.، المجلة الأشهر في إسبانيا، حياتك؟ وما إلى ذلك من تلك الأسئلة.
يسعدني ذلك.
لكن سوف أسألك عن الحُبّ، إلى أيّ درجة استطاع الحُبُّ أن يغيّرك؟ يبدو أنَّك تعيش حالة حبّ عظيمة.
حسناً، أعتقدُ بأنَّ الحبَّ هو التجربة الأكثر تعقيداً من بين التجارب التي يمكن أن يعيشها الإنسان، وإن وُجِدَ أشخاصٌ محطمون في الحياة، فهم أولئك الذين لا يملكون الشغف، والذين لم يجرّبوا ذلك الإحساس القادر على إغناء كلّ شيء من حولهم بفضل ذلك الشعور المدهش. وفي الوقت ذاته أعتقدُ بأنَّ الحبَّ تجربةٌ خاصّةٌ جداً، إذ أنها تفقد خاصيتها عند الإفصاح عنها أو مشاركتها مع الآخرين، إن كان ذلك على شكل اعتراف أو شهود أو حتى صور خاصة.
باعتقادي هي تجربة علينا أن نحافظ على سرّيتها كي تحتفظ بقيمتها وغناها.
هل يعني ذلك أنّني إذا ما بلغت سن الثمانين وعشتُ قصة حبّ، سوف تتغير حياتي بشكل جذريّ؟
أعتقدُ بأنّها ستغتني بشكل مدهش، ولا يفترض أن يؤثر عمر الشخص على هذه التجربة، إذ يمكن خوضها طالما كان الشخص قادراً على الإحساس بذلك الشعور الذي يصعب جداً أن نصفه إنّما من السَّهل علينا تمييزه، كما هي طبيعة الحبّ والعواطف التي يكتنفها، والتي بلا شك ستغني حياة ذلك الشخص.
لكن للحبّ أيضاً تأثيره السلبيّ، والمأساوي في بعض الأحيان، لكن إذا ما قمنا بعملية حسابية بسيطة، وجدنا أنّ إيجابياته تفوق السلبيات.
إذن كما تقول إحدى الأغنيات، الحبُّ ينتصر دائماً، الحبُّ هو أقوى من أيّ شيء، أليس كذلك؟
نعم، هذا صحيح، ما يخلّفه الحبُّ من نتائج إيجابية في العلاقات العاطفيّة هو أعظم من السّلبيات، أجل هنالك استثناءات إذ توجد قصص حب بائسة وفاسدة، والأدب بصورة خاصّة حافل بمثل تلك الأمثلة. لكن يبقى الحبّ تجربة تغني الحياة بشكل عام بصورة لا مثيل لها.
هل يعني هذا أنَّ أحد أعمالك القادمة سيحكي لنا الكثير عن الحبّ؟
من يعلم، أعتقدُ بأنَّ الحبّ كان حاضراً دوماً في الأدب، ومن النادر جداً أن نجد عملاً أدبياً قد خلا تماماً من الإشارة إلى تلك التجربة الأساسيّة في الحياة. ولو جرّدنا الأدب من كلّ تلك العواطف الغراميّة والمغامرات العاطفيّة، لفَقُر بشكل كبير.
لو سمحتُ لنفسي الآن بإلقاء نظرة على مكتبك، ماذا سأجد يا ترى، مسودّاتٍ تتناول الحبّ أم الاستبداد؟
لا، في الواقع هذه المسودّات التي تراها الآن على مكتبي تخصّ كتابي الأخير الذي ما زلتُ أعمل عليه، مع أنَّه أصبح جاهزاً تقريباً. وهو عمل نثريّ بعيد كلّ البعد عن الرواية، وأقرب إلى وجهة نظر فكريّة وسياسيّة، أقصّ فيه تجربتي السياسيّة منذ أن اكتشفتُ السياسة في سنّ الطفولة، ومروري على الماركسيّة، ثم إعادة اكتشافي للديموقراطية وتحديدي الصحيح لمعناها، ولاحقاً مروري على الليبراليّة عبر شخصيات كان لها تأثير إيديولوجيّ كبيرٌ على أفكاري، أمثال آدم سميثآدم سميث: فيلسوف وعالم اقتصاد إسكتلندي، يعد من مؤسسيّ علم الاقتصاد الكلاسيكي، ومن أهم آثاره: بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها، عاش بين عامي 1723 و1790.، أشيعا برلينأشيعا برلين: سياسي وفيلسوف ومؤرخ بريطاني-روسي، يعد من أهم مفكري القرن العشرين، كما تميز ككاتب ومحاور وراوٍ. عاش بين عامي 1909 و1997.، فرانسوا رابليهفرانسوا رابليه: كاتب وطبيب فرنسي، يعد أحد أعظم الكتاب على مستوى العالم، ومن مؤسسي أسلوب الكتابة الأوروبي الحديث. من أشهر أعماله غارغانتوا وبانتاغرويل. عاش بين عامي 1483 و1553.، وريمون آرونريمون آرون: فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، ركز على فكرة نفي ما هو خارج الوجود المادي وما هو خارج نطاق الخبرة والمعرفة، ورأى أن صراع النظم السياسية له تأثير أعظم بكثير من الصراع الطبقي. عاش بين عامي 1905 و1983..
إذا أردنا التطرّق إلى الانعكاسات السياسية، باعتباركَ شخصيّة معروفة وقد خضتَ تجارب حياتيّة وفلسفيّة عديدة، هل استحقت العناء محاولتك تلك للوصول إلى رئاسة البيرو؟
إذا ما أعدتُ حساباتي، أعتقدُ بأن الأمر الإيجابيّ الذي بقي لي من تلك التجربة هو اكتشافي للسياسة بمعناها الحقيقيّ والواقعيّ، فما يعرفه المرء عن السياسة أو مفهومه عنها لنقل، وهو جالسٌ خلف مكتبه أو قابعٌ يبحث بين الكتب، وهو ما كان عليه حالي قبل أن أترشح للمنصب الرئاسي، هو مفهوم يتّسم بالمثاليّة والنبل، إذ أنّ تبنيها يكون كوجهة نظر لا كاعتقاد، بغرض تغير مجتمع ما أو تحسين الظروف المعيشيّة لبلد ما، أي كلّ ما هو إيجابيّ في السياسة.
لكن الأمر مختلف تماماً في الحملة الانتخابية، إذ يكتشف المرء السياسة الواقعية بمعناها الحقيقي، دون رتوش، الذي يتمثل بالسّعي وراء السلطة، التي تكتنف على عنصر هدّام قادر على تحطيم جميع القيم والمبادئ، وكيف أنّ محبيها ولأجل إشباع رغبتهم تلك في الوصول إلى السلطة، يغدون على استعداد للتضحية بأخلاقهم وكرامتهم ومبادئهم الأساسيّة.
بالإضافة إلى أنّني خضت تجربة الترشح للانتخابات الرئاسية في فترة حرجة، حيث كانت البيرو تعيش حرباً أهليّة اشتركَ فيها كل من الحزب الشيوعي الثوري أو ما عرف بـ «الدرب المضيء»، وكذلك الانتفاضة الشعبية بقيادة توباك أماروتوباك أمارو الثاني: قائد إحدى الانتفاضات الشعبية ضد الغزو الإسباني للبيرو، وبالرغم من خسارته إلا أنه أصبح رمزاً للنضال ضد الإسبان وتحرير البيرو. عاش بين عامي 172 و1781.، وسط مناخ يفتقر لسيادة القانون، وانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، ومجتمع غارق في الإقصاء والرعب وانعدام الأمن. ولهذا فقد كان من غير الممكن ممارسة السياسة في مثل تلك الظروف، وبالطبع كانت تجربة عصيبة بالنسبة لي، كما أنّها تجربة بنّاءة من جهة أخرى لأنها علمتني الكثير حول المعنى الحقيقي للسياسة، ليس ذاك الذي ينحصر في الممارسة النظرية أو الخيالية، إنما بمعناه الذي يمثل السعي الحثيث والطموح والصلب من أجل الوصول إلى السلطة. وأيضاً فقد كشفت لي تلك التجربة إلى أيّ حدٍّ أنا سياسيٌّ فاشل، وعاجزٌ بشكل تام عن التحرك في مثل ذلك العالم. وهي بلا شك تجربة لن أكررها مطلقاً.
ومع أننا خسرنا في تلك الانتخابات، إلا أننا استطعنا ترك بعض الأفكار التي تبنيناها ودافعنا عنها على الرغم من معارضتها للفكر السائد آنذاك، ومع الوقت انتشرت في البلاد. وأستطيع القول إن البيرو اليوم هي بلدٌ أكثر ديموقراطية وأكثر استيعاباً وتلبية لاحتياجات الشعب وتطلعاته، وأكثر عدالة وحرية، وهذا المناخ الحالي يختلف كل الاختلاف عن المناخ السائد في فترة خوضي للتجربة الانتخابية.
دون ماريو، كنتُ قد قرأتُ أنّكَ كشفتَ في أحد المقابلات عن حديثٍ دار بينك وبين رئيس البيرو بابلو كوشينسكيبيذرو بابلو كوشينسكي: رئيس البيرو الحالي، يبلغ من العمر سبعة وسبعين عاماً، تسلم الحكم في يونيو/ حزيران عام 2016. حول إمكانية إطلاق صراح الرئيس «فوجيموري»، ما تعليقك؟
لقد كانت محادثة خاصة، وقد جرت هنا في منزلي هذا، كان الرئيس كوشينسكي في زيارة رسميّة في العاصمة مدريد، وتناولنا العشاء معاً وتبادلنا أحاديث شخصيّة، ولسوء الحظ، وبواسطة شخص ما، ليس أنا بالطبع، ظهرت المحادثة في صحف البيرو تحديداً في جزئها المتعلق بالرئيس فوجي موري. وهكذا وجدتُ نفسي مجبراً على إعطاء توضيح حول هذا الأمر. في الواقع تحدثنا حول مختلف المواضيع، ومن بين ما قاله لي أنه تلقّى العديد من الرسائل التي تطالبه بالعفو عن فوجي موري لأسباب صحيّة، وبأنّه قام بعرضها على ثلاثة أطباء طالباً رأيهم حول الحالة الصحيّة للرئيس. وأذكر أنّني أعطيته رأيي حول الأمر كوننا أصدقاء منذ سنوات، قلت له حينها: «عزيزي بابلو، أرجو ألّا تدخل التاريخ بصفتك الرئيس الذي أطلق سراح مجرم ولص وقاتل كان قد حُكِمَ عليه بالسجن لمدة خمس وعشرين عاماً، وذلك بعد محاكمة مدنية عادلة ونزيهة». كان ذلك تعليقي الوحيد على الأمر، والوحيد الذي ورد في المقابلة.
وماذا كان ردّه؟
لم يعلّق على الأمر، بل قال سنرى، سنرى، ومن جهتي لم ألحّ عليه، ولم أكن من أثار هذه المحادثة آنذاك، بل كان هو من بادر بالكلام عن الأمر، وأدليتُ أنا برأي الذي ذكرته لا أكثر، وهذا الرأي لن يفاجئ أحداً لأنني دائماً أردّدُ أن مكان اللصوص والمجرمين هو السجن.
دون ماريو، يواجه العديد من رؤساء الدول في الوقت الحاضر مأزقاً حقيقياً بسبب تهم بالفساد موجهة إليهم.
هذا حال بلدي أيضاً، فهو أحد هذه البلدان، ما يحدث أن العدالة تُطبق ولأول مرّة في التاريخ دون استثناءات أو تمييز، وهذا لافتٌ حقيقةٌ. لا أعلم إن كان الرئيس أومالا تاسوأوجانتا مويسيس أومالا تاسو: رئيس البيرو السابق، ومؤسس الحزب الوطني البيروفي، من مواليد 1962. الذي دعمتُه، والذي أعتقدُ أنه حاكم جيّد، قد ارتكبَ جرماً كما يتهمونه، فهنالك تهم موجهة إليه حالياً.
لكن ما أؤمن به حقاً أنّ الرؤساء الذين تُوجَّه إليهم أحكام حالياً، يجب أن تُوفَّرَ لهم محاكمة نزيهة وأن يتم منحهم كافة حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم، كما هي الحال في أيّ بلد يحترم القوانين، وإن ثبتت إدانتهم فليدفعوا الثمن وليدخلوا السجون.
أريدُ التحدث الآن إلى ماريو المراسل الصحافي، أو لنقل المصور الذي كنته طوال الحياة، هذه المهنة التي جُلتَ من أجلها العالم. أودُّ لو تريني بعينيك كيف ترى الوضع في فنزويلا؟
إنّه وضع مأساويُّ وفظيع في الواقع، تعلم أنّ فنزويلا هي بلد ليس غنيّاً فقط، بل غنيٌّ جداً ومن المفترض أن يمتلك أحدث الإمكانيات في العالم. ومع ذلك نجده اليوم في حالة انهيار تام، بلدٌ يموت شعبه جوعاً، لا طعام فيه ولا دواء، باستثناء فئة محظوظة وهي من الأقلية الحاكمة، تنعم بظروف حياتية ومعيشية متفوقة عن البقية. وهذا الوضع مأساويٌّ حقاً، فقد انعدمت العدالة بشكل تام، إذ لا وجود إلا للظلم والعنف المستشري. ولم يعد الأمر يتعلق بعشرات المتضررين، إذ شاهدتُ هذا الصباح خبراً يفيد بأنّ آلافاً يقبعون في السجون، ولم تعد أعداد القتلى بالقليلة فهي بازدياد يومياً. ومن الواضح بأن هنالك شريحة عظمى من الشعب تقف ضدّ النظام، وتريد العودة إلى الحكم الديموقراطي وتطالب بالحرية والعدالة، وبنظام سياسي واقتصادي مختلف، لكنها لا تجد مخرجاً بسبب السيطرة الكاملة للجيش الذي ما زال يملك زمام الأمور. مع ذلك لا أعتقد بأن هذا الوضع يمكن أن يستمر طويلاً، إذ هنالك استنكارٌ عامٌّ في المجتمع الدولي الديموقراطي إزاء ما يحدث في فنزويلا. وبرأيي الشخصي فإن نظام الرئيس نيكولاس مادورو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وجلُّ ما نتمناه أن تتمّ المرحلة الانتقالية نحو الديموقراطية بشكل سلميّ بعيداً عن الحلول الدموية، فقد عانى الشعب الفنزويلي ما يكفيه حتى الآن في خضم هذه المأساة.
أتعتقدُ حضرتك أنّ إمكانيّة تحقيق هذه العملية الانتقالية (السلميّة) يعتمد بشكل أساسيّ على موقف القوات المسلحة؟
بالتأكيد، أرى أن قيادات الجيش ممن هم في مراكز حساسة يمكنهم أن يتخذوا قراراً حول هذا الأمر، وما هو جليٌّ في الوضع الفنزويليّ وجود قيادات عسكرية متورطة بشكل كبير في عمليات تهريب المخدرات، وليس لديها من مخرج، ولا تجد مكاناً للهروب إليه والتّمتع بتلك الثروات الضخمة التي جُمِعَت بفضل تهريب الممنوعات، ولهذا فهي تحظى بدعم وتغطية من قبل النظام الحالي. لكنني أتساءل حقاً حول قدرة جميع هؤلاء الجنود والعرفاء والضباط والملازمين والنقباء والأركان، والذين يشكلون أغلبية القوات المسلحة وهم بلا شك يقاسون ما يقاسيه الشعب في ظل هذه الأزمة، أتساءل إن كان بمقدورهم الاستمرار في تحمّل السيطرة التي يفرضها هذا النظام المستبد، الذي أثبت فشله بطريقة فظيعة في كل ما يتعلّق بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية على حدّ سواء. أشكُّ في ذلك، وأتوقعُ أنّه في وقت قريب سيكون مجبراً على الرضوخ لمطالب الشعب الفنزويلي الذي ينادي بها بطريقة سلمية. إذن فليعلن عن انتخابات ديموقراطية كما يجب، ولتدخل التشافيزيّة التاريخ كآخر ديكتاتوريّة غزت أمريكا الجنوبية.
لكنّني أودّ التنبيه هنا إلى أنّ الحزب التشافيزيّ يعاني من انقسامات كبيرة، فنرى اليوم أصواتاً من داخل الحزب تقول هذا يكفي!
لحسن الحظ، أعتقد بأن جزءً من معتنقي الفكر التشافيزيّ قد أدركوا الفشل الكبير الذي مُني به النظام بسبب تبنيه الإيديولوجية التشافيزية، ويُظهرون رغبة في التراجع عنها، وأتمنى أن يتعاظم عدد هؤلاء لكي يتمكنوا من مواجهة الرئيس نيكولاس مادورو وشركائه عبر حلّ سلميّ. وهذا الانقسام الحاصل في التشافيزيّة هو مثيرٌ للاهتمام حقاً، ويعكس قوّة المعارضة الديموقراطيّة التي امتدت إلى المحافظات التي كانت بغالبيتها تتبع الفكر التشافيزيّ. نرجو أن يتحقق الحل السلمي ويتوقف العنف، إذ يكفي ما عاناه الشعب في السنوات القليلة الماضية.
لكن إذا كانت التشافيزيّة تعاني انقساماتها، فإن المعارضة كذلك تعاني من التفكك بعض الشيء، ويبدو بأن جميع الطرق تشير إلى احتمالية حدوث انقلاب عسكريّ.
لا أعتقد ذلك، إذ أنّ المعارضة تمثّل، كما يجب أن يكون عليه الحال في الأجواء الديموقراطية، تنوعاً للآراء، لكنها وبجميع أطيافها تريد انتقالاً للسلطة عبر الطريقة الأكثر سلمية التي يمكن لشعب أن يسلكها، وهذا واضحٌ للجميع. إذن ما يجب فعله هو الإعلان عن انتخابات تحت مراقبة دوليّة وبإشراف الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية، لضمان شفافيتها، وبالتالي سينتج عنها حكم ديموقراطي.
ما هو تفسيرك لعدم امتلاك المجتمع الدولي لرأي موحد حول هذا الحل المنطقي والديموقراطي الذي تقترحه؟ إذ نرى أنّ الرئيس مادورو ما يزال رابحاً في منظمة الدول الأمريكية وفي الميكروسور أو (السوق الجنوبية المشتركة).
فيما يتعلق بمنظمة الدول الأمريكية، فالوضع هنا استثنائي بعض الشيء، جميعنا يعلم بأن هذا النظام يتلقى الدعم من بعض الدول الصغيرة الأعضاء في الكاريبي، لأنّه كان قد اشترى مواقفهم بفضل صفقات البترول، وفق شروط محددة ومعروفة للجميع. وبما أن تلك الدويلات لديها تمثيل في المنظمة فيمكن أن تشكل أغلبية عند اتخاذ القرارات. لكن تأمّل معي بأن جميع دول أمريكا اللاتينية باستثناء نيكاراغوا وبوليفيا والإكوادور، أو السواد الأعظم منها تدعم المعارضة الفنزويلية. وقد تراجعت عن دعم النظام الذي لم يعد يمثل فنزويلا بأيّ شكل من الأشكال، لأنه نظام أقلوي وكذلك فهو معاقبٌ بسبب تبنيه نموذجاً قد عفا عليه الزمن، وأكبر دليل على ذلك هو الوضع الكارثي للاقتصاد في فنزويلا.
باعتقادك كيف سيكون موقف الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوسخوان مانويل سانتوس: رئيس كولومبيا الحالي منذ العام 2010، إذ انتخب لولايتين متتاليتين. في هذه المعادلة، وهو لنقل يدين بطريقة ما لنظام مادورو بسبب دوره الإيجابي في العملية السلمية التي تمّت بين حكومته وجماعة الفارك المسلحة، وعليه الآن أن يتخذ قراره بالانحياز إلى الطرف الآخر، أي المعارضة.
أعتقدُ بأنها قضية على درجة عالية من الحساسية بالنسبة لكولومبيا، ليس فقط بسبب الماضي المتوتر من العلاقات مع الرئيس تشافيز، بل نتيجة النفوذ الذي تتمتع به بعض الشخصيّات الفنزويلية في كولومبيا، وهذا ما يضعها في مأزق حقيقي. لكن الرئيس مانويل سانتوس رئيس ديموقراطي، وكان له عدة مبادرات تُظهر دعمه الكامل للعملية الديموقراطية في فنزويلا، وسوف يسهّل أي مخرجٍ أو حلٍّ باتجاه الانتقال السلمي للسلطة.
طلبَ مني رئيسي في العمل، أنخيل كاردون، أن أسأل الزميل خوان كروس في جريدة إل باييس، عمّا يقترحه من أسئلة يمكن توجيهها إليك في هذه المقابلة. فاقترح قائلاً: أخبر المايسترو جوسا أن هناك كتاباً صدر حديثا لكاتبه تيموتي شنايدر، حول الاستبداد. وبما أن كاتباً مثلك، قد أبدع لنا حفلة الخراف، يعرف الكثير عن الطغاة في «الحيّ»، من المتوقع أن يكون لديه مفهومٌ مثيرٌ للاهتمام حول الطغاة. ماهو وصفك لطاغية يعيش في «حيّنا» هذه الأيام؟
أعتقدُ بأن الوضع الراهن لأمريكا اللاتينية مقارنةً بالماضي، هو أفضل بكثير. عندما كنتُ شاباً في مقتبل العمر كانت أمريكا اللاتينية بأكملها ترزح تحت حكم الديكتاتوريات، باستثناء الأنظمة في كل من (كوستاريكا، تشيلي، أوروغواي). لكن إذا نظرنا إلى أمريكا اللاتينية في وقتنا الراهن، فليس هذا حالها على الإطلاق. الشريحة الكبرى من أنظمتها اليوم هي أنظمة متقدمة وسلميّة، بعضها بلا شك تمثل ديموقراطيات معطوبة، لكن باعتقادي أن نظام ديموقراطيّاً ولو بشكل جزئيّ أفضل بكثير من حكم ديكتاتوريّ، وفي هذا السياق أعتقدُ أن أمريكا اللاتينية قد تقدمت بشكل لافت. في الماضي كانت العملية الانتخابية تتم في حالتين اثنتين لا غير، إما تحت نظام ديكتاتوري أو تحت حكم ثوري عسكري.
فالسواد الأعظم في أمريكا اللاتينية لم يكن يؤمن بالديموقراطية، بل كانت تُعتبرُ كقناعٍ أو كنظامٍ استغلالي. لكن هذا المعتقد تغير بشكل راديكالي، وبالطبع فقد كلف هذا التغير أعداداً كبيرة من القتلى، لكن من الصعب جداً أن تتبنى أمريكا اللاتينية نماذجَ مثل كوبا أو فنزويلا على أنها نماذج قادرة على إخراج الشعب من الفقر وتحريره من الظلم والبؤس. لذلك فالشريحة العظمى من شعب أمريكا اللاتينية اليوم، باستثناء جماعات قليلة، قد تشكلت لديها قناعة تامة بأن المخرج سيكون عن طريق الديموقراطية، والاقتصاد الحر، وبأن على أمريكا اللاتينية أن تلتحق بالأسواق العالمية، وتعمل على اجتذاب الاستثمارات الخارجية، إذ أن هذي الخطوات مجتمعة هي الخطوات الأساسية لنمو وتطور أي بلد كان. وفي هذا السياق هنالك تقدم واضح مقارنة بالماضي، لكننا ما نزال بعيدين جداً عن الحالة المثالية، ولا يمكننا إجراء مقارنات مع كل ما هو كاملٌ ومثالي، لأن الكمال عصيٌّ على البلوغ، ومن الأجدى مقارنة الراهن بالماضي، أي من حيث بدأنا.
التقيتُ مؤخراً مع المُنتِج الكولومبي مانولى كاردونا، وهو أيضاً ممثلٌ رائع، وقال لي: أخيراً سنقوم بتصوير سلسلة حلقات حول بورفيريو روبيروسابروفيريو روبيروسا: سياسي وعسكري، وكان أحد الداعمين للحكم الديكتاتوري لرئيس جمهورية الدومنيك رفائيل تروخيجو. عاش بين عامي 1909 و1965.، فأجبتُه بأنه سيكون مثيراً للاهتمام أن أسأل ضيفي ماريو فارغاس جوسا حول شخصية بروفيريو روييروسا، وهو الذي أتحفنا بعمله الرائع حفلة الخراف، الذي تناول الحكم الديكتاتوريّ في جمهورية الدومنيك.
قضيّة روبيروسا هي قضيّة مثيرة للاهتمام، فقد كان شخصاً متواضعاً جداً، وقد تزوج ابنة الديكتاتور رفائيل تروخيجو. كان ضابطاً معروفاً لذلك اختاروه ليكون حامياً لـ تروخيجو، وهو الشخصيّة الأكثر شهرة والأكثر احتراماً في الجيش الدومنيكي. وقد امتلك روبيروسا الجرأة خلال فترة عمله كحارس شخصيّ لتروخيجو أن يُغرَم بابنته، وانتهت قصتهما بالزواج. وربما كان ذلك ما قاده إلى الموت. كان تروخيجو شخصاً متهرباً ومناوراً لكنه كان يضمر إعجاباً بشخصيّة روبيروسا، وكان يودّ لو أن أبناءه يشبهونه، وقد قال ذلك علناً وهنالك شهود على قوله، كان يقول: روبيروسا لم يدفع مرة لأيّ امرأة مقابل قضاء ليلة معها، بل كانت النساء من تدفع له مقابل ذلك. وبالمقابل أولادي بالطبع كانت لهم علاقات بممثلات هوليوود، لكن ذلك كان مقابل إهدائهن سيارات الكاديلاك ومعاطف ييسون الفاخرة.
حسناً، كان تروخيجو لديه نوعٌ من نقطة الضعف اتجاه روبيروسا ولذلك عينه سفيراً، وكان معجباً بذلك الشاب الجريء والشجاع والوقح الذي اعتاش مما كانت تدفعه له النساء.
سيكون سؤالي التالي حول نقطة قد أثرتَها، ولا أعلم حقاً لماذا فعلت بعد مرور كل تلك السنوات، مع ذلك فقد سمعتُ الحوار وأعدتُ سماعه هذا الصباحفي تموز الماضي، تحدث فارغاس جوسا في حوار جرى في جامعة كومبلوتينسي في مدريد لأول مرة عن ماركيز. وقد كان الكاتبان صديقين حميمين، قبل أن يدخلا في قطيعة دامت عقوداً.، لقد قررتَ أن تتحدث حول غابرييل غارسيا ماركيز.
غابرييل غارسيا ماركيز لم يكن مفكراً، بل كان فناناً ومبدعاً وخلاقاً وأروع من سَرَدَ القصص، وقد كان لديه عادة في النفور من المثقفين أولئك الذين يتحدثون بطريقة مبتذلة ومعقدة، وهذا ما لم يكن يتقبله، لأنه يتعارض مع طبيعة كتاباته وأسلوبه، إذ كان كائناً ذا خيال واسع جداً، وعلى إطلاع مدهش باللغة. استطاع استخدام اللغة الإسبانية بكثير من البراعة والأناقة. ولكنه لم يكن شخصاً ذا أفكار خاصة، الأفكار لم تكن تهمه، ومثقفٌ مكتمل مثل أوكتافيو باثشاعر ودبلوماسي مكسيكي، حائز على جائزة نوبل للآداب عام 1990.، كان بالنسبة له كائناً من عالم آخر.
لكنكَ قلتَ ما معناه أنه صنّفَ أصدقاءه ممن لم يكونوا أعضاء في نادي فيديل كاسترو، على أنهم مختلفون، وقد بقي هو في الطرف الأكثر راحة كونه أصبح المدلل أو الصديق المقرب للرئيس فيديل كاسترو، ولهذا فالأزمات الكثيرة التي تعاقبت على أمريكا اللاتينية كانت كما لو أنها لا تعنيه، إذ لم يتأثر بها. هل فهمتُ كلماتك بشكل جيد؟
حسناً، هنالك مواقف معينة قد حصلت، كان ماركيز، معجباً، مثلنا جميعا نحن الذين عايشنا تلك الحقبة، بالثورة الكوبية وقائدها فيديل كاسترو، وكان هو من أوائل من ذهبوا للعمل في كوبا، مع بيلينيو ميندوساكاتب وصحافي وسياسي كولومبي، شغل عدة مناصب منها منصب السفير في كل من إيطاليا والبرتغال. من مواليد عام 1932.، بالطبع تعرفه فهو صحافي عظيم، وقد التحقا بالعمل في الجريدة اللاتينية مع بدايات الثورة الكوبية. وعندما سيطر الشيوعيون على الجريدة قاموا بتحييد غابرييل وميندوسا، ومورست ضدهما سياسة الإقصاء، وطُرِدَا بعد ذلك منها.
عندما تعرفتُ على ماركيز كنت ما أزال مغرماً بالثورة الكوبية، لكنه كان قد تجاوز مرحلة الانبهار تلك، وبدأ يُظهِر بعض التحفظ حيالها، لكن لم يظهر ذلك للعلن، أما في الجلسات الخاصة كانت آرائه حول الثورة الكوبية مختلفة كل الإختلاف عن تلك التي يطرحها في العلن.
بماذا يمكن أن نفسر هذا الفعل؟
حسناً، لقد شرحتُ ذلك في السيرة الذاتية، وذكرتُ أن هنالك مبررين لمثل ذلك الفعل، أحدهما للصحافي مندوسا، والذي لم يكتبه مطلقاً، ويقول فيه إن غارسيا ماركيز كان لديه اعتقاد أكيد بأن النظام الشيوعي سيكون مستقبل أمريكا اللاتينية، وأن كوبا بطريقة ما هي التي تمثل ذلك المستقبل، ولهذا كان عليه أن يدعم الثورة الكوبية ويدوس على من يوجه إليها الانتقادات.
أنا لا أستبعد هذه الفرضية، لكني أعتقد بإمكانية وجود أخرى، إذ أنه إذا كان المرء موالياً للثورة الكوبية وصديقاً لفديل كاسترو، فذلك سيجنبه كثيراً من المشكلات التي هو في غنى عنها، فنحن الذين وجهنا الانتقادات لكوبا ورئيسها كان علينا مواجهة ردات فعل عنيفة يمتزج فيها التحقير والتجاهل من قبل الآخرين، في حقبة كانت فيها الأوساط الثقافية والفنية والأدبية تعلن انتماءها للثورة الكوبية، دون أيّ مراعاة للديموقراطية. ولذلك أعتقدُ بأن هذا كان عاملاً حاسماً ساهم في شهرة وتميّز غابريل غارسيا ماركيز طوال تلك السنين.
أتعتقدُ بأنه كان انحيازاً مريحاً بالنسبة إليه؟
وكيف لا يكون كذلك، فوضعه كان أفضل بأشواط من وضعنا نحن من وجدنا أنفسنا، وبسبب عدم سكوتنا عن الأخطاء المرتكبة من قبل الثورة الكوبية، مضطرين طوال الوقت لتقديم تفسير لمواقفنا وآرائنا المعترضة، كي لا نصبح محط الاتهامات التي كانت تُكَالُ لنا، تارةً بأننا نيوليبراليون وأخرى عملاء للإمبريالية أو عملاء لوكالة الاستخبارات المركزية. بالمقابل كانت الصداقة التي جمعته مع فيديل كاسترو بمثابة طوق نجاة بالنسبة له، إذ حررته تلك الصداقة من جميع أنواع النقد والمسائلة من اليساريين، وهذا كان كافٍ، إذ أن اليسار آنذاك كان مهيمناً على المجتمع الثقافي، ليس فقط في أمريكا اللاتينية بل في العالم أجمع.
لكن أعتقدُ أنه من المفترض أن يشكل أمر العلاقات الكوبية مع بلاده نوعاً من القلق لديه، سيما وأن النظام الكوبي قد دعم وساهم في تقوية شوكة الغيريجاس أو القوات المسلحة (الفارك)، وما نتج عن ذلك من تأثير على القاعدة الشعبية.
لا أعتقد بأن تلك المسألة كانت تسبب قلقاً من أي نوع لماركيز، لقد كان غارقاً في عالم خاص جداً له علاقة بالخيال والإبداع والفانتازيا، أكثر بكثير من علاقته بما هو عمليّ ويومي.
في الحوار، تتوقفُ عند نقطة معينة وتقول: هذا يكفي، لن أتكلم أكثر حول هذا الموضوع.
نعم، لأن الإسهاب في هذا الموضوع يعني أخذه إلى منحى شخصي وهو ما لا أحبذ فعله، وكذلك لم يفعل ماركيز. كنت أقول دائماً بأننا كنا على اتفاق ضمنيّ، وهذا ما سندعه لسِيَرنا الذاتية، إن كنا نستحقه.
كيف ترى وضع كولومبيا وعملية السلام فيها.
حسناً، أنظر إليها بتفاؤل، وأعتقد بأن جميع الكولومبيين يرغبون بأن تتم عملية السلام، ويعمَّ الأمن في بلد سببت له الحرب أضراراً حقيقية طوال عقود. بالطبع قد وجهت كثيراً من الانتقادات لعملية السلام في كولومبيا، اطلعتَ عليها جميعاً، وأعتقدُ أن بعض الانتقادات هي عميقة وأساسية، لكن علينا الانتظار لنرى إن كان يمكن تفادي جميع تلك النقاط السلبية أثناء تطبيق الاتفاقية. لأن السلام هو حاجة ملّحة لكولومبيا كما نعلم، وأعتقدُ أن هنالك عملية مفتوحة على جميع الاحتمالات، ومن الأفضل ألا يكون هنالك معوقات، والمضي بها قُدُماً.
مع أيّ من الشخصيتين تتواصل أكثر، مع الرئيس السابق لكولومبيا ألبارو أوريبيألبارو أوريبي: سياسي كولومبي، ورئيس كولومبيا السابق، استمرت ولايته بين عامي 2002 و2010. أو مع الرئيس الحالي خوان مانويل سانتوس؟
أعتقد بأنّ كولومبيا ستذكر فضل الرئيس ألبارو أوريبي، لأن اتفاقية السلام التي يتم تنفيذها الآن لم تكن لتتم لولا الضربات التي وجهها لقوات الفارك، إذ يجب التنويه إلى أنه أنقذ بشكل ما قطاع المواصلات في كولومبيا، واستطاع تعطيل سيطرة الجماعات المسلحة على حركة تنقل الكولومبيين، ووجه لهم ضربات عنيفة. صحيحٌ أنه لم يقضي عليهم بشكل نهائي، لكنه أضعفهم وأجبرهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومن ناحية أخرى فقد دعم اتفاقية السلام بتصميم واضح، ونرجو ألا يكون قد قدَّمَ تنازلات أكثر من اللازم، تنازلات يمكن أن يكون لها تأثير عكسي على اتمام الاتفاقية، لكن باعتقادي أننا الآن أمام اتفاقية قد بدأ تنفيذها فعليّاً على الأرض، ومن مصلحة الجميع بذل الجهود لمنع عرقلتها، بل دفعها إلى الأمام.
أشعرُ أنكَ متعاطفٌ مع الرئيس ألبارو أوريبي أكثر منك مع سانتوس، هل إحساسي في محله؟
كلا، في الواقع كلاهما صديقان مقربان، وكلاهما التزما بالنظم الديموقراطية خلال فترة الحكم، في بلد استطاع بطريقة جديرة بالاحترام، أن يحافظ على تطبيق الديموقراطية على الرغم من سنوات النزاع الطويلة التي امتدت لعقود، وسببت أضراراً كبيرة لكولومبيا كما لأمريكا اللاتينية بشكل عام، وهذا ما أكسبَ اتفاقية السلام هذه أهمية واحتراماً من جميع الأطراف. وفي النهاية خلصتُ شخصياً إلى تأييدها، إذ أنني في البداية كنت متردّداً بسبب الجزئية المتعلقة بنتائج الاستفتاء الشعبي الذي أجري لمعرفة مدى قبول الشارع للاتفاقية، إذ أظهر الاستفتاء شريحة كبيرة من المنتقدين لتلك الاتفاقية وآليات تنفيذها. لكن باعتقادي في هذه المرحلة، لم يعد هنالك من داع لتلك الشكوك، ومن الأجدى للجميع دفع هذه العملية قدر الإمكان، باتجاه التنفيذ على أرض الواقع. وإن كانت هنالك أمور يجب إزالة الستار عنها فلنفعل ذلك.
سؤالي قبل الأخير سيكون حول كاتالونيا.
حسناً، لقد لامست النقطة الأكثر حساسية في الوضع الإسباني. أعتقدُ بأنها من أكبر المشكلات التي تعاني منها إسبانيا حالياً. لقد عشتُ خمس سنوات في برشلونة، وأحبُّ تلك المدينة حباً جماً، ولن تصدقني إن قلت لك بأنني وخلال مدة إقامتي فيها وعلى الرغم من امتلاكي العديد من الأصدقاء والمعارف هناك، إلا أنني لم أتعرف إلى كتالونيّ واحد مستقل. لم يكن هنالك مستقلون بالمعنى المتعارف عليه اليوم للاستقلالية الفكرية، إذ كان هنالك من عرفوا بأنهم مستقلون لكن كانوا يعتبرون في المجتمع الثقافي، وهو العالم الذي كنتُ أتحركُ ضمنه، بمثابة لا-سلطويين عجائز ذوي أفكار بالية عفا عليها الزمن. هذا في الواقع ما كان عليه حال «المستقلّين» في كاتالونيا في تلك الحقبة. وفي ذلك الوقت أيضاً كانت هنالك حركة معادية للفرانكيسية (نسبة للرئيس فرانسيسكو فرانكو)، وكانت هنالك آمال كبيرة بأن الديموقراطية القادمة التي كانت تدقّ الأبواب ستغير إسبانيا بشكل كلي، ولا سيما أنه سيكون للثقافة دور البطولة إذ ستكون بمثابة رأس الحربة بالنسبة للديموقراطية.
هذا هو المناخ السائد في برشلونة في ذلك الوقت، وهذا ما جعلها مدينة معروفة على صعيد عالمي. لم يخطر في بالي قط، أنا الذي عشت فيها تلك السنوات، وأتحدث عن حقبة الستينيات بالطبع، أنها يمكن أن تتراجع بهذا الشكل حتى تصل إلى درجة تبني القومية بهذه الطريقة البدائية والرجعية، في زمن العولمة والتلاشي التدريجي للحدود. ومن المفاجئ أن نجد شريحة كبيرة من الكتالونيين مع التيار الفكري القومي الرجعي، والذي إن حدثَ وطُبِّق سوف يكون مأساة حقيقية لكاتالونيا ولإسبانيا ككل.
لكن أعتقدُ أن ذلك لن يحدث، وكاتالونيا لن تستقل عن إسبانيا، وكلي أمل بأن الوعي والضمير الكتالوني سوف يعترض ذلك المشروع ويقف بوجه تنفيذه.
سؤالي الأخير، حقيقة الكذب، هذا العمل المدهش، لا يمكن إنكار ذلك، وأنك كاتب عظيم. لكن أرجو أن تقترح لمستمعينا الإيبرو-أمريكيين أعمالاً يمكن لهم أن يقرأوها.
حسناً، آخر كتاب قرأته، وقد تناولته في زاويتي هذا الأسبوع، هو كتاب السيرة الذاتية للكاتب النيكاراغوي سيرخيو راميريس بعنوان وداعاً يا شباب، والذي نشر منذ سنوات، ولكني لم أكن قد قرأته، حتى أنني لم أعلم بصدوره. تخيلوا قدر عدم التواصل الذي يوجد أحياناً بين أمريكا اللاتينية وإسبانيا فيما يتعلق بالأعمال الأدبية. إنه كتاب جميل وممتع، ويحكي عن أحداث الثورة الساندينيةالثورة الساندينية: قامت بها الجبهة الساندينية للتحرير الوطني، التي سُميت بهذا الاسم نسبة لأغوسطينو ساندينو، أحد أبطال المقاومة النيكاراغوية. التي اندلعت في نيكاراغوا في أواخر السبعينيات. وهو كتاب يوحي بالتفاؤل في جزئه الأول، وحزينٌ جداً في جزئه الثاني. وأعتقدُ أنه كتاب إرشادي بشكل كبير، إذ يوضح ما يجب وما لا يجب فعله في أمريكا اللاتينية. وما يجب فعله هو تجنب الحلول الملحمية والثورية، والبحث عن الحلول الديموقراطية.
لا شكَّ أن الديموقراطية ليس لديها الجاذبية الأدبية التي تملكها الثورات، لكن الديموقراطية هي التي تضمن وبشكل جديّ، التطور الحقيقي والفعلي. تأمّل معي وضع البلدان التي بحثت عن حلول ثورية في أمريكا اللاتينية، مثل كوبا، وفنزويلا، هل يوجد عرض أكثر بؤساً من الوضع الكوبي؟ أليست مأساةً حقيقية ما تعيشه فنزويلا، البلد الذي يجب أن يمتلك مستوىً معيشياً مشابهاً للدول المتطورة والغنية أمثال سويسرا أو السويد. لكن تأمّل هذا الجنون الثوري إلى أين أودى بفنزويلا.
سيرخيو الذي عاش في قلب الثورة النيكاراغوية يشرح ذلك بطريقة رائعة، لأولئك القراء الذين لم يقرأوه بعد أرجو أن يفعلوا، وسوف يعيشون لحظات مدهشة ويتعلمون الكثير عن السياسة في أمريكا اللاتينية.