عُقِدَ في العاصمة البلجيكية بروكسل بين يومي 24 و25 من نيسان الجاري مؤتمر «دعم مستقبل سورية والمنطقة»، الذي تَرأّسه الاتحاد الأوروبي بمشاركة الأمم المتحدة. وعلى هامش المؤتمر، عَقدَ فريقُ ديمستورا لقاءً مع عدد من منظمات المجتمع المدني السوريّة، خرج عنه بيانٌ أثار سجالات بسبب عدم تضمينه أي إشارة إلى مسؤولية النظام عن الأوضاع في البلاد، وعبّرت بعض منظمات المجتمع المدني السوريّة عن عدم معرفتها بمضمونه مسبقاً، وعن رفضها القاطع له.
هذا المؤتمر هو النسخة الثانية من مؤتمر للمانحين والمنظمات الدولية العاملة في سوريا جرى العام الماضي في المدينة ذاتها، وقد ركَّزَ على ضرورة تأمين الدعم للنازحين واللاجئين السوريين، الذين قُدِّرَت أعدادهم حسب التصريحات الرسمية في المؤتمر بنحو 6.1 مليون نازح داخل سوريا، وأكثر من خمسة ملايين لاجئ خارجها.
سَعَت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية للحصول على وعود بأكثر من 8 مليارات دولار، فيما قدمت الدول الحاضرة وعوداً لم تتجاوز 4.4 مليار دولار للعام 2018، حسب ما قاله مارك لوفتشوك مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي، عقده بمشاركة كلّ من فدريكا موغريني المفوضة الأوروبية للشؤون الخارجية وستيفان ديمستورا المبعوث الدولي إلى سوريا.
وفي حين نقل موقع الخارجية الفرنسية عن سكرتير الدولة لدى وزير أوروبا والشؤون الخارجية، جان باتيست لوموان، التزامَ بلاده بالمساهمة بأكثر من مليار يورو في الفترة بين عامي 2018-2020، لم تتعهد الولايات المتحدة، أكبرُ المانحين، بأي مبلغ خلال المؤتمر. وكانت النتيجة أن الوعود خلال هذا العام قد تكون غير كافية لاستمرار بعض برامج الأمم المتحدة المرتبطة باللاجئين، حسب ما قال مسؤول مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مارك لوفتشوك.
تمّت دعوة كل من روسيا وإيران لحضور المؤتمر، الذي اعتبره الممثل الروسي غير مكتمل نتيجة عدم دعوة أي طرف سوري. وكانت موسكو وطهران قد شدَّدَتا على ضرورة إشراك النظام السوري في هذا المؤتمر، كما أن حكومتي البلدين اتفقتا على المطالبة بضرورة عدم ربط تمويل إعادة الإعمار في سوريا بعملية الانتقال السياسي، وهو الأمر الذي وجده ممثلو الدول الأوروبية مرفوضاً، داعينَ إلى عودة المسار السياسي في سوريا، بهدف الوصول إلى حلّ دبلوماسي للأوضاع فيها.
على هامش المؤتمر، عُقِدت عدة لقاءات طوال الأسبوع الماضي، تركزت حول أوضاع اللاجئين، بالإضافة إلى مناقشة مواضيع المسائلة والمحاسبة، وكان من بينها اللقاء الذي عقده فريق ديمستورا مع بعض منظمات المجتمع المدني، وخرج عنه البيان المشار إليه أعلاه، الذي اعتبرت عددٌ من منظمات المجتمع المدني السوري أنه لا يمثّلها، خاصةً أنه بدأ بترويسة «رسالة المجتمع المدني السوري في بروكسل» بألف ولام التعريف، التي أعطت انطباعاً عن تمثيله لكل المجتمع المدني السوري.
هذه الرسالة التي تحوّلت إلى بيان رسمي بعد نشر الاتحاد الأوروبي لنصها على موقعه، «كانت عبارة عن كلمة موجهة من المنظمات التي شاركت في غرفة المجتمع المدني على هامش مؤتمر بروكسل، إلى الاجتماع الوزاري في اليوم الثاني من المؤتمر» حسبَ أسعد العشي مدير مؤسسة بيتنا سوريا التي شاركت في هذا اللقاء. وأضافَ العشي «ربما لا يعبّر البيان عن رأيي واتجاهي السياسي بالكامل، لكن هذا ما استطعنا الوصول إليه في ظل وجود أطراف تحمل أجندات واضحة لدعم النظام في الاجتماع»، كما اعتبرَ العشي أن استخدام كلمة «المجتمع المدني السوري» بألف ولام التعريف كان خطأً كبيراً غير مقصود.
كانت الورقة التي تم نشر صور لها على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن ينشرها الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، قد أثارت استياء عدد كبير من السوريين، باعتبارها لا تسمّي النظام بشكل واضح باعتباره مجرم الحرب الأول في سوريا، مُستعيضة عن ذلك بعبارة «كل الأطراف». بالإضافة إلى ضمّها بنوداً تُعَدُّ من مطالب النظام السياسية، إذ جاء في نص الرسالة: «نرى من الضروري إعادة النظر في العقوبات التي تؤثر سلباً على قطاعات التعليم والصحة وسُبل العيش».
من جهته، قال عصام الخطيب المدير التنفيذي لمنظمة كش ملك للجمهورية: «موقفنا رافضٌ كليّاً للبيان وللطريقة التي طُرِحَ بها كممثل لمنظمات المجتمع المدني السورية، كما أن الورقة لا تمثّل أي من وجهات نظرنا حول الموضوعات التي تم تناولها فيها، ولم تُعرَض علينا ولم يشارك أحدٌ منّا في صياغتها أو الموافقة والتوقيع عليها، وهي لا تنتمي إلى لغتنا التي نستخدمها ولا تمثّل مقاربتنا للقضايا الحقوقية والاجتماعية ومحددات الحلّ السياسي في بلادنا».
وقد أصدرت مجموعةٌ من منظمات المجتمع المدني السوريّة اليوم، بياناً قالت فيه إن الرسالة لا تمثلها، وإنها تأتي نتيجة «استمرار اتباع نهج غير متوازن في التعامل مع دور المجتمع المدني في مباحثات السلام السورية ومستقبل سوريا».
كان قد جرى تداول قائمة بأسماء عدة منظمات، قِيلَ إنها شاركت في هذا اللقاء، ليتضح أن القائمة مأخوذة من صفحة تحالف يضمّ هذه المنظمات التي لم يحضر معظمها اللقاء في بروكسل. وقد أصدر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بياناً يوضح فيه عدم مشاركته في الاجتماع أو صياغة البيان، وقال حسام القطلبي مدير المركز للجمهورية: «فوجئنا نحن وعددٌ من المنظمات بتداول أسمائنا كمشاركين في اللقاء، في حين لم نحضر أيّاً من جلساته، واقتصر حضورنا في بروكسل على المشاركة في فاعلية حول المحاسبة والعدالة في سوريا على هامش المؤتمر»، ورجّحَ القطلبي أن صيغة الرسالة أتت نتيجة الطريقة التي يدير بها فريق المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا مثل هذه اللقاءات الخاصة بالمجتمع المدني، حيث تغيب أي قواعد واضحة لتوجيه الدعوات، والتي يترتب عليها دعوة أطراف تعبّر عن رأي النظام السوري بشكل «فاضح»، إضافة إلى عدم وجود أجندات محددة تماماً قبلها، مشيراً إلى أن المركز وعدد من المنظمات كانوا قد أصدروا بياناً في شهر تشرين الثاني الماضي يرفضون فيه الطريقة التي يدير بها فريق المبعوث الدولي لقاءات المجتمع المدني، التي وصفها القطلبي بغير المفيدة، و«التي يبدو أن الغرض منها هو إظهار وجود لقاءات مع المجتمع المدني فقط، دون أي اعتبار لنتائج النقاشات التي تتضمنها».
يبدو البيان المُفرغ من أي إشارة إلى النظام السوري باعتباره المرتكب الأكبر لجرائم الحرب في سوريا، حتى مع ذكر دعم عملية الانتقال السياسي والقرار 2254، غير قادر بأي شكل من الأشكال عن التعبير عن تطلعات فئة واسعة من السوريين. وهو يُظهِرُ أن دفع فريق ديمستورا إلى شكل من أشكال «التوافق» بين منظمات أتت من دمشق وتدافع عن موقف النظام السوري بشكل واضح تماماً، وبين منظمات المجتمع المدني السورية المعارضة للنظام، هو خطوة أخرى يتخذها هذا الفريق للدلالة على توجهاته السياسية الفعلية. إذ يبدو واضحاً أن الانتقال السياسي ليس هو ما يشغله حقاً، بل استمرارُ عملية فارغة من المضمون، وتلعب دوراً كبيراً في استعادة النظام السوري لقدرته على العمل ضمن المجتمع الدولي.
كذلك يُظهِرُ هذا البيان انجرار بعض منظمات المجتمع المدني السوري إلى صياغات لا تعبِّرُ عنها، تحت تأثير ضغوطات غير مباشرة من فريق ديمستورا، في حين أنها كانت قادرة ببساطة على عدم الاشتراك في مثل هذا النص، الذي لا يمكن الدفاع عنه تحت أي اعتبار، كونه يشير إلى مسائل يمكن تصوّرُ نقاشاتها في المفاوضات مع النظام، لكنها لا يمكن أن تكون بأي حالٍ نقاطاً يتمّ التوافق عليها مع أطراف تمثّل رأي النظام السوري، دون أن يتحمل الأخير أيّ مسؤولية عن كلامها.