أعلنت لجنة التفاوض في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي الأربعاء الماضي عن بنود الاتفاق النهائي مع الجانب الروسي، الذي يقضي بخروج عناصر فصائل المعارضة بأسلحتهم الخفيفة، وإعطاء مهلة ستة أشهر للمطلوبين للتجنيد الإجباري، مع ضمانات روسية بعدم دخول قوات النظام إلى المنطقة.
جاء هذا الاتفاق بعد أيام من المفاوضات المعقدة، سبقتها أيام من الاشتباكات والمفاوضات المتعثرة، شهدت أعمال قصف جوي ومدفعي، ومحاولات تقدم من قبل قوات النظام على عدة جبهات، بالتزامن مع تعليق لجلسات المفاوضات، وضغوط روسية شديدة لإنجاز الاتفاق بأسرع ما يمكن.
مصدر مطلع على مسار المفاوضات قال للجمهورية: «حاول المفاوضون قدر الإمكان الحفاظ على السكّان ضمن مدنهم وبلداتهم وتجنيبهم التهجير»، ويبدو أن المؤشرات الأولية حول أوضاع السكان تفيدُ بأن العدد الأكبر منهم سيظلّ في المنطقة، بعد خروج مقاتلي الفصائل والضباط المنشقين.
«في الرستن أكثر من خمسمئة ضابط منشق، العدد ليس قليلاً، ذلك بالإضافة إلى مقاتلينا الذين سيخرجون، لكن بيوتنا لن تظل فارغة، نحن لا نسلم المدينة للنظام بل لأهلها، الرستن ستظلّ بيد أهلها»، يقول وائل أبو ريان، وهو ناشطٌ من مدينة الرستن كان في فترات سابقة ناطقاً إعلامياً لوفد التفاوض.
ورغم أن بنود الاتفاق أثارت استياء جزء من الفصائل والمقاتلين، الأمر الذي دفعهم إلى استهداف مناطق تمركز قوات النظام دون رد من الأخيرة، كما أنه أثار استياء جزءٍ من الأهالي الذين خرجوا في مظاهرات ليل الأربعاء-الخميس رفضاً للاتفاق، إلا أن وجهة النظر السائدة بين الأهالي تعتبرُه أفضلَ من سيناريو الغوطة الشرقية. كما أن وساطات من شخصيات من المنطقة تحاول العمل على تمديد مهلة الستة أشهر إلى سنتين حسب ما قالت مصادر للجمهورية، وهو الأمر الذي سيسمح ربما ببقاء أعداد أكبر من الشبان الذين يستهدفهم التهجير بشكل رئيسي نتيجة فرض التجنيد الإجباري ضمن قوات النظام عليهم.
منذ اللقاءات التي انتهت بتوقيع الاتفاق، ضغطَ الجانب الروسي بشدة بهدف التسليم السريع والفوري للسلاح الثقيل، لتبدأ عمليات التسليم فعلاً منذ يوم أمس الخميس، في حين أن عمليات التهجير ستبدأ يوم غد السبت، وستستمرّ لمدة أسبوع قابل للتمديد حسب الاتفاق.
وقد نص الاتفاق أيضاً على سحب السلاح الثقيل من البلدات المجاورة لقرى الريف الشمالي، لنزع فتيل أي اقتتال محلي بعد تطبيق الاتفاق، وضمانةً للأهالي من محاولة أي ميليشيا محلية السيطرة على مناطق جديدة في الريف الشمالي لحمص وريف حماة الجنوبي. وسيتمّ نشر شرطة عسكرية روسية في المنطقة لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد إلى سنتين، ويضمن الجانب الروسي عدم دخول قوات النظام إلى المنطقة طوال فترة استلامه لها من الناحية الأمنية حسب ما جاء في الاتفاق الموقع.
الاتفاق الذي يؤمل منه أن يجنب العدد الأكبر من أهالي ريف حمص الشمالي التهجير، ما زال في مراحله الأولى، ولا يمكن تحديد أعداد المهجرين حتى خروج الحافلات قاصدةً جرابلس وإدلب. كما أن حساسية المنطقة بالنسبة لإيران والميليشيات التابعة لها، قد تدفعهم لمحاولة التشويش على الاتفاق وإخافة السكان لتحقيق أوسع تهجير ممكن من المنطقة، خاصة أن الضمانات الروسية ليست صلبة بما يكفي، وأن شراكة روسيا لإيران والنظام السوري في المذابح، قد تدفع كثيرين إلى عدم الثقة بالضمانات الروسيّة، لكن ذلك رهنٌ بالأيام الأولى من الأسبوع المقبل.
يقول ناشط من مدينة الرستن للجمهورية: «فصائلنا محليّة، ولا توجد إمكانيات كبيرة، إلا أنها استطاعت منع النظام من التقدم. خلال تسليم السلاح الثقيل، فوجئ أحد الضباط الروسي بتواضع تسليح فصائل مدينة الرستن، حتى أنه خاطب مندوب النظام قائلاً: هذا هو السلاح الذي منعكم من الدخول إلى المنطقة طوال سنوات»، ويتابع: «الاتفاق جاء بعد التشاور مع الأهالي، وضمن الإمكانات التي تمتلكها الفصائل، وهو اتفاق جيدٌ نسبياً. قرّرَ المقاتلون الخروج، ليبقى أهالي المدينة في بيوتهم».
الاتفاق قد أُنجز، وبدأ تنفيذه على الأرض، لتبقى الإجابة على أسئلة مصيرية بالنسبة لسكّان المنطقة رهناً بالأيام القادمة، التي ستحدد حجم التهجير وأعداد السكان الخارجين من منطقة محاصرة جديدة، اضطرت لتوقيع اتفاق مع النظام وروسيا لتجنّب مذبحة محققة، يبدو واضحاً أن أحداً في العالم لن يستطيع منع وقوعها، بما في ذلك تركيا التي كانت طرفاً ضامناً في اتفاق خفض التصعيد الذي كان يشمل منطقة ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي.
ليس في سلوك روسيا ما يدفع إلى أي ثقة بها كضامن، وهي تسعى بكلّ ما أوتيت من قوة لإنهاء ملفّ المناطق المحاصرة عبر التسويات وتهجير رافضيها، لكن مجمل المسار الإقليمي والدولي الذي أباح للنظام ارتكاب جرائم الإبادة والتهجير المتسلسلة لا يزال مستمرّاً، وهو ما يجعل تواجد الشرطة العسكرية الروسيّة بديلاً عن مليشيات النظام وإيران الخيار الأقلّ سوءاً.