من لحظة غير مألوفة عند الحديث عن تاريخ سوريا تبدأ أولى حلقات «سردة سورية»، التي يقول عنها إبراهيم الأصيل إنها تحاول تقديم سردية مختلفة لتاريخ البلاد في لحظات مهمة من هذا التاريخ.
يحاول الباحث إبراهيم الأصيل وعبر فيديوهات قصيرة تنتجها شركة أصيل برودكاشن، وتعرضها صفحة عنب بلدي على فيس بوك، التطرق لأحداث هامة ساهمت في تكوين المنطقة بشكلها الحالي، ومن قصة ولادة الطفل تيموجين، الذي سيصبح لاحقاً جنكيز خان الزعيم الأهم في تاريخ المغول، تبدأ الحكاية.
التجربة الأولى من نوعها مصاغة على شكل حلقات قصيرة مدة كل منها بحدود الخمسة دقائق، تتناول كل منها مرحلة أو حدثاً رئيسياً من تاريخ المنطقة بشكل مكثف، وبأسلوب يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، واستطاعت حتى الآن الحصول على أكثر من نصف مليون مشاهدة بمجملها.
ويبنى إبراهيم الأصيل سردته السورية على بناء مترابط من الأبحاث التاريخية التي قدمها المؤرخون عن تاريخ منطقتنا، والتي يحاول التفصيل فيها بشكل أوسع خلال فيديوهات منفصلة تناقش الحلقات المنتجة، ليحافظ على حجم الحلقة الأصلي، مع إضافة عناوين المراجع التي تساعد المتابع المهتم على التوسع بشكل أكبر في تاريخ المنطقة.
تظهر «سردة سورية» كتجربة جديدة كليّاً تقدم محتوى لم يسبق أن قُدِّمَ بهذه الطريقة عن تاريخ سوريا، وهذا قد يفسر جزئياً الاهتمام الجيد الذي حصلت عليه، إلا أنّ الإعداد الجيد للحلقات وتناول مواضيع تاريخية من خلال وجهة نظر لم يعتد عليها المتابع السوري تشكل العامل الأهم الذي دفع السوريين لمتابعة هذه «السردة»، التي أُنتج منها حتى الآن أربعة حلقات.
يعدنا إبراهيم الأصيل بأن يقدم الموسم الأول ثمانية حلقات تتناول تاريخ سوريا والمنطقة حتى اللحظات التي سبقت بداية الحرب العالمية الأولى، والتي كان من نتائجها الأساسية انهيار حكم الإمبراطورية العثمانية ونشوء دولة سوريا الحديثة.
أما الإنتاج الفني للحلقات فيعتمد على ترك الكاميرا مركزة على إبراهيم الأصيل الذي يعتمد على السرد السريع، الأمر الذي يتناسب مع المنصة التي يتعامل معها، فيما تظهر إلى جانبه كلمات من النص للتأكيد على أهميتها، كما قد يرافق السرد عرضٌ لبعض الخرائط أو الصور التاريخية المرتبطة بالأحداث والأشخاص الذين يتناولهم في حديثه. القطعات السريعة هي سمة عامة للإنتاج البصري، حيث تحاول القفز بين الوقفات التي يحتاجها الملقي للاستمرار في الحديث، ويبدو أن جميع هذه العناصر مرتبطة بفكرة أساسية وهي السرعة، التي تحتاجها فيديوهات تعرض عبر فيس بوك، أما بيئة التصوير ونوع الإضاءة فترتبط ربما بالتخيلات التقليدية عن غرفة المؤرخ، المكتبة في الخلفية وإضاءة ذات ألوان معتمة، وهنا لا يبدو أن أصيل قد خرج تماماً عن الصورة التقليدية.
في النتيجة تساهم بيئة التصوير هذه بالتركيز على الحديث، إلا أن السرد السريع قد يقوم بدور معاكس، وخاصة أن النص يعتمد على تكثيف أحداث معقدة والربط بين الأشخاص وتواريخ هامة، ما يجعل من ضياع أي تفصيل خلال الحلقة ضياعاً للصورة الكاملة التي تحاول تقديمها.
أثبتت المتابعة الواسعة للحلقات حتى الآن، الاهتمام الكبير بمراحل من تاريخنا اعتادت الكتب المدرسية أو السردية الرسمية على تقديمها بإهمال وضمن أطر من صراع تفهمه تلك السردية بطريقة «إيديولوجيّة»، والتي تتقصد ربما جعل التاريخ مملاً، إلا أن الالتزام التام بشروط وسائل التواصل الاجتماعي قد يجعل من هذا السرد المختلف قصصاً معزولة عن بعضها، في المقابل يبدو استخدام هذه المنصة فرصة للوصول إلى جمهور واسع لم يكن لتصل هذه «السردة» إليه دونها.
بالنتيجة، يبدو أن نجاح هذه التجربة قد يشجع مزيداً من السوريين على إنتاج محتوى علمي وبحثي بشكل أوسع على منصات التواصل الاجتماعي، هذا المحتوى الذي كان غائباً باستثناء أمثلة قليلة جداً عن المنصات السوريّة.