تحت عنوان «جنون» دعت مجموعة من الشباب السوريين في مدينة بريمن الألمانية، وبدعم من منظمات مجتمع مدني محلية هناك، إلى مهرجان مصغّر يجمع بين الموسيقا والحوار والفن، ويربط بين الماضي والمستقبل. وشاركت في فعاليات المهرجان عدة فرق غنائية شبابية سورية في ألمانيا وأوروبا، ومنظمة تبنّى ثورة، وناشطات نسويات سوريات في مدينة بريمن وفنانون متنوعون.
توافدَ الزوار مساء الجمعة الماضي، الثالث من آب، إلى صالة «شبيتيدتسيون» التي تقع على مقربة من محطة القطار الرئيسية في بريمن، لمشاهدة لافتات عن الثورة السورية كانت معلّقة على الجدران في الصالة، مع ترجمة إنكليزية وشرح باللغة الألمانية برفقة شابين سوريين. بعدها انتقل الزوار برفقة السيدة ماريا من ألمانيا إلى قاعة أخرى تحوي لوحات تهدف إلى تقريب صورة الوضع في سوريا إلى أذهان الزوار الألمان، وذلك عن طريق عقد مقارنات بين الحال في ظل حزب الوحدة الاشتراكي الألماني الذي حكم ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، والحال في ظل حكم حزب البعث في سوريا، سواء فيما يتعلق بأساليب التربية في المدارس والتدريب العسكري، أو أساليب التعذيب والملاحقة والنظام المخابراتي. وأيضاً تم الربط بين الحركات الثورية في ألمانيا ونظيرتها في سوريا، وأساليب النضال الثوري ودور النساء فيه، وأشكال النشاط السلمي في سوريا وشعارات الحراك وتحدياته. ومن ذلك عرض صور تقول إن الثوار السوريين لم يكونوا وحدهم الذين خرجوا من دور العبادة، إذ كانت الكنائس إحدى أهم نقاط خروج التظاهرات في ألمانيا الشرقية الحزب الاشتراكي.
أثار الربط بين جزء من تاريخ الشعب الألماني وحاضر السوريين اهتمام كثير من الزوار، فسوريا لم تعد بالنسبة لهم، بحسب كاترينا إحدى الزائرات، كما كانت من قبل، «تلك البقعة الصغيرة التي تصدّرُ اللاجئين وترزح تحت حرب أهلية. والسوريون ليسوا مجرد لاجئين مثيرين للشفقة، وإنما شعب يمرّ اليوم بما سبق وأن مرّ به جزءٌ من الألمان في مخاض الديموقراطية».
بحسب صوفي بيشوف من مدينة إيرفورت الألمانية، وهي إحدى مؤسسات المعرض، فإن بذرة فكرة معرض الصور وربط تاريخ البلدين كانت قد بدأت قبل ثلاثة أعوام، وتحديداً بعد فتح الحدود الألمانية أمام اللاجئين في عام 2015، حيث توجهت صوفي التي تجيد العربية وتدرس تاريخ آسيا الغربية في جامعة إيرفورت إلى مخيمات اللجوء، وسألت السوريين هناك عمّا يودون قوله لو كانوا يجيدون الألمانية، وعندها بدأ المشروع بطباعة منشورات بكلا اللغتين تحكي عن الوضع في سوريا وتربط المجتمعين السوري والألماني عبر وقائع من التاريخ، ليتطور بعدها إلى معرض متنقّل كان عرضه الأول في مدينة إيرفورت لمدة شهر، وحظيَ باهتمام الزوار، ثم انتقل بعدها إلى مدن ألمانية عدة منها لايبتزغ وبريمن.
تقول صوفي للجمهورية إن «رد فعل الألمان كان إيجابياً حتى الآن، وبشكل خاص لدى أولئك الذين عاصروا فعلاً زمن حزب الوحدة الاشتراكي الألماني في ألمانيا الشرقية»، وتصف المعرض بأنه نوع من الدعوة «للاندماج المعاكس». كذلك أكد ميشيل زاوتر للجمهورية، وهو ألمانيٌ درس علم الاجتماع في جامعة بريمن، أنه «لا يكفي أن نطلب من الوافدين أن يندمجوا معنا ويعرفوا تاريخنا ويتبنوا قيمنا، بل علينا أن نذهب إليهم ونتحدث معهم لأن الاندماج عملية من طرفين».
في اليوم التالي، السبت، تحدّث كل من الشاب الفلسطيني السوري محمد أبو بشر، والشاب السوري رائد من الرقة، برفقة ماريا من منظمة تبنّى ثورة، عن الثورة السورية منذ بداياتها، وعن مسارات النضال السوري ودور المجتمعات الغربية في دعمه، كما تطرق الحديث إلى أوضاع الفلسطينيين في سوريا، وقضايا الاعتقال واللجوء والتفريق بين الثورة وداعش، تاركين بعدها المجال لأسئلة الحضور، التي انتهى وقت النقاش قبل أن تنتهي.
السيدة يانا من مدينة بريمن تقول إنها للمرة الأولى تسمع هذه التفاصيل عن سوريا، وتسأل باستغراب: «كيف لا يعرف الشعب الألماني عن تفاصيل ثورة سوريا؟». تجيب ماريا التي أدارت النقاش: «من المبرَّر في عصر وسائل التواصل ودفق المعلومات ألّا يستطيع المرء التركيز، لكن في الوقت الذي يعيش بيننا مئات آلاف السوريين، لم يعد الأمر مقبولاً»، وأضافت بانفعال صفّقَ له الجمهور: «بدل أن تسألوا جيرانكم السوريين هل أتيتم بالقارب أو بالطائرة، لماذا لا تسألونهم ببساطة عن السياسة!؟».
في إطار المهرجان تم عرض فيلم قصير من إخراج الشابين السوريين عمر وتوفيق بعنوان «كحل»، يتناول المصاعب التي تواجه المرأة اللاجئة من قبل مجتمعها ممثلاً بزوجها وعائلتها، وتلاه نقاشٌ حول النسوية السورية وتحدياتها. وبعد الفيلم والنقاش، كان هناك استراحة مع بعض الأطعمة السورية، ثم الختام مع حفلة موسيقية عزفت وغنت فيها عدة فرق سورية، واستمرّت حتى منصف الليل، وقد ترافقت النشاطات المسائية مع رسم بالحنّة يعود ريعه لتعليم اللغتين العربية والكردية، وطباعة شعارات عن الحرية والثورة وحقوق الإنسان باللغة العربية على القماش.
تقول ميلينا التي كانت تنتقي شعاراً لتطبعه على ردائها: «للأسف كان الحضور لهذا العرض اللطيف مقتصراً على الأشخاص الذين هم بطبيعة الحال متعاطفون مع السوريين»، وتمنّت أن تستمرَّ هذه المبادرات وتكبر لكي تراها فئات الشعب الألماني الأخرى، فتسمع من السوريين أنفسهم ولا تكتفي بأن تسمع عنهم. اختارت ميلينا شعار «صوتك ثورة».
رغم أن المبادرة كانت بإمكانيات متواضعة، ولم تتجاوز أعداد الحضور فيها مئة وخمسين شخصاً، معظمهم تلقى الدعوة عن طريق معارفهم السوريين، إلا أنها بحسب المنظمين يمكن أن تكون فاتحة لمبادرات أكبر من طرف السوريين في ألمانيا، وإشارة إيجابية من طرف المجتمع الألماني.
يفرض سؤال الجدوى نفسه، إذ ما الفائدة من تعريف الألمان بالثورة السورية بعد كل ما جرى؟ ترى هل هي معرفة متأخرة؟ أجاب بعض المنظمين والمشاركين على هذا السؤال بأنهم متفائلون بثورات قادمة ستأتي، وبأن ما يجري اليوم ليس نهاية القصة، وقال آخرون إن فعاليات كهذه لا تترك للمنتصر نشوة حرية كتابة التاريخ، فيما اتفق الجميع على أن حكايات كفاح السوريين يجب أن تُروى، وعلى أنها يمكن أن تكون سلاحاً ضد العنصرية.