أعلن المجلس المحلي لبلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي أمس، أن عدد ضحايا المجزرة التي وقعت في البلدة جرّاء قصف الطيران الروسي يوم الجمعة الفائت، ارتفع إلى 35 شهيداً وعشرات الجرحى من المدنيين. وجاءت هذه المجزرة ضمن موجة من التصعيد بالطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة على قرى ريف حماة الشمالي وريف جسر الشغور وريف حلب الغربي، كانت قد بلغت ذروتها ليلة الجمعة.
بالمقابل، نفّذت فصائل المعارضة قصفاً واسعاً بصواريخ الغراد والمدفعية الثقيلة على عدة مواقع للنظام شمالي حماة وغربي حلب وفي نبل والزهراء رداً على تصعيد النظام، وهو ما تلاه تهدئةٌ نسبية وتراجعٌ في أعمال القصف منذ فجر السبت، بعد مجزرتين كبيرتين في أورم الكبرى وفي بلدة خان شيخون جنوبي إدلب، بالإضافة إلى عشرات الضحايا والجرحى الذين سقطوا في عدة بلدات أخرى بريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي.
جاء التصعيد الأخير بالتوازي مع حشد النظام وحلفائه مزيداً من القوات على جبهات ريف اللاذقية وجسر الشغور وسهل الغاب، وسط تخوف دولي من نتائج أي عمليات عسكرية واسعة في إدلب. وكان يان إيغلاند، رئيس فريق مهمّات الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، قد قال إنه «لا يمكن السماح بامتداد الحرب إلى إدلب»، ودعا إلى العمل على تجنب «حمام دم في إدلب»، محذراً من أن الوضع قد يسوء أكثر بمئة مرة إذا ما نفذ النظام تهديداته وقام بعمليات عسكرية في المنطقة.
وفي سياق متصل، قامت كل من الجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام بتنفيذ عمليات أمنية واسعة النطاق في محافظة إدلب وغربي حلب خلال الأسبوع الماضي، لاعتقال ما أسموهم عرابي المصالحات مع النظام. وأفاد مصدر عسكري لصحيفة عنب بلدي أن عدداً من الأشخاص المرتبطين بالنظام كانوا يحضّرون لإخراج مظاهرات مؤيدة للنظام، بهدف تسهيل تقدم قواته إلى عدة بلدات بحجة أن الأهالي يطلبون ذلك. ويبدو أن هذه العمليات كانت تهدف إلى استباق تحرك لتنفيذ مصالحات محلية أو تحركات مماثلة داخل إدلب، على غرار تلك التي جرت أثناء معارك درعا، وكانت من بين العوامل التي أدّت إلى تفتيت جبهات القتال مع النظام، وسيطرته على مناطق واسعة جنوب سوريا بطريقة مفاجئة.
إلا أن هذه التحركات قد لا تكون سوى محاولة من فصائل إدلب لإعطاء انطباع بأنها تتحرك على عدة مستويات، ومنها الأمني، لوقف قوات النظام، إذ قال مصدرٌ مطلعٌ على مجريات العمليات الأمنية الأخيرة للجمهورية إن الشخصيات التي أُلقي القبض عليها معروفةٌ منذ زمن طويل، وكان يتم استخدامها لنقل الرسائل المتبادلة مع النظام، مثل التفاوض على التهدئة أو فتح المعابر بين مناطق النظام والمعارضة، لتبدو هذه العملية الأمنية بمثابة قطع لآخر صلة وصل مع النظام.
جاءت التطورات خلال الأسبوع الفائت في إدلب، وخاصة بعد حملة القصف العنيف، لتعطي مؤشرات على اقتراب عمليات النظام العسكرية على المنطقة، إلا أن حشود النظام التي تركزت في مناطق سهل الغاب وجسر الشغور وريف اللاذقية، لا تسمح له بفتح معركة واسعة على جبهات المنطقة الممتدة من ريف حلب الغربي إلى محافظة إدلب وريف اللاذقية وريف حماة الشمالي، ولهذا فإن من المرجّح أن تقتصر عمليات النظام على جبهات جسر الشغور وسهل الغاب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الردّ العسكري الموسع الذي قامت به فصائل المعارضة إثرَ بِدء النظام حملة القصف الجوي خلال الأيام الماضية، ربما يدفع النظام إلى إعادة حسابته العسكرية في منطقة تضمّ أعداداً كبيرة من المقاتلين.
وعلى أي حال، فإن الاتفاقات والتفاهمات بين موسكو وأنقرة ستكون العامل الحاسم بخصوص الوضع في إدلب، فيما سيواصل النظام التحرك ضمن هوامش عسكرية محدودة نسبياً هناك، بانتظار أن يتم تحديد مصير المنطقة التي تضم اليوم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة بين نازحين وسكان محليين.