«إنها أرضنا سنعيش فيها ونموت فيها»، هكذا عبّر الحاج الخمسيني حسين الأخرس عن رفضه فكرة النزوح إلى أي مكان على وقع تهديدات النظام السوري وحلفائه المستمرة باجتياح إدلب، ويقول أيضاً: «إن تراءى للنظام بأنه سيقضي على ثورة الشعب السوري بسيطرته على إدلب فهو مخطئ تماماً، لأن ثورة الشعب لا تهزم، وتطلّعُنا للحرية بات حقيقة تجري في عروق كل السوريين، ومهما حاول النظام أن يغطي الحقيقة بقوته وجبروته لن يستطيع ذلك».
الحاج حسين لا يقول إن النظام سيفشل حتماً في التقدم داخل إدلب، لكنه يؤكد أن تقدمه هذا لن ينهي الثورة، كما يؤكد أنه لن يغادر أرضه، أما بالنسبة للمُدرّسة حنان العلوان (35 عاماً) فهي لن تغامر بحياتها وحياة أبنائها إن حدث الهجوم فعلاً، بل هي عازمة على التوجه نحو المناطق الحدودية بحثاً عن طريقة لدخول الأراضي التركية حتى إن كان ذلك عن طريق مهربين، حالها في ذلك حال آلاف من المدنيين الذين سيحاولون الأمر نفسه كما تقول: «ليس من الحكمة أن نبقى تحت النار وقصف النظام وحصاره، نحن المدنيون لا نستطيع سوى المغادرة بأطفالنا وأرواحنا، لان بقاءنا بلا فائدة، بل إنه ربما يشكل عائقاً أمام دفاع الفصائل عن المنطقة».
يحاول سكان محافظة إدلب ومحيطها التمسك بهدوئهم ومتابعة حياتهم، فالأفران تعمل والأسواق مزدحمة ومدارس كثيرة فتحت أبوابها مع بداية العام الدراسي الجديد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: على ماذا يعوّل أبناء إدلب والمُهجّرون إليها في مواجهة نظام مجرم استعان بميليشيات وقوى أجنبية لفرض سيطرته على كامل الأراضي السورية والقضاء على الثورة؟
لا يزال كثيرون متمسكين بالوعود التركية، إذ تبذل تركيا جهوداً لتجنيب إدلب عملية عسكرية كبيرة يهدد النظام بها منذ أسابيع، والمحافظة تحظى باهتمام تركي كونها منطقة واسعة جغرافياً وملاصقة للحدود التركية، ويقطنها حوالي أربعة ملايين إنسان وفق التقديرات، غالبيتهم من النازحين إليها، كما أنها متصلة جغرافياً بمناطق السيطرة التركية في عفرين وريف حلب الشمالي، ذلك فضلاً عن التواجد التركي الميداني في المحافظة عبر نقاط المراقبة المنتشرة على أطرافها.
الناشط الإعلامي صهيب الكامل (39 عاماً) يرى أن تواجد نقاط المراقبة التركية في مناطق متفرقة في ريف إدلب يمنح الأهالي بعضاً من الأمل بعدم إمكانية مهاجمة المحافظة من قبل النظام، مُرجّحاً أن «الحكومة التركية لم ترسل قواتها إلى إدلب عن عبث، فتلك القوات لم تأتي للتنزه وإنما لضمان جعل هذه المنطقة آمنة من أي هجوم عسكري عليها بحسب اتفاقات أستانا التي تضمنها روسيا وإيران وتركيا». ويضيف الكامل أن تركيا تعمل وبشكل جاد لمنع أي حرب على إدلب، لأن ذلك سيعني تدفق أعداد جديدة وكبيرة من اللاجئين باتجاهها، ولن يكون باستطاعتها ضبط الحدود مما قد يتسبب بأضرار كبيرة لها.
لكن بالمقابل، يرى المحامي نذير السميح (40 عاماً) بأنه من الخطأ الثقة العمياء بتركيا، فهي في النهاية دولة تسعى وراء مصالحها ولن تعرّض أمنها للخطر «من أجل عيون إدلب والسوريين» وفق تعبيره. يضيف: «ألم تكن قد وعدت سابقاً بعدم السماح للنظام بالسيطرة على حلب، ولكن ما الذي حدث؟ لقد قامت بتسليمها مقابل اتفاقيات خفيّة جرت بينها وبين روسيا وإيران على تسليمها عفرين». ولذلك فإن السميح يحذر من مغبة ما أسماه خيبة الأمل إن خذلت أنقرة السوريين في إدلب، ويرى أنه ينبغي اتخاذ كافة الوسائل لمجابهة الأمر بعيداً عن التمسك بحماية الأتراك ودعمهم، فالأمر أشبه ما يكون «بوهم وكذبة كبيرة» على حدّ تعبيره.
من جهته، يستشهد الطبيب حيان البديع بالمثل الشعبي القائل «الغريق بيتمسك بقشة» في إشارة منه إلى أن المدنيين لا يملكون ما يجعلهم يبقون في منازلهم ومناطقهم سوى الأمل بحلّ سلمي تحاول تركيا الوصول إليه: «ربما تكون تركيا جادة هذه المرة بحماية إدلب، لأن الأمر يتعلق بأربعة ملايين مدني قد يُضافون إلى عدد اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها».
وكان الآلاف من أبناء إدلب قد تظاهروا يوم الجمعة الماضي في ساحات مدن وقرى إدلب وشوارعها، في محاولة منهم للتعبير عن رفضهم التام لتقدم النظام باتجاه إدلب ومهاجمتها، ورفعوا أعلام الثورة وهتفوا بشعاراتها وشعارات مناهضة للنظام. كذلك حمل بعض هؤلاء المتظاهرين أعلاماً تركية، وطالبوا تركيا بحماية المنطقة، كما أن بعض الشعارات تضمنت طلباً بفرض الوصاية التركية على المنطقة لتجنيبها المذبحة والتهجير.
أحمد الصدير (32 عاماً) كان أحد المتظاهرين، وهو يقول إن المجتمع الدولي ينبغي أن يتحمل مسؤولياته ويتدخل من أجل منع مجازر النظام في إدلب، مضيفاً أنه ينبغي فسح المجال أمام سوريا ديموقراطية تضم كل السوريين، لكن ما يحصل هو إفساح المجال أمام سوريا «تُهجّر السوريين وتضمّ الروس والإيرانيين». أما المهندس هيثم التناري (28 عاماً) فيقول: «إذا اعتبروا أن جبهة النصرة إرهابية ويهاجموننا بسببها، فلماذا لا تُطبّق قوانينهم هذه على كل من حزب الله وفيلق القدس؟ لقد تعبنا من سياسة العقاب الجماعي وقتل الأبرياء والمدنيين بسبب الإرهاب».
يبدو واضحاً تأثير المجازر المخيفة التي ارتكبها النظام في أنحاء سوريا بدعم روسي وإيراني، وأفضت إلى استعادته السيطرة على مناطق واسعة آخرها الغوطة الشرقية ودرعا. ويحشد النظام قواته على أطراف إدلب اليوم، معلناً استعداده لتكرار السيناريوهات نفسها، لكن فصائل المعارضة تؤكد أن الأمر سيكون مختلفاً في إدلب، ويقول أحد القياديين الميدانيين فيها، أبو محمد الحموي: «إدلب ليست درعا وليست الغوطة، بل ستكون مقبرة لنظام الأسد إن حاول دخولها براً. ربما يستطيع الروس تدميرها بسلاح الجو، ولكن لن يكون من السهل على النظام التقدم شبراً واحداً، ونحن مستعدون لكل الاحتمالات وأعددنا العدة لذلك».
تتواجد في إدلب اليوم خمسة فصائل رئيسية، أكبرها الجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى جيش العزة وكتيبة البخاري الأوزبكية والحزب الإسلامي التركستاني، وفصائل أخرى صغيرة. ويشير الحموي إلى أن عدد مقاتلي هذه الفصائل وتسليحها وتدريبها، وتوحد بعضها مؤخراً، لن يسمح للنظام بالتقدم، وبما أنه لا يوجد إدلب أخرى يلجؤون إليها، فإن المقاتلين سوف يستميتون في القتال والدفاع عن مناطقهم.
لكن الحقوقية سهام العلي (35 عاماً) تذهب إلى القول إن الفصائل في إدلب كثيرة وقوية وتستطيع أن تهزم النظام، وذلك فقط إن «عملت على تجاوز خلافاتها وتوحيد قياداتها والتخلي عن العنجهية والبحث عن النفوذ والسلطة، عندها فقط سينتهي تشرذمها وستحقق شيئاً إيجابياً لصالح حماية المناطق المحررة، أما وأنها لا زالت على تفككها وتناحرها فهي لا تملك الجاهزية الكافية لصد النظام وحلفائه، والدليل على ذلك هو عدم ثقة الأهالي بها وبقدرتها، وتمسك معظمهم بخيار المساعدة أو حتى الوصاية التركية».