عند الإعلان عن تشكيلها في مطلع تشرين الثاني من العام 2017، قال رئيس «حكومة الإنقاذ» محمد الشيخ، المستقيل منذ أسابيع، إن الهدف من تشكيلها هو «العمل بسرعة للتخفيف من آلام الشعب السوري في الداخل»، و«امتلاك القرار السياسي والملفات المدنية والأمنية في الداخل السوري، لتحقيق مصالحهم والنأي بها عن الأجندات الخارجية والصراعات الفصائلية».

هذه الحكومة التي انبثقت عن هيئة تأسيسية انبثقت بدورها عن ما سميّ وقتها «المؤتمر السوري العام»، كانت منذ الإعلان عن العمل على تأسيسها محطاً للاتهامات بأنها ليست سوى واجهة لهيئة تحرير الشام، وهو ما نفاه وزراؤها والمسؤولون فيها مراراً مؤكدين استقلاليتهم، لكن الوقائع التي تلت تأسيسها جاءت مخالفة لهذا التأكيد، إذ اصطدمت بُعيد تشكلها مع الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، لتقتصر سلطة كل منهما على مناطق جغرافية محددة تسيطران فيها على المؤسسات الخدمية والمدنية تحت وصاية من الفصائل العسكرية، التي هي الحاكم الفعلي في هذه المناطق.

زجّت حكومة الإنقاذ نفسها سريعاً في خلافات «الرؤوس المتصارعة» على السيطرة، وطلبت في كانون الأول 2017، أي بعد أقل من شهر على تشكيلها، من الحكومة المؤقتة إغلاق مكاتبها، وذلك بعد رفض الأخيرة التعامل معها واتهامها بالصلة بالإرهاب وفق ما جاء على لسان مدير مكتب العلاقات العامة في الحكومة المؤقتة ياسر الحجّي من أن «الحكومة المؤقتة ترفض التعاون مع أي حكومة لها علاقة بالإرهاب».

أدى هذا الصدام إلى تشتيت العمل الإداري والمؤسساتي والخدمي وإضعافه، إذ حاولت حكومة الإنقاذ منذ تشكيلها الضغط على المجالس المحلية للاعتراف بها، مطالبة إياها بقطع علاقتها مع الحكومة المؤقتة، وهو الأمر الذي قوبل برفض العديد من المجالس، كمجلسي أريحا ومعرة النعمان. كذلك طالبت المجالسَ المحليةَ بعدم التنسيق مع أي منظمة إنسانية أو إغاثية دون العودة لها، بهدف الهيمنة على تلك المنظمات واقتطاع جزء من الدعم الذي تقدمه، وكانت تهمة التعامل مع جهات استخبارية حاضرة دائماً في حال رفضت أي منظمة هذا الأمر.

كذلك حاولت حكومة الإنقاذ فرض الهيمنة على المؤسسات التعليمية ومنها جامعة حلب الحرة، التي مُنِع الطلاب من دخولها لعدم انسياق إدارتها مع مطالب الحكومة، فاضطرت الجامعة إلى إغلاق مكاتبها في إدلب ونقلها إلى ريف حلب الغربي خارج نطاق نفوذ الإنقاذ.

لم يكن الحال أفضل في المخيمات التي نشأت خلال سنوات الثورة، فبعد ازدياد قوة حكومة الإنقاذ وتضييقها على الجمعيات والمنظمات الإنسانية، وهو ما أدى إلى توقف كثير من المنظمات عن العمل، خرجت تظاهرات عديدة في تلك المخيمات وطالبت بالسماح للمنظمات بممارسة عملها دون تدخل من الحكومة، إلا أن الأخيرة كانت تطالب المهجرين في بيانات رنانة بـ «الصبر والاحتساب».

وإذا كان تلميع هيئة تحرير الشام هو التهمة الأبرز التي واجهتها الحكومة، فإن البحث في مصادر تمويلها يبقى الملف الأكبر الذي يناقشه المدنيون «بخوف»، إذ يتساءلون عن الأموال التي قامت الحكومة بتحصيلها بعد أن فرضت مؤسساتها كجهة وحيدة ومسؤولة عن الممتلكات والمنشآت العامة والتحصيل الضريبي والمعابر في مناطق عديدة.

أغلقت حكومة الإنقاذ معبر قلعة المضيق التجاري مع النظام، الذي كان خاضعاً لسيطرة حركة أحرار الشام، وحولت العمل إلى معبر مدينة مورك التابع لهيئة تحرير الشام، وافتتحت معبر العيس التجاري في ريف حلب الجنوبي، إضافة إلى اتهامات تتعلق باستمرار سيطرتها على موارد معبر باب الهوى الحدودي بالرغم من الاتفاق على تسليمه لإدارة مدنية. كذلك قامت بإنشاء مؤسسة لاستيراد المحروقات «وتد» وبيعها بأسعار تتوافق مع أسعار السوق بدل أن تنافسها، ليأتي الردّ من أحد شيوخ العشائر في مخيمات أطمة في جلسة حضرها رئيس الحكومة وبعض وزرائه، بمطالبتهم بنقل أغراضهم ومتاعهم والسكن في المخيمات وركوب الدراجات النارية والجلوس في المحلات التجارية، ومن ثم إصدار مثل هذه القرارات.

«تغيب حكومة الإنقاذ في كل مرة نحتاج إليها، وأمام كل استحقاق حقيقي»، يقول أبو أحمد النازح من ريف إدلب الجنوبي، فخلال عمليات التهجير الأخيرة لم تقم حكومة الإنقاذ بأي إجراء من شأنه المساعدة في حل مشاكل النازحين.

«ما ساعدنا حدا غير المنظمات، وما شفنا لا حكومة ولا وزارة»، هكذا وصف الرجل الخمسيني محمد جمال المُهجر من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوبي دمشق، الحال في إدلب. محمد جمال لا يعرف ما هي حكومة الإنقاذ، لكنه يعرف أن مسؤولين في جمعيات إنسانية استقبلوه وعائلته المؤلفة من سبعة أشخاص، في معبر قلعة المضيق شمال غربي مدينة حماة، ونقلوهم إلى مخيم مؤقت لاستقبال المهجرين، قرب مدينة معرة مصرين، شمال مدينة إدلب.

يقول المهندس محمد الشامي مدير فريق «منسقو الاستجابة في الشمال السوري» للجمهورية، إنه لم يلحظ أي نشاط لحكومة الإنقاذ في استقبال المهجرين أثناء عمليات التهجير القسري نحو الشمال السوري، واقتصر العمل في الاستقبال والإيواء على الفريق والمنظمات العاملة في مجال الدعم الغذائي والصحي فقط. ويضيف أن إدارة شؤون المهجرين التابعة لحكومة الإنقاذ تعمل بكثافة على استقطاب المهجرين إلى المخيمات الواقعة تحت سيطرتها في منطقتي حارم وسلقين، وقد نجحت في بعض الحالات، حيث استقبلت عائلات في تلك المخيمات والمراكز التابعة لها، لكن اصطدام المهجرين بالواقع المتمثل بالإهمال المتعمد لأغلب الفئات، وحصر الدعم بفئات معينة محسوبة على حكومة الإنقاذ فقط، أدى الى خروج كثير من المهجرين والبحث عن أماكن بديلة للاستقرار.

ويشير الشامي إلى أن دور الحكومة لم يقتصر على عدم المساعدة في عمليات استقبال المهجرين أو الإيواء، بل قامت بالتضييق على المنظمات بحيث لم تستطع الاستجابة بشكل فعال لعمليات التهجير بشكل فوري، وذلك من خلال طلبها مراجعة المنظمات لمكاتب الإنقاذ وحصر العمل بها.

واستولت إدارة شؤون المهجرين التابعة للإنقاذ على تجمع عطاء السكني الثاني التابع للجمعية في بلدة أطمة، وذلك دون مراعاة لموافقة جمعية عطاء وملكيتها للتجمع السكني، ودون احترام أحقية العائلات المهجرة من الغوطة وحمص الموعودة بالسكن في هذه الوحدات، ودون تقدير للاتفاقيات الموقعة بين الجمعية والداعمين. وأوضحت الجمعية أن الإدارة قامت بالاستيلاء على أكثر من نصف الوحدات السكنية بعد خلع الأبواب، وأسكنت عائلات موالية لها فيها، من بينها عناصر ينتمون لهيئة تحرير الشام، قدموا من محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سوريا.

في ظل التهديدات الأخيرة التي يطلقها النظام والروس، وفي وقت تتالي فيه الاجتماعات الدولية للبحث في مصير إدلب، ويصعد النظام وحلفاؤه من قصفهم، اتجهت أنظار كثير من سكان إدلب ومحطيها إلى حكومة الإنقاذ، إذ رغم تأكد الجميع من أنها ليست سوى واجهة لهيئة تحرير الشام، إلا أن بعض السكان كانوا ينتظرون منها أن تكون حاضرة في هذه الظروف بعد أن بذلت جهوداً كبيرة للسيطرة على الموارد والمؤسسات في مناطق عديدة، لكنها لم تظهر على أي صعيد، فيما بدأت الأطراف التي لم تستطع تلك الحكومة الهيمنة عليها، كالدفاع المدني ومديرة صحة إدلب، باتخاذ إجراءاتها بشكل منفرد لمواجهة التطورات المحتملة.

يقول «عدنان»، وهو ناشط مدني في إدلب، للجمهورية: «ليس لحكومة الإنقاذ من اسمها نصيب»، فـ «حكومات الإنقاذ» تتشكل برأيه للتعامل مع أزمات سياسية أو تحديات اقتصادية في ظروف غير طبيعية، لا لتكون «حكومة جباية للأموال، وتلميع لفصائل عسكرية، وتقسيم لمناطق وحّدتها مطالب معينة –كالثورة- وفرّقها سياسيون وعسكريون»، ليخلص إلى القول: «كنا ننتظر مشاركتهم في الحراك الشعبي ولو على سبيل التظاهر، أو بمؤتمر صحفي يشرحون فيه طبيعة المرحلة ورؤيتهم حول ما سيكون، أو من خلال لقاء يخرج ببيان يشاركون فيه الأهالي والفعاليات المدنية حول الخيارات القادمة، لكنهم ومنذ البداية كانوا واجهة لهيئة تحرير الشام، وصورة نمطية عن الحكومات التي تتبع لفصيل عسكري لتُضفي عليه بعض الشرعية، من خلال مأسسة عمله وتأمين ما يلزم لفرض سيطرته»، وهو يرى فوق ذلك أن «حكومة الإنقاذ فشلت حتى في أداء هذا الدور».

تعرضت حكومة الإنقاذ لهزّات كادت تؤدي إلى حلّها عدة مرات، وذلك على خلفية توترات فصائلية في إدلب، إلا أن القبضة الأمنية للهيئة كانت تقف حائلاً بين الوزراء والاستقالة في كل مرة. وفي النهاية استقال رئيسها الدكتور محمد الشيخ ومعه عدد من الوزراء قبل أسابيع، وهو ما اعتبره كثيرون نهاية لهذه التجربة، لكن الحكومة أعلنت أنها مستمرة في عملها، وأن وزير التربية والتعليم فيها، جمال شحود، سيقوم بأعمال رئيس الحكومة بالوكالة حتى يتم تعيين رئيس جديد، فيما تمّ تداول أنباء عن هروب كثير من موظفيها المستقيلين إلى تركيا.

خلال أشهر نشاطها، لم تفعل حكومة الإنقاذ شيئاً سوى محاولة فرض نفسها على المؤسسات والمنظمات والسكان في إدلب، والمساهمة في المزيد من الصراعات والفرقة، وجباية الأموال التي لم يعرف أحدٌ أين ذهبت ولا كيف تم إنفاقها، ليختم الوزراء فيها سيرتهم بالاختفاء دون بيان أو توضيح أو اعتذار، فيما تواجه مناطق عملهم المفترضة لحظات مفصلية من تاريخها.