«فتح الباب، دفشني بقوّة، خبط وجهي بالحيط… المكان صغير كتير، قَلّي: لا تندار لورا. فَكّ الكلبشا من أيدي، حذّرني: لا تلتفت! شال القماش عن عيوني، طلِع وقفل الباب… التفتت أنا، وإلا بشوف حالي بمنفرده، متر بمتر».

هكذا بدأت أولى لحظات الأستاذ رأفت، كما طلب أن نسميه، في سجنٍ لداعش، في ضواحي الرقة. يفتح رأفت ذراعيه، واصفاً حجم سجنه الانفرادي: «كانت هيك… متر بمتر، إذا بدك تقعد يا دوب تحسن، وخاصة أنو متل مانك شايف، صحتي وطولي مناح».

رأفت الذي بدأ الثلاثين من عمره، شاب وسيم، طويل القامة، يعتني بأدق تفاصيل مظهره، كلامه، هندامه، كل ما فيه يوحي بالوقار والاحترام، لم ينهِ سنته الأخيرة في قسم اللغة العربية بكلية الآداب بحلب، عندما اندلعت الثورة، لكنه بدأ في وقت مبكر أثناء دراسته بممارسة مهنة التعليم، في بلدته إعزاز بريف حلب الشمالي.

باحثاً عن الأمان، نزح رأفت، عندما اجتاح جيش نظام بشار الأسد ريف حلب الشمالي أواخر العام 2012، فكانت الرقة التي يقيم فيها أخواله الملجأ والمستقرّ. تابع عمله فيها، وبدأ تأسيس حياته.

يتابع رأفت سرد حكايته:

«ماني عرفان وين حطّوني، صارت تعتم الدنيا، حتى ما بقيت أشوف شي خالص… ظلام، ما في كهربا، ماني شايف شي، صوت كلاب وحفيف أوراق الشجر جاي من بعيد، هاد كل اللي عم بسمعه، يبدو إنه السجن ببريّة أو غابة.

وين صرت أنا! قبل ساعتين كنت عم بشمّ هوا مع رفقاتي وعم بحكي مع أهلي، ومع الأستاذ مكرّم، وهلأ صرت بهاد الظرف… صرت ألوم حالي، ليش ضليت عند داعش بالرقة؟ ليه ما رجعت عند أهلي [في إعزاز]؟

بعد ساعة وأنا سارح بالماضي، سمعت صوت واحد! باينته بالعشرينات، عم يصيح: يا شيخ، يا شيييخ. قلت: في حدا هون!؟. عند اللي قلتها رجِع الشب يصيح، وكأنه مانه سمعاني، كررت: في حدا هون معي!؟. ردّ واحد كأنه بغرفة حدّي، بقلي: أي، أي يا شيخ، بي… بي شثير [كثير].

قلتله: أنت من وين؟

قلي: أنا من عيون عيسى.

– شقد صرلك هون؟

– صرلي 3 شهور.

– في حدا معناها هون؟

– في كتير.

رجع واحد ردّ كمان، أجا صوته من الطرف التاني، قلّي: أنا كمان معك هون. هاد وهداك معتقلين مع بعض بنفس الليلة، هني قرايبين.

– أش وضعكم انتو؟

– ولله نحنا كنا طالعين بالليل بسيارة هونداي، وقفنا بيكاب [تابع لداعش]، أخدوا السيارة، زتونا هين، وللحين ما حدا أجا قلّنا وينكم؟

– طيب، شلون عم تاكلو؟ شلون عم تشربوا!؟

– والله كل ثلاث تيام بجيبولنا صحن، منضلّ ناكل منه حتى يخرب.

مرّت حوالي أربع ساعات، تدايقت، بدي أروح ع التواليت: يا شيخ يا شيخ. صرت أدق الباب، المساجين ردّوا علي: لا تصيح… ما في حدا! ما في حدا! راحوا وما بيرجعوا [الدواعش] لتاني نهار العصر.

«طيب بدي أطلع ع التواليت»، صاروا يضحكوا! «شلون عم تدبروا حالكم؟»، قال: نحنا تعودنا… صرنا وقت اللي يجوا نطلع ع الحمام، نعرف حالنا لتاني نهار ما رح نرجع نطلع.

«طيّب أنا هلأ بدي أطلع ع التواليت، شو أعمل؟»، قال: دبر حالك!. صبرت، صبرت، ما عاد أتحمل، صرت ألمّس حواليي لأنو عتمه، حتى مسكت قنينه مي، شلفها السجّان أول ما حطّني بالمنفرده، ما شربت منها ولا شفّة، رحت فضيتها، وبوّلت فيها… ما في شي من الإنسانيّة بها المكان».

ما لمستُهُ من حديث رأفت كان حالة الصراع مع الكبرياء التي عاشها في ساعته الأولى في «المنفردة»، كيف يعيش في مثل هذا المكان؟ وهو الأستاذ، المُكرّم والمحترم في القرية التي لجأ إليها شمال الرقة.

يحبّه أهل القرية البالغ عددهم نحو 10 آلاف، فلا تمرّ مناسبة إلّا ويكون على رأس المدعوين. مدرسٌ غريبٌ عن القرية، من القلة الذين يجيدون القراءة والكتابة فيها، لذلك يقدمه المصلون لإمامة الصلاة في بالمسجد عندما يغيب الشيخ، رغم أن «ستايله»، بنطال «الجينز»، وتسريحة شعره، لا يناسبان هذا المقام، حسب رأيه:

«طبعاً أنا مسجون بمنطقة ما فيا ضو ولا فيا شي. انعدم عندي الوقت والزمن، ما عدت أعرف شي. بعد ما مضي الليل، حسيّت أنه دخل شي من النور ع المكان، يبدو طلعت الشمس، نسأل بعض [المساجين]: يا شباب اشقدّ صارت الساعة؟ واحد يقول 8 واحد يقول 6 واحد 7.

وضع نفسي سيء، ما بتعرف شي، بعد ساعات… سمعنا صوت سيارة جاي من بعيد، عند اللي سمعوها قالوا [المساجين]: هه… جمّ [جاؤوا]. يقرّب الصوت شوي شوي، بعدين بصير بسمع صوت أجريهن، المعتقل مو كبير كتير. فاتوا علينا وصار يفتحوا طاقيه الزنازين وحدة وحدة، يطلّع [العنصر] يشوف أش وضع السجين ويضلّ ماشي، وصل عندي، كان ملتم [ملثم] ولابس جمدانه سمنيّه. شافني ومشي. «يا شيخ يا شيخ»، ما ردّ. رجعت صحت: يا شيخ يا شيخ. قال: أش بيك؟ أش تريد؟ قلتله: بدي أروح ع التواليت، أتوضى، أصلي! أنتوا حابسينا من مبارح لليوم، ما بتقولوا هدول البشر أش صار فين!؟.

بعد شوي، فتحلي الباب، قال: أطلع. وإذ كريدور بعرض متر، وع اليمين وع اليسار كلها منفردات، اخدني ع الحمامات توضيت وغسلت، دخلني ع المنفردة وحمل حاله وراح!

كملوا مع باقي الزنازين، حطوا بكل غرفه بطاطا مسلوقة، حملوا حالن وراحو. صرت اضرب راسي ع الحيط ندم، ليش عملت بحالي هيك، ليش ما رميت الموبايل».

يوم اعتقال رأفت، صيف العام 2016، كان عائداً إلى القرية من جولة بغرض الفسحة في يوم شديد الحرّ، عندما أوقفه حاجز لداعش. لاحظَ أحدُ العناصر أن هاتف رأفت الجوال يتدلى من جيب قميصه. «فتحلنا الجوال يا شيخ»، قال العنصر. لم يتردد رأفت، فقد اعتاد على مسح كل شيء في جهازه أولاً بأول، لكن لسوء حظه، اتصل الجوال في تلك اللحظة بشبكة «الواي فاي» التي تُغطّي القرية، وبدأت الرسائل تصل تباعاً، الموبايل يرن، الداعشي يقرأ، ينظر إلى رأفت، ويهزّ برأسه، اجتمع كل عناصر الحاجز على الجوال، ينظرون إليه، يهزون برؤوسهم، والحقد يقطر من ووجوهم… عصبوا عيناه، شدوا حزاماً على يديه، وضعوه في «البيك آب»، وبعد ساعات طويلة من المسير، وجد نفسه في هذا المعتقل:

«المهم تاني نهار، وع نفس الموعد أجت السيارة، انفتحت الطاقية اللي بالباب، وإذ «أبو حمد الجزراوي». قلتله: أبو حمد… أبو حمد!!. قلي: منو أبو حمد؟ أنا ماني أبو حمد. قلتله: أنا رأفت ما عرفتني! قلّي: آني ما أعرفك، مين أنت؟ أش تريد؟ قلتله: يا شيخ أنتو حاطيني هون، هاد مو مكاني! أنت بتعرفني ما بناسبني هيك مكان… بدي أتوضى، بدي لأصلي.

سكّر الباب وراح. بعد ست أيام، أجوا [الدواعش] قال: إفراج! أجا أبو حمد نفسه قلي: أستاذ رأفت، جهّز حالك لتطلع.

حسّيت الحياة رجعت لي… قمت مباشره صليت شكر لله، طلعت لقيت خمس شباب صافيين ع الحيط، إفراج متلي، قلتله للأمير أبو حمد: ما عرفتني شيخ؟ أنا رأفت. قلّي: شيخ… سامحني، نحنا أخوان. وقال للعنصر: أشفي عندو أمانات جيبوها. جابولي بيجمتي ومصراتي والطاقية، قلتله: شيخ… والجوال؟، قال: الجوال بيضل عنا، بكرا بتجي… شايف هاد البناء الأبيض؟ بتجي عليه بتاخده.

طالعونا من السجن، رحت مشي 2 كيلو متر ع بيتي، طبعاً السجن قريب من الضيعة، بس ضلوا فيني بالسيارة 3 ساعات وأنا مطمّش مشان ما أعرف وين أنا… طلعت… وأنا ميّت من الفرح.

وصلت ع البيت، كان في نسوان عم ينشروا غسيل، نزلوا، الجيران نزلوا، الحلاق ترك زبونه وأجا، اجتمعوا عليّ 15 أو 20 شخص، يبوسوني: الحمد لله ع السلامة… الحمد لله ع السلامة».

اللافتُ هو أن رأفت معروفٌ لدى جميع سكان القرية التي نزح إليها، حتى أولئك الدواعش منهم، فيلقبونه «الأستاذ رأفت»، أمّا «أبو حمد الجزراوي» فهو أمير داعش في المنطقة، لكن الأخير الذي أنكر معرفته أولاً برأفت لم يكن السبب وراء حكم الإفراج، وإنما كان السبب عفو عام بمناسبة بداية شهر رمضان.

يتابع رأفت سرد قصته بحماس ولهفه، وكأنه أفرج عنه للتو. يصمت، ثم يقول متأسفاً: «بس الجوال ضلّ معهم»، وهذا ما شكّل هاجساً يلازمه على الدوام:

«ما أنام ببيتي، كل يوم أنام عند رفيق من الخوف، فتحت موبايل رفيقي لقيت رقمي متصل ع الواتس آب! حكيت مع أهلي ورفقاتي، قلتلهم: لا تبعتوا شي ع رقمي. رفقاتي يقنعوني روح خود جوالك: لو في عليك شي رح ياخدوك، الأمير قلك تعا بكرا خود جوالك، أنت صرلك تلات أيام طالع من السجن.

بهي الفترة كلّ يوم يبعتلي [الأمير أبو حمد] مع شخص أنو تعا خود جوالك، أنا ما أروح… ما أستجر… أخاف. شجّعوني رفقاتي، قالولي: منروح معك، ويا ولد روح خود الجوال، لأن إذا ما رحت معناها أنت خايف وفي عليك شي، ومانن عجزانين [الدواعش] يطوقوا الضيعة، ويشحطوك، إذا فعلاً مطلوب.

طلعت بالسيارة مع رفقاتي، وأنا أجريّ هيك عم تعمل [يهزّ بقدميه]. وصلت لعند مقر للدولة [داعش]، وإلا شفنا بيكاب عليه طين، جواته هاد الأمير نفسه [أبو حمد الجزرواي]، قلّي: أستاذ رأفت… تعا، تعا!. نزلت من السيارة، وصلت عنده، وإلا فتح باب البيكاب قلي: إركب. ركبت، ورفقاتي عم يطلعوا علي.

شغّل السيارة ومشينا، وصلنا ع نفس السجن اللي كنت فيه، قال للحارس: أسجنه!!

يا شيخ طول بالك، أشفي! مو طلعت براءة؟ أش في عليّ؟ ما ردّ ولا كلمة… نزّلني وراح!

دخلت ع السجن مرة تانية، قلّي السجّان: مو أنت كنت مسجون من كم نهار وطلعت؟ قلتله: أي، جيت آخد جوالي. قلي: أش في عليك أنت طيب؟ أش في بجوالك؟ قلتله: والله ما بعرف، جيت ع طلب الأمير، يضلّ يبعتلي تعا خود جوالك… تعا خده.

أنا شخص بحالي ما عندي أي نشاط ضدن [داعش]، قلتله: يا شيخ… بس سألي أش في! ليش اعتقلوني؟ راح بعد ساعتين إجا، فتح باب المنفردة وجبلي مي. قلّي: بعد ربع ساعة بيأذن المغرب، مشان تفطر. لأن ما منسمع الأذان جوا السجن.

تاني يوم… أجا السجّان لعندي، قلّي: جهّز حالكـ بدك تطلع. سألت: براءة!؟ قال: لا، بدن يحولوك ع الرقة [المدينة].

بعد شوي أجوا تنين ضخام شحطوني، ركّبوني بالمقعد الخلفي للسيارة، ع يساري واحد وع يميني واحد، عصروني عصر! كل واحد أضخم من التاني.

– يا شيخ أحكولي، أش القصة؟ ليش جايبيني ع السجن؟ أنا طلعت بعفو.

ألحزّ تعرف شنو رح يصير بيك [يجيب السائق وهو ينظر إلى رأفت من المرآة أمامه].,. ألحزّ بس يقصون راسك تعرف شنو قصتك، تحشي [تتكلم] ع الدولة الإسلاميّة… آه؟ تريد تشوّه سمعة الدولة الإسلامية أنت… آه؟ أحنا ما نخاف الله؟».

يتذكر رأفت الموقف في السيارة، وكأنه ماثلٌ أمامه الآن، تتغير ملامحه عندما يقلّد كلام السائق مطلقاً وعيده. لقد كان هذا الموقف لحظة حاسمة بالنسبة له، فعندما سمع السؤال الاستنكاري «إحنا ما نخاف الله؟»، أيقنَ أنهم قد استرجعوا كل صورة وكل كلمة كتبها على الموبايل، فقد قال لأحد أصدقائه على الواتس آب قبل أيام: «دير بالك… هدول الدواعش ما بخافوا الله»:

«صرت أتذكر أش حاكي بالموبايل، أقلّ حرف حكيته عليهن [الدواعش] صار بين عيوني، متل اللي بده يموت بصير يستذكر أي شي سيء سوّاه… أقول لحالي بس ما يكون استعادوا هل المحادثة! وأعضّ أصابيعي ندم…

وصلنا ع الرقة، ع محكمة الدولة الإسلامية، وإذ أشوف صديق إلي، عندو قضية عم يحلّها. حاول يقرّب لعندي، منعو العنصر بأيده، قلّه: أرجع يا شيخ… أرجع. أشرلي بإيدو أنو أش في؟ قلتله: بس خبر خوالي أنو أنا هون. قلّي: ماشي… ماشي أستاذ رأفت.

مبنى المحكمة كان سابقاً مبنى مالية عم يعمرّه النظام، مبنى ضخم جداً، على كامل مساحته من تحت في قبو، كامل القبو عاملينو منفردات [زنازين]، كل متر باب… كل متر باب، يعني في عندك 25 جناح، بكل جناح في شي 50 منفردة، ع اليمين وع اليسار.

فتت. سجلولي أسمي بالديوان، عملولي أضبارة، وحطوني بالمنفردة… عينك ما تشوف هيك منفردة، قصدي هيك تواليت، هيي فعلاً تواليت، الريحة بتقتل، كأني حابس فيها تيس لمدة سنة! بياكل وبيشرب وبسويها تحتو! السفنجة اللي حطانيها بأرض المنفردة عليها بجي 50 لطعة كل لطعه لون، ما بتعرف أش مصدرها، أول ما بتفوت بدك تسكر أنفك، مستحيل تستنشق الهوا كاملاً، لأني الريحة بدها تضرب بأنفك وتدوخ!

قفل [السجان] الباب وطلع. لحالي بين أربع حيطان، عم أسمع أصوات مشكّل ملوّن، القبو مليان مساجين، عند اللي سكّر الباب وراح، صاروا يصيحوا [المساجين]: مين جا… مين جا… مين اللي أجا جديد؟ صحت: أنا اللي جيت جديد. قالوا: أش وضعك؟ قلت: هيك هيك قصتي، مين أنتوا؟ قال: نحنا مسجونين متل حكايتك.

سألت: يا جماعة في حدا هون مسجون صرله شهر؟ قلّي واحد: شهر!!؟ عمو… آني صرلي سنة وثلاث شهور. طيب عمي أشو قصتك؟ يقلّي: والله يا وليدي آني ما أعرف شنو قصتي.

واحد شوفير كميون، حاكي مع مرتو بالجوال، معصّب، وكتب لفظ كفر بذات الله. ع الحاجز موقفينو آخدين جواله، ملاقين محادثته مع مرته، جابوه ع السجن، قالولو أنت حكمك قصّ [ذبح]، أنت كافر بالله، بكل إرادة والتصميم. لأنها كاتبها كتابة، مو لفظ لسان.

الشوفير أصلو لادقاني، قلتله: أش بدك تسوي؟ قال: شو بدي أعمل، عم أستنا فرج رب العالمين. كان صار له ست شهور.

واحد عم يحكي معي بكل برود وزهد، بده قصّة تسليه: عمو… أنت… أحكيلنا شنو ﭼصتك.. سولفلنا! قلت: والله يا شيخ هيك هيك القصة. قلّي: والله يا وليدي، الله يكون بعونك، من وين ـنت؟ قلتله: أنا بالأصل من إعزاز من حلب، قال: اااااه، بيّنت، بيّنت. قلتله: أشو عمو، أحكيلي؟ قلي: يا وليدي أنتا من المنطقة ذيش [إعزاز]، وهمّا أي واحد من منطقة يحاربونها يمسكونه، البارح مسكوا واحد من عفرين، كردي، ومبارح قصوه [ذبحوه] ما كمل ليلية عنا بالسجن!

قلتله: عمي كل واحد بمسكوه من منطقة ضدن بدن يقصوه؟ قلّي: يا أبني مو بس حالة وحدة، صار يمكن ثلاث حالات أو أربع، مثل حالتك تمام… ﭼصوهم… يا وليدي أدعي لربك واستغفر، والله أعلم مصيرك مثل مصيرهم! يا وليدي ما أريد أضحك عليك، اغتنم الوقت وادعي لربك، بلكي الله يغفرلك، ما حدا ينقذك غير رب العالمين.

سألتن: يا جماعة شلون القبلة؟ قالولي: حط التواليت ع يسارك بتصير باتجاه القبلة. الدعاء اللي دعيته لو ضليت عايش ألف سنة ما بدعي متله، أنت صرت في مكان ما بنجيك إلا ربك.

بنفس الوقت عم أسترجع ذكرياتي وأبكي، أتذكر أهلي… أتذكر أخوتي الصغار… أتذكر أمي أقول لحالي: هلأ شو بدو يصير فيها؟ أهلي أش بدو يصير فيهن؟ أنا بدي أندبح خلص، بس كيف حياة أهلي بعد ما أندبح؟».

كل ما كان يبحث عنه رأفت في حديثه مع السجناء، الذين يسمع صوتهم ولا يراهم، بصيصُ الأمل. أملٌ يخرجه من قذاره تلك الزنزانة، ورأسه موصول بجسده:

«وقتي كله صلاة ودعاء، وحكي مع المساجين، ضليت سبع أيام ما حدا أجا لعندي، باليوم السابع أجاني السجان، قال: جهّز حالك بدك تطلع ع التحقيق.

دخلت على غرفة التحقيق، الغرفة فيها طاوله حديد، عليها سيف متل تبعات القصابين، طوله متر ونص، رفيع ومليان دم، والدبان عم يحوم عليه، بزاوية الغرفة في «بي كي سي»، وعدّة تحقيق: كرابيج وعصي… وهيك.

المحقق أبو عبد الجبار، سياف الدولة، طوله بجي مترين عرضه بجي متر، أصلع، ولابس بنتكور [شورت] تحت الركبة بشبر، وقميص شيّال، شكله متل مصارعين السومو، وجهو أبيض مدوّر، وبيلبس نضارات طبيات.

تعال لشوف ولاك! تعرف مين آني! أنا أبو عبد الجبار، أنا سياف الدولة. أول ما جيت لعندو مسكني من صدري، سحبني وكبسني بالكف، يمسكني ويشحطني بالأرض ويقلي: بدك تعترف، بدك تعترف لأي جهة عم تشتغل!؟ وليش أنت ساكن هون وما في حدا من أهلك هون؟

قلت: يا شيخ أنا ساكن هون من زمان، من لما كان النظام بعدها الجيش الحر، بعدها أنتوا أخدتوا المنطقة وضليت فيها، وأنا لو بعرف أنو عندي مشكلة معكم كان طلعت بالأساس.

يقول: بدك تعترف! يجعكني، يضربني بالبوكس على ضهري، يضربني بالرفسة على خصري، هو ضخم، رغم أنه صحتي وطولي مناح، إلا إني كنت أبيّن متل العصفور بين إيديه.

مسك كرباج أسود، ضربني فيه، جاب خرطوم أبيض شفاف رفيع، ربطه على رقبتي، يقلي: إذا ما حكيت بدي أخنقك، مسك كرسي خيزران وضربني فيها حتى تكسر الكرسي، بقي منه دفة فيها بسمار، مسك وضربني فيها على أجري. بركت في أرضي من الوجع، لأنو ضربني على المفصل… ولليوم بيوجعني مكانها.

قلي: والله العظيم وأقسم بالله إلا أخلي راسك يتدحرج بين البنايات اللي أنت ساكن فيها، ولأخليك تصير عبرة لأهل اعزاز.

ما عندي شي أعترف فيه بالأساس، بس في شغلات خايف منها بالجوال، وعم أقله أنا ما حكيت.

صاح للسجان قلو: خده، هاد حكمه قصّ [ذبح]، ألحزّ تشيله من المنفردة وتحطه بالمهجع، وتروح تجيبله البلدلة البرتقانيّة، وتخصصله مصحف يقرأ فيه، يوم الجمعة، تنفيذ حكمه…».

بينما همَّ رأفت للخروج من غرفة التحقيق، تناوله «السياف» بركلة على ظهره، تبعها بـ «ببوكس». خارت قوى رأفت الجسديّة والنفسيّة، خوفه من أن يُذبح أمام جمهور من الناس، صار حقيقة يراها أمام عينيه.

هنا يُثار تساؤل عن سبب حكمه بالإعدام؟ لا إجابة عند رأفت، لكن على ما يبدو فقد اعتقد الدواعش أنه عميل للجيش الحر، لا سيما أن أحد إخوته، الذين وجدوا صورة له في الموبايل، يقاتل ضدهم في ريف حلب الشمالي:

«طلعت… عم أشحط حالي شحط، السجّان ماسكني من كنزتي ويشحطني، حتى وصلت ع المنفردة. قلّي: شيل غراضك. حلمت الطاقية، حطّيت بقلبها المصاري وطلعت.

أخدني على الباب التاني، باب شبك كبير، وإذ مهجع كبير فيه 50 شخص. طلّعت عليهن، ما حدا لابس البلدلة البرتقانية. قلن للمساجين: دلوه ع الحمامات خلي يتوضا، ورح أجبله البلدلة مشان يلبسها، دفشني… بركت على ركبي، ركد عليّ كم واحد من المساجين: قوم… قوم… سحبوني، بدي أوقف ما قدرت!

إش في… إش في، إش قصتك؟ من وين أنت؟ قلت: والله أنا صرلي أسبوع بالمنفردة. قلّي واحد: أنت اللي مسكوك مشان الموبايل وأنت من اعزاز؟ قلتله: أي. قلّي: سمعت صوتك أول ما جيت، أنا كنت بالمنفردة حدّك. أي إش صار معك؟ قلت: الجمعة حكمي.

دلوني ع الحمامات… تحممت، وكانوا جايبينلي البلدلة، برتقانية عريضة مكتوب عليها السجين رقم 32، وألها ضبّة من تحت، لبستها وأنا عم ببكي وأتذكر المناظر اللي شفتها للناس اللي أعدموهن بنفس البدلة.

دخلت ع المهجع… الكل عيونه عليّ، يواسوني، وهاد اللي يخوفني أكتر، يقولوا: خلص إزا بدك تنقصّ هاد حكمك بالدنيا، وبالآخرة أنت بتحاسبهن، ومن هل الحكي… وأنا أبكي.

حكيتلن قصتي، قالوا: والله يا رأفت بدك تنقصّ… كتير شباب متلك انقصوا، وعلى شغله أخفّ منك، أي واحد ينحكم دبح، بيعرضوه نهار الخميس عند القاضي الشرعي، ويوم الجمعة نهار الإعدامات، بعد صلاة الجمعة، بياخدوهن ع الساحات وبيعدموهن.

كان الوقت رمضان، يأذن المغرب: تعال فطار، أقلن: ما بدي، رايح أتوضا وأصلي. العالم عم تفطر وأنا عم بصلّي، العالم عم تلعب وأنا عم بدعي، العالم نايمة وأنا عم بصلّي، العالم تفيق تتسحر وأنا أشرب مي وآكل فرمتين جبس [بطيخ]، وأرجع أدعي وأصلي. وأبكي أبكي أبكي.».

يختنق رأفت عندما يحكي كيف ارتدى البدلة البرتقاليّة ودخل على «المهجع». تلمع دمعة في عينيه، يصمت، ثمّ يتابع حديثه بإسهاب عن مساجين ساعدوه، ويبدو أنه يشعر بامتنان شديد لهم:

«المساجين بالمهجع تعاطفوا معي، في كم واحد كبارية بالعمر، صاحولي تاني نهار الصبح: رأفت… رأفت… بدنا نحكيلك على شغلة بس بيناتنا، في واحد صفاته كذا كذا، لا تحكي قدامه خالص هاد شاكين فيه عميل ألهن [للدواعش]، المهم في عنا هاتف لاسكلي (سيناو)، مرّه سجان إجا لعنا ونسيه، وما عاد رجع سأل عنه، سألت: والهاتف شغال؟ أي شغال. سألوني: حفظان رقم حدا تتواصل معه يساعدك؟ قلت: أي حفظان، رقم خالي. قالوا: اليوم بالليل بعد الساعه 12 العالم بتنام، أنت بتجي لعنا بتتسطح تحت الحرام، نحنا منعطيك الهاتف تحت الحرام، لأن المهجع كله مراقب بكميرات، بس لا تطوّل، مشان ما حدا يكشفنا.

نامت العالم وضلّوا هدول فايقين، رحت لعندهن، قالوا: تسطّح، سوّي حالك نايم، وبعد خمس دقايق منعطيك الهاتف. دير بالك تطالع صوت، أحكي همس. مسكت الهاتف ودقيت لخالي:

– مرحبا خالي.

– أهلين رأفت!!! إش صار احكيليي!!

– والله يا خالي هيك هيك صار معي، أنا هلأ بالسجن، وحكموني إعدام والخميس رح أنعرض ع القاضي. يا خالي كرمال الله خلّصني، ما عاد أتحمل، يا خالي خبّر أهلي، لاقولي حلّ.

سكّرت الهاتف وأنا عم ببكي. فقت تاني نهار الصبح وأنا على صلاة وعبادة، صلاة ودعاء. المسا رجعت حكيت مع خالي، قلتله: إش صار معك؟ قال: تواسطلك ثلاث أمراء، اللي يجي منهم يسأل بالمحكمة يقولوه روح أحسن ما نحطك معه، لا تسأل عنه خالص، هاد مرتد كافره، حكمه دبح.

بهي الفترة خالي حاكي مع أمي، قايلها: يا أختي، إبنك رح ينحكم إعدام، مشان ما تقولي إبنك انحكم وما خبرناكي! رأفت رح ينقصّ الجمعة. تعالي شوفي إبنك قبل ما يموت.

أمي هون ما تنام الليل، ولا تاكل ولا لقمة، تفتل بأرض الحوش وتدعي! بعدها حملت حالها وطلعت ع الرقة مع واحد رفيق إلنا، بحكم أنه أخواتي بيخافوا يروحوا ع مناطق داعش.

إش أمي بدها تسوي!؟ تقلن لخوالي: أمشوا… بدي اروح أبوس إيديه، أبوس إجريه للقاضي بس يطالع إبني… بدي بس يطلع. خالي يقلها: هاد الحكي ما بفيد، إبنك أمره منتهي».

فقد رأفت الأمل في أن يستطيع أحدٌ مساعدته، وكانت البدلة البرتقاليّة، التي يرتديها بمفرده من بين المساجين، يقيناً أن أجله قد اقترب دون أدنى شك، حتى جاء يوم الخميس:

«الساعة 11 نهار الخميس بيدخل السجّان، شايل معه حوالي 15 إضبارة، ويزيع أسماء: فلان الفلاني يجي لعندي. عدّ حوالي عشرة أسماء، بعدها صاح: رأفت، لما صاح أسمي كل المهجع قام! أنا تحطمت وصرت أبكي. يقولوا: طول بالك طول بالك… معليشي!!

مشيت، مشوا معي 10 أو 15 واحد، حطونا بغرفه وصاروا يدخلونا واحد واحد ع القاضي. إجا دوري، دخلت على الغرفة، وإلا فيها قاضي ومحقّق، القاضي تونسي، لابس جلابية بيضا وفوقها صدريّة سودا متل تبيعيت بياعين الخضرة، وحاطط ع راسه جمدانه. «استريح يا رأفت»، قال القاضي. قعدت، هو بارك ورا الطاولة، عمره ما بيتجاوز 30 سنة، شبيب ضعيفاني.

استغربت، المحقق ما كان أبو عبد الجبار، السيّاف اللي حقق معي. كان محقق جديد، لهجته حلبيّة ئحُ، وجهو أبيض ترس، قاعد مقابيلي، ع الديوانة.

القاضي بيسأل: أنت من وين يا رأفت؟ قلتله: أنا من حلب. من وين من حلب؟ من اعزاز. بيقلّي المحقق: أنت من اعزااااز… أيوااااااا… أنتوا كلكم مشايخ!!

المحقق كان شغلتو يفرجيني الحقد بالنبرة، بالصوت، بالنظرة، لو بيطلع بإيده يمصّ دمي ما رح يقصر وقتها، كان يحاول يكرّه القاضي فيني بشتى الوسائل.

قلت: يا شيخ، أنا شخص ما عندي أغلاط، أنا شخص بحالي عم أشتغل، عم أدرّس، أنا شخص عم بعيل أهلي، أنت عم تقلي ليش أنت هون ساكن؟ أنا شخص كنت ساكن هون، وكانوا اهلي ساكنين معي لما كنا نازحين، لأني اعزاز كانت غير آمنة، بعدين أهلي رجعوا على منطقتنا لما الوضع فيا تحسّن، بس أنا صار عندي شغل هون، وأهلي بمنطقتنا ما في شغل، ففضلت أني أبقى وأبعت لأهلي مصاري.

ويا شيخي أنا شخص كل المنطقة بتعرفني، أنا شخص من بيتي للجامع للمدرسة. نطّ المحقق، قال: أنتوا كلياتكن مشايخ… كلكم هيك… من بيتكن للجامع للشغل، ما عندكم شغلات تانية خالص… أبداً.

[أحكي كمّل… يقول القاضي] قلتله: يا شيخ إذا بدك تحكمني… حكمني بعد ما تبعت أشخاص على ضيعتي وتسألن عني، وإذا فعلاً بيقولولك أنه هاد الشخص في عليه أي شكوك أنا مستعد للحكم، سماع الضيعة كللها، إذا واحد بقلك في عليّ شغلة صغيرة أنا مستعد، سآل النسوان… سآل الزلم… حتى سآل ولاد المدرسة.. سألن عن أستاذ رأفت.

فتح [القاضي] إضبارتي قراها، وقرأ تقرير الجوال، طبعاً مصورين المحادثات وطابعينها. بيسألني: طيب أنت ليش حاكي أنه نحنا ما منخاف الله؟ قلتله: يا شيخ أنا عم بحكي كلام واقع، أنا ما قلت أنو كل جماعة الدولة ما بتخاف الله، قلت في أشخاص منن ما بيخافوا الله. يا شيخ في قصة صارت عنا بالمنطقة، أحد العناصر خطف بنت وطلع ع تركيا، وأهل البنت عاملين مشكله كبيرة، وما رح يسكتوا عن القصة، والمنطقة مطبولة فيها، هاد بخاف الله؟

المحقق بيهّز براسه ويقول: أي لكن… أنت شغلتك هون بس مشان تشوّه سمعة الدولة، لحتى تكره الناس فينا».

طيلة التحقيق كان رأفت يبكي، ويتلعثم في كلامه، خصوصاً أن موقفه كان ضعيفاً بسبب المحقق، الذي لا يستطيع فعل شيء لمنعه من إطلاق كلامه الحاقد المستفزّ، لكن ما خفّفَ عنه هو أن القاضي تونسيّ الجنسيّة، فلم يكن سعودياً أو مصرياً. هؤلاء «بيحكموا دبح مباشر» حسب ما قال له المساجين في المهجع، لكن لحسن حظه هاجم «الأكراد» ريف الرقة صبيحة ذاك اليوم، وذهب القاضيان السعودي والمصري ومعهما السيّاف أبو عبد الجبار إلى «الجهاد»، وحلّ هذا التونسي والمحقق الحلبي مكانهم:

«أنا عم ببكي ببكي، لعند وصلت لمرحلة ما عدت أحسن أحكي. قلّي القاضي: يا شيخ حاج تبكي، إذا بدك تنقصّ فهاد حكم الله! خليك رجل!

قال القاضي: طيب، ليش أنت ذاكر داعش أكتر من مرّة؟ مانك ذاكر الدولة الإسلامية؟

قلتله: يا شيخ سابقاً كنا متعودين على هي الكلمة، عند اللي جينا لهون كنا نفكر أنه داعش اختصار عادي، بعدين أنتوا طالعتوا بيان أنه ممنوع لفظ كلمة داعش، صحيح؟ قال: نعم في البداية كان مباح، لكن لاحقاً أصبح لفظ مسيء للدولة.

صفن هيك، قلّب بالأوراق… قلّب… قلّب… قام قلي: أي يا رأفت، الله المُستعان… قصّ، بطلنا نقصك!

عندي اللي قالها انفجرت بالبكي، متل الولد الصغير، قلّي: مسّح دموعك… مسّح دموعك… خلص، لعد تبكي.

سكتت. قام قلّي: هاد يا رأفت شعر واحد مسلم!؟ هاد دقن واحد مسلم؟ سكتت كمان. قال: يا رأفت، هلأ أنا بحكي وأنت بتردد وراي، قول: أشهد أن لا إله إلا الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: وأشهد أن محمد عبده ورسوله. رديت: وأشهد أن محمد عبده ورسوله. قال: كويس، هلأ أنت رجعت لدين الإسلام! قلتله: الحمد لله. قلّي: رح نسويلك عقوبة، عقوبة تعزيرية. قلتله: ما في مشكلة شيخ.

قلّي: رح نحكمك 200 جلدة، وبعض الشغلات رح نصادرها، يا سجّان بتجلدوه 200 جلدة وبترجعوله أغراضه الشخصية. قام نطّ المحقق قله: الجوال يا شيخ برأيي يتصادر لمال المسلمين. قام قلّه للسجان: والجوال بتصادروه.

قال المحقّق للسجان: خده على ضيعته أجلده قدام أهله وناسه. سأل السجان القاضي: شيخ آخده؟ قله: لا لا، يسّر يسّر. قال السجان للقاضي: شيخ آخده أجلده عن الدوار؟ قله: لا لا، جاعد أقلك يسّر يسّر، أجلدو هون، بالمحكمة، ع السريع، دون ما حدا يشوفكم، أجلدو 200 جلدة وخدو حلقوله شعره على الصفر.

أخدني هيك على غرفه ما فيا حدا غير أنا وهو، قلّي: اندار ع الحيط. اندرت. شال كرباج بجي طوله متر ونص، ضربني 200 جلدة، مؤلمات فعلاً، كل وحدة أحسّ بنار عم تشعل بضهري.

انجلدت، وأخدني ع المهجع، عند اللي دخلت ع المهجع. الكل قام. كلن بسّ بدن يعرفوا قصتي، إش صار معي، قلتلن الحمد لله انحكمت براءة! صاروا ينطوا من الفرح، ونسيوا حالهن أنهن مسجونين! كيّفوا!».

عندما قال رأفت هذه الكلمات، ارتسمت ضحكت عريضة على وجهه، أما أنا فحسبتُ دموعي:

«أجا السجّان، حلقلي شعري ع الصفر، شلحت البدلة البرتقانية، ولبسيت البيجما اللي كنت لابسها، حطيت الطاقية ع راسي، وشلت مصرياتي، وأنا طالع ركد عليّ واحد من المساجين، عمره صغير، قلّي: أستاذ رأفت أستاذ رأفت، أنت طلعت والله يّسر عليك، ادعيلنا الله يفك أسرنا. قلّي: أنا عليّ دين مصاري وأهلي بإدلب، عليّ 200 ألف سوري، بدي أدفعن حتى أطلع، وإذا ما دفعتن من هون لكم شهر رح يحكموني قصّ، لأني سرقتن.

كان بجيبي 65 ألف ليرة، عفت بجيبي 10 ألف وعطيته الباقي، وطلعت… وكان هداك آخر يوم الي بأراضي داعش».