منذ جمعة الغضب المصرية في الثامن والعشرين من كانون الثاني 2011، اتسمت ثورات الربيع العربي عامة، وفي سوريا بشكل خاص، بموعد أسبوعي هو يوم الجمعة لخروج المظاهرات الكبرى في المدن والبلدات، ليغدو «بروتوكولاً» بطقوس خاصة، أهمها اختيار اسم موحد يجتمع تحت رايته المتظاهرون، وتتناقله وسائل الإعلام ليكون رسالة تحمل موقفاً حول الأحداث الجارية.
ولم تمنع المسافات المترامية بين القرى والبلدات الثائرة، واختلاف الفصائل المسيطرة عليها بعد اتجاه الثورة نحو العسكرة، من الالتزام بآلية واحدة لاختيار اسم الجمعة القادمة، وذلك على مدى أكثر من 100 جمعة ابتداءً من اختيار جمعة الكرامة في 25 آذار 2011، لتليها جمعة الشهداء ثم غيرها من الأسماء كالغضب والإصرار والتحدي. وبالرغم من بعض الخلافات التي كانت تدور في أوساط الناشطين الثوريين حول اعتماد اسم جديد، وخروج بعض التنسيقيات عن الإجماع العام على التسمية في بعض الحالات، إلّا أن التصويت الذي انحصر، وقتها، بصفحة الثورة السورية، كان الفيصل في الاختيار بين مسميات عديدة تُقترح من قبل الناشطين.
مع عودة المظاهرات إلى الساحة السورية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، بعد تراجع ثم شبه غياب دام أكثر من ثلاث سنوات، حدثت حالة من الارتباك الذي تطوّر إلى اتهامات بالخضوع لأجندات معينة بهدف تجيير المظاهرات لصالح تيار أو فصيل عسكري أو جهة خارجية، وهو ما تجلّى واضحاً في اعتماد أسماء مختلفة لجمعة واحدة، والتزام كل فريق بمسمّاه الخاص. وقد تعدّى الأمر حدود الاختلاف الذي كان يحصل سابقاً حول تسمية ما، ليصل إلى خلاف حقيقي ظهرت ملامحه جلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبر اتهام القائمين على صفحة الثورة السورية (المعنية بالتصويت سابقاً) بـ «الإخوانجية» نسبة إلى الإخوان المسلمين، واتّهام آخرين بإطلاق تسميات تفرضها عليهم فصائل عسكرية معينة، أو دول خارجية.
يقول عبد الرحمن جبريني للجمهورية، وهو ناشط إعلامي وعضو تنسيقية سابقاً: «ابتعدنا عن الدخول في التسميات خلال الجمعتين الماضيتين بعد أن تدخلت فيها تيارات وتشكيلات سياسية وعسكرية، إضافة إلى غايات شخصية أرادت استغلال الحراك الشعبي لصالحها». فيما يُبدي رامي الأحمد، وهو أحد أعضاء تنسيقية ريف حلب الغربي، دهشته لعدم الاتفاق على اسم واحد على الرغم من ضيق المساحة وقلّة عدد الناشطين مقارنة بأيام الثورة الأولى.
كذلك يأسف عمر بيسكي (ناشط ثوري) لكثرة الاتجاهات التي تجلّى اختلافها باختلاف أسماء الجمعة، ويرى في ذلك «دليل ضعف وفرقة عند الثوار»، بينما يُرجِعُ بلال (ناشط مدني) ذلك الخلاف إلى «تدخل القوى الدولية والداعمين في خيارات الثوار بغرض فرض توجهاتهم السياسية، وهو ما أدى إلى زرع الفرقة بين الشباب الثوري»، ويراهن بلال على وعي شباب الثورة لمواجهة «الفصائل وبعض الأشخاص الذين دخلوا في الحراك للسيطرة على الشارع»، على حد وصفه.
من جهته يقول عثمان السلوم (رئيس تنسيقية اللطامنة سابقاً، وعضو الحراك الثوري في حماة اليوم) في حديث مع الجمهورية إنه يجهل من يضع أسماء أيام الجمعة ويقرّها، فـ «الحراك جاء فجأة، وسرعان ما تشكلت اتحادات وغرفٌ على واتس آب للتنسيقيات، وكلّ منهم يصوّت وحده على خياره، ويختار اسم المظاهرة بما يتوافق مع مصالحه» متهماً الجميع بـ «السعي للحصول على جزء من الكعكة»، على حد تعبيره.
الإعلامي محمد الأسمر يقول للجمهورية: «بات لكل بلدة وكل قطاع جغرافي مسارٌ فكريٌ خاص ومطالب خاصة، فللائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مناصروه، ولرجال الحراك الثوري المحليين جماعاتهم، وللفصائل العسكرية مريدون يتبعونها، وللأحزاب السياسية أجنداتها». ويروي الأسمر حادثة جرت في واحدة من المظاهرات في ريف حماة الشمالي الشرقي، إذ تفاجأ المتظاهرون بلافتات لاسم جمعة ولوحات لحزب جديد «حزب الاستقلال السوري»، وهو يقول إن أعضاء من الحزب (لا يعرفه سابقاً) وزّعوها على المتظاهرين بعد أن وعدوهم بتقديم الدعم وافتتاح المدارس لهم.
على صفحات التواصل الاجتماعي دار سجالٌ من نوع آخر، بعد أن عبّر كثيرٌ من الناشطين عن جهلهم بمصدر أسماء الجمعة، إذ ردّها بعضهم إلى تيار الإخوان المسلمين، في حين أعاد بعضهم الآخر استحضار اسم «هيئة التنسيق الوطنية»، بعد غياب طويل، فيما طالب آخرون «ثوار الخارج بعدم فرض أجنداتهم على متظاهري الداخل». على سبيل المثال، قال كثيرون على صفحات التواصل الاجتماعي إن «فصائل عسكرية تسعى لتبييض صفحتها مع تركيا عبر فرض أسماء تتوافق مع سياسة الحكومة التركية، ورفع الأعلام التركية في المظاهرات»، وذلك في إشارة إلى تسمية «الثوار أملنا والأتراك أخوتنا»، فيما هاجم آخرون اسم الجمعة الأخير «لا دستور ولا إعمار حتى سقوط بشار» ووصفوه بـ «الركيك»، وبأنه «شعار دفع به الإخوان مراعاة للسجع وتغييباً للمحتوى».
عن آلية اختيار الاسم، يقول رامي الأحمد، عضو تنسيقية في ريف حلب الغربي: «تم إنشاء عدد من غرف الواتس آب للتنسيق، غرفة الريف الغربي –الجنوبي –الشمالي –إدلب –حماة، وتجتمع هذه الغرف في غرفة واحدة لاقتراح اسم للجمعة». وعن اختيار أكثر من اسم للجمعة يتابع الأحمد: «صفحة الثورة السورية تصدر تسمية للجمعة، إضافة إلى شبكة أخبار إدلب التي تصدر اسماً مغايراً، ويتم الاختيار في الصفحتين على أساس التصويت»، ويضيف أنه وبهدف حلّ الخلاف «توصّلَ الطرفان إلى اتفاق بطرح الاسمين على الشبكتين للتصويت، ويتم التصويت عليهما لاختيار اسم موحد». وبحسب الأحمد، فقد تمّ في الريف الغربي لحلب مثلاً «تعيين ناشط عن كل قرية يكون له دور في تنظيم المظاهرات وحشد الناس، وتم اختيار منسّق مهمته التواصل مع منسقي الريف الجنوبي والشمالي، لتوحيد الأسماء والشعارات».
أمّا عارف شريفة (ناشط حقوقي) فقد رأى أن العنوان الأساسي لكل المظاهرات هو «إسقاط النظام»، أما أسماء الجمع فهي عناوين «فرعية» يتم اختيارها عبر «التنسيقيات في كل منطقة محررة، وتصبّ في غرفة تنسيق المظاهرات التي تضم مئات الأشخاص، تُطرح فيها الفكرة، وتُناقش التسميات المقاربة لهذه الفكرة، وبعد التوافق تُعمّمُ على جميع الغرف»، واصفاً وجود أكثر من اسم للمظاهرات بـأنها مسألة «لا تسبب أي مشكلة»، لأنه رغم وجود أسماء مختلفة خرجت المظاهرات في الأسابيع الماضية في أكثر من 180 نقطة، محققة تفاعلاً شعبياً كبيراً، ومعبرة عن مواقفها من الأحداث السياسية.
لا تبدو الآلية التي يتم اعتمادها ناجعة، خاصة باختلاف الغرف التي تجري فيها النقاشات وتعدد الأسماء، وهذا ما دعا كثيراً من الناشطين للدعوة إلى إلغاء اسم الجمعة، فـ «الأصل في المظاهرات خروج الناس للتعبير عن آرائهم وأفكارهم» كما يقول الإعلامي أحمد الحمادي، الذي أضاف «إن الهدف من الاسم هو التوثيق وليس إرسال رسائل، الرسائل ستصل عبر رؤية المتظاهرين السلميين واللافتات والشعارات المطروحة».
يرى كثيرون أنه لا ضير من اعتماد أكثر من اسم للمظاهرات فـ «التسمية ليست مهمة بقدر أهمية عودة الحراك السلمي» كما يقول ابراهيم تادفي، وهذا ما وافقه عليه الناشط سامر زيدان: «هناك مصطلحات كثيرة، وليس الهدف هو الاسم، ولكن الهدف الواحد رغم الخلافات في إسقاط النظام»، والحقوقي يوسف حسين أيضاً: «الآلاف يخرجون للتظاهر دون النظر إلى المسميات». ولكن رغم هذا، يأمل ناشطون ثوريون كُثُر باعتماد اسم موحد للمظاهرات، يعيدها سيرتها الأولى، ويحقق ما يصبو إليه المتظاهرون في إيصال صوتهم والتعبير عن مطالبهم.