يواجه السوريون الحاصلون على الحماية الثانوية في ألمانيا تزايداً في الحالات التي يجدون فيها أنفسهم مضطرين لمراجعة مبنى السفارة السورية في برلين، إذ تطالبهم مكاتب إدارة الهجرة الألمانية باستصدار أو تجديد وثائق السفر السورية كي يتمكنوا من تمديد إقاماتهم ومتابعة معاملاتهم، وهو ما يرفضه كثيرون منهم، وهو أيضاً ما دفع المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية لتوجيه كتاب إلى وزارة الخارجية الألمانية حول هذه المسألة.
ويحاول كثيرٌ من السوريين تجنّب هذا الأمر عبر إخبار الموظفين في مكاتب إدارة الهجرة أنهم ملاحقون من قبل النظام، وأنهم لا يريدون التوجه إلى سفارته وإعطائه مجاناً معلوماتٍ عنهم، ولا يريدون تمويل القتلة في سوريا من أموالهم أو أموال دافعي الضرائب الألمان، وهو الأمر الذي يجدي نفعاً أحياناً، لكنه يفشل في أحيان أخرى كثيرة بحسب حالة الشخص والولاية التي يسكنها، وكذلك بحسب الموظف المسؤول عن حالته. ويتشارك سوريون كثر تجاربهم وخبراتهم في هذا الصدد عبر فيسبوك، ويبدو واضحاً أن كثيرين يجدون أنفسهم مجبرين في نهاية المطاف على التوجه إلى مبنى السفارة، الذي يفتح أبوابه لتقديم الخدمات القنصلية كاستصدار أوراق رسمية وتجديد جوازات سفر وغيرها.
وتُعدّ زيارة السفارة السورية بالنسبة لطالبي اللجوء والحائزين على حق الإقامة الثانوية أمراً شائكاً بالنسبة لمستقبل تجديد إقاماتهم في ألمانيا، وهي فوق ذلك مشكلة من حيث المبالغ التي يتم دفعها هناك، والتي تصل مباشرة إلى يد النظام السوري، إذ تبلغ كلفة جواز السفر السوري بحسب أسعار المعاملات المعلنة في موقع السفارة السورية في برلين 255 يورو، و680 يورو بالنسبة لجواز السفر المستعجل، ما يجعله من أغلى جوازات السفر في العالم.
لا تواجه هذه المشكلة السوريين الحاصلين على حق اللجوء، الذين تمنحهم الحكومة الألمانية وثائق سفر ألمانية (الجواز الأزرق وفق اصطلاحات السوريين) ولا يحق لهم زيارة قنصليات بلادهم أو الحصول على جوازات سفر منها، بل تواجه طالبي اللجوء الحاصلين على الحماية الثانوية، فهؤلاء لديهم الحق في الحصول على تصريح إقامة لمدة سنة واحدة فقط يمكن تجديده لمدة عامين في حال استمرار الخطر في بلادهم، كما يمكنهم الحصول على حق الإقامة الدائمة في ألمانيا بعد خمس سنوات من تاريخ تقديم طلب اللجوء في حال تمّ استيفاء شروط أخرى مثل تحصيل مستوى معين من اللغة الألماني وتأمين المعيشة. ويكون هؤلاء في الغالب ملزمين بحيازة جواز سفر صادر عن سلطات بلادهم وتجديده عند انتهاء صلاحيته، ولكن القانون الألماني يسمح بمنحهم وثائق سفر ألمانية (الجواز الرمادي بحسب اصطلاح السوريين) في حالات استثنائية تقديرية.
والحماية الثانوية هي شكل من أشكال الحماية التي تُمنح في الاتحاد الأوروبي لطالب اللجوء الذي لا يمكنه الحصول على «حق اللجوء»، ولا يمكنه العودة إلى بلده الأصلي بسبب احتمال تعرضه لـ «خطر حقيقي». وبحسب موقع دويتشه فيليه فإن الاتحاد الأوروبي قد أصدر ما يسمى بـ «الحماية الثانوية» كاستكمال لحق الحماية الإنسانية من الإعدام والتعذيب والتهديد الذي يتعرض له الناس في بلد يشهد نزاعاً مسلّحاً، ولتلافي الثغرات الموجودة في اتفاقية جنيف للاجئين التي تم اعتمادها في الاتحاد الأوروبي عام 2004.
وفقاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإنه يجب معاملة الحاصلين على الحماية الثانوية معاملة اللاجئين نفسها، فمن حيث المبدأ لا يُعدُّ حق الحماية أقل قيمة من حق اللجوء، إذ أن المضمون الأساسي لحق الحماية الإنسانية هو ضمان عدم ترحيل أي شخص إلى بلد يتعرّض فيه للخطر. وبحسب الكتاب الذي أرسله الحقوقي السوري أنور البني باسم المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية إلى وزارة الخارجية الألمانية في 22 حزيران الماضي، فإن مطالبة الحاصلين على الحماية الثانوية بالذهاب إلى السفارة السورية أمرٌ مخالفٌ للقانون الألماني، وذلك بالاستناد إلى المادة 72 من قانون اللجوء، التي تقضي بأن «عودة اللاجئ إلى أراضي الوطن الذي تركه خوف الملاحقة والاعتقال، كما قبوله الحصول على جواز سفر هذا البلد أو تجديده، قد تؤدي إلى سحب الاعتراف به كلاجئ»، وأولئك الذين حصلوا على الحماية الثانوية هم طالبو لجوء من حيث المبدأ، لكن الحكومة قررت إعطائهم الحماية الثانوية.
كما اعتبر البني في الكتاب الموجّه إلى وزارة الخارجية أن هذا الإجبار على مراجعة السفارة السورية يخالف الإنسانية والمنطق، كونه إجبارٌ للضحايا على تمويل جلاديهم، مضيفاً أن كلفة جوازات السفر السورية كبيرة جداً، ولا يستطيع طالبوا اللجوء تحمّلها. وقد طالب الكتابُ الوزارةَ بأخذ الأمر على محمل الجد وبفعل شيء لمنعه، وطالب على المدى القريب باستصدار وثائق سفر ألمانية من مكاتب إدارة الهجرة للاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية، حتى يتمكنوا من العيش والعمل بكرامة إلى أن يُقدّر لهم أن يعودوا إلى بلادهم.
أوضحت وزارة الخارجية الألمانية في ردّها على الكتاب القوانين الألمانية بهذا الصدد، قائلة إن مكاتب إدارة الهجرة لا يمكنها الافتراض سلفاً أن الحاصلين على الحماية الثانوية ملاحقون أو أن حياتهم مهددة من قبل النظام، وأنه لا بدّ من النظر في كل حالة على حدة، وأنه بالإمكان دوماً الاعتراض على طلب مكتب الهجرة بمراجعة السفرة السورية، ووعدت الوزارة بدراسة كل حالة اعتراض ومعالجتها، ومنح وثائق سفر ألمانية للمستحقين. وقد قام المحامي أنور البني قبل أيام بنشر كتاب المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية وردّ الخارجية الألمانية عليه على صفحته على فيسبوك، قائلاً إنه «يمكن للسوريين الاعتراض ورفض مراجعة السفارة وإرفاق صورة عن ردّ الخارجية الألمانية، مع شرح عن وضع المعترض وحالته، وطلب منحه وثيقة سفر».
وإذا كان صحيحاً أن ردّ وزارة الخارجية الألمانية لم يزد على كونه تأكيداً على القوانين ووعداً بدراسة الحالات والاعتراضات بشكل فردي، إلا أنه يبقى وثيقة رسمية مهمة يمكن تقديمها لمكاتب الهجرة التي لا تتكلم إلا لغة القوانين المكتوبة، وهو ما قد يدعم اعتراضات طالبي اللجوء على زيارة السفارة ويقوّي موقفهم.
على هذا الصعيد تعمل مجموعة 4syrrebellion، التي تضم أشخاصاً داعمين للثورة السورية من مختلف الجنسيات، على التواصل مع برلمانيين في مقاطعة برلين وإيضاح الأمر لهم، آملين إحداث تغييرات تمنع مكاتب الهجرة في برلين على الأقل من مطالبة السوريين بمراجعة سفارة بلدهم. ويقول أمين مغربي أحد ناشطي المجموعة للجمهورية: «نحن لا نسعى إلى تغيير القوانين الحالية أو استصدار قوانين بديلة، وإنما نسعى إلى تجاوز التعميم الصادر عن وزارة الداخلية الألمانية في نيسان الماضي، والذي طلب من مكاتب إدارة الهجرة في برلين توجيه السوريين الحاصلين على الحماية الثانوية إلى سفارة بلادهم للحصول على وثائق سفر». ولم تكن هذه المكاتب تطلب من السوريين قبل شهر نيسان الماضي مراجعة مبنى السفارة، لكن ضغط وزارة الداخلية الألمانية أدى إلى تغيير القواعد، وهو الأمر الذي يمتد ضرره ليشمل آلاف السوريين في برلين وحدها. يضيف أمين: «نريد فقط العودة إلى الحالة السابقة، التي هي أيضاً حالة قانونية».