تمّ إبلاغ النقاط العسكرية التابعة لجيش النصر العامل في ريف حماة يوم السبت الماضي السادس من تشرين الأول، بضرورة سحب سلاحها الثقيل من المنطقة، وذلك استعداداً لتطبيق البنود التي جرى الاتفاق عليها بين الرئيسين التركي والروسي في سوتشي يوم 17 أيلول الماضي.

وبالتواصل مع أحد القادة العسكريين في جيش النصر (رفض ذكر اسمه)، قال بأن هذا التبليغ الداخلي جاء من قيادة الجيش «بعد الاتفاق مع الفصائل العسكرية على أن تكون المنطقة منزوعة السلاح الثقيل مناصفة بين قوات المعارضة وقوات الأسد»، وذلك خلافاً للتسريبات التي كانت قد قالت إن المنطقة ستكون بكاملها في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة. وأضاف المصدر أن «تلك التسريبات، التي أدت إلى حالة خوف في صفوف سكان المناطق المحاذية لخطوط التماس، هي تتمة للحرب الإعلامية التي تُشنُّ على المدنيين بقصد إثارة الرعب في قلوبهم ودفعهم للجوء إلى مناطق قوات الأسد»، وأضاف أن «أساس الخبر انتشر على صحيفة روسية اعتمدت في خبرها على كلام نُسِبَ لأحد ضباط قوات الأسد»، مؤكداً أن الدوريات التي سيتم تسييرها في «المناطق المحررة ستكون من قبل الجانب التركي فقط، ولن يكون هناك أي تواجد لدوريات روسية ضمن تلك المناطق»، محدّداً السلاح الثقيل المقصود الذي ينبغي سحبه بعيداً عن الجبهات بـ «الدبابات وناقلات الجند المدرعة والمدافع».

وأيّاً كانت تفسيرات بنود الاتفاق، الذي حدَّدَ المناطق منزوعة السلاح الثقيل بأعماق مختلفة تتراوح بين 15-20 كم، فإن جميع بلدات وقرى ريف حماة الشمالي ستكون ضمن هذه المناطق حتماً. وسيكون تنفيذ الاتفاق برعاية روسية من جهة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وبرعاية تركية من جهة المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل. وكان الاتفاق قد حدّد مهلة تنفيذ بند سحب السلاح الثقيل في العاشر من الشهر الجاري، ومهلة تنفيذ بند إبعاد «الجماعات الإرهابية الراديكالية» عن تلك المناطق في الخامس عشر منه.

الناشط الإعلامي «أبو عمر»، وهو من أهالي ريف حماة الشمالي، قال في حديث معه إنه في حال صحة التسريبات الأخيرة التي صدرت عن اجتماع تركي مفترض مع الفصائل المسلحة، وأشارت إلى أن المنطقة منزوعة السلاح الثقيل ستكون فقط في طرف مناطق سيطرة الفصائل، مع السماح للقوات الروسية بدخول مقرات هذه الفصائل للتأكد من خلوها من السلاح الثقيل، فإن ذلك سيعني «احتلالاً لثلثي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في إدلب وأرياف حماة وحلب، دون معارك»، وهو أمر «مرفوض شعبياً» تماماً وفق تعبيره.

هذه التسريبات كانت قد دفعت جيش العزة العامل في ريف حماة الشمالي لإصدار بيان في 29 أيلول الماضي، معلناً فيه رفضه لمقررات سوتشي إذا ما كانت بالشكل الذي تم تسريبه، مضيفاً أنه «يرفض تسيير دوريات الاحتلال الروسي على كامل الأراضي المحررة». وبحسب البيان، فإن المنطقة المعنية ستشمل في حال صحة التسريبات ريف اللاذقية وجسر الشغور، وسهل الغاب مع جبل شحشبو، وكفرنبودة والهبيط امتداداً حتى شمال خان شيخون والتمانعة وصولاً إلى حدود معرة النعمان، ثم إلى أطراف مدينة سراقب وريفي حلب الجنوبي والغربي، معتبراً أن المنطقة بذلك «تكون قد آلت للنظام بسبب وجود حليفه الروسي فيها».

وكان تبليغ وحدات جيش النصر، المشار إليه أعلاه، بضرورة البدء بسحب السلاح الثقيل قد ترافق مع سماع أصوات انفجارات كبيرة في منطقة صوران القريبة التي تسيطر عليها قوات النظام. وتعود هذه الانفجارات، بحسب ناشطين في المنطقة، إلى قيام الأخيرة بتفجير الألغام التي كانت قد زرعتها على الخط الفاصل مع قوات المعارضة، وهو ما قد يشير بحسب «أبو عمر» إلى بدء سحب قوات النظام لأسلحتها الثقيلة منها تمهيداً لتطبيق الشق المتعلق بها من الاتفاق.

تبدو الصورة مبهمة جداً، خاصة مع عدم الإفراج عن آليات تنفيذ الاتفاق حتى اللحظة، وهو ما تسبب بحالة قلق لدى المدنيين الذين كانوا قد تنفسوا الصعداء مع إعلان الاتفاق. ويرجع القلق على وجه الخصوص إلى كثرة التحليلات المتضاربة حول البنود المتعلقة بعمق المناطق المشمولة وصلاحيات الأطراف فيها، وإلى الخوف من تنصّل الروس من وعودهم والتفافهم على الاتفاق.

يقول أبو محمد، وهو من أبناء اللطامنة، أقرب قرى ريف حماة الشمالي إلى خطوط التماس: «لا فرق بين دخول دوريات للروس أو دوريات قوات الأسد إلى المنطقة، فكلاهما محتل، وهذا ما يمنع النازحين من اتخاذ قرارهم بالعودة». من جهته أكد حسام الحسن، رئيس المجلس المحلي في اللطامنة، هذا الأمر، فهو يقول إنه على الرغم من عودة بعض الأهالي مع نهاية مؤتمر سوتشي وانخفاض وتيرة القصف وعودة بعض الخدمات الأساسية إلى اللطامنة، إلّا أن أعداد الأهالي العائدين ما تزال ضعيفة ودون المستوى المنتظر (250 عائلة تقريباً)، مؤكداً أن التسريبات الأخيرة انعكست بشكل سلبي على المدنيين، ما دفعهم للتريث وترقب ما ستتمخض عنه «القمة المقبلة» لتتضح الأمور لديهم بشكل أكبر.

الأمر نفسه ينطبق على سائر قرى ريف حماة الشمالي، وأبرزها مورك وكفرزيتا وكفرنبودة وقلعة المضيق، التي يزيد عدد المهجرين منها عن 165 ألف نسمة بحسب «أبو عمر»، الذي قال إن عدد المدنيين القاطنين فيها الآن، بما يشمل من لم ينزحوا منها أبداً ومن عادوا مؤخراً، لا يشكل أكثر من 10 % من تعداد السكان الأصلي.

وأما عن شكل الإدارة المحتمل في مناطق ريف حماة الشمالي الخارجة عن سلطة النظام، فقد قال الحسن إنه لم يتم التواصل مع المجالس المحلية في ريف حماة الشمالي من قبل الطرف التركي بخصوص هذا الأمر، لكن من المتوقع أن تكون إدارتها مشابهة لمناطق عمليات «غصن الزيتون ودرع الفرات».

بالإضافة إلى أوضاع النازحين من قرى ريف حماة الشمالي في الجانب الذي تسيطر عليه فصائل معارضة، ثمة مأساة مستمرة أخرى هي مأساة النازحين من قرى ريف حماة الشمالي الأخرى التي استعاد النظام السيطرة عليها خلال السنوات الماضية، الذين يخشون أن تكون ترتيبات وقف المعارك وسحب الأسلحة الثقيلة إغلاقاً لملفّ عودتهم إلى الأبد. يقول محمد الأسعد، من أبناء ريف حماه الشمالي، إن «هناك أكثر من 4000 عائلة من بلدتي حلفايا وطيبة الإمام يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة، وجلّهم يرفضون العودة إلى بلداتهم تحت الوصاية الروسية». وعن أسباب رفضهم يقول الأسعد «لا توجد ضمانات أكيدة، ولا يثق الأهالي بالروس» مشيراً إلى «تجربة الريف الجنوبي من حماة، فبالرغم من الضمانات التي قدمها الروس للأهالي، إلّا أن قوات الأسد تعتقل يومياً عدداً من أبناء المنطقة، بحجج كثيرة من بينها أن اتفاقيات المصالحة تشمل إسقاط الحق العام وليس الحق الشخصي، وأنا هناك ادعاءات شخصية ضدهم». ويروي الأسعد: «مؤخراً تم اعتقال أحد المتطوعين في الدفاع المدني سابقاً، إضافة إلى مختار قرية تلول الحمر، كما تم اعتقال «أبو حية» الذي تحول إلى القتال في صفوف النظام بعد أن كان سابقاً في صفوف الثوار، وذلك على خلفية انتشار مقطع فيديو له في واحدة من معارك الثوار على قرية قبة الكردي». وفي السياق نفسه، كان مهجرو منطقتي كرناز والطار بريف حماة الشمالي قد أصدروا بياناً في 22 أيلول الماضي أعلنوا فيه «رفضهم للوصاية الروسية على مناطقهم»، مطالبين «بإيجاد حل سياسي، عام وشامل».

ليست واضحة حتى الآن تبعات تنفيذ الاتفاق على أوضاع سكان المناطق التي يفترض أن يشملها على الجانبين، وقد نفى جمع من تواصلنا معهم من ناشطين وأهالي في ريف حماة الشمالي أن يكونوا قد رصدوا حتى الآن أي حركة لآليات ثقيلة تنسحب من المنطقة: «لا يمكن مرورها دون أن نراها، ولا يمكن إخفاؤها عند مرورها، معظمنا من أهالي المنطقة، ولدينا أبناء أو أخوة في صفوف المقاتلين، ولم يتم تداول أي حديث بشأن البدء الفعلي بسحب السلاح الثقيل، حتى اللحظة».

وعن هذا الأمر يوضح المصدر في جيش النصر: «نحن في مناطق تماس مباشر مع قوات الأسد، وعادة لا تحتوي مناطق كهذه على سلاح ثقيل، فنقاط الرباط تعتمد بشكل رئيسي على الأسلحة الفردية ومضادات الدروع التي تمكّنها من الحركة بشكل أسرع، بينما الأسلحة الثقيلة تكون في النقاط الخلفية ويتم استقدامها عند فتح معركة أو في حال كانت هناك محاولات تقدم لقوات الأسد إلى المنطقة». وهو ما يخالف الضخ الإعلامي الكبير حول البدء بـ «سحب السلاح الثقيل» أو «تسليمه» في المناطق المشمولة بالاتفاق.

تسيطر على قرى وبلدات ريف حماه الشمالي عدة فصائل عسكرية أبرزها جيش العزة وجيش النصر وأحرار الشام، في حين تسيطر على بلدة مورك فقط هيئة تحرير الشام، التي يفترض أن يغادر عناصرها المنطقة تنفيذاً للاتفاق بحلول الخامس عشر من الشهر الجاري. ويمكن القول إن جميع عناصر الفصائل تقريباً هم من أبناء المنطقة، وهو ما سيجعل الباب مفتوحاً على تعقيدات كبرى تتعلق باحتمال استغلال روسيا لمسألة فصل «المتطرفين عن المعتدلين»، ويزيد من صعوبة انسحاب عناصر هيئة تحرير الشام بحسب «أبو عمر»، الذي وصف انسحابهم بأنه أمر «غير وارد»، مع إمكانية تحول طبيعة عملهم «لتكون أمنية أكثر منها عسكرية».