باستثناء تجارب انتخابية محدودة ومتفرقة، ارتبط تشكيل المجالس المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة بتوازن القوى في كل بلدة أو قرية أو منطقة، بحيث كانت تلعب امتيازات خاصة تمنحها المجالس العسكرية أو بعض الفصائل، بالإضافة إلى التمثيل والاصطفافات العائلية أو الطبقية، الدور الأساسي في اختيار أعضاء هذه المجالس، دون انتخابات، وبحسب «عدد كل طائفة وقوتها». إلّا أن تجارب انتخابية ظهرت منذ تموز 2017، قادت إلى بدء تغيير المنظور العام لآليات اختيار أعضاء المجالس المحلية، وذلك من خلال إجراء انتخابات عامة يكون الصندوق الانتخابي وعدد الأصوات هو الفيصل فيها، كما حدث في انتخابات سقبا وسراقب العام الماضي.
إذن، ليست هذه هي المرّة الأولى التي نكون فيها أمام استحقاق انتخابي للمجالس المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، لكن التحضير لانتخابات المجلس المحلي في بلدة عنجارة وأريافها في ريف حلب الغربي يملك قصب السبق في تطوير هذه الانتخابات على مستويات متعددة، بحيث تأخذ شكلها الأكثر تكاملاً وتنظيماً.
بدأت التحضيرات لإرساء خارطة طريق للوصول إلى انتخابات عامة في ريف حلب الغربي منذ عدّة أشهر، وذلك من خلال التعاون بين مجلس محافظة حلب الحرة ومكتب التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة LDSPS ومنظمة LACU. وقد افتتحت الأخيرة مركزاً للتدريب على آلية عمل الانتخابات والقوانين الناظمة لها، وتقديم الاستشارة للمجالس والمحافظة طيلة فترة العملية الانتخابية، وذلك بالتعاون مع مكتب التنمية، وبهدف المساعدة على إنجاز عملية انتخابية عامة شفافة ونزيهة بمشاركة الجميع، وبالتالي تعزيز شرعية المجالس المنتخبة. وقد أثمرت هذه الجهود عن التحضير أولاً لانتخابات المجلس المحلي في بلدة عنجارة، التي تم البدء فيها لرغبة مجلسها القوية في إجراء انتخابات عامة مثالية، مع استمرار العمل على تعميم هذه التجربة على كافة المجالس المحلية في المنطقة، وهو الأمر الذي يزيد من فرص نجاحه الاهتمام الكبير من قبل الأهالي، ودعم منظمات المجتمع المدني الفاعلة في المنطقة.
تم الإعلان عن فتح باب الترشيح في بلدة عنجارة منذ العشرين من تشرين الأول الفائت وحتى الخامس والعشرين منه، ولم تُحدَّد شروط مسبقة للترشيح سوى «أن يكون المرشّح قد أتم الثامنة عشرة من عمره»، كما ترافق ذلك مع بدء استصدار بطاقات انتخابية من قبل دائرة النفوس، للأشخاص الذين يحق لهم الانتخاب. وقد مُدِّدَت مهلة الترشيح حتى الأول تشرين الثاني الحالي، لتصدر قوائم المرشحين في العاشر منه، ويتم فتح باب الطعون حتى الخامس عشر منه أيضاً. وقد أظهرت القوائم قبول ترشيح خمسة وثلاثين شخصاً بينهم أربع نساء، سيتنافسون في انتخابات المجلس المحلي العامة التي تم تحديد تاريخها في الرابع والعشرين من تشرين الثاني الجاري.
منذ صدور قوائم المرشحين، تحولت البلدة والقرى التابعة لها إلى خلية عمل للمرشحين والمنظمات الداعمة، إذ قام مجلس المحافظة ومكتب المرأة التابع له بزيارة المدارس والتجمعات المدنية لتعريف الناس بحقهم الانتخابي وشرح أهمية الانتخابات، وزيارة السجل المدني لمتابعة تسليم البطاقات الانتخابية للمواطنين، ودعوة الأهالي للإدلاء بأصواتهم والمشاركة في الانتخابات تحت شعار «صوتك أمانة» عبر معرفاتهم الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
كذلك قام مكتب التنمية بتنفيذ عدد من ورشات العمل بالتعاون مع مديرية المجالس المحلية في المحافظة، لشرح دور وأهمية المجلس المحلي للمرشحين لقيادته، إضافة إلى تسليط الضوء على الانتخابات وآليتها والنظم الانتخابية وآليات عمل البرنامج الانتخابي وطرق الترويج له.
يقول محمد البقاعي، مدير مركز التطوير الإداري، للجمهورية: «إن المركز سعى من خلال الندوات التي أقامها إلى مساعدة المجالس المحلية على إجراء انتخابات مباشرة من شأنها إضفاء الشرعية عليها»، مؤكداً على البدء بخطوات عملية وأنشطة تساهم في إنجاح هذه الانتخابات من خلال «نشر البوسترات ورفع اللافتات للحض على المشاركة في الانتخابات والتعريف بها، والتواصل مع الناخبين من خلال ندوات توعوية» لافتاً إلى «التفاعل الإيجابي من قبل المواطنين»، واصفاً شعوره بـ «السعادة»، بعد أن لمس رغبة المواطنين بمعرفة حقوقهم وسعيهم للحصول عليها. وهو ما أكده بدوره ثائر حجازي من منظمة اليوم التالي المشاركة في تنظيم الندوات، التي اعتبرها «ضرورية» لتعزيز فكرة المشاركة في الانتخابات وأهميتها، قائلاً: «نحن هنا نرفع صوتنا مع صوت الناس» لتحقيق الديمقراطية والعدالة.
المرأة، حضور لافت ودعم مؤسساتي
سبقَ للنساء أن كُنَّ حاضرات في المجالس المحلية، لكن وجودهن كان يقتصر على رئاسة مكاتب المرأة في بعض المجالس، إلّا أن أربع نساء في بلدة عنجارة انضممن هذه المرة إلى قوائم المرشحين ليخضنَ غمار الانتخابات القادمة، وعن هذا الأمر يقول أبو محمد، وهو ناشط إعلامي في ريف حلب الغربي: «فوجئنا بأربع مرشحات من عنجارة، نحن نعرف طبيعة المنطقة، وترشحهن يعتبر إنجازاً كبيراً بحد ذاته»، موضحاً أن «نشاطاً كبيراً ولافتاً لدعم المرشحات تشهده المنطقة، سواء من المنظمات الداعمة، أو التجمعات النسائية، أو من خلال الأهالي».
من جهتها، قالت حنان عرابي مديرة مكتب المرأة في مجلس محافظة حلب الحرة للجمهورية، إن ترشيح أربع نساء «مؤشر إيجابي»، يضاف إليه «الإقبال الكبير للنساء على استلام البطاقة الانتخابية» مبينة «أن عدد النساء اللواتي حصلن على هذه البطاقات يمثل نصف العدد الكلي من الأشخاص»، وهو ما اعتبرته دليلاً على رغبة النساء في اختيار من «يمثلهنَّ ويوصل صوتهنّ ومطالبهنّ».
المرشحة أمون رزوق (مدرّسة) قالت إن هذه الانتخابات «نقلة نوعية» بالنسبة لها وللنساء بشكل عام، لإثبات حضورهنَّ في «العمل السياسي»، كما أثبتنه سابقاً ومراراً في الأعمال التعليمية والخدمية. وتروي أمون «أنها ومنذ تسلّمها لدفتر الشروط، شعرت بأن هذا الأمر مناسب لها، فالمجالس ليست حكراً على الرجال، وهي كونها امرأة تستطيع أن توصل صوت النساء بالطريقة الأمثل»، مؤكدة «أن للمرأة رأياً وصوتاً وحقاً في الانتخاب والترشّح، وهو ما أتاحته لها هذه الانتخابات»، متمنية أن يمتلك المجتمع «ثقافة الانتخاب» للمساهمة في إنجاح هذه التجربة. أما المرشحة آية مصطفى (مدرّسة) فقد وجدت في «فكرة الترشح أمراً غريباً في بداية الأمر»، وفق ما قالته للجمهورية، وهو ما أثار مخاوفها حول «كيفية إقناع عائلتها بترشيح نفسها»، إلّا أنها وبعد طرحها للفكرة عليهم «لاقت تشجيعاً كبيراً منهم». تقول: «لا تهمني الخسارة أو الربح، كل ما كنت أريده أن أثبت وجودي، وأخوض هذه التجربة، وأن تصل أصواتنا ومعاناتنا ونعمل على حلّها»، وهو ما قالته أيضاً المرشحة بنان رستم، التي أملت أن تكون هذه التجربة «خطوة للتطوير في البلد». بنان الآن أكثر شجاعة بمساندة أهلها وأصدقائها، بعد حالة «الارتباك» التي انتابتها عند ترشحها.
يدعم التجمّعُ النسوي السوري المرشحات الأربعة، والتجمع هو «مجموعة من الناشطات السوريات المهتمات والعاملات في الشأن العام، يهدف إلى الوصول إلى مجتمع ديمقراطي حر وعادل يحصل فيه الجميع على حقوقهم، ويمارسون واجباتهم على قدم المساواة». يسعى التجمع إلى المساهمة في تعزيز فرص المرشحات بالنجاح، وعن كيفية الدعم تقول حسناء بركات، مسؤولة مكتب الأرشفة والتقارير في التجمّع، إن أحد مجالات عمل التجمّع هو الانتخابات والمشاركة السياسية، وهو ما دفعه إلى وضع أكثر من جدول عمل لدعم المرشحات، منها توزيع البروشورات والملصقات من خلال حملة استطاعت تغطية بلدة عنجارة وكافة القرى التابعة لها، إضافة إلى حملات غرافيتي و«بخ على الحيطان» بعبارات مناسبة، ورفع لافتات للتشجيع على الانتخابات بشكل عام، ودعم المرشحات بشكل خاص.
يتابع التجمّع عمل المرشحات وتنظيم جداولهنّ وبرامجهنّ الانتخابية، كما يعمد إلى إجراء ندوات وتجمعات نسائية لتتمكن المرشحات من التواصل مع النساء الناخبات، وتوضيح رؤيتهنَّ المستقبلية، وشرح أهمية العملية الانتخابية، ودور المرأة الفاعل وقدرتها على «المشاركة في المجالس المحلية ومجلس المحافظة»، وامتلاكها «للقوة والثقافة والقدرة على اتخاذ القرارات الحكيمة»، وتقديم نماذج سابقة «لمؤسسات نسائية» أثبتت «وجودها وريادتها».
تأمل السيدة حسناء أن لا يقتصر دور النساء في المجالس المحلية على مكتب المرأة، وتسعى مع أعضاء التجمّع النسائي لدعم المرشحات في كافة الانتخابات القادمة لتحقيق «تمثيل حقيقي» للمرأة في مختلف المراكز والهيئات.
اللافتات أمام المرسم قبل تعليقها
على باب مرسم «أبو نديم الخطاط» تجتمع عشرات اللافتات للمرشحين، في انتظار أن تأخذ مكانها على الطرق وفي الساحات العامة، بعد أن تم الإعلان من قبل مجلس المحافظة عن فتح باب الدعاية الانتخابية للمرشحين ابتداء من السابع عشر من تشرين الثاني وحتى الثاني والعشرين منه، داعياً منظمات المجتمع المدني الراغبة بمراقبة الانتخابات إلى مراجعة مجلس المحافظة لاستلام بطاقة مراقب، أملاً في انتخابات ديمقراطية نزيهة وعادلة، لا «مفروضة»، ولا «طائفية» هذه المرة.