تعرضت عدة مواقع تابعة للنظام السوري والميليشيات الإيرانية لقصف إسرائيلي مكثف في الساعات الأولى من صباح اليوم الإثنين، وكانت الموجة الأولى من القصف قد استهدفت محيط مطار المزة العسكري غرب دمشق، كما استهدفت الصواريخ الإسرائيلية مواقع عسكرية في منطقة الديماس بريف دمشق الغربي، وفي محيط مطار دمشق الدولي، ونقاطاً في جبل المانع قرب الكسوة جنوب غرب دمشق، والتي يعتقد أنها تضم مقرات قيادة وتحكم للميليشيات الإيرانية.
استهدف القصف مواقع في محافظة درعا أيضاً، تحديداً في إزرع التي تضم مقاراً لقوات النظام وقواعد لميليشيات إيرانية من بينها اللواء 313، وأكدت عدة مصادر من أهالي درعا وقوع قصف مماثل في محيط نوى وجاسم والحارة بريف المحافظة. كما ذكرت صفحة السويداء 24 أن قصفاً إسرائيلياً استهدف عدة مواقع تابعة لقوات النظام في المحافظة، من بينها مطار الثعلة العسكري، ونقطة رادار جينة جنوب شرقي المحافظة، ونقطة رادار تل صحن، ونقلت الصفحة عن مصدر طبي وصول إصابات من جنود النظام إلى مشافي المحافظة.
ويذكر أن هذه الضربة هي الثانية خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، فقد استهدف الطيران الإسرائيلي مواقع جنوب مدينة دمشق ظهر أمس الأحد. وبالمقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تصدي منظومة القبة الحديدية لصاروخ أرض-أرض كان يستهدف مرتفعات الجولان المحتل.
من جهته، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الضربات تستهدف مواقع لفيلق القدس الإيراني، وحذر نظام الأسد والإيرانيين من أي ردة فعل على حملة القصف هذه. وقبلها كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أقر أمس الأحد بأن جيشه استهدف مواقع إيرانية في سوريا خلال الأيام السابقة، وحذر إيران خلال كلمته تلك من البقاء في سوريا.
وكانت وسائل إعلام النظام السوري قد أعلنت أن الدفاعات الجوية تصدت خلال ساعات الليل لهجوم إسرائيلي «مكثف وعبر موجات متتالية بالصواريخ الموجهة»، في وقت كانت فيه أصوات القصف تُسمع في جميع أحياء دمشق، وعلى نحو غير مسبوق وفقاً لما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أن أصوات القصف الذي تعرضت له مواقع في درعا والسويداء كانت تُسمع بوضوح في مدينة إربد الأردنية المجاورة، وفق ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً.
وقد نقلت رويترز عن مركز التحكم العسكري الروسي صباح اليوم، أن الدفاعات الجوية السورية نجحت في التصدي لقسم من الصواريخ الإسرائيلية، وأن القصف أسفر عن مقتل أربعة عسكريين سوريين وإصابة ستة آخرين، وعن تضرر البنية التحتية في مطار دمشق الدولي. وفي الوقت الذي لم تعلق فيه إيران رسمياً على هذه الهجمات حتى الآن، تناقلت واسائل إعلام عديدة تصريحاً منسوباً لقائد القوات الجوية الإيرانية، يقول فيه إن قوات بلاده المسلحة «تستعد جيداً لليوم الذي سيشهد تدمير إسرائيل».
وربما تكون هذه الضربات هي الأوسع ضد مواقع إيرانية في سوريا خلال السنوات الماضية، لكن الجديد هذه المرة هو الاعتراف الإسرائيلي الفوري بها، والتحذيرات المرافقة لها، والتي تشكل نوعاً جديداً من التصعيد تجاه الوجود الإيراني في سوريا. كما أنها تأتي استكمالاً للتصعيد المعلن والمتواصل منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، والذي لم يواجه أي ردة فعل إيرانية حتى اللحظة، باستثناء التصريحات المتكررة عن استعداد إيران لتدمير إسرائيل، وهو الأمر الذي يعكس رغبة طهران بالتراجع خوفاً من صدام شامل لن يكون في صالحها.
كذلك فإن هذه الضربات هي الأوسع بعد الحادثة التي أدت إلى إسقاط طائرة روسية في سوريا أيلول الماضي، والتي تلاها تصريحات روسية غاضبة، وأحاديث متكررة عن تغيّر قواعد الاشتباك في سوريا، وعن تزويد روسيا للنظام السوري بمنظومات دفاع جوي ستحدّ من الحركة الإسرائيلية في الأجواء السورية.
كذلك تأتي هذه الضربات في وقت يتواصل فيه الحديث عن قرار الانسحاب الأميركي من سوريا، وعن مفاعيله المحتملة في حال تم تنفيذه فعلاً على الأرض، لتكون هذه الضربات تأكيداً من الجانب الإسرائيلي، ومن خلفه الجانب الأميركي أيضاً، على أن مسألة الانسحاب لا تعني القبول بتواجد عسكري إيراني في سوريا، ولا تعني أنه يمكن لإيران أن تكون واحدة من الأطراف التي ستملأ فراغ الانسحاب الأميركي المحتمل.
إذن يمكن القول إن هذه الضربات تأتي إعلاناً إسرائيلياً عملياً عن احتفاظها بقدرتها على ضرب ما تريده من أهداف في سوريا، بصرف النظر عن أي تطورات سياسية أو ميدانية يمكن أن تحدث في سوريا.