من الممكن أن تلعب الشطرنج وحيداً، لن يكون الأمر سهلاً إذا كنت كاسباروف، لكن على ما يبدو فإن الأمر أسهل بكثير إذا كان الشخص الذي يلاعب نفسه هو بوتين.
بالأمس قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إنه لا حاجة لمنتدى دولي جديد لإدارة الأوضاع والمسار السياسي في سوريا، لأن أستانا تكفي، معلناً تراجع معلمه عن الحركة الأخيرة التي قام بها خلال زيارة نتنياهو لموسكو. في الشطرنج لا يمكنك التراجع عن الحركة، إلا إذا كنت تلاعب نفسك، وإذا كنت متسامحاً في القوانين بعض الشيء.
في السبعينات والثمانينات، وقبل ذلك طبعاً، كان المنظرون لمحاربة الشيوعية مهووسين بلعب الشطرنج مع المارد الأحمر. كتاب رقعة الشطرنج الكبرى لمستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبيغنيو بريجنسكي، هو أحد المعالم الكاريكاتورية التي تذكرنا بذلك، أما اليوم فإن فلاديمير بوتين قد وصل، وهو يريد أن يلعب الشطرنج ضدهم أيضاً، لكن إذا أردنا أن نكون صريحين، فإن أحداً لم يعد يلعب الشطرنج. عندما زار بوتين صديقه جورج بوش الابن اضطر أن يلعب الغولف معه، الأمر حتماً مخيب للأمل، خاصةً عندما يعرف المرء أنه لاعب محدود القدرة، ومتوسط الذكاء.
من ينظر إلى ثلاثي أستانا، واجتماعاتهم وتحالفاتهم الثنائية، والعداوة الظاهرة والمتوارية بينهم، قد يظن أنهم يلعبون الشطرنج بكفاءة عالية ضد الولايات المتحدة في سوريا، وأنهم سيجبرون واشنطن في النهاية على الاعتراف بمهاراتهم وخططهم، إذ ربما قد يُلقَّبُ بعضهم بالغراند ماستر، ويتم الاحتفاظ ببعض تحركاتهم باعتبارها انتصارات استراتيجية مميزة.
لا شكّ أن بوتين مقتنع بذلك، يحلم به قبل النوم، ويأمر مرؤوسيه بتعلم تلك الخدع الاستراتيجية العظيمة، ومن المرجح أنه قال للافروف قبل أن يأمره بالإعلان عن عدم الحاجة إلى منتدى دولي جديد حول سوريا: «تعلّم هذه الخطة، لقد استدرجتهم بتصريحاتي عن المنتدى الدولي، وأربكتهم وخرجت الآن أقوى منهم». ولأن لافروف ينتمي إلى البيروقراطية الروسية العتيدة، فهو بالطبع سيكون قد أثنى على تكتيكات معلمه، وضحك لاحقاً على بوتين الذي لم ينتبه إلى دعواته أحد، عدا المبعوث الدولي «الجديد» إلى سوريا، الذي اضطر، محرجاً ربما، أن يكررها في خطابه أمام مجلس الأمن.
إذن لنواجه الواقع الذي لا يحبه فلاديمير؛ أنقرة تريد دعم واشنطن، ولن تقف ضدها إلى النهاية حتى في لعبة بوتين المتخيلة، بينما نتنياهو مستعد لتوزيع الابتسامات والمصافحات الحارة في موسكو، مع أنه يؤكد أن طائراته ستستمر في قصف المواقع الإيرانية في سوريا، حتى أنه يبدو مستعداً لأكثر من ذلك، فالحرب بالنسبة لشخص مثله خيار متاح وجيد. أما إيران فهي تريد أن تستدرج بوتين إلى معركة في إدلب، سيعني حتى انتصاره الكامل مع حلفائه فيها خسارة جديدة في لعبته المتخيلة، لأن قواته الجوية في سوريا ستصبح بعدها فاقدة للقيمة في أي توظيف سياسي. وهكذا، فإن اعتقاد بوتين أنه ما زال نقطة التوازن الأساسية في لعبة السياسات الدولية حول سوريا اليوم، هو وهمٌ آخر.
يُظهر هذا الوهم خللاً فظيعاً في سياسات موسكو، التي لم تفعل شيئاً إلّا أنها زادت التصاق بشار الأسد بمعلميه في طهران، فالأخير وأخوه ماهر، بعد أن أظهرا ولاءً جيداً لروسيا طوال سنتنين أو أقل، وأعطيا ضباطاً مقربين منها صلاحيات واسعة، عادا بالتدريج ليغيرا كل ذلك؛ غسان بلال ضابط الفرقة الرابعة الكبير والمقرب من موسكو، قتل في خريف 2017، واليوم يتم تفكيك ميليشيات مختلطة شكلتها موسكو بقيادة سهيل الحسن. بهذه الطريقة يصبح بوتين أقل تأثيراً في سوريا، أما قاعدة حميميم فهي ستكون معرضة ببساطة لتساقط قذائف الهاون إذا ما قررت موسكو التصرف بمفردها بعيداً عن طهران، فهذه الأخيرة يمكنها ابتداع اسم فصيل معارض ليقصف المطار، كما حدث خلال تعرض المطار منتصف العام الماضي لضربات مدافع هاون، كان مصدرها منطقة بستان الباشا التي يسيطر عليها النظام بشكل كامل.
أما الأمر كله، فهو ما زال في لعبة الصراع الإقليمي والدولي تلك بيد واشنطن، لا شيء يمكن أن يخفف عن بوتين حزن معرفته بذلك. وعلى أرض الواقع، فإن بوتين الذي يتخيل أنه يلعب الشطرنج، يقف كالأحمق، وسط لعبة بيسبول، عليه أن يتحرك ليستولي على القاعدة الجديدة، لكنه واقفٌ يضحك.