توقفت جميع المنشآت الصحية في أرياف حماة الخارجة عن سيطرة النظام عن العمل، سواء بسبب القصف الذي طال اثنتي عشرة منشأة منها بحسب مرام الشيخ مدير صحة حماة، أو بسبب تعليق عملها بفعل الاستهداف الممنهج للبنى التحتية، خاصة المرافق الطبية، من قبل الطيران الروسي والسوري، في سياق الحملة العسكرية المستمرة منذ شهر نيسان/أبريل الماضي.
وقد وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تسعة وثلاثين اعتداء على المنشآت الطبية في مناطق خفض التصعيد، في الفترة الممتدة بين السابع عشر من أيلول 2018 وحتى الرابع والعشرين من أيار الماضي، تسعة وعشرون منها تم استهدافها في ظل الحملة الأخيرة، محددة مسؤولية قوات النظام عن خمسة عشر هجوماً منها، في حين نفذت القوات الروسية أربعة عشر هجوماً. وكانت حصة ريف حماة من هذه الاستهدافات ثلاثة عشر هجوماً، خمسة منها نفذتها قوات النظام وثمانية نفذتها القوات الروسية، ما أدى إلى خروج عدد من هذه المنشآت عن الخدمة، ومقتل أربعة من الكوادر الطبية.
وكانت منشآت مديرية صحة حماة الحرة تضم ثمانية وأربعين طبيباً اختصاصياً، وأربعة عشر طبيباً مقيماً، وتسعة أطباء عامين، يعملون في تسع عشرة منشأة بين مراكز رعاية صحية أولية وعيادات متنقلة ومشافٍ تخصصية، يغطي عملها مناطق ريف حماة الشمالي وريف حماة الغربي في سهل الغاب وأجزاء من ريف إدلب الجنوبي.
وبالاستناد إلى تقارير صحفية منشورة متعددة، ومشاهدات الفيديو والصور والأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل المباشر مع الجهات المسؤولة وكوادر المستشفيات في ريف حماة، فقد شملت الاستهدافات المستشفيات التالية:
مشفى 111 الذي يقع في الحي الشمالي من بلدة قلعة المضيق بريف حماة الغربي، في الطابق الأرضي من ثانوية أكرم علي الأحمد، يتبع لمديرية صحة حماة الحرة وتدعمه منظمة (SAMS)، وهي «منظمة عالمية للإغاثة الطبية، تعمل على الخطوط الأمامية للإغاثة من الأزمات في سوريا وخارجها، لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة».
مشفى 111 بعد القصف – من موقع مديرية صحة حماة الحرة
هذا المشفى هو الوحيد المختص بالنسائية والأطفال في منطقة سهل الغاب، وكان يقدم الرعاية الأولية والثانوية لما يزيد عن خمسة آلاف مستفيد شهرياً. وقد تعرّض لهجومين من قبل الطائرات في يوم الثامن والعشرين من نيسان الماضي، الأول كان فجراً، بينما الثاني جاء في الساعة الواحدة والنصف ظهراً.
وأكدّت مديرية صحة حماة مسؤولية الطائرات الروسية عن الهجومين، وقالت إن القصف جاء بصواريخ ارتجاجية، ما أدى لخروجه عن الخدمة. كذلك فإن وحدة تنسيق الدعم (ICU)، وهي «مؤسسة سورية وطنية غير حكومية، غير سياسية، غير ربحية، تعمل على مضاعفة الأثر للمساعدات المقدمة للشعب السوري عبر تنسيق الجهود بين المانحين والوكالات التنفيذية والشركاء المحليين»، حمّلت بدورها روسيا مسؤولية الهجومين على المشفى، فيما قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن الضربات جاءت عبر طيران ثابت الجناح، ما يُرجّح كونه روسياً.
وقد سيطرت قوات النظام على هذا المشفى بعد سيطرتها على قلعة المضيق في التاسع من أيار 2019، وكان المشفى يحوي قبل ذلك «غرفة عمليات جراحية كاملة، وجهاز أشعة نقّال، وجهاز إيكو ذي أربعة رؤوس لجميع الاختصاصات الطبية، بالإضافة لجهاز قوسي شعاعي (AC-arm) وسبع حواضن أطفال، وأجهزة مخبر كامل وأجهزة تعقيم وغواصتين للعلاج الضوئي وصيدلية ومستودع أدوية وعدد من الأسرة للمرضى من الأطفال والكبار»، وذلك بحسب ابراهيم الشمالي، الإعلامي في مديرية صحة حماة.
وقد نشرت مواقع وصفحات موالية للنظام السوري على مواقع التوصل الاجتماعي فيديو يظهر فيه محافظ حماة محمد حزوري في زيارة للمشفى، وذلك تحت عنوان العثور على مشفى ميداني في قلعة المضيق، ويظهر فيه بوضوح حجم الدمار الحاصل في المشفى.
كذلك سيطرت قوات الأسد على مقرّ الوحدة الجراحية في كفرنبودة في الثامن من أيار 2019، وكانت تحوي على «جهاز تخدير وجهاز كوتري (مخثر كهربائي) وجهاز سيكشن (جهاز سحب مفرزات)، وعدداً من أسرة المرضى ومستهلكات طبية ولوازم جراحية»، بالإضافة إلى سيطرتها على المركز الصحي في الغاب الجنوبي، الموجود في قرية الشريعة في الحادي عشر من أيار2019، وذلك بعد تضرر أجزاء منه جراء القصف العنيف الذي طال القرية أثناء التمهيد الجوي والبري، وأيضاً على مركز نبض الحياة في قرية المستريحة شمالي حماة في الثاني عشر من أيار، الذي كان يضم «عيادة سنية ومركز لقاح وعيادة أطفال ونسائية وصيدلية مجانية»، كما يقول ابراهيم الشمالي أيضاً.
مشفى اللطامنة الجراحي، الذي يقع داخل مغارة في بلدة اللطامنة بريف حماة الشمالي، والذي كان يقدم الخدمات الجراحية لما يزيد عن ثلاثة آلاف وخمسمائة مستفيد شهرياً، تعرَّضَ بدوره للهجوم من قبل طائرة ثابتة الجناح، يُرجّح أنها روسية بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومديرية صحة حماة، وذلك في الساعة السادسة والنصف من يوم الثامن والعشرين من نيسان الماضي، بعدة صواريخ أدت إلى أضرار في هيكلية البناء (المرآب، المولدة، الصيدلية، المخبر)، ما تسبب بخروجه نهائياً عن الخدمة.
مشفى اللطامنة – من موقع مديرية صحة حماة
وكان هذا المشفى قد تأسس في العام 2012، تم إنشاؤه ضمن كتلة صخرية محصنة، ويتضمن «جهازاً قوسياً وجهاز تخطيط قلب وجهاز تحليل كيمياء الدم (bio system) وأجهزة إرزاز»، وقد تعرض سابقاً للقصف بمروحيات النظام بالبراميل المتفجرة في التاسع من أيلول 2018.
مشفى اللطامنة – من موقع مديرية صحة حماة
مشفى 112 الذي يقع في قرية الحواش شمال سهل الغاب، وهو مشفى تخصصي (عيادات أطفال، نسائية، داخلية)، كان يُقدّم الخدمات لما يزيد عن مئة وخمسين ألف شخص من أبناء المنطقة (الغاب الأوسط)، وحوالي خمسة آلاف مستفيد شهرياً، ويتبع لمديرية صحة حماة التي قامت بترميم مبناه وتجهيز أقسامه في كانون الثاني من العام الحالي.
تعرض المشفى لهجوم بالبراميل المتفجرة من مروحية تابعة لنظام الأسد في السابع من أيار الماضي، تلاها استهداف بصواريخ من طائرة ثابتة الجناح، روسية بحسب مديرية الصحة والشبكة السورية لحقوق الإنسان، في الحادي عشر من الشهر ذاته، ما أدى لخروجه عن الخدمة.
الوحدة الجراحية في كفرزيتا بريف حماة الشمالي، وهي مختصة بالجراحة العامة والعظمية، تقدم الخدمات لما يزيد عن ألف وخمسمائة مستفيد شهرياً، تعرضت لهجوم من طائرة ثابتة الجناح (روسية) فجر الخامس من أيار، تبعه هجوم بالبراميل المتفجرة في الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم ذاته، ما أدى لخروجها عن الخدمة وأضرار في البناء والأجهزة والمعدّات. كما تعرّضَ مركز كفرزيتا للأطفال لهجوم من قبل طائرة ثابتة الجناح في الثامن من أيار الماضي، ما أخرجه أيضاً عن الخدمة.
كذلك خرج مركز الغاب الأوسط عن الخدمة نتيجة القصف المدفعي المتكرر، وهو يقع في قرية الحويجة شمال سهل الغاب، وكان يخدّم ما يزيد عن عشرين ألف نسمة من أبناء قرى سهل الغاب الأوسط والجهة الغربية من جبل شحشبو، ويضم عيادات (داخلية، أطفال، نسائية) إضافة إلى قسم الإسعاف والصيدلية وكادر طبي مؤلف من طبيبين وستة ممرضين وقابلتين قانونيتين. وبالإضافة إلى ذلك، تعرض مركز بلدة قسطون الطبي، الذي تم إنشائه منتصف تموز عام 2016، لقصف متكرر بقذائف المدفعية، كان آخرها 22 أيار 2019، ما أدى لخروجه عن الخدمة.
وكانت منظمتا (SAMS) و(SRD) قد أعلنتا خروج ثمان منشآت طبية تابعة لهما عن الخدمة (أربع لكل منظمة)، وتعليق عمل خمس عشرة منشأة أخرى في ريفي حماة وإدلب الجنوبي تتبع لمنظمة (SAMS)، لتخلو بذلك المنطقة من أي منشأة طبية عاملة.
تفعيل لعدد من المنشآت الطبية في مناطق جديدة
تسبب القصف الشديد، وخروج المنشآت الصحية عن الخدمة، بنزوح ما يزيد عن ستمائة ألف شخص خلال الفترة الواقعة بين الثاني من شباط إلى الأول من تموز الجاري من ريفي حماة وإدلب، وذلك بحسب آخر إحصائية نشرها منسقو الاستجابة في الشمال السوري يوم أمس الأول من تموز. ما اقتضى الحاجة إلى اجتراح حلول إسعافية بسبب الازدحام الكبير في مراكز المناطق التي نزحوا إليها، وعدم قدرتها على استيعاب الأعداد الكبيرة الجديدة.
وقال مدير صحة حماة الحرة إن المديرية، بالتعاون مع المنظمات التي تعنى بالشأن الطبي، قد أعادت تفعيل ثلاث وحدات جراحية في مناطق أخرى لتقديم الخدمات الإسعافية، إضافة لخمسة مراكز للرعاية الأولية في المخيمات والمناطق المحيطة بها. كما يقوم اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية (Uossm) بتقديم الخدمات الصحية لنازحي ريف حماه الشمالي، من خلال العيادات المتنقلة التابعة له، التي تقدم الخدمة للنازحين في المخيمات والقرى وما حولها.
وكانت مديرية صحة حماة قد أعادت افتتاح مشفى 112 التخصصي (نسائية، أطفال) قرب الحدود التركية في الحادي عشر من حزيران الماضي، وذلك لتقديم خدمات الرعاية الثانوية والثالثية للمهجرين من أهالي المنطقة، بالإضافة إلى مشفى الأمومة بالتعاون مع مديرية صحة إدلب ومنظمة (SAMS)، بعد نقله من بلدة ترمّلا جنوبي إدلب إلى مدينة حارم قرب الحدود السورية التركية، جراء تعرض المبنى القديم لقصف سابق في الخامس من أيار الماضي.
مشفى 112 بعد إعادة افتتاحه
وتستقبل منطقة حارم القسم الأكبر من الأطفال النازحين خلال الحملة الأخيرة، إذ يتواجد فيها 2548 طفلاً رضيعاً من أصل 8127، و14439 طفلاً منهم 10758 في سن المدرسة الابتدائية من أصل 41564 طفلاً وثقتهم وحدة تنسيق الدعم في أيار الماضي.
وقال الدكتور محمد هنداوي مسؤول الرعاية الصحية الثانوية في مشفى الأمومة، إن إعادة افتتاح المراكز الطبية جاء بالتعاون مع مديرية صحة إدلب ومنظمة (SAMS)، كما تم تقديم بعض المستلزمات من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، حيث تم توزيع المنشآت بما يتوافق مع توزّع النازحين.
وتم استحداث خمسة مراكز رعاية أولية في مشفى الأمومة، تضم صيدلية ومخبراً وأقسام (إسعاف، حواضن، نسائية وأطفال)، فيما يتم العمل على بناء منشآت وتجهيز معدات جراحية وأجهزة طبية لافتتاح المزيد من المراكز والمشافي، بهدف تقديم الخدمات للنازحين والمهجرين من الريف الحموي، بعد دراسة واقع التهجير وأعداد المهجرين الكبيرة.
وقال ابراهيم الشمالي، الإعلامي في مديرية صحة حماة، إنهم لم يتمكنوا من إخلاء المشافي والنقاط الطبية التابعة لهم بسبب شدة القصف واستمراره، وتعمد النظام استهداف المشافي والكوادر الطبية، مضيفاً أن المديرية اعتمدت في تأمين مستلزمات المشفى الموجود في حارم على الأجهزة المتواجدة في المستودعات لدى دائرة الإمداد والتوريد فيها، وتقديم بعض الأجهزة والأدوية من بعض المنظمات، منها جمعية القلوب الرحيمة الدولية (IPHS)، التي زودت مديرية الصحة بالأدوية النوعية الهامة لمدة عام كامل بإشراف مستودع البيروني للأدوية.
آلية التحقق الدولية الفاشلة
في أيلول 2014، اعتمدَ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ما يعرف بآلية التحقق، التي تقوم على إعلام قوات التحالف الدولي وروسيا وتركيا بالمواقع الإنسانية الثابتة في سوريا. وقد تعرضت ستة مواقع طبية مدرجة ضمن هذه الآلية للقصف خلال الفترة الماضية بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ما يعني عدم فعالية هذه الآلية، بل وربما مساهمتها في تزويد القوات الروسية وقوات النظام بالمواقع الدقيقة هذه المنشآت.
وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية «أمنيستي»، في بيان لها يوم السابع عشر من أيار الماضي، أن استهداف المنشآت الطبية الذي يقوم به النظام وحلفاؤه جريمة حرب، إلا أن مجلس الأمن فشل باستصدار قرار إدانة أو اتخاذ أي إجراء بحق عمليات القتل والقصف واستهداف المراكز الطبية، بسبب عرقلة روسيا لإصدار قرار الإدانة في الاجتماع الطارئ الذي جرى في العاشر من أيار الماضي، على الرغم من صدور تقرير عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تحدّث عن تعرّض أربع وعشرين منشأة طبية للقصف خلال الحملة الأخيرة، منها ما تم استهدافه لأكثر من مرة.