قداسة البابا فرنسيس،
اسمح لي أولاً أن أعرّفك بنفسي، اسمي روجيه، شابٌ مسيحيٌّ سوري من حلب، عشت الحياة المكرّسة لسنواتٍ طويلة، درست الفلسفة واللاهوت الكاثوليكي، أمارس الصحافة والعمل البحثي، وأنهي حالياً اختصاصاً في العلاقات المسيحيّة-الإسلاميّة في جامعة القديس يوسف اليسوعيّة في بيروت.
عملت لسنوات -بعد انسحابي الطوعيّ من الحياة المكرّسة- مع مواطنيَّ اللاجئين في لبنان، وفي تنفيذ مشاريع إغاثيّة عبر الحدود لدعم المدنيّين الأكثر حاجة داخل سورية، لا سيما الواقعين منهم تحت الحصار والقصف، والمتضررين من الصراع الحاصل، بغض النظر عن دينهم وطائفتهم وآرائهم، الأمر الذي سمح لي بتكوين تصوّرٍ واقعيٍّ متقدّم حول حقيقة ما جرى ويجري على أرض الواقع في بلدي.
قداستك، لا يختلف أصحاب النوايا الحسنة على السلوك المسيحيّ المطلوب، أو على الخيارات الأخلاقيّة الصحيحة في خضم الأزمات، لكن واحدةً من أهم مشاكلنا اليوم هي الاختلاف على الوقائع، على حقيقة ما يجري على الأرض، وانتشار الأخبار المزيّفة والدعاية الموجّهة لتشويه الحقيقة وحجبها. وأدرك تماماً أنّ أخباراً مجانبةً للحقيقة قد تصلك من مصادر محليّة، بعضها كنسي حتّى، ولكنّي على ثقةٍ أيضاً بمعرفتك بمقدار الضغوط والأخطار المترتّبة على قول الحقيقة كما هي في واقع كواقع بلدي سورية.
أودّ أولاً أن أشكر قداستك، لأنك ذكرت معاناة إدلب في الثاني من أيلول/سبتمبر 2018، محذراً من مخاطر كارثة إنسانيّة مقبلة في حينه، يبدو أنها حاصلة اليوم.
قداستك، يبدو بدون شك، أنّ المدنيّين في منطقة إدلب وريفها وريف حماة، يُقصفون بالمدفعيّة والصواريخ والطيران، على نحوٍ يوميٍّ منذ أسابيع، بطريقة ممنهجةٍ ومقصودة، بما في ذلك الاستهداف المتعمّد للمستشفيات والمراكز الصحيّة والمسعفين، في أمرٍ صار للأسف مألوفاً مع كل عمليّةٍ عسكريّةٍ مماثلة.
أحد أفراد الطاقم الطبي لمستشفى تم قصفه في إدلب
يُقدّر عدد المدنيين في هذه المنطقة اليوم بـ 3 ملايين إنسان، بينهم نسبةٌ مرتفعةٌ من الأطفال، كثيرون منهم لجؤوا إلى هذه المنطقة بعد تدمير بلداتهم وقراهم الأصليّة وطردهم منها في مناطق مختلفة من سورية. ومن بين المدنيين في هذه المنطقة أيضاً، بضع مئاتٍ من المسيحيين، يشعرون -بدون شك- أنّ معاناتهم وسائر المدنيين، في مقدّمة همومك بصفتك مرجعهم الروحيّ الأعلى.
خلال الشهرين المنصرمين، اضطر قرابة 300.000 إنسان إلى النزوح، بسبب استهدافهم المتعمّد بالقصف، حتى صار العثور على مأوىً آمن أمراً شديد الصعوبة، وأصبحت جهود المنظمات الإغاثيّة غير كافية على الإطلاق للقيام بالحد الأدنى اللازم تجاه هؤلاء المدنيين المتألمين.
قداستك، كثيراً ما علّمتني الكنيسة، أنّ لا أحد يجب أن يعاني أمراً مماثلاً، مهما كان موقفه أو رأيه أو دينه أو منطقة سكنه، وأنّ الانتصارات والمكاسب المبنيّة على العنف تجاه المدنيين، والتدمير غير المبرّر، تحمل في أساسها عوامل إعادة توليد عنف يُدخلنا في دوامةٍ لا تنتهي.
تلعب روسيا دوراً رئيسياً على الصعيدين العسكريّ والسياسيّ في الصراع الدائر، وقد يكون دورها الأبرز والأهم، وبغضّ النظر عمّن يتحمّل مسؤوليّة الانتهاكات التي تحصل، يمكن لروسيا -إن شاءت- أن توقف استهداف المدنيين والمراكز الطبيّة والمسعفين.
كإنسانٍ وكمسيحيّ، أرجو من قداستك بإلحاحٍ، أن تبقى معاناة المدنيين الفظيعة، وجريمة استهدافهم بالقصف، وتدمير المراكز الطبيّة المقصود، حاضرةً كلها، في صلاتك أولاً، ثم في اجتماعك القريب المقبل بالسيد فلاديمير بوتين، للمطالبة الصارمة بإبعاد المدنيين -دون أي تأخير- عن الصراع، وعدم استهدافهم والمرافق الطبيّة بغرض تحقيق مكاسب عسكريّة أو تشكيل ضغطٍ سياسيّ.
على أمل أن تصلك رسالتي هذه، وتجد موقعها الذي تستحق في قلب قداستك ثم في ذهنك، فمعاناة شعبي قد طالت، وكلّي ثقة أنّ صوت الحق الذي تنطق به، قادرٌ على أن يغيّر شيئاً بشأن هذه الجريمة المستمرّة.