اجتاحت أعدادٌ هائلةٌ من صور الكبار في السن وسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهر الماضي، وذلك عندما طرحت شركة Wireless Lab الروسية عبر تطبيق Face App على نظامي آبل و أندرويد مجموعة جديدة من الفلاتر التي تضيف تعديلات إلى الوجوه، منها فلتر لتبديل جنس الوجه مثلاً، لكن الذي اشتهر منها بشكل واسع كان فلتراً يريك صورتك كيف ستبدو عندما تشيخ. وقد وصل عدد مرات تحميل التطبيق إلى 7.6 مليون مرة خلال الأسبوع الأول من الشهر الفائت (تموز)، ولاقى فلتر الشيخوخة قبولاً واهتماماً واسعاً من قبل مستخدمي التطبيق، إلا أن الشركة واجهت كثيراً من الانتقادات التي تتعلق بقضيتي الخصوصية وحماية البيانات، وذلك لأن الصور لن تُخزَّنَ على الهواتف الذكية الخاصة بمستخدمي التطبيق، بل ستُخزَّن على الشبكة وستكون متاحة للاستخدام من قبل الشركة المخدّمة لهذا التطبيق، وهو ما أثار جدلاً حول الغرض من هذا، وحول ارتباطه بنوايا استخباراتية روسية.

على أي حال، وبالإضافة إلى مسألة الخصوصية وحماية البيانات، والغرض من السطو الجماعي على بيانات البشر بشكل مباشر، وهو نقاش لا يقتصر على هذا التطبيق فقط، فإن ما يثير التساؤل أكثر هو السبب الذي جعل عدداً كبيراً من المستخدمين يبتلعون الطُعم ويقومون بتحميل التطبيق بهذه الكثافة؟ ولماذا كان هذا الفلتر بالذات هو الأوسع انتشاراً؟

الأشخاص الأكبر سناً هم الأقل حضوراً على وسائل التواصل الاجتماعي عموماً، صورهم أقلّ عدداً، كما أنهم الأقل ظهوراً في الصورة بشكل عام؛ ولا نقصد هنا الصورة الفوتوغرافية فحسب، بل الصورة بمعناها الأوسع، أي المساحة التي يُسلَّط عليها الضوء. وليس ضعف الحضور هذا ناتجاً عن عنصرية معايير الجمال والصورة الجميلة فحسب، بل أيضاً عن مجموعة استنتاجات وتوصيفات كانت سبباً في غياب الأشخاص الأكبر سناً عن المشهد العام، مثل ارتباط التقدم في العمر بالخروج التدريجي من الفضاءات العامّة كالعمل والسهرات، أو حتى بالفشل الطبيعي في تأدية الوظائف الحيوية، الأمراض المزمنة والتعب أو الكسل وفقدان الاهتمام بتجربة أشياء جديدة، ما يدفعهم إلى هامش الحياة .

الاستفسار عن الغائب في الصورة واستحضاره هو أكثر ما يمكن أن يُحرّك الفضول البشري، ابتداءاً من السؤال البريء الذي كنا نطرحه ونحن أطفالٌ على آبائنا عند مشاهدة صور الزفاف؛ «أين كنتُ أنا يوم العرس؟»، وصولاً إلى السؤال الذي يشغل بال الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية والدراسات الثقافية؛ من هم الذين داخل الصورة ومن هم الذين خارجها، ولماذا هم خارج الكادر؟ لا نعرف فيما إذا كان مصممو الفلتر الجديد قد طرحوا هذه الأسئلة على أنفسهم أم لا، لكن الصور المتوقعة للأشخاص وهم أكبر عمراً هي استحضارٌ لشريحة عمرية من الناس إلى الضوء، وإلى صفحات التواصل الاجتماعي، بصفتهم العنصر غير المألوف.

في وسائل الإعلام، ربما تكون المناسبتان الشائعتان لالتقاط صورة لشخص مسنٍّ كان من المشاهير يوماً ما، إما مناسبةُ التحسر على شبابه والاستغراب من ظهور علامات العمر والكبر عليه، أو على العكس، مناسبة الإشادة بجماليات التقدم بالعمر، كما في الصور الحديثة لمونيكا بيلوتشي مثلاً؛ وفي كلا الحالتين، الخصم هو الشباب والمحافظة على الشباب. يدفعني هذا للقول إن الهوس بالشباب أحد الأسباب الرئيسية وراء الانتشار الهائل للفلتر الجديد من  تطبيق Face App، الذي يتيح لنا التلصص على صورتنا عندما نكبر، مع أننا نبقى فعلياً رافضين لأن نكبر. وربما تكون الأسباب التي دفعت كثيرين لمشاركة صورهم تلك على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي المشاركة التي اقترنت بالجرأة خاصةً بالنسبة للنساء، هي الدهشة من شكلهم المتوقع مستقبلاً، أو مجارة الترند العالمي، إلا أنها غالباً لم تكن إعجاباً بصورتهم المستقبلية.

وبغض النظر عن الآليات التي يعمل بها هذا الفلتر، مثل إضافة التجاعيد على البشرة، أو زيادة تحدب عظمة الأنف وحجمه، أو ضمور العين تحت الجفن العلوي، إلا أن فرص واقعيتها تبقى تحت السيطرة فعلاً، في ظلّ كميات السليكون التي يمكن أن تعبّد تجاعيد البشرة، والخيوط الخفية التي ترفع الذقن وتشدّ العين. في حين أنه لو كانت الصور حقيقية فعلاً، لما تمت مشاركتها مع قبل كثير من الأشخاص، وذلك لأنها تتطلب جرأة من نوع آخر، وهي جرأة ليست على مستوى جماليات الشكل فقط، بل على مستوى الاعتراف العلني ببدء انتهاء أو محدودية التجارب المتاحة التي يمكن أن يشارك فيها الكبار بالسن.

أما السبب الآخر الذي ساهم في الانتشار الهائل لتطبيق Face App من خلال الفلتر الأخير، فهو الهوس بمعرفة الغيب، والرغبة الجارفة بالسفر عبر الزمن، ومعرفة ماذا سيحدث لنا. هذا الهوس ذاته الذي كان سابقاً يجعلنا ننتظر فقرة الأبراج والفلك على الراديو كل صباح، والذي يحرك كل محاولات كشف الغيب والسفر عبر الزمن في الآداب والمرويات الشعبية حول العالم. لقد أتاح التطبيق للمستخدمين رؤية أنفسهم وهم كبار في السن بكبسة زر واحدة؛ بثوانٍ قليلة يمكن اختزال العمر القادم وإظهار آثاره علينا، لكن في الوقت ذاته، فإن الفروقات الكبيرة بين صورتنا الآن وصورتنا المستقبلية المُحتملة، تجعلنا نطمئن للمسافة الزمنية التي تفصلنا عن التقدم في العمر.

وسط هذا الانشغال المحموم باختزال التجارب البشرية إلى جماليات، أي اختزال تجربة العمر كلّها إلى جميل أو قبيح، تبدو مسألة سرقة البيانات أمراً ثانوياً أمام مسألة تفسير الهواجس التي استغلّها مصممو التطبيق لدفعنا إلى تحميله والنفاذ عبره إلى هذه البيانات، الهواجس التي لم نستطع مقاومتها عند سؤالنا فيما إذا كنا نسمح للتطبيق باستخدام بياناتنا الشخصية، فأجبنا بنعم.