اجتمع مساء أمس الجمعة مئات الأشخاص أمام مبنى أوبرا ثريا في حي كاديكوي في القسم الآسيوي من مدينة إسطنبول، ونفذوا اعتصاماً تمت خلاله قراءة بيان موجه للإعلام والرأي العام في تركيا وخارجها، للتضامن مع اللاجئين السوريين وسائر المهاجرين واللاجئين في تركيا، والمطالبة بوقف إجراءات الترحيل فوراً، ووقف جميع الإجراءات التي تنتهك حقوق اللاجئين والمهاجرين في التنقل والعمل والعيش الكريم.
وكان لافتاً وجود أعداد كبيرة من عناصر الشرطة التركية إلى جوار الاعتصام، الذي مرّ بسلام بعد أن كانت هناك مخاوف من تكرار المشهد الذي حدث قبل نحو أسبوع في حي الفاتح في اسطنبول، عندما اعتصم المئات أيضاً في حديقة الإطفائية هناك تضامناً مع اللاجئين، وذلك بدعوة من منظمات مجتمع مدني إسلامية، وهاجمتهم مجموعات من القوميين الفاشيين المعادين للمهاجرين والأجانب، ما أدى إلى وقوع صدامات تدخلت الشرطة لوقفها.
وكانت الدعوة لاعتصام يوم أمس في كاديكوي قد جاءت من قبل مبادرة تحمل اسم «نريد أن نعيش معاً»، قامت بإطلاقها مؤخراً مجموعة من الحقوقيين والنشطاء المدنيين والسياسيين في تركيا، منهم محامون ونشطاء من تيارات يسارية وعلمانية متنوعة، ونشطاء في مجالات حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين وحقوق مجتمع الميم وناشطات نسويات. وتهدف هذه المبادرة إلى التضامن مع اللاجئين السوريين وعموم المهاجرين في تركيا، وتقديم ما يمكنها من دعم لهم، والدفاع عن حقوقهم في مواجهة الإجراءات الحكومية التركية التي تنتهكها، كما تهدف إلى مقاومة تصاعد العنصرية وخطاب الكراهية.
هذا الاعتصام إذن كان واحداً فقط من سلسلة نشاطات متنوعة قامت وستقوم بها المبادرة، منها توثيق الانتهاكات بحق اللاجئين، والتواصل مع نقابات المحامين بهدف إيجاد آليات لتمكين السوريين من الحصول على المساعد القانونية، ومع الأحزاب السياسية والمنظمات والنقابات لمزيد من الضغط بهدف وقف الانتهاكات. وبالإضافة إلى الدعوة العامة التي تم توجيهها قبل أيام من الاعتصام، قام أفرادٌ من المبادرة بزيارات تهدف إلى دعوة جهات عديدة للمشاركة فيه، وقد لبّت هذه الدعوة نحو 29 حركة ومنظمة ومبادرة، منها حركات نِسوية وحركات للدفاع عن حقوق مجتمع الميم، ومنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان واللاجئين والمهاجرين، ومنظمات عمالية مثل نقابة عمال البناء الثوريين، بالإضافة إلى أحزاب وحركات يسارية وعمالية وأناركية، شاركت كل واحدة منها بعدة ممثلين عنها في الاعتصام، في تأكيد على تضامنها مع اللاجئين والمهاجرين.
وقد تضمن البيان الذي تمت قراءته خلال الاعتصام باللغة التركية، وتوزيع نسخ ورقية منه باللغات التركية والإنكليزية والعربية، رفضاً لترحيل سوريين إلى خارج الحدود «بعد إرغامهم أو خداعهم للتوقيع على وثيقة العودة الطوعية»، ورفضاً لسياسات الهجرة التي تم اعتمادها في تركيا خلال السنوات الأخيرة، التي «تقوم على مركزية الهاجس الأمني، وعلى قرارات مزاجية وسياسية تختزل المهاجرين إلى مجرد أرقام يجب وضعها تحت المراقبة، بدلاً من إنشاء بنى مستدامة وداعمة على أساس حقوق الإنسان». كما قال البيان إن تعبير «الضيوف» الذي تستخدمه الحكومة التركية لوصف السوريين، يشكل عائقاً كبيراً أمام مطالبتهم بحقوقهم: «نحن نؤمن بوجوب أن يكون المهاجرون تحت حماية القانون، لا أن يُتركوا تحت رحمة السياسيين».
الحرية للمهاجرين… نريد أن نعيش معاً
كذلك حمَّلَ البيان الاتحاد الأوروبي جزءاً أساسياً من المسؤولية عن الأوضاع التي يعيشها اللاجئون والمهاجرون في تركيا، ذلك أن الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي، قد جعل تركيا «مُنفّذاً لسياسات الحدود الأوروبية القاتلة»، وجعلها «نوعاً من حرس الحدود» وفقاً لتعبير البيان. كذلك تطرق البيان إلى الأوضاع القاسية التي يعيشها اللاجئون السوريون والمهاجرون عموماً في تركيا، والتي تتسبب بحرمانهم من العمل واستغلالهم وتشتيت شمل العائلات وتدمير شبكات التضامن بين اللاجئين، كما أكد على أن إجراءات الترحيل التي تقوم بها السلطات تركية تنتهك الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تركيا، وتنتهك حقوق الإنسان، وتؤدي إلى تعريض المرحلين إلى خطر داهم يتهدد حياتهم، نتيجة استمرار المعارك في المناطق التي يتم ترحيلهم إليها، أو بسبب هوياتهم السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الجنسية أو الإثنية.
أما فيما يتعلق بالخطاب العنصري وخطاب الكراهية، قال البيان إن كلاً من أحزاب السلطة والمعارضة في تركيا تلقي بمسؤولية المشكلات البنيوية والأزمة الاقتصادية في تركيا على أكتاف المهاجرين واللاجئين، مؤكداً أنه ليس صحيحاً الادعاء بأن «أولئك الذين تم تهجيرهم، ويتعرضون لاستغلال كبير، هم السبب في الأزمة الاقتصادية»، ومؤكداً أيضاً على وجوب منح إذن العمل للمهاجرين بلا شروط، ووجوب اتخاذ إجراءات من شأنها منع استغلال عمل وأجساد المهاجرين.
بالإضافة إلى هذا البيان، هتف المعتصمون بشعارات متنوعة، من أهمها: «أوقفوا الترحيل فوراً» و«السوريون ليسوا وحدهم» و«عالم بدون حدود بدون طبقات بدون منفى» و«نريد أن نعيش معاً» و«عاشت أخوّة الشعوب»، ورفعوا لافتات عديدة تتضمن شعارات مشابهة باللغات العربية والإنكليزية والتركية، كما رفعوا رايات تمثّل توجهاتهم المتنوعة.
اللافتة بالانكليزية تقول: «الصمت هو عنف… قاوموا العنصرية»، واللافتة بالتركية: «ليس المهاجرون هم السبب في البطالة، بل الدول الرأسمالية وسياساتها البربرية».
على الرغم من تراجع الأنباء التي تتحدث عن ترحيل لاجئين سوريين إلى الشمال السوري، إلا أن الترحيلات لا تزال مستمرة في الواقع، باعتبارها «عودة طوعية» تشهد عليها توقيعات انتزعت بالتخويف أو التضليل أو الضغط أو مقادير متفاوتة من العنف. كذلك يستمر ترحيل مهاجرين من جنسيات أخرى إلى بلادهم بذريعة أنها بلاد «آمنة»، وتستمر الإجراءات المتشددة التي تحرم اللاجئين من الشعور بالأمان، وتحد من حقوقهم في التنقل والعمل. ولا يبدو أن السلطات التركية عازمة على التخفيف من إجراءاتها تلك، غير أن الحراك المتزايد تدريجياً في أوساط تركية متنوعة قد يؤدي إلى التخفيف من الآثار الكارثية لهذه الإجراءات، كما أنه يبعث برسائل بالغة الوضوح حول رفض قطاعات متنوعة في تركيا لهذه السياسات، على أمل أن يؤدي هذا إلى تغييرها واستبدالها بسياسات أخرى تحترم حقوق الإنسان، وعلى رأسها حق العيش الآمن والكريم وحقوق العمل والتنقل.