بعد فترةٍ قصيرة من تدخل الجيش التركي في سوريا بشكلٍ مباشر في آذار (مارس) 2017، دخلت شركات الاتصالات التركية توركسل وتورك تيليكوم إلى جميع المناطق التي بسط الجيش التركي فيها نفوذه بمساعدة فصائل سورية مُعارِضة مرتبطةٍ به، وباتت مناطق عفرين واعزاز والباب وجرابلس التي تُسمّى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون معتمدةً في اتصالاتها على الشبكات التركية بشكلٍ كامل.
وقد ركبّت شركات الاتصالات التركية أبراجاً لها في القواعد العسكرية التابعة للجيش التركي، وقامت أيضاً بتقوية بثّ الأبراج الموجودة في الأراضي التركية قريباً من الحدود، أما الأبراج التابعة لشركات الاتصالات السورية، فقد كانت كلها خارجة عن الخدمة بسبب تدميرها أو الاستيلاء عليها وعلى معداتها من قبل تنظيم الدولة في مناطق سيطرته السابقة، في حين أن الأبراج الموجودة في منطقة عفرين كانت مستمرة في العمل حتى اقتحام المنطقة من قبل الجيش التركي والفصائل السورية. وقد تم تدمير جميع هذه الأبراج لاحقاً بحجة أن النظام يستخدمها للتنصّت، وذلك وفق ما أفادنا به نشطاء محليون، لتصبح بذلك مناطق ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي والشمالي الشرقي خارج تغطية الشبكات السورية تماماً، باستثناء بعض المناطق القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام.
ويبلغ ثمن الخط التركي سعراً يتراوح بين 80 و110 ليرات تركية، وذلك حسب العروض التي تعلن عنها الشركات التركية بين فترةٍ وأخرى، وهي العروض والأسعار نفسها التي يُعلَن عنها في الأراضي التركية. ورغم أن شراء هذه الخطوط ممكنٌ عن طريق أيّ محل اتصالاتٍ في الشمال السوري، إلا أنّ تفعيل هذه الخطوط يتم عن طريق محال اتصالات في تركيا، وذلك رغم وجود وكلاء محليين في إعزاز لكلتا الشركتين؛ توركسل وتورك تيليكوم.
أمّا الأوراق المطلوبة للحصول على خط تركي دائم، فهي حصراً بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) التي تُمنح للاجئين السوريين داخل الأراضي التركية، وبدون وجود هذه البطاقة فإن الخط سيبقى مفعّلاً لمدة ثلاثة أشهر فقط. كما يجب أن تكون البطاقة مُحدّثة؛ أي أن تبدأ بالرقم 99، ولا تُقبل أي وثيقة سورية صادرة عن المجالس المحلية على الرغم من تبعية هذه المجالس للجانب التركي، وعلى الرغم من معرفة الشركات التركية بأنّه لا يمكن للسوريّ المُقيم داخل سوريا أن يحصل على هذه البطاقة، إلا إذا كان مقيماً بالأصل في تركيا ودخل إلى سوريا لقضاء إجازة في المواعيد التي يُعلن عنها الجانب التركي مثل إجازات الأعياد.
من خلال هذا الإجراء، فإن السوريين في تلك المناطق مجبرون على شراء خط جديد كل ثلاثة أشهر، وينطبق هذا حتى على المشتركين السوريين الذين يزوّدون الشركات التركية بنسخة عن جواز سفرهم السوري ساري المفعول دون أن يكون لديهم إقامات سياحية أو إقامات عمل في تركيا، إذ يجري اعتبار هذه الخطوط بمثابة خطوط سياحية يشتريها الأجانب الذين يزورون تركيا لفتراتٍ محدودة، وهذه الخطوط تتوقف عن العمل أيضاً خلال مدة ثلاثة أشهر.
يقول أحد مندوبي الاتصالات التركية في الشمال السوري (رفض الكشف عن اسمه) للجمهورية إنّ هناك «قرابة عشرة آلاف خط أصحابها من السوريين الذين ليس لديهم أوراق تركية، ويجري تعطيل خطوطهم كل ثلاثة أشهر، ويقومون بشراء خطوط جديدة بقيمة لا تقل عن 85 ليرة تركية للخط الواحد». وغالباً ما يلجأ سكان الشمال السوري إلى أقارب أو معارف يحملون بطاقات الحماية المؤقتة التركية المُحدّثة التي تبدأ بالرقم 99 من أجل شراء خطوط بأسماء هؤلاء الأقارب، باعتبار أنه يمكن شراء ستة خطوط باستخدام كيملك واحد، بواقع ثلاثة خطوط من كل شركة.
ويترتب على ذلك أنّ بعض السوريين يعانون من إقدام بعض أصحاب محال الاتصالات في الداخل السوري على إعادة استخدام الكيملك الذي يُقدَّم لهم للحصول على خط، فيبيعون خطوطاً مُسجلة بأسماء أصحاب هذه الهويات دون معرفة أصحابها، وكثيراً ما يؤدّي هذا الأمر إلى وقوع مشاكل، فعند ترتّب فواتير على أي خط مُسجّل باسم شخصٍ ما، دون أن يدري بوجوده أساساً، تتعطل جميع الخطوط المُسجلة باسم هذا الشخص، ويكون مُجبراً على دفع الديون المترتبة للشركة على خطوط لا يعلم من هم أولئك الذين يستخدمونها. فضلاً عن ذلك، حدث مراراً أن حصلت مشاكل نتيجة الاستخدام السيئ للخطوط المُسجلة بأسماء أشخاص لا يعرفون بوجودها أصلاً.
ويقدّر وكيل إحدى شركات الاتصالات التركية الذي تحدثنا إليه أن عدد الخطوط التركية المُستخدمة في الداخل السوري يتراوح من 250 ألف إلى 300 ألف خط، وجميع هذه الخطوط يدفع أصحابها 45 ليرة تركية شهرياً على الأقل من أجل ضمان عدم تعطيلها من قبل شركة الاتصالات. أما بالنسبة لتعرفة الاتصالات، فهي تتنوع تبعاً للباقات والعروض التي تطرحها الشركتان، وهي العروض والاشتراكات الموجودة في الداخل التركي نفسها، إذ يتمّ التعامل مع هذه الخطوط على أنها مُشغّلة في الداخل التركي، وأقل هذه الباقات ثمناً بالنسبة لشركة توركسل قيمتها 4500 ليرة سورية، وتتضمن 500 دقيقة مكالمات و1000 رسالة نصيّة ووصول إلى الإنترنت بحجم 4 غيغا بايت شهرياً. أما باقات شركة تورك تيليكوم فهي تبدأ من 2800 ليرة سورية أو 3000 ليرة بحسب سعر صرف الليرة التركية مقابل السورية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ هاتين الشركتين تطرحان عروضاً على المشتركين بين فترةٍ وأخرى.
وفي خطوةٍ مفاجئة، قررت شركات الاتصالات التركية تعطيل جميع الخطوط المسجّلة لديها لحملة بطاقة الحماية المؤقتة التركية، مطالبةً إياهم جميعاً بتزويدها بصور جديدة عن الكيملك المُحدَّث لكي يتمكنوا من الاحتفاظ بخطوطهم، وأعطت أصحاب هذه الخطوط مهلاً مختلفة لإرسال الأوراق الجديدة، وكان من المفترض أن تنقضي المهلة الأخيرة في الثاني من تموز (يوليو) الماضي، إلا أنّه تم تمديدها مجدداً. ولكن لا يمر يوم من غير أن تقوم الشركات التركية بتعطيل مئات الخطوط بسبب عدم وجود كيملك بحسب ما قال وكيل شركة الاتصالات التركية الذي تحدثنا إليه، والذي أضاف بأنّ الشركات التركية، في بادئ الأمر، طلبت من أصحاب الخطوط تزويد مراكزها في تركيا بالأوراق التي طلبتها، ثم نشرت في مرحلة لاحقة روابط إلكترونية يمكن تحميل نسخة عن بطاقة الكيملك من خلالها.
صحيحٌ أنّ قرار الشركات التركية بحصر منح الخطوط بحملة الكيملك المُحدّث هو طلبٌ تعجيزي بالنسبة للسوريين في الشمال السوري، ويبدو أنه يهدف إلى إجبار السوريين على تبديل خطوطهم كل ثلاثة أشهر، إلا أنّه بالمقابل سيؤدي إلى تعطيل الخطوط التي استُصدرت بأسماء أشخاص لا يعرفون بوجودها، ولكن يبقى أنه ليس هنالك أي ضمانة بأن لا يتكرر الأمر نفسه من جديد بسبب احتفاظ بعض محال الاتصالات بصور عن بطاقات كيملك دون علم أصحابها.
ويعزو بعض من تحدثنا إليهم قرار الشركات التركية بعدم منح السوريين خطوطاً دائمةً بموجب أوراقهم الثبوتية السورية الصادرة عن النظام أو المجالس المحلية، إلى عدم وجود سند قانوني أو عقود استثمارية موقعة تخولها بالعمل في الداخل السوري، وهي تعمل في الداخل السوري بحجة أنّها لا تمنح خطوطاً سوى للمُقيمين على أراضيها من اللاجئين السوريين، أما الذين يستفيدون من خدماتها في الداخل السوري فذلك لكونهم يشترون خطوطاً سياحية لا تقتضي تقديم أوراق للحصول عليها، وهم يستفيدون من خدمات الشركات كونهم يقيمون في مناطق حدودية تصلها الشبكة من الأبراج الموجودة في الأراضي التركية، أو في النقاط العسكرية التابعة للجيش التركي داخل سوريا، والتي تم إنشاؤها لتخديم الجنود الأتراك، ومعروفٌ أن الجيش التركي قد دخل إلى سوريا بموجب اتفاقات وتفاهمات دولية وافق عليها النظام في سوتشي وأستانا، أو بموجب اتفاقية أضنة المُوقعة عام 1998.
يبقى أنّ السوريين من الطبقات الأشد فقراً، الذين ليس بوسعهم شراء خطوط تركية ودفع قيمة اشتراكاتها المرتفعة، أو ليس لديهم معارف أو أقارب يحملون بطاقات الحماية المؤقتة، ما يزالون يشترون خطوطاً من شركات سورية، ويتوجهون إلى نقاط معينة في مناطق التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة ليتمكنوا من الوصول إلى الشبكات السورية لبضع دقائق، بغية تفعيل حساباتهم على تطبيق واتس آب وغيره باستخدام الرقم السوري، ليستخدموها في مدنهم وقراهم من خلال شبكات الإنترنت الفضائي أو مخدمات الإنترنت التركية الموجودة في تلك المناطق.