يواجه السوريون والمهاجرون من جنسيات مختلفة في معظم البلدان التي لجؤوا إليها حملات تهاجمهم وتترصدهم، من قبل التيارات اليمينية والشعبوية، التي تسعى لتوظيف هؤلاء المهاجرين في الصراع السياسي، خصوصاً مع اقتراب الحملات الانتخابية، وذلك في ظلّ انقسام القوى السياسية إلى ما يُشبه الثنائيات؛ مع تواجد اللاجئين أو ضده، وهي القضية التي أصبحت تحتل حيّزاً أساسياً في النقاشات العامة.
آخر ما حصل في كندا في هذا الصدد كان ما جرى مع مطعم الصوفي، الذي تمتلكه عائلة سورية في مدينة تورنتو. أعادت العائلة افتتاح مطعمها في الفترة الأخيرة، بعد أيام من إغلاقه جرّاء حملات تهديد طالت أفرادها والعاملين في المطعم، من قبل أشخاص ينتمون لليمين المتطرف.
تداولت وسائل الإعلام الكندية قصة عائلة الصوفي على نطاق واسع، وهي كانت قد بدأت قبل أسابيع، حين شارك الشاب علاء الصوفي في نشاط احتجاجي في مدينة هاملتون في مقاطعة أونتاريو، مع حركة أنتي فا اليسارية. كانت الوقفة الاحتجاجية مقامة على أبواب بناء يضم تجمعاً يشارك فيه رئيس حزب الشعب اليميني مكسيم برنر، وكان نشطاء حركة أنتي فا يحاولون الاعتراض على مشاركة الناس في هذا التجمع اليميني.
وظهر علاء مُقنّعاً، مع شخصين آخرين، في فيديو مثير للجدل انتشر بشكل جنوني على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، حيث كان يقف إلى جانب هذين الشخصين، وهما يعترضان طريق امرأة مسنّة تحاول عبور الطريق للمشاركة في تجمّع اليمينيين، ويصرخان في وجهها بالقول «قذارة نازّية».
كان علاء يقف إلى جانب هذين الشخصين، ورغم أنه لم يشارك معهما في الإساءة للسيدة المسنة، إلا أن حملة طالته هو وعائلته، بعد أن تم التعرّف عليه من خلال الوشم على ذراعه والكنزة التي يرتديها.
وبدأت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور علاء وقصة مجيئه إلى كندا، ووضع معلومات عنه وعن عائلته، منتهزين الفرصة للتنديد بسياسة الحكومة الكندية في استقدام اللاجئين إلى كندا. وبدأت التهديدات تتزايد، حتى وصلت إلى حد التهديد بالقتل، وراحت تؤرق عائلة الصوفي أكثر فأكثر، إلى أن قررت العائلة إغلاق المطعم بشكل دائم، حفاظاً على سلامة أفرادها والعاملين فيه.
ونشرت عائلة الصوفي بياناً اعتذرت فيه عن مشاركة علاء وظهوره في المقطع الإشكالي، وعدم مساعدته المرأة المسنّة على العبور؛ قالت فيه: «نعتذر بشكل رسمي عن الحادث الذي جرى مع المرأة المسنّة. علاء نادم على عدم إفساحه الطريق للسيدة المسنّة و/أو القيام بفعل لإيقاف الإساءة اللفظية التي تتعرض لها، ويود تقديم الاعتذار لها، ونريد أن نؤكد أنه لم يُسِئ جسدياً أو لفظياً بأية طريقة لها أو لأي شخص آخر».
وأضاف البيان: «لا تتغاضى عائلتنا أو مطعمنا عن أفعال الكراهية والإساءة والعنف بأي شكل كان، وتدافع عن السلام والمساواة وحرية التعبير لجميع البشر. لقد جاءت عائلتنا إلى كندا بنية الحياة والعمل بسلام. ومطعم عائلتنا هو نتيجة لرغبتنا في المشاركة ونشر الحب والطعام والثقافة. نحن ممتنون للغاية ومحظوظون لكوننا هنا، وممتنون لدفء ولطف الشعب الكندي. نحن نحترم آراء الناس ووجهات نظرهم، ولكن، نرجو التوقف عن إرسال الإساءات ورسائل التهديد لطاقمنا وعائلتنا».
ثم بعد هذا البيان أصدرت بياناً آخر تعلن فيه إغلاق مطعمها المشهور بشكل دائم «نتيجة لرسائل الكراهية الكثيرة والتهديدات بالقتل التي تلقاها المطعم، وذلك حرصاً على سلامة العائلة والطاقم».
بعد هذا بدأ نشطاء سوريون وكنديون كثر بحملات لدعم المطعم والعائلة، معبرين عن دعمهم لهم في وجه موجة الكراهية والتعنيف التي يتعرضون لها، ومدينين سلب حرية الآخرين في التعبير عن آرائهم، وحرمانهم من الحق حتى في ارتكاب الأخطاء، وتهديدهم بالقتل والتشبيح عليهم في أية حال من الأحوال في كندا، البلد الذي يضمن حرية الجميع في النشاط السياسي والاحتجاج بكل الأشكال، والذي لا يمكن للبطش وعقلية المافيا أن تحكمه وترهب سكانه.
وقد أدّت هذه الحملات إلى نتائج إيجابية، حيث دفعت العائلة إلى تجاوز مخاوفها والشعور بالتضامن، ما شجعها على إعادة افتتاح المطعم مجدداً، وسط حفاوة كبيرة من المتضامنين، ليكون ذلك انتصاراً رمزياً لقيم الانفتاح والتعاون على اللغة العنصرية المشحونة التي تتصاعد حول العالم في أماكن عديدة، لم يقبل النشطاء الكنديون أن تكون بلادهم من بينها.
وقد سلطت هذه الحملات العنصرية والحملات المضادة لها، الضوء على الآليات التي يعمل في ضوئها اليمين، من خلال ترصده للمهاجرين واستخدامهم في المعارك السياسية. والأهم من ذلك، إثباتها أن هناك ما يمكن فعله من قبل النشطاء المؤمنين بقيم الانفتاح، للتصدي لأفكار الكراهية، من خلال توفير بيئة آمنة للمهاجرين واللاجئين تضمن سلامتهم وحريتهم.