«ماما… مستقيم، يعني خط واحد»، تحاول غيداء حسون أن توضح لابنها طريقة اللفظ ومعنى الكلمة. يردد ابنها ما تقول. توضح له الفرق بين سقيم، أي مريض، وبين مستقيم أي ممتد إلى الأمام بلا تعرجات أو انكسارات. ثم تعود لتكمل الحديث معتذرة أن ابنها ينسى مع الوقت بعض المفردات العربية. عندما وصل ابنها إلى ألمانيا كان قد أتم بعض المراحل الدراسية في سوريا، ولذلك لم تواجه غيداء معه الصعوبات التي واجهتها مع ابنتها، التي لم تكن قد تجاوزت الصف الأول الابتدائي آنذاك. الكلام باللغة العربية ليس مشكلة كبيرة، إذ أن العربية هي اللغة المحكية في المنزل وفي أفلام الكرتون. لكن الكتابة والقراءة هي التحدي.

تقدم غيداء دروس العربية لأطفالها في المنزل. كانت تعمل في دمشق كمدرّسة للغة العربية قبل أن تضطر للجوء، ومن خلال خبرتها تعرف أساليب تعليم العربية وطرقه، لكن الأمر بدأ يزداد صعوبة مع مرور الوقت، وبدأت تقلل ساعتها الدروس التي تقدمها لأطفالها، إذ أن التوفيق بين العمل داخل المنزل وخارجه مع تدريس الأطفال يحتاج قدرًا من الوقت والطاقة لا تملكه.

لا يختلف حال غيداء عن كثير من الأمهات في أوروبا وألمانيا، إذ يتشارك معظم القادمين الجدد خوف الترحيل وقلق نسيان أطفالهم للغتهم ومخاوف أن يفقدوا الصلة مع أبنائهم، كيف يمكن الإبقاء على الارتباط بالثقافة والعائلة دون تعلم اللغة؟ هل يمكن بناء الصلة دون تعلم فكّ الخط؟

في دراسة أجرتها جامعة هامبورغ على عينة من ثلاثة آلاف أب وأمّ ذوي أصول أجنبية مطلع العام 2016، توصّلَ الباحثون إلى أن تسعة من كل عشر آباء يشعرون بأهمية تعلّم أطفالهم لغة البلد الذي تمتد جذورهم فيه. تعتبر هذه الدراسة الأكبر والأشمل حتى اليوم عن تعلم اللغات الأم في ألمانيا؛ لكن ماذا عن الحكومة الألمانية؟ هل تشعر بأهمية ذلك للطلاب ذوي الأصول العربية ولذويهم. وماذا عن قنصليات الدول؟ هل تموّل تعليم لغتها؟ وهل توجد مبادرات كافية من العرب أنفسهم لتعليم أطفالهم لغتهم؟

أين يتعلم السوريون والعرب لغتهم؟

الإجابة الأولى التي ترد على هذا السؤال هي: الجامع. وفعلًا تقدم معظم الجوامع ودور العبادة الإسلامية في ألمانيا دروسًا للعربية. بحسب المؤتمر الإسلامي الألماني (DIK)، فإن هناك ما لا يقل 2500 مؤسسة إسلامية في ألمانيا. وغالبًا يتم تعليم العربية للأطفال في الجوامع لكي يتمكن الأطفال من تلاوة القرآن. تتفاوت جودة الدروس بين مكان وآخر بحسب المدرّس الذي يقدمها، لكن دروس العربية في المؤسسات الدينية تتعرض لانتقادات ثلاث، أولها أن دروس العربية مرتبطة بدروس الدين مما يكرس ارتباط العربية بالإسلام. ثانيها أنها تقدم للشريحة المسلمة (والملتزمة فقط في بعض الأحيان). ثالثها أن المعلمين لا يكونوا في الغالب أساتذة مؤهلين وإنما غالبًا أئمة مساجد. وأولئك لم يتم تأهيلهم في ألمانيا أو في إحدى الدول الأوربية، وبعضهم يتعامل مع الطلاب بأساليب الكُتّاب ومبادئ السمع والطاعة، التي تتناقض مع أساليب التعليم الديمقراطية في المدارس الألمانية.

قبل شهرين روت لي معلّمة في مدرسة أطفال في مدينة فيلهلمزهافن أن أحد طلابها قال لها في الدرس: الفتيات اللواتي على شاكلتك يتم حرقهنّ لدينا! سألته عن السبب، فأجابها أن السبب هو عدم ارتدائها الحجاب. بعد استدعاء ولي أمر الطالب فوجئ الأب بما صدر عن ابنه، وأكَّدَ أنه لا علاقة له بما حصل. بعد سؤال الطالب عن مصدر كلامه، عرفت الإدارة أنه سمع ذلك في دروس الجامع.

إلى جانب المؤسسات الإسلامية، تنشط منظمات سورية غير ربحية ومجموعات شبابية في تعليم العربية. تكاد لا تخلو ولاية ألمانية من مبادرات لتعليم اللغة، منها مدارس نهاية الأسبوع التي كتبت عنها لونا وطفة في مقالها في الجمهورية.

«لكن الطلب ما زال يفوق العرض»، تقول أليساندرا حمّاد للجمهورية. في مدينتها بريمن بدأت أليساندرا مع فريق من الشباب والفتيات ومع فريق la6izi مشروعًا لتعليم العربية للأطفال. تواصل الفريق مع معلمة للعربية تجيد الألمانية، وبحثوا طويلًا عن مكان بسعر مقبول لكي يتم تقديم الدروس فيه، وبدأوا بجمع النقود لتأمين المعدات اللازمة من لوح وكتب. بعد فترة بدأت الهمم تفتر، وانشغلت المجموعة بنشاطات أخرى وعادت مسودة المشروع أدراجها إلى المصنّفات. تقول أليساندرا إن أحد الصعوبات التي واجهت المجموعة، بعد إيجاد مكان يلائم الطلاب بسعر مناسب، كانت محاولة إيجاد وقت يناسب الطلاب ويناسب المعلّمة التي عليها أن تسافر من مدينة إلى أخرى بالقطار، بالإضافة إلى مواءمة ذلك مع واجبات الطلاب المدرسية وبرنامجهم.

إحصائيات وأرقام

التعددية اللغوية ليست جديدة على ألمانيا، التي تعتبر اليوم بلد هجرة. وفقًا للأرقام الصادرة عن المكتب الإحصائي الفيدرالي لعام 2018 فإن أكثر من 10 بالمئة من أصل 11 مليون طفلًا على المقاعد الدراسية في ألمانيا لديهم خلفية أجنبية.

مع وصول اللاجئين الجدد من الأراضي العربية، ارتفعت دعوات  تطالب الحكومة الألمانية بإدخال اللغة العربية إلى المدارس كلغة رسمية إلى جانب الألمانية. بعض الخبراء ذهبوا إلى المطالبة بتعليم العربية للألمان، لأن الاندماج لا ينبغي أن يكون خطًا ذا اتجاه واحد، ولأن ذلك سيفتح للطلاب الألمان أبوابًا للاتصال مع الشرق الأوسط، أي أنها فرصة عليهم أن يغتنموها بذكاء. بعدها تم نقاش إمكانية إدخال العربية كلغة رسمية على نطاقات محلية ودولية.

وبحسب أبحاث أجرتها مجلة شبيغل أونلاين عام 2018، فإن عشر ولايات من أصل ستة عشر ولاية تقدم دروسًا باللغة الأم في مدارس حكومية. يزداد العرض مع تزايد الأساتذة المؤهلين ومع زيادة الطلب بحسب الجريدة نفسها. ست ولايات ألمانية فقط لا تقدم دروسًا باللغة الأم وهي : بادن فورتمبيرغ ، بافاريا، شليسفيغ هولشتاين، ساكسونيا وتورينجين. في بافاريا، كانت الدروس جزءًا من الخطة التعليمية، لكن تم إلغاؤها لصالح مزيد من الدعم للغة الألمانية التي يجب أن تكون وتبقى الأولوية المطلقة.

وبحسب أبحاثنا التي أجريناها على المقاطعات التي تدرّس اللغة الأم كلغة ثانية، وجدنا أن ولاية شمال الراين من الولايات الأكثر نشاطًا في هذا السياق، إذ تقدم وزارة التربية دروسًا بـ 23 لغة إضافة إلى ما تقدمه القنصليات. وبحسب وزارة التعليم في الولاية، هناك حوالي مئة ألف طالب يحضرون الدروس بانتظام. نصفهم من الأتراك وحوالي 15 ألف طالبًا يحضرون دروس اللغة العربية. أما في هامبورغ فقد تمكن خريجو المدارس الثانوية من إكمال الاختبارات باللغة العربية لأول مرة عام 2018. وتعتبر هامبورغ من الولايات الأكثر حضورًا للأجانب على مقاعدها، إذ يشكل الطلاب من أصول أجنبية نسبة %45.8، أي قرابة نصف الطلاب. أما في العاصمة برلين، فهناك اتفاق على أهمية تعليم العربية بحسب استطلاع للرأي نشرته مديرية التعليم في شهر حزيران الماضي، لكن نقص المعدات والكوادر المؤهلة يقف عائقًا أمام التطبيق على أرض الواقع.

رأي خبراء اللغة والاندماج

يعتبر المجلس الألماني للمؤسسات الألمانية للهجرة والاندماج (SVR) بناء على أبحاث علمية أن «تعليم اللغة الأم لا يؤثر على تعلم اللغة الألمانية سلبًا، بل العكس هو الصحيح». تشير موهيني لوخاندي من المجلس إلى دراسات بيولوجية عصبية تؤكد أن الثنائية اللغوية «تعزز المهارات الإدراكية التي ترتبط بمرونة الدماغ وترابطه». وفقًا للوخاندي، فإن الأطفال متكملي اللغتين يمكن لهم أن يتعلموا الثالثة بسهولة أكبر، وأن معدّل تعرضهم للخرف أقل بكثير من أقرانهم الذين ينشأون في بيئة أحادية اللغة. ويؤكد هاينس رايش الذي عمل لسبعين عامًا باحثًا في مجال لغات بلد المنشأ، أن العلاقة الوثيقة بين تعلم اللغة الأم واللغة الجديدة متفق عليها علميًا.

في حديثها مع الجمهورية، تؤكد البروفيسورة يوليانا غوشلر المسؤولة عن القسم اللغوي في جامعة أولدنبورغ في ولاية ساكسونيا السفلى أن الثنائية اللغوية تحظى مع الوقت بتقدير كبير في ألمانيا. قبل بضع سنوات كان يُنظَر إلى الأطفال متكلمي اللغتين بنظرة دونية نسبيًا. تحت شعار: متكلم اللغتين لا يجيد أيهما إجادة كاملة، لكن بعد الدراسات والتجارب بدا الأثر الإيجابي للتعددية اللغوية واضحًا، وبدأ احترامها يفرض نفسه.

 ترى غوشلر أن النشوء في عائلة تتكلم العربية دون الحصول على فرصة لتعلم هذه اللغة أمر مؤسف وفرصة ضائعة، فالعلم أثبت أن عقل الطفل قادر على تعلم لغتين، بل وأكثر في وقت واحد.

وفي معرض إجابتها عن سؤال مخاوف المتحفظين الألمان من  تشكل المجتمعات الموازية عبر تعليم اللغة الأم؛ تقول «إذا كان بعض الألمان يخشون من المجتمعات الموازية، فهناك عشرات الطرق لتجنبها ومحاولة دمج الأطفال، وإعطائهم شعورًا بالانتماء. منع الأطفال من تعلم لغتهم الأم لا ينبغي أن يكون إحداها».

ويرى بعض خبراء الاندماج أن فوائد إمساك زمام تعليم اللغة الأم من قبل الحكومات أكبر من عقباته، فإذا ما تُرك تعليم اللغة الأم للمتطرفين الذين لم يتم تأهيلهم في ألمانيا أو لقنصليات الدول، فنحن نعطيهم عقول الأطفال تربة خصبة. يقيس بعض الخبراء على التجربة التركية، حيث بدأت دروس اللغة الأم مدعومة من قنصليات الجاليات المهاجرة عام 1964 بهدف تأهيل أبناء العمال للعودة إلى وطنهم. دعمت القنصلية التركية تعليم اللغة الأم للعمال الأتراك، وكان المعلمون يأتون مُدرَّبين من تركيا. إلى جانبها لعبت الجوامع في تعليم اللغة التركية الدور الأكبر. يتساءل باحثون: هل لذلك سبب مباشر في نشوء جيل كامل في ألمانيا يوالي في قسم كبير منه الرئيس التركي، ويشعر بالانتماء لتركيا أكثر من ألمانيا؟ ما زالت الأسئلة أكثر من الإجابات والدراسات.

آراء ناقدة

على الطرف الآخر النقيض للخبراء الذين يوصون بتعليم اللغة الأم، وللمنظمات التي تدعو وتسعى إلى ذلك، يقف مؤيدو التيار اليميني الذين يرون أن تعلم اللغة الأم يعيق الاندماج، وأن اللغة العربية هي لغة الإسلام الذي يهدد مجتمعاتهم ولغة التطرف الذي يخيفهم. بعض الألمان يرددون أن تعليم اللغة العربية ترسيخ لوجودها، وبالتالي ترسيخ للمجتمعات الموازية. البعض يرى أن تعليم اللغة العربية للأطفال دعم للأفكار الرجعية، وفتح سبيل لإيصالها إلى عقول الأبناء، لأن أهلهم سيكونون قادرين على توريث أبنائهم أفكارهم عن طريق اللغة.

قبل عامين، أعلن وزير التعليم والثقافة في زارلاند، أولريش كوميرسون، أن زارلاند ستتجه لتقديم الدروس باللغة الأم، وهنا انفتحت عليه جبهات النار. تعرض كوميرسون إثر تصريحه هذا لانتقادات كبيرة، وكثير من الرسائل المفعمة بالكراهية. تم وصفه بأنه «فأر خائن للشعب الألماني» وبأنه «غبي جاهل»؛ بعض المرسلين أرسلوا سيناريوهات تتخيل مقتله على يد أسود حبشي أو عربي جهادي، بعد اغتصابه هو وأسرته. بعض الرسائل أعربت عن اشمئزازها من تصريحه ومن تعليم العربية واصفين إياها بأنها «لغة راكبي الحمير في العصور الوسطى». وبحسب موقع غفير ميديا (عبر الميديا)، فإن ما صبّ الزيت على النار، وما سبّبَ رسائل الكراهية، كان تقريرًا لمجلة بيلد تحت عنوان: «وزير الثقافة في زارلاند يريد إدخال العربية إلى مدراسنا!».

 هناك أيضًا بين هذا الطرف وذلك، أطراف غير يمينية وغير متطرفة، ترى أن العربية مهمة لكنها ليست أولوية، وأن على الألمانية أن تكون في المرتبة الأولى، ولسان حال كثيرين منهم: «لماذا عليَّ أن أدفع من راتبي نقودًا للاجئ هنا لكي يتعلم لغته التي لا أفهمها؟». بعضهم يرى أن الفكرة مهمة، ولكن «ليس لدينا وقت، لا مال، لا كوادر».

ولاية ساكسونيا السفلى مثالًا

في محاولة للحصول على إحصائيات حول انتشار تعليم اللغة العربية، تواصلت الجمهورية مع المتحدث باسم وزارة الثقافة تروستان هايل، التي يقع مقرها في برلين، وقد أكد هايل أن آخر مسح شامل قامت به الوزارة يعود إلى عام 2011، مشيرًا إلى أن كل ولاية لديها نظامها التعليمي الخاص بها، وأن علينا أن نسأل كل ولاية على حدى.

طلبنا من مديرية التربية في مقاطعة ساكسونيا السفلى تزويدنا بالمعلومات، فأجابت متحدثة عن المديرية أن عدد  المدارس التي تقدم دروسًا باللغة الأم في المقاطعة يصل إلى 254 مدرسة، منها 35 تقدم دروسًا باللغة العربية، حيث يتم تنظيم وتنسيق الدروس باللغة الأم  في إطار ما يعرف بـ «درس اللغة الأصل»، التي يرمز لها بالحروف الثلاثة HSU، ويتم تنظيمها مع المدارس عن طريق وزارة التربية.

يقوم المدرسون أو المربون بتقديم طلب من أجل إعطاء هذه الدروس (بشرط أن يتوفر حدٌّ أدنى من الطلاب وهو عشرة)؛ بعدها تتم دراسة الطلب من مديرية التربية التي تنظر فيما إذا كانت هناك الكوادر اللازمة الكافية والمعدات لذلك. ينبغي على المعلمين الذين  يقدمون دروس اللغة الأم أن يجيدوا كلا من اللغة الألمانية واللغة التي يدرّسونها، وأن يخضعوا لامتحان الكوادر التعليمية في الولاية.

تقول المتحدثة عن مديرية التربية للجمهورية : «التعددية اللغوية هي حقيقة معاشة في العالم كله. ولذلك يجب أن يكون دعمها أمرًا عاديًا ومطلوبًا، حيث أن احترام اللغة هو احترام لمتكلّمها».

تعليم العربية في مدينة صغيرة

مدينة فلهيلمزهافن في شمال ولاية ساكسونيا السفلي من المدن التي تقدم دروسًا باللغة العربية للأطفال في المدارس. تعتبر المدينة صغيرة نسبيًا، ويسكنها ما يقارب الثمانين ألف نسمة، ربعهم لديه أصول أجنبية، ومنهم ألف وخمسمئة سوري. يتم تقديم دروس اللغة العربية في مدرستين في المدينة، إحداهما للصفوف الابتدائية والأخرى لطلاب البكالوريا. يحضر الدروس في المجمل ما يقارب الأربعين طالبًا. في حديثها مع الجمهورية، توضح  مدرسة اللغة العربية رنا طالب أن الدروس هي ثمرة تعاون بين المدارس في المدينة وبين مدرسة اللغات الحكومية Volksshochschule.

تعيش رنا طالب في ألمانيا منذ مدة طويلة، وتتكلم الألمانية بطلاقة. قدمت رنا دروس العربية لأطفالها في الماضي، ولاحظت الأثر الإيجابي لذلك على نشأتهم وتصالحهم مع هويتهم. بدأت رنا مسيرتها كمعلمة للعربية كلغة أجنبية. اليوم تدرّس رنا العربية للأطفال العرب والأكراد كلغة أم. تصل كلفة حضور الدروس إلى أربعين يورو خلال الفصل الدراسي كاملًا. تقول رنا إن الإعفاء من هذه الرسوم ممكن، وإن مركز العمل يمكن أن يدفع المبلغ عن الطلاب الذين يحصل ذووهم على المساعدات الاجتماعية.

ترى رنا أن دروس العربية تساعد الأطفال على تعلم الألمانية بشكل أفضل، وأنها تساعدهم على فهم أنفسهم والتصالح مع هويتهم. تراقب رنا دهشة الطلاب وسعادتهم لتعلم لغتهم. الأمر الوحيد الذي تراه إشكاليًا هو أن الأهالي في معظم الأحيان لا يكملون دور الأستاذ في المنزل، وإنما يلقون بالمسؤولية كاملة على كاهله، الأمر الذي يجعل التقدم أبطأ. يتم تقديم هذه الدروس بالتعاون مع المدرسة، وهنا يتم إدراجها في برنامج الطلاب وتكون أوقاتها متوافقة مع أيام الدوام وساعاته والواجبات المنزلية، بحيث لا تتعارض مع خطة المدرسة. ولأن  الدروس تتم في نطاق المدرسة وحرمها، فهذا يجعل الطلاب يتعاملون معها بجدية أكبر.

تتفق الباحثة التربوية والبروفيسورة في جامعة هامبروغ إنغريد غوغولين مع هذه النقطة، وتقول في مقابلة لها مع مجلة شبيغل: «دروس اللغة الأم ليست فعالة تمامًا ما لم تكن مدرجة في الأطر التعليمية والمدرسية التي اعتاد عليها الطلاب».

شأنه شأن الهجرة، يحظى تعليم العربية في ألمانيا بدعم بعض تيارات الشعب والسياسيين، وينال استنكار آخرين. تتحرك الحكومة الألمانية إلى تقديم هذه الدروس، مدفوعة برغبتها في تجنب تشكل المجتمعات الموازية، وبخوفها من استئثار المتطرفين والإسلاميين بتعليم العربية. ورغم أن الخطوات بطيئة نسبيًا، إلا أنها مستمرة، وقد تم حتى الآن دمج العربية في المنهج الدراسي في عدد جيد من المدارس، رغم صعود اليمين وخطابه. إلى جانب هذا، تحاول كثير من المبادرات العربية تولي زمام المبادرة وتعليم العربية، وكثير منها يُكتَب له النجاح ويحظى بالدعم والتمويل.

بحسب مقال لها في صحيفة تاتز اليسارية، ترى الكاتبة آنا كوبلر أن مستقبل تقديم الدروس بالعربية في ألمانيا مرتبط أكثر ما يكون بإصرار أولياء الأمور ودعمهم. بالنظر إلى التجربة التركية، ترى آنا أن كثيرًا من المدارس التي تقدم الدروس بالتركية أغلقت بعد جهد لافتتاحها بسبب نقص الدعم من الأهالي وصعوبة إيجاد الكوادر التدريسية. في هذا السياق ترى الكاتبة ضرورة تشكيل لوبيات ضغط من الأهالي المؤمنين بأهمية تعليم لغتهم، هؤلاء بدورهم سيقنعون مدراء المدارس والمسؤولين الذين بوسعهم طلب الحصول على التمويل ومصادر الدعم اللازم لتأهيل الكوادر.