قال الدفاع المدني في إدلب إن سبعة ضحايا من المدنيين، بينهم ثلاثة أطفال، سقطوا نتيجة غارة للطيران الروسي على بلدة كفرروما يوم أمس. وتأتي هذه المجزرة في البلدة الواقعة جنوبي إدلب ضمن موجة جديدة من تصعيد قوات النظام والطيران الروسي على محافظة إدلب والأرياف المحيطة بها، شملت مناطق كثيرة، إلا أنها تركّزت على ريف إدلب الجنوبي الغربي في المنطقة الواقعة ضمن المثلث الناتج عن تقاطع طريقي حلب-دمشق (M5) وحلب-اللاذقية (M4)، كما شملت استهدافاً مباشراً ومتكرراً لمنشآت إنسانية عديدة.

وقد استهدف الطيران الروسي يوم الأربعاء الفائت مركز الدفاع المدني في مدينة جسر الشغور، فيما تعرض مشفى شنان للأمومة في جبل الزاوية للاستهداف المباشر، ما أدى إلى دمار واسع فيه وإصابة ثلاثة من كوادره. كذلك تعرضت منشآت صحية أخرى في محافظة إدلب إلى الاستهداف خلال حملة القصف التي تصاعدت منتصف الأسبوع الماضي، من بينها مشفى كفرنبل الجراحي.

وترافقت عمليات القصف مع محاولات قوات النظام المتكررة لاقتحام محور كبينة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، إلا أن جميع تلك المحاولات تبوء بالفشل حتى الآن، بينما لا يزال ريف إدلب الجنوبي عرضة للقصف المدفعي والصاروخي بشكل مستمر من ثكنات ومرابض مدفعية قوات النظام، وهو الأمر الذي قد يؤدي استمراره إلى موجات نزوح جديدة من المنطقة على أبواب فصل الشتاء، وهو ما يعني عملياً تصاعداً في الكارثة الإنسانية الممتدة التي تشهدها إدلب وأريافها.

وتقدر الأمم المتحدة أعداد النازحين الذين لم يعودوا إلى بيوتهم جراء التصعيد العسكري الذي بدأه النظام نهاية شهر نيسان (أبريل) الماضي بحوالي 550 ألف نسمة، وتضطر نسبة كبيرة من هؤلاء النازحين إلى العيش ضمن مخيمات غير نظامية مقامة على عجل في المناطق الزراعية، ما يجعل أوضاعهم بالغة السوء خاصة مع قدوم فصل الشتاء. وقال تقرير عن احتياجات المخيمات خلال فصل الشتاء، أعده فريق منسقو استجابة سوريا، إن أولويات احتياج النازحين في مخيمات الشمال السوري «حافظت على نفس الترتيب للعام الثاني على التوالي. إذ تصدّرت الحاجة للوقود والعوازل والمدافئ أولويات الاحتياج في كافة المخيمات تقريباً، تلتها الحاجة لتبديل الخيم والبطانيات بنفس الدرجة تقريباً، لذا لا بد من توزيع مساعدات شتوية عاجلة تتضمن بطانيات، وعوازل و ملابس شتوية (…) إضافةً ألى أعمال صيانة الطرق وفرشها بالحصى خشية الفيضانات، وإفراغ الحفر الفنية وصيانة شبكة الصرف الصحي». وتظهر المؤشرات التي خرج بها تقرير منسقو الاستجابة أن هناك حاجة طارئة لأنواع معينة من التدخل، سيواجه من دونها النازحون أوضاعاً قد تهدد حياتهم خلال فصل الشتاء، خاصة مع استمرار القصف الذي قد يزيد من أعدادهم ومن سوء أوضاعهم.

وقد قال متحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الجمعة الماضي إن أكثر من ستين منشأة طبية في محافظة إدلب السورية تعرضت لقصف على مدى الشهور الستة الماضية، أربعٌ منها «خلال الأسبوع الحالي». وأضاف المتحدث روبرت كولفيل خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في جنيف أنه «لا يمكننا تحديد إن كان كل هجوم على حدة متعمداً، لكن النطاق الكبير لهذه الهجمات يشير بقوة إلى أن قوات تابعة للحكومة استهدفت المنشآت الطبية بهذه الضربات عمداً، على الأقل على نحو جزئي إن لم يكن كلياً» و«أنه إذا تبين أن أيا من هذه الهجمات أو بعضها كان متعمداً، فإنها سترقى إلى جرائم حرب».

من جهتها نددت واشنطن بحملة القصف الأخيرة على إدلب خلال بيان قرأته المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس يوم الجمعة الماضي، قالت فيه إن الهجمات التي جرى الإبلاغ عنها أخيراً «تعكس نهجاً واضحاً ضد المدنيين والبنية التحتية من جانب القوات الروسية وقوات النظام».

ويشكّل التصعيد خلال الأسبوع الماضي مؤشراً خطيراً على احتمال عودة المعارك إلى إدلب، إذ عادةً ما يسبق أي تحرك عسكري للنظام حملة قصف تركز على استهداف المنشآت الإنسانية والطبية بهدف دفع السكان إلى النزوح من المنطقة، إلا أن محدودية مساحة إدلب، واكتظاظ شمالها بالنازحين خاصةً في المخيمات الحدودية، هي أمورٌ تدفع أعداداً كبيرة من السكان للبقاء في منازلهم وقراهم رغم القصف الروسي والأسدي الذي يتسبب بمجازر بين المدنيين، كما حدث في كفر روما يوم أمس أو في قرية السحارة قرب الأتارب بريف حلب الغربي يوم الأربعاء الفائت. وكان الدفاع المدني السوري قد قال في بيان له إن حصيلة ضحايا هجمات روسيا والنظام على إدلب خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قد وصلت إلى 75 شهيداً بين المدنيين، بينهم 13 طفلاً، و10 نساء.

بالتزامن مع هذا التصعيد، قامت قوات تابعة لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) بمحاصرة بلدة كفر تخاريم غربي إدلب، ومحاولة اقتحامها عسكرياً يوم الخميس الماضي، وذلك بعد توتر بين أهالي المدينة والهيئة إثر رفض المدنيين دفع أتاوة فرضتها «حكومة الإنقاذ» المرتبطة بالهيئة على محصول الزيت والزيتون، إذ قام عددٌ من الأهالي بداية الأسبوع الماضي بطرد ممثلي حكومة الإنقاذ والعناصر الأمنية التابعة للهيئة من البلدة، لتقوم الهيئة باستقدام تعزيزات عسكرية من حارم والمناطق القريبة وتحاصر كفر تخاريم، وتبدأ اقتحامها وسط قصف بمدافع الهاون والرشاشات المتوسطة، ما أدى إلى ضحايا بين المدنيين.

وقد أدى اتفاقٌ بين الهيئة وفصيل فيلق الشام الذي يمتلك مقرات ضمن البلدة إلى إيقاف عملية الاقتحام، التي واجهت مقاومة مسلحة غير متوقعة من قبل الهيئة، كما خرجت خلال الأيام الماضية عدة مظاهرات في إدلب المدينة وكفر تخاريم وعدد من البلدات، رفضاً لحكم الهيئة وضرائبها المتزايدة على الناس، والتي يتم فرضها عبر حكومة الإنقاذ وشركات مملوكة للهيئة تقوم باحتكار بيع المواد الرئيسية مثل المحروقات.

يواصل أهالي إدلب حياتهم في مواجهة مصدرين للنيران، نيران طائرات النظام وروسيا، ونيران هيئة تحرير الشام، ويعيشون نتيجة ذلك أوضاعاً لا يمكن وصفها، تتوزع بين ضيق العيش الذي تزيد منه ضرائب الهيئة واحتكارها، وبين قصف النظام الذي يدفع كثيرين منهم إلى النزوح والمبيت في العراء.