شهدت العاصمة السعودية، يوم الثلاثاء الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، توقيع اتفاق يهدف إلى إنهاء القتال الذي استمر لأشهر بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة من جهة، والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتي يترأسها عبد ربه منصور هادي وتتلقى دعماً من السعودية من جهة أخرى. وكانت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قد هاجمت مطلع آب (أغسطس) الماضي مدينة عدن التي تتخذها الحكومة مقراً مؤقتاً لها منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، وذلك بهدف السيطرة على المراكز الحيوية فيها وطرد حكومة هادي منها.
واستمرت الاشتباكات بين الطرفين على مدار أسابيع، وشهدت تقدماً وتراجعا لكلا الطرفين، وكانت نذير تصدّع في التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، والذي يقدم الدعم لقوات حكومة منصور هادي في صراعها مع الحوثيين. وقد توقفت هذه المعارك بعد إبرام الاتفاق، الذي وصفه أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، بأنه «تاريخي بمعنى الكلمة» على حد تعبيره.
وتم إبرام الاتفاق في الرياض بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، ورئيس الحكومة اليمني منصور هادي، وهو يتضمن بنوداً عدة تهدف إلى وقف القتال بين الأطراف المدعومة من التحالف العربي، أهمها تشكيل حكومة يمنية جديدة خلال شهر واحد من تاريخ التوقيع عليه، على أن يكون للمجلس الانتقالي وحركات جنوبية أخرى خمسون بالمئة من الحقائب الوزارية، أي نحو 12 وزيراً، وأن يحتفظ عبد ربه منصور هادي بوزارتي الداخلية والدفاع.
وينصّ الاتفاق أيضاً على إخضاع كل القوات العسكرية لوزارة الدفاع في الحكومة الجديدة، ووضع قوات الأمن تحت سيطرة وزارة الداخلية فيها، إضافة إلى عودة القوات التي أُرسلت إلى الجنوب منذ آب (أغسطس) الماضي إلى مواقعها السابقة خلال 15 يوماً، وتسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة في عدن توازياً مع مغادرة القوات العسكرية التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي محافظة عدن خلال 30 يوماً، على أن تشرف القوات السعودية على الأمن داخل المدينة.
وينص الاتفاق أيضاً على «توحيد الجهود تحت قيادة تحالف دعم الشرعية، بقيادة السعودية، لإنهاء انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران، ومواجهة تنظيمي القاعدة وداعش»، كما يقضي بمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في وفد الحكومة إلى مشاورات الحل السياسي النهائي.
وكان اللافت في هذا الاتفاق أن بعض التصريحات التي أعقبته أشارت إلى نية بإيجاد حل شامل للملف اليمني، حيث تخوض السعودية منذ بداية تشرين الأول (أكتوبر) مفاوضات مع الحوثيين، يدور جانب مهم منها بوساطة عُمانية، وذلك بهدف إيجاد صيغة للتهدئة العسكرية ووقف القتال والغارات، بعد إظهار الطرفين مرونة في هذا الجانب، تبدّت في إعلان الحوثيين وقف قصف الأراضي السعودية، مقابل وقف الأخيرة قصف مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن.
وفي هذا السياق، أعلن الوزير الإماراتي أنور قرقاش أن الاتفاق الأخير «يمكن أن يدفع البلاد نحو الحل الشامل»، داعياً إلى «البناء على حالة الزخم الحالية للتوصل إلى حل سياسي». وأشار الوزير، في خطاب تتضح فيه اللهجة التوافقية، إلى إن «هذا الاتفاق يجب أن يأخذ في الاعتبار التطلعات المشروعة لجميع شرائح المجتمع اليمني، وبما في ذلك الحوثيين». متابعاً: «لقد ألحقت المليشيات الحوثية الدمار بالبلاد، لكنّها جزءٌ من المجتمع اليمني وسيكون لها دور في مستقبلها» وفق تعبيره.
وتأتي هذه التطورات بعد أيام عصيبة شهدتها منطقة الخليج، حيث تصاعدت احتمالات المواجهة الإقليمية بعد تعرض السعودية لحملات قصف متتالية بطائرات مسيرة، كان أكبرها الهجوم على منشآت لشركة أرامكو النفطية، في 14 أيلول (سبتمبر) الماضي، الذي أوقف ما يقارب نصف الإنتاج السعودي من النفط لأسابيع، وأدى لإعلان حالة من الاستنفار في أسواق الطاقة العالمية، التي توقف ما يقارب 5 بالمئة من الإمدادات إليها جراء هذه الضربات.
وفي سياق أوسع، يتزامن هذا الاتفاق، وما أعقبه من خطاب يؤكد على ضرورة وجود حل شامل في اليمن، مع موجة احتجاجات تتصاعد في العراق ولبنان، ترفع في العراق شعارات واضحة تطالب بإنهاء السيطرة الإيرانية على البلد، وفي لبنان شعارات تطالب بإنهاء نظام سياسي يشكل حلفاء إيران أقوى دعائمه، كما أن هذا كله يتزامن مع أوضاع اقتصادية بالغة السوء تعيشها إيران نتيجة الحصار الأميركي المشدد عليها.
لا شك أن موازين القوى آخذة في التغير في المنطقة التي كان لإيران اليد الطولى فيها خلال الأعوام الأخيرة، ولا يبدو واضحاً بعد كيف سيكون شكل المعادلات الجديدة في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، لكن ما يبدو مؤكداً أن هناك ترابطاً بين مصائر هذه البلدان الأربعة، وأن الأوضاع في أي بلد منها تؤثر في الآخر، باعتبارها ساحات للضغط والصراع على النفوذ بين قوى إقليمية تتغير أولوياتها اليوم مع تصاعد تحدياتها الداخلية، وعلى وجه الخصوص إيران التي يواجه حلفاؤها وأتباعها انتفاضات في بلدين، ويخوضون حروباً في بلدين آخرين.