غالباً ما تُستخدم تسمية الجزيرة السورية للإشارة إلى محافظة الحسكة أقصى شمال سوريا الشرقي، غير أن هذه التسمية يمكن أن تشمل كامل الأجزاء السورية من الجزيرة الفراتية التي تمتد بين نهري دجلة والفرات. وخلال السنوات القليلة الماضية، جرى اصطلاح تسمية «شرق الفرات» للدلالة على هذه المنطقة، التي وضعها اتفاق ثنائي بين واشنطن وموسكو تحت النفوذ الأميركي منذ التدخل الروسي في سوريا، ولعلّ التسمية بدأت تشيع منذ تحرَّكَ الجيش التركي عام 2016 في المناطق الواقعة غرب نهر الفرات قرب الحدود السورية التركية، ولم يكن ممكناً له التحرك وقتها في المناطق الواقعة شرق النهر بسبب النفوذ الأميركي هناك. ويبدو مصطلح شرق الفرات مصطلحاً عسكرياً بارداً، وهو يثير الحفيظة لأنه ينطلق من تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ ومساحات لعمليات عسكرية، كما لو أنها ميدان حرب وليست أرضاً لها أهلها وذاكرتهم وتاريخهم.

الجزيرة السورية التي نتحدث عنها هنا إذن هي كامل الأراضي السورية الواقعة شرق وشمال نهر الفرات، ويشيع في الشرق السوري أن تُسمى الضفة الجنوبية والغربية لنهر الفرات بالشامية، والضفة الشمالية والشرقية بالجزيرة. وتضم منطقة الجزيرة السورية إدارياً محافظة الحسكة بكاملها، والأرياف الشمالية والشرقية لمحافظة دير الزور، ومركز محافظة الرقة وريفها الشمالي بالكامل، كما تتبع مدينة كوباني/عين العرب في شمال غربي الجزيرة إدارياً لمحافظة حلب. ولا يمكن عزل التطورات السياسية والعسكرية في أغلب هذه المناطق عن التطورات في المناطق السورية الأخرى القريبة منها، لكن ما فرض نوعاً من الاستثنائية فيها خلال السنوات القليلة الماضية هو رسم خطوط تماس على أطرافها وفقاً لتقاسم النفوذ الدولي والإقليمي.

ومنطقة الجزيرة هي إحدى أكثر المناطق السورية تنوعاً على الصعيد الإثني والديني، وقد أدت سياسات القمع المديدة للأكراد وتطلعاتهم القومية والثقافية إلى تفخيخ هذا التنوع، وهي السياسات التي تعززت لاحقاً تحت حكم البعث ثم الأسد من خلال التلاعب بديموغرافيا المنطقة وتعزيز التمييز والأحقاد بين أبنائها، بالترافق مع تهميش عموم سكانها وغياب أي خطط جدية للتنمية الاقتصادية فيها وتحسين أوضاعها، ومع شعور عام لدى أبنائها بالظلم الشديد نتيجة احتواء مناطقهم على بعض من أهم ثروات سوريا، وعلى وجه الخصوص النفط والقمح والقطن، دون أن يكون لهذا مردود مباشر على أوضاعهم وظروف حياتهم العامة.

لم تتأخر مناطق الجزيرة السورية عن الالتحاق بالحراك الثوري ربيع 2011، ولا يمكن فصل المظاهرات التي خرجت أواخر آذار في مدينة دير الزور، الواقعة على الضفة الشامية لنهر الفرات، عن حراك بقية أرياف دير الزور على ضفة الجزيرة، وإن كان صعباً أن نتثبت من توقيت خروج أول مظاهرة في ريف الدير الجزراوي. أما في مناطق الكثافة الكردية، فلعلّ أول المظاهرات كانت في مدينة عامودا بمحافظة الحسكة في الأول من نيسان عام 2011. ثم سرعان ما اتسعت المظاهرات لتشمل مدناً وقرى عديدة في سائر الجزيرة، منها القامشلي والحسكة والصور والشدادي ورأس العين وتل أبيض وكوباني والرقة والطبقة وغيرها، وشهدت بعضها حضوراً مشتركاً عربياً كردياً، ورفعاً للأعلام الكردية إلى جانب أعلام الثورة السورية، ما كان يبشر بفرصة لتجاوز كثير من الألغام التي تُفخّخ العلاقة بين أبناء الجزيرة السورية.

لكن تطورين متزامنين تقريباً غيّرا من مسار الأحداث، الأول هو بدء ظهور جماعات مسلحة محلية تحت مسمى الجيش الحر في مناطق متعددة من الجزيرة، وعلى وجه الخصوص المناطق ذات الكثافة العربية، وذلك في سياق تحوّل الثورة السورية إلى الطور المسلّح. والثاني صعود نفوذ مسلحين أكراد مرتبطين بحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وذلك تحت مسمى وحدات حماية الشعب في مناطق الكثافة الكردية شمال الجزيرة السورية.

منذ ربيع 2012 انحسر حضور النظام الأمني والعسكري في سائر أرياف الجزيرة السورية، وبقي محتفظاً بتواجده في مواقع عسكرية رئيسية وفي آبار النفط وفي مراكز المدن. وفي آب (أغسطس) من العام 2012، انسحب النظام من سائر مناطق الكثافة الكردية، مع احتفاظه بوجوده في أحياء من مدينتي الحسكة والقامشلي وفي مطار القامشلي، وذلك لصالح وحدات حماية الشعب، التي بدا واضحاً منذ البداية أنها تمتلك مشروعها الخاص الذي لا يشكل الخلاص من النظام السوري جزءاً منه، وهو ما أكدته لاحقاً ممارستها ضد الثائرين على النظام في الأوساط الكردية على وجه الخصوص. وهكذا باتت الوحدات هي الطرف المسيطر على معظم قرى وبلدات شمال محافظة الحسكة، بما فيها الدرباسية وعامودا والمالكية/ديريك ورأس العين/ سري كانييه، وعلى مدينة كوباني/عين العرب شمال غربي الجزيرة.

في تلك الفترة استطاعت مجموعات الجيش السوري الحر وجماعات جهادية أبرزها جبهة النصرة السيطرة على معظم ريف دير الزور الشرقي والشمالي، وعلى أجزاء من ريف الحسكة الجنوبي والشرقي. وفي أيلول (سبتمبر) 2012، سيطرت فصائل الجيش الحر على مدينة تل أبيض ومعبرها الحدودي مع تركيا في شمالي محافظة الرقة، لينتهي بذلك تواجد النظام على طول الحدود السورية التركية في شمال الجزيرة السورية.

حتى تلك الأيام لم يكن هناك مناطق سيطرة أو خطوط تماس واضحة، لكن الأمور راحت تتغير على هذا الصعيد منذ معركة رأس العين/سريه كانيه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، عندما هاجم المدينة مسلحون عشائريون بزعامة نواف البشير ومعهم مقاتلون جهاديون، وخاضوا معارك هناك مع وحدات حماية الشعب الكردية. وقد كانت تلك المعركة إيذاناً ببدء تقاسم النفوذ في الجزيرة السورية، وتصعيداً في التوتر بين أبناء الجزيرة العرب والكرد، كما كانت من مؤشرات بدء انهيار الإطار الوطني للصراع في سوريا، إذ كان واضحاً أن تلك المعركة مرتبطة بالصراع بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني.

تزامن ذلك مع صعود نفوذ الجماعات السلفية بما فيها تلك المرتبطة بالقاعدة في مناطق سيطرة فصائل الجيش السوري الحر، وكان صعودها سبباً في تصاعد التوتر بين أبناء الجزيرة السورية، خاصة مع صعود تعبيراتها التكفيرية من قبيل تسمية مسلحي الوحدات الكردية بالملاحدة الكرد، والترويج لقتالهم باعتباره قتالاً على أساس ديني.

في آذار 2013، تمكنت فصائل الجيش الحر وحركة أحرار الشام الإسلامية وجبهة النصرة من طرد قوات النظام من مدينة الرقة، لتصبح الجزيرة السورية بذلك تحت سيطرة مزيج من فصائل الجيش الحر وجماعات جهادية في أجزائها الجنوبية وبعض أجزائها الشمالية، أي في أغلب المناطق ذات الكثافة العربية؛ وتحت سيطرة مسلحي وحدات حماية الشعب في معظم أجزائها الشمالية، أي في أغلب المناطق ذات الكثافة الكردية، مع احتفاظ النظام بوجوده في أجزاء من مدينتي الحسكة والقامشلي.

في نيسان 2013 تم الإعلان عن قيام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وعن ضمّ جبهة النصرة إليه، غير أن قيادة جبهة النصرة رفضت الانصهار في التنظيم الجديد، لتبدأ مرحلة من الصدام بين الجماعات الجهادية فيما بينها، وبينها وبين بقية الفصائل الإسلامية وفصائل الجيش الحر المناهضة للنظام. وفي 12 كانون الثاني (يناير) 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة الرقة بعد معارك مع الفصائل الأخرى هناك. وقد حاولت جبهة النصرة وبقية الفصائل الإسلامية وفصائل الجيش الحر الحفاظ على وجودها في مناطق ريف دير الزور الشرقي والشمالي وفي ريف الحسكة الجنوبي وريف الرقة الشمالي، وقاومت مقاتلي داعش هناك لأشهر طويلة، غير أن داعش استطاع تباعاً فرض سيطرته على تلك المناطق. وفي حزيران (يونيو) 2014 أعلن داعش قيام ما أسماه دولة الخلافة متخذاً من الرقة عاصمة لها، وفي تموز (يوليو) 2014 تمكن من استكمال بسط سيطرته على سائر مناطق الجزيرة التي كانت تحت سيطرة الجيش الحر وجبهة النصرة، بما فيها بعضٌ من أكبر حقول النفط في البلاد، وارتكب خلال فترة سيطرته عشرات الجرائم المروعة والمذابح وأعمال القتل الهمجية بحق المتمردين على سلطته من أبناء المناطق التي سيطر عليها والمناطق التي كان يهاجمها.

في أيلول (سبتمبر) 2014 تم الإعلان عن قيام التحالف الدولي للحرب على تنظيم داعش الذي كان قد سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وفي الشهر التالي، تشرين الأول (أكتوبر) 2014، هاجم مسلحو داعش مدينة كوباني/عين العرب وكادوا يسيطرون عليها كلّها بعد معارك بالغة العنف مع مقاتلي وحدات حماية الشعب. كانت تلك المعارك مناسبة لأول تدخل جدي من التحالف الدولي في الحرب، إذ ساهم في نجاح وحدات حماية الشعب في طرد التنظيم من كوباني ومحيطها.

لم يكن التحالف الدولي قد اختار وحدات حماية الشعب كشريك أساسي له في الحرب على داعش بعد، وقد كان هناك تفاوض مع فصائل سورية معارضة عديدة بهذا الخصوص، غير أن التحالف اشترط أن لا تقوم الفصائل الشريكة له بمهاجمة قوات النظام، وهو ما رفضته أغلب فصائل المعارضة، وانتهى الأمر باعتماد وحدات حماية الشعب، وهو الأمر الذي أثار حفيظة تركيا منذ اللحظة الأولى.

في حزيران (يونيو) 2015، وبدعم من التحالف الدولي، استطاعت غرفة عمليات بركان الفرات، التي تشكلت من وحدات حماية الشعب ولواء ثوار الرقة ولواء ثوار تل أبيض، طرد تنظيم داعش من مدينة تل أبيض ومعبرها الحدودي شمال محافظة الرقة، ولاحقاً من مدينة عين عيسى في محافظة الرقة أيضاً. وكانت غرفة عمليات بركان الفرات هي النموذج الأولي الذي بنيت عليه قوات سوريا الديمقراطية لاحقاً، إذ لم يرغب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بالعمل مع طرف يمثل مكوناً واحداً من مكونات الجزيرة، كما لم يرغب بالتعامل مباشرة وعلناً مع جهة تعتبرها الدولة التركية جماعة إرهابية، وعلى هذا الأساس تم تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، وضمّت وقتها مجموعة من الفصائل على رأسها وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة (توأم وحدات حماية الشعب، مكونة من مقاتلات نساء)، بالإضافة إلى فصائل مسلحة من مقاتلين مسيحيين، وفصائل من مقاتلين عرب متنوعين، مثل لواء ثوار الرقة وجيش الثوار وغيرهما.

إلا أن الدور الذي لعبته كوادر وحدات حماية الشعب ضمن قسد، ولاحقاً وجود كوادر مباشرة من حزب العمال الكردستاني في مناطق سيطرة قسد، ونفوذهم الواضح على إدارة تلك المناطق، واستراتيجية العمل العسكرية والأمنية، كانت كلها مؤشرات على أن مشروع قسد برمته ليس أكثر من غطاء لهيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي على مقاليد الأمور في الجزيرة السورية.

استطاع مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية عبر ثلاث سنوات، وبدعم من التحالف الدولي، طرد تنظيم الدولة تباعاً من سائر مناطق الجزيرة السورية، وكانت سيطرة قسد على مدينة الرقة في تشرين الأول (أكتوبر) 2017 مفصلاً أساسياً في هذه المعارك الطويلة والقاسية التي راح ضحيتها الآلاف. وكان من أثمانها دمارٌ هائلٌ في مدينة الرقة وغيرها، ومقتل مئات المدنيين نتيجة غارات التحالف الدولي والقصف المدفعي والصاروخي من قبل قسد، الذي كان في مراحل عديدة شديد العشوائية والعنف. ثم تواصلت معارك قسد بدعم من التحالف الدولي على طول ضفة نهر الفرات الجزراوية، بالتوازي مع تقدم قوات النظام على طول ضفته الشامية بدعم روسي، تنفيذاً لاتفاقيات تقاسم النفوذ.

في الرابع عشر من أيار (مايو) 2019، سيطرت قسد بدعم من التحالف الدولي على قرية الباغوز على الحدود السورية العراقية في أقصى ريف دير الزور الشرقي، التي كانت آخر مناطق سيطرة داعش في الجزيرة السورية. وبذلك أصبحت الجزيرة السورية كلها تحت سيطرة قسد، مع بقاء مراكز أمنية للنظام في كل من مدينتي القامشلي والحسكة، من دون أي نفوذ حقيقي له في إدارة المنطقة، التي كانت تدار من قبل الإدارة الذاتية التي تم إنشاؤها وفقاً للمعايير التنظيمية والفكرية التي يتبناها حزب العمال الكردستاني، والتي يتحكم بسائر مفاصلها أعضاء في حزب الاتحاد الديمقراطي، مع سيطرة أمنية لجهاز الأسايش المرتبط بالحزب أيضاً.

واصلت تركيا ضغطها على الولايات المتحدة بغية دفعها إلى التخلي عن مقاتلي وحدات حماية الشعب، كما واصلت روسيا ضغطها أيضاً تحت شعار ضرورة عودة سائر الجزيرة السورية إلى سيطرة النظام السوري. وراحت تركيا تطرح مشروعها لما أسمته المنطقة الآمنة، والتي تشمل وفق الرؤية التركية سائر المناطق ذات الكثافة الكردية، والتي يفترض أن تسيطر عليها تركيا بشكل مباشر لحماية أمنها القومي وتوفير ملاذ آمن للاجئين السوريين، وهو الأمر الذي يعني تنفيذه على أرض الواقع تغييراً ديموغرافياً في المنطقة وتفكيكاً لمنظومة حزب الاتحاد الديمقراطي وتركاً لعموم السكان الأكراد تحت رحمة القوات التركية وحلفائها السوريين، الأمر الذي رفضته قوات سوريا الديمقراطية مراراً معلنةً استعدادها لقتال تركيا وحلفائها.

استجابةً للضغوط التركية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن بدء سحب القوات الأميركية من الجزيرة السورية يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وفي عصر يوم الأربعاء التاسع من تشرين الأول، بدأ الجيش التركي وفصائل سورية معارضة تابعة لأنقرة عملية عسكرية شمال الجزيرة السورية، سيطرت بموجبها حتى الآن على مدينتي تل أبيض ورأس العين والشريط الحدودي بينهما بعمق يصل إلى 20 كلم.

وقد تحوّل الانسحاب الأميركي الكلي إلى انسحاب جزئي لاحقاً، إذ أعلنت الولايات المتحدة أنها ستحتفظ بقوات لها في شرق وجنوب الجزيرة السورية لحماية آبار النفط، وفي الوقت نفسه أبرمت تركيا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا اتفاقات وتفاهمات تقضي بوقف العملية التركية عند الحدود التي وصلت إليها، في مقابل ضمان ابتعاد مقاتلي الوحدات الكردية عن حدودها. وبالنتيجة، لم تعد الجزيرة السورية كلها تحت النفوذ الأميركي، إذا تقدمت مجموعات من النظام السوري بدعم روسي وبالاتفاق مع قسد لتنتشر على أجزاء من الشريط الحدودي مع تركيا في محيط كوباني/عين العرب وفي شمال محافظة الحسكة، وعلى بعض خطوط التماس مع القوات التركية وأتباعها السوريين، ليكون هذا إيذاناً بصعود النفوذ الروسي في أجزاء من الجزيرة السورية، وإيذاناً باحتمال عودة سيطرة النظام المباشرة على مساحات واسعة فيها وعلى حياة كثير من أهلها.

لا تزال الإدارة الذاتية المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تسيطر أمنياً وإدارياً على حياة معظم سكان الجزيرة السورية، فيما يحتفظ النظام بسيطرته على حياة سكان بعض أحياء مدينتي القامشلي والحسكة في محيط مراكزه الأمنية، وباتت تركيا وأتباعها من مقاتلي الفصائل السورية يسيطرون على حياة سكان تل أبيض ورأس العين ومحيطهما. ومن خلف هذه السيطرة ثمة نفوذ أميركي مستمرّ على شرق وجنوب الجزيرة، ونفوذ روسي متصاعد على غربها وشمالها، ويبقى أن جميع هذه الخرائط قابلة للتغير في كل لحظة، بينما لا يبشر أي من التغيرات المحتملة بقرب انتزاع أبناء الجزيرة السورية لحقوقهم في تقرير مصيرهم وإدارة شؤونهم.

لقد أدت تلك الحروب المتلاحقة إلى مقتل عشرات الآلاف من أبناء الجزيرة السورية وبناتها، وإلى تشريد وتحطيم حياة وذاكرة مئات الآلاف منهم ومنهنّ، وإلى مزيد من تفخيخ المجتمع وتلويث ذاكرته بالعنف والمذابح والكراهية. وإذا كان صحيحاً أنه ليس هناك خلاص لأبناء الجزيرة بمعزل عن خلاص السوريين، فإن تطورات هذه السنوات في الجزيرة السورية تقول أشياء كثيرة عن المجتمع السوري، وعن سلوك القوى الإقليمية والعظمى تجاه آماله وطموحاته التي تم التعبير عنها عام 2011، ثم تم دفنها تحت ركام الصراعات على السلطة والثروة والنفوذ.