يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوقاتاً صعبة للغاية، وذلك بعد أيام حافلة بالشهادات المفاجئة من دبلوماسيين وموظفين سابقين في إدارته. وربما تكون الشهادات المتلفزة، التي تقدّمت بها شخصيات بارزة أمام لجنة الاستخبارات في الكونغرس خلال الأسبوع الماضي، هي الضربة الأقسى التي تعرضت لها مسيرة الرئيس الأميركي الأكثر إثارةً للجدل خلال العقود الأخيرة.

وكان الكونغرس، الذي يترأسه ويحوز أغلبية مقاعده نواب من الحزب الديمقراطي، قد حرّك تحقيقات بحق الرئيس الأميركي، وذلك بتهمة التأثير على رئيس دولة أجنبية لتحصيل مكاسب انتخابية، وتمّ نشر سجلّات لمكالمة هاتفية بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية الأميركية، بعد أن كشف النص المفرغ للمحادثة الهاتفية أن ترامب حثّ الرئيس الأوكراني على فتح تحقيقات في أعمال هانتر بايدن، ابن نائب الرئيس الأسبق والمرشح الرئاسي في الانتخابات المقبلة عام 2020 جوزيف بايدن.

وقد بدأت في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري جلساتُ استماع خاصة بلجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، وتضمنت تلك الجلسات شهادات لموظفين وسفراء، من بينهم غوردون سوندلاند سفير الولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي، وفيونا هيل التي عملت سابقاً في البيت الأبيض كمساعدة مختصة بالشأن الروسي، وديفيد هولمز الدبلوماسي الأميركي لدى أوكرانيا، بالإضافة إلى كلّ من اللِّفتنانت كولونيل ألكسندر فيندمان وجينيفر وليامز معاونة نائب الرئيس مايك بنس، اللذين قالا إنهما استمعا للمكالمة الهاتفية بين الرئيسين الأميركي والأوكراني، وعبّرا عن صدمتهما من طريقة تعامل ترامب مع علاقات بلاده ببلد أجنبي، ومحاولة تأثيره على الرئيس الأوكراني زيلينسكي في سبيل إضعاف خصمه السياسي في الانتخابات القادمة.

وكان الأسبوع السابق للإدلاء بهذه الشهادات قد تضمَّنَ شهادة هامة للسفيرة الأميركية السابقة لدى أوكرانيا ماري يوفانوفيتش، التي اتهمت ترامب بتقويض أمن بلاده بهدف تحقيق مكاسب سياسية شخصية، وهو أمر أكدته لاحقاً المستشارة السابقة في البيت الأبيض فيونا هيل أيضاً.

التركيز الأكبر كان على شهادة غوردون سوندلاند، التي تضمنت الإشارة إلى الدور الذي لعبه محامي ترامب الخاص رودي جولياني، والذي أكَّدَ دبلوماسيون شهدوا أمام الكونغرس أنه أدارَ سياسة خارجية موازية بخصوص أوكرانيا، تمحورت حول الضغط على أوكرانيا من خلال إيقاف أموال الدعم الأميركي العسكري التي تبلغ 391 مليون دولار حتى تقوم السلطات الأوكرانية بفتح تحقيق حول أعمال هنتر بايدن، وحتى يقوم الرئيس الأوكراني زيلينسكي بالإعلان عن ذلك في مؤتمر صحفي.

تستطيع الشهادات التي قُدِّمَت حتى الآن أن توفّر أدلة بالغة القوة حول محاولة الرئيس الأميركي، من خلال محاميه الخاص، التأثير بالسياسة الأوكرانية بشكل يقوّض الأمن القومي الأميركي، وذلك في سبيل تقوية موقعه الانتخابي خلال الانتخابات الرئاسية القادمة. وإذا كان نواب الحزب الجمهوري، الذين يملكون غالبية مقاعد مجلس الشيوخ الذي يرجع إليه البتّ بشكل نهائي في الاتهام الموجه للرئيس، لا يزالون متمسكين بالدفاع عن ترامب، إلا أن استمرار الشهادات والاتهامات وتفاعلاتها بين الناخبين الأميركيين قد يغير رأي الحزب الجمهوري، الذي لم تكن دوائره التقليدية راضية أصلاً عن ظهور ترامب المفاجئ من خارج الأطر السياسية التقليدية. في النهاية، قد يكون من الأنسب للجمهوريين التخلي عن رهان خاسر أمام الضربات الموجعة التي وجهتها تلك الشهادات للرئيس الأميركي.

من جهته، أعاد ترامب تغريد جزء من شهادة سوندلاند، مدعياً أن شهادة الأخير تبرِّئه إذ ليس هناك أي إشارة لتعليمات مباشرة منه (الرئيس الأميركي) إلى سوندلاند حول مسألة الضغط على أوكرانيا، لكن حديث سوندلاند عن إدارة جولياني للموضوع من موقعه كمحامٍ للرئيس، يعني أن المسؤول قانونياً عن هذه التصرفات هو موكل المحامي، وهو في حالتنا الرئيس الأميركي.

على الرغم من إنكار ترامب، يبدو أنه يواجه أياماً سيئة للغاية على يد النواب الديمقراطيين في الكونغرس. وكما أنه من غير الممكن توقع مسار تصرفات دونالد ترامب خاصةً في السياسة الخارجية، كذلك من غير الممكن توقّع مسار التحقيقات الحالية والجزم بنتائجها، غير أن ما يبدو مؤكداً هو أن أسوأ أيام ترامب لم تأتِ بعد.