أصدرت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، في الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، قراراً طالبت فيه مزوّدي خدمة الإنترنت في مناطق الشمال السوري الخاضعة لنفوذها بمراجعة شركة SYR CONNECT في سرمدا، المعنية بتوريد حزم الإنترنت وتوزيعها، وذلك للتنسيق معها خلال مدةٍ أقصاها 28/11/2019، كما ذُكر في نصّ القرار أنّه جاء بموجب «مُقتضيات المصلحة العامة»، وسيخضع المتخلفون عن مراجعة الشركات للعقوبات.
وكانت وسائل إعلامٍ سوريّة قد ربطت قرار حكومة الإنقاذ استدعاء مزوّدي خدمة الإنترنت بعزمها فرض ضرائب على أرباحهم وفقاً للاستهلاك وسرعة الخدمة، فضلاً عن مراقبة الإنترنت والوصول إلى بيانات المستخدمين. وتعتبرُ أبراج الاتصالات التركية وأجهزة الإنترنت الفضائي الوسيلة شبه الوحيدة لسكان معظم مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة للتواصل فيما بينهم أو مع العالم الخارجي، لا سيما بعد تعطّل معظم مقاسم الاتصالات الأرضية والخليوية السورية وتفكيك أو سرقة أبراجها وخروجها عن الخدمة منذ أعوام.
ولكنّ القرار الذي تداولته وسائل الإعلام لا يعدو كونه استدعاءً لمزوّدي خدمة الإنترنت، ولا يذكر أيّة تفصيلاتٍ حول ماهية هذا الاستدعاء والنتائج المترتبة عليه. وقد حصلت الجمهورية من مصادر خاصة على نصّ القرار الأصلي، المكوّن من 25 صفحة، والذي يتضمّن تفصيلات القرار، علماً أنّه قد تمّت المُصادقة عليه من قِبَل حكومة الإنقاذ في السابع عشر من شهر آذار (مارس) من العام الحالي، ولم يتمّ الإعلان عنه بشكلٍ رسمي حتى اللحظة.
وقد نصّ القرار على تشكيل هيئةٍ تُسمى «هيئة تنظيم الاتصالات»، تتبع لرئاسة حكومة الإنقاذ، على أن تتألف هذه الهيئة من إدارةٍ وجهازٍ تنفيذي يتبع له مكتب شؤون فنية ومكتب تراخيص ومكتب قانوني وضابطة عدلية لكشف المخالفات وتنظيم الضبوط القانونية. كما ينصّ القرار أيضاً على إنشاء مؤسسةٍ تُسمّى «المؤسسة العامة للاتصالات» تتبع لهيئة تنظيم الاتصالات، ويكون من مهامها: إنشاء وتشغيل وإدارة شبكات اتصالات عامة وتقديم خدمات الاتصالات للمستفيدين، بالإضافة إلى وضع أسس تحديد أسعار وأجور خدمات الاتصالات المقدمة للمستفيدين، مما يعني حصر كل ما يتعلّق بخدمة الاتصالات بحكومة الإنقاذ والهيمنة المباشرة على هذا القطاع وآليات عمله. كما يمنع القرار إنشاء شبكات اتصالات عامة أو خاصة أو تشغيلها أو إدارتها أو تقديم خدمة الاتصالات العامة أو الخاصة إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من حكومة الإنقاذ.
وتنصّ المادة الثامنة من القرار على أنّ الموارد المالية للمؤسسة العامة للاتصالات تأتي من المصادر الآتية:
1- العوائد من منح الرخص والتصاريح وتجديدها.
2- الأجور والواردات التي تتقاضاها المؤسسة العامة للاتصالات عن الخدمات التي تقدمها.
3- الغرامات التي يتوجب على الغير دفعها إذا أخلّ باتفاق أو تسبّب في ضرر للمؤسسة.
4- الهبات التي تحصل عليها المؤسسة بموافقة مجلس وزراء حكومة الإنقاذ.
5- الأموال المخصصة لها في الموازنة العامة لحكومة الإنقاذ.
6- أية موارد أخرى يوافق عليها مجلس الوزراء.
كما يجوز لهيئة تنظيم الاتصالات أن تصدر تعليماتٍ تُحدد بمقتضاها أنواع الشبكات الخاصة والإرشادات والشروط الفنية لإنشائها وتشغيلها، ويجوز أيضاً لهيئة تنظيم الاتصالات أن تشترط موافقتها على إنشاء بعض أنواع تلك الشبكات حسبما تقتضي الضرورة. ولم يعد ممكناً ربط شبكات الاتصالات الخاصة بعضها ببعض، كما هو معمولٌ به في الشمال السوري من خلال تفاهماتٍ بين مزوّدي خدمة الإنترنت، دون الحصول على موافقات خطية من هيئة الاتصالات، وبعد إبرام عقود بين مزوّدي الخدمة وفقاً لتعليمات تصدرها هيئة تنظيم الاتصالات، متضمنةً الإرشادات والشروط الفنية اللازمة للربط، مع جواز اشتراط موافقة المؤسسة العامة للاتصالات على ربط بعض أنواع تلك الشبكات إذا دعت حاجةٌ لذلك.
وتشترط مؤسسة الاتصالات على المُتقدّمين للحصول على رخص تشغيل الإنترنت تقديم بيانات للتعريف بمقدرتهم المالية، ومصادر تمويل المشروع، وأسس تسعير الخدمات المقترحة وطريقة احتسابها، وأنواع الخدمات المقترحة والمنطقة الجغرافية التي تغطيها، والتقنية المستعملة في الخدمة وإيضاح أماكن توزّع التجهيزات التي تؤدي الخدمة. كما تمنح هيئة تنظيم الاتصالات لنفسها الحق في استبعاد أيٍّ من المُرخّص لهم إذا رأت أنّ اشتراكهم في المنافسة على الرخص الجديدة قد يؤدي إلى وضعٍ مُخلٍّ بالمنافسة في السوق. وينبغي أن يتضمّن عقد الترخيص، فضلاً عن مصاريف الرخصة، العوائد المُستحقة لكل من هيئة تنظيم الاتصالات والمؤسسة العامة للاتصالات عن الرخص وآجالها وعوائد تجديدها وأيّة عائدات أو حقوق مالية مقطوعة أو دورية يتوجب على المُرخَّص له دفعها، على أن تُلغى الرخصة إذا تخلّف المُرخَّص له عن دفع العوائد المُقرّرة لتجديد الرخصة في الموعد المقرر، وتكون مدة عقد الترخيص موضحة في العقد الأولي للترخيص.
ولا يقتصر قرار حكومة الإنقاذ على تشغيل خدمة الإنترنت، وإنما أيضاً على الأجهزة المُستوردة لتشغيل الخدمة، إذ يتوجب على المستورد أو الراغب بإدخال أجهزة اتصالات لم تُعلن المواصفات الخاصة بها أن يتقدم إلى هيئة تنظيم الاتصالات طالباً منها إصدار موافقتها المسبقة على استيراد تلك الأجهزة، على أن يُعزّز الطلب بدليل الشركة الصانعة الذي يبين مواصفاتها.
ويبرز الدور الرقابي والأمني في قرار حكومة الإنقاذ في إلزام المُرخّص لهم بتشغيل شبكة اتصالات عامة بإعداد دليل عن جميع المعلومات المتعلقة بهذه الشبكة والمشتركين فيها، وتقديم خدمة الدليل للراغبين بالاستفادة منها وفقاً للتعليمات التي تصدرها هيئة تنظيم الاتصالات، كما يمنح القرار للمدير المختص في الهيئة أو من يُفوّضه خطياً حقّ الدخول إلى أي مكان يشتبه بأنه يحتوي على أجهزة أو معدات مرخصة أو غير مُرخّصة.
كما تمنح المادة 49 من القرار لهيئة الاتصالات حق تملّك الأراضي والعقارات الخاصة بالسكان دون موافقتهم، حيث تنص المادة على أنه إذا استلزم إنشاء شبكات الاتصالات العامة تثبيت أعمدة أو إقامة أبراج أو تمديد كوابل أرضية أو تمديد أسلاك هوائية عبر أراضٍ أو عقارات خاصة، فإنه يتمّ الاتفاق على ذلك مع المالك، أما إذا تعذّر الاتفاق مع المالك فللمرخَّص له أن يعرض المخططات على هيئة تنظيم الاتصالات، مبيّناً عليها الاعتداءات التي تقع على الاملاك الخاصة، وإذا رأت هيئة تنظيم الاتصالات أن تلك الاعمال ضرورية لإنشاء الشبكة وأنّ تنفيذها عبر الأراضي أو العقارات الخاصة لا يمنع استغلالها أو استعمالها من قبل مالكيها، فلهيئة تنظيم الاتصالات أن تصدر قراراً بالسماح للمرخَّص له بتنفيذ تلك الأعمال شريطة إعادة الحال إلى ما كانت عليه، ودفع التعويض العادل الذي يُقدّره الخبراء الذين تختارهم هيئة تنظيم الاتصالات لمالكي تلك العقارات، أو الذي تقدره المحكمة بطلبٍ من أحد الطرفين.
والحال نفسه ينطبق على الأراضي الزراعية، حيث ينصّ القرار على أنّه إذا أعاقت شجرة أو مجموعة من الأشجار تمديد الأسلاك الهوائية لشبكة الاتصالات العامة وتعذّر الاتفاق مع المالك، فللمرخَّص له أن يطلب من هيئة تنظيم الاتصالات إصدار تكليفٍ إلى مالكها بإزالتها إذا رغب، أو السماح للمرخَّص له بإزالتها مقابل تعويضٍ يدفعُه المرخَّص له.
ويتضمن القانون مجموعةً من العقوبات والغرامات المالية على غير الملتزمين به؛ إذ تنصّ المادة 52 على أنّ كل من يقوم بتشغيل شبكة خاصة بعد صدور قانون الترخيص يُعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن شهرين أو بغرامة مالية لا تقل عن 2000 دولار أميركي ولا تزيد عن 4000 دولار أميركي أو بكلتا العقوبتين، بالإضافة إلى إجراءات الترخيص. وكل من يقوم بتشغيل شبكة عامة بعد صدور قانون الترخيص يُعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن شهرين أو بغرامة مالية لا تقل عن 5000 دولار أميركي ولاتزيد عن 15000 دولار أميركي أو بكلتا العقوبتين، بالإضافة الى إجراءات الترخيص. وتُمنح مدة شهرين من تاريخ صدور القانون لإجراء الترخيص للشبكات العاملة. كما أنّ أي شبكة مُرخّصة تمارس نشاطها خارج المنطقة الجغرافية المُخصصة لها وفق الترخيص الخاص بها تُعاقب بغرامة مالية لا تقل عن 200 دولار أميركي ولا تزيد عن 500 دولار أميركي مع إزالة المخالفة.
وتشمل العقوبات أيضاً مستخدمي شبكات الاتصالات العامة والخاصة من السكان المحليين، حيث تنصّ المادة 63 من القانون على أنّ كل من استخدم شبكة اتصالات عامة أو خاصة بطريقة غير قانونية أو أعاق الخدمات المُقدّمة من شبكات اتّصالات أخرى أو عرّض مصالح البلاد للخطر يُعاقب بالسجن مدةً لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تقل عن 2000 دولار أميركي ولا تزيد على 5000 دولار أميركي أو بكلتا هاتين العقوبتين.
إنّ قرار حكومة الإنقاذ هذا لا يشمل التزامها بتقديم أي خدمات متعلقة بالاتصالات للسكان في المناطق التي تسيطر عليها، ما يجعل الأمر برمته عملية سطو على أرزاق الناس، لأنه فقط يعطيها الحق في فرض رسوم على مشغلي الخدمة، دون تقديم أي شيء في مقابل هذه الرسوم التي تبدو أشبه بالإتاوات. كما أن القرار يعطي حكومة الإنقاذ الحق في استملاك العقارات الخاصة وممارسة الرقابة الأمنية على مستخدمي الإنترنت، ما سيجعلهم يدفعون مبالغ أكبر للحصول على الخدمة، كون جميع الإتاوات وأجور الترخيص والغرامات ستزيد من أسعار الاتصالات المرتفعة أصلاً. وفوق هذا، سيجعل هذا القانون الناس أكثر حذراً وخوفاً أثناء استخدامهم للخدمة، وذلك خشية بطش الأجهزة الأمنية لتنظيم هيئة تحرير الشام التي تقف وراء حكومة الإنقاذ وقراراتها.