البنّ بضم الباء هو حبّ نبات البنّ، الذي قيل إن أول اكتشاف له كان في أثيوبيا، على يد راعٍ لاحظ نشاط ماشيته بعد أن أكلت منه، ما دفعه لتجريبه. أما دخوله إلى المنطقة العربية فقد كان من اليمن، التي نقله أهلها وزرعوه وشربوا منقوعه مغلياً، ليتحول من طعام في إثيوبيا إلى مشروب متداول انتقل إلى الجزيرة العربية، ومنها إلى مصر وبلاد الشام في العهد المملوكي، الذي شهد إيلاء هذا الشراب مكانة عظيمة، وأضفى عليه بروتوكولات حوّلته إلى مشروب للخاصة من الملوك والحاشية وكبار رجالات الدولة.
ومع الحقبة العثمانية مرّ البنّ بمراحل بين التحريم والتحليل، من تجريم شاربه بقطع الرأس في القرن السادس عشر إلى مشروب شعبي أساسي بُنيت لأجله دور البنّ، التي كانت تعرف بـ «بيت القهوة»، والتي تحولت تدريجياً إلى مقاهٍ وقهاوٍ في اللغة العربية، حتى بات المشروب الثاني بعد الماء في تصدره للمجالس والبيوت بمرور الزمن، إذ ارتبط بصباحات ومساءات الشعوب العربية في مختلف البلدان، وأصبح شربه ملزماً لبداية يومهم وكذلك إنهائه.
ولم يكن أمر الفتوى بتحريم البن سهلاً، إذ كان قد بدأ مع تعيين الشيخ محمد عبد الأول الحسيني قاضياً في دمشق، الذي نادى بإبطال شرب القهوة في العام 1545، ومن ثم عرض هذا الأمر على السلطان العثماني سليمان القانوني الذي أقره في العام 1546. عادت القهوة للتداول بعد موته، واستمرّ حتى عهد السلطان العثماني مراد الرابع، الذي أمر بتحريمها بشكل مفاجئ، حتى أنه أمر بإعدام بعض الأشخاص الذين تجاهلوا المنع الذي استمر منذ العام 1623 حتى العام 1640، إلا أنه تراجع عن قراره وسَمَحَ بشربها وبيعها بعد ذلك تحت وطأة ما اصطلح على تعريفه بثورة شرب قهوة البنّ.
وقد تحولت القهوة إلى تجارة رابحة في ذلك الزمن، وفُرضت عليها الضرائب وأعلنت من أجل ذلك الفرمانات التي تمنع تهريبها، وباتت من أهم السلع التجارية إلى أوروبا، التي شهدت أول دخول للقهوة في مالطا، ومن ثم إيطاليا ومنها إلى باقي الدول الأوروبية في القرن السادس عشر. وورد في دراسة بعنوان آداب وطقوس شرب القهوة في القاهرة العثمانية، للكاتب ناصر أحمد إبراهيم، إن ربع ما كان يصل إلى مصر من البنّ كان يتم تهريبه إلى أوروبا.
أما إطلاق تسمية القهوة على منقوع البنّ المغلي، فإنه يرتبط بنوع من الفكاهة، إذ يقول الغزي في الجزء الثاني من كتابه نهر الذهب في تاريخ حلب إنه «جاء من الإقهاء وهو الكراهة، أو من الإقهاء بمعنى الإقعاد، لأنها تُقهي، أي تكره الطعام وتذهب بشهوته»، والقهوة اسم من أسماء الخمر، وهو ما دفع بعضهم، برأي الغزي، إلى كسر قافها للتفريق بينهما. من كلمة قهوة، تم اشتقاق اسم هذا المشروب في سائر أنحاء العالم.
موروثات البنّ
تزامن وجود القهوة المغلية، أو «الحلوة» كما يطلق عليها السوريون، مع القهوة «المرّة» العربية التي شاع استخدامها في الجزيرة العربية وعند أبناء العشائر والبدو. وقد ارتبطت الأولى في الحقبتين المملوكية والعثمانية بطقوس معينة تمايزت في كل فترة، إلا أنها اشتركت في تجهيزات من الجواري والعاملين الذين كان يطلق على الواحد منهم لفظ «القهوجي»، تنحصر وظيفتهم بتقديم القهوة في فناجين من الخزف، بعد تحميسها، أو تحميصها باللفظ الدارج، ثم طحنها وإضافة بعض المنكهات كالهال أو «الهيل»، ورشّ الضيف بماء الورد. وترافقَ تقديم القهوة مع التبغ والغليون، وهو الطقس الذي ستحافظ عليه القهوة حتى الوقت الحالي. وعند النساء الخاصة، كانت الجواري من يقمن بتقديمه بعد جلوسهنّ أمام الضيفة بفناجين من الخزف أو الفضة، وبكميات تسمح للضيفة بارتشاف البنّ دون الاضطرار لإمالة الفنجان، مع المحافظة على استقامة في الظهر والكتفين والرأس كدليل على المكانة الاجتماعية.
أما القهوة العربية، أو «المرّة» كما يطلق عليها، فإن لها طقوساً خاصة في التحميص دون تعريض الحبات للاحتراق، مع التركيز على خروج الزيوت الطيارة منها لتضفي رائحة محببة في المكان، وتوضع على الجمر في ما يعرف باسم «المنقل»، ثم تُصب في دلال كان أشهرها «دلال رسلان الدمشقية ودلال بغداد»، أغلبها مصنوع من النحاس. ويلتزم القهوجي بحمل الدلّة بيسراه، وتقديم القهوة في فناجين لا أيدي لها بيده اليمنى بعد أن يشرب الفنجان الأول للاطمئنان على مذاقها. يتسلمها الضيف بيمناه وتكون بكميات قليلة، ويستمر القهوجي بملء الفناجين حتى يهز الضيف فنجانه دليلاً على الاكتفاء. تبدأ الضيافة من شيخ العشيرة، ثم الضيف مروراً باليمين ثم اليسار. ما تزال هذه الطقوس حاضرة حتى الآن في كثير من المضافات والبيوت.
وغالباً ما يكون شرب القهوة العربية على ثلاثة فناجين، صنّفها العرب إلى «الضيف» الذي هو فنجان الترحيب بالقادم، و«الكيف» لمن اعتاد شرب القهوة والذي يطول جلوسه ويكون نديماً وسميراً، و«السيف» الذي يعني أن شاربه أصبح من أهل القبيلة، له ما لها وعليه ما عليها في الحرب والسلم.
البنّ ليس ترفاً
يتربع البنّ على قائمة أساسيات المنازل السورية، كذلك في خيام البدو، إذ يعتبر المشروب الأساسي الذي يُغني بوجوده عمّا سواه، وبفقدانه ينقص تكريم الضيف، ويشعر المضيف بالحرج أياً كانت الحالة المادية والظروف التي يعيشها صاحب البيت.
ومنذ وجوده كان تخزين البنّ كمؤونة أمراً شائعاً وهاماً في الظروف القاسية والأفراح والأتراح، يفرد له مكان في المنازل، وكثرته تدل على غنى الشخص ومكانته، وقد أوردت دراسة آداب وطقوس شرب القهوة في القاهرة العثمانية أنَّ «ظاهرة ادخار البنّ فرضت نفسها في أروقة القصور المملوكية وبيوت النخبة، وتجاوزت المعنى المادي لتنطوي على قيمة ثقافية رمزية في حد ذاتها»، بل كانت من ضمن الممتلكات التي تحصى في ذلك الوقت وتصادر أيضاً. وقد بينت وثائق تركات الأمراء المماليك المسجلة في المحكمة الشرعية فكرة واضحة عن حجم مخزون البنّ المخصص لاستعمالهم، كذلك في بيوت الشيوخ والعلماء، منها ما نقلته الدراسة عن وجود نحو «مئتي فرق بنّ» في تركة الأمير عثمان كتخدا، وكذلك قيام محمد على باشا بوضع يده على بيت الشيخ السادات، والبحث عن أصول ثروته ليجد كميات كبيرة من القهوة مخزنة في مخبأ سري.

كما كان يقدم كهدايا لأصحاب الشأن وفي المناسبات، واستمر البنّ بصفته هدية مقبولة ومحببة حتى وقتنا الحالي، إذ غالباً ما يحمل الزوار في المناسبات بعضاً منه، خاصة من المحلات الشهيرة، ويتسابق أبناء القرى والبلدات على توصية زوارهم أو الذاهبين إلى المدينة بإحضار البنّ من أماكن معينة، كالعلبي والحموي والأشتر وحسيب والحسناء، والقائمة تطول بحسب المحافظات السورية. يلعب مصدر الحبة وحجمها ولونها وتحميصها والمواد المنكهة لها دوراً هاماً في تصنيف أنواع البنّ وأسعاره، وقد تجد في المحل الواحد عشرات الأنواع من البنّ بحسب الرغبة.
يثبت المكانة التي نالها البنّ في حياة السوريين تحوير اسمه، ليصبح فعلاً يدل في ذاته على العزيمة أو الرغبة باصطحاب الضيف، نقول «على فنجان قهوة»، «نتقهوى»، «ما بدك تقهوينا»، في حين لا نجد شيوعاً لاستخدام أسماء مشاريب أخرى بهذه الطريقة، إذ لم يرد من يقول «نتشيين» نسبة إلى الشاي، أو «ما بدك تشايينا» أو «تزهورنا» نسبة للزهورات.
كذلك أصبحت القهوة المشروب الأول الذي تبتدئ به صباحات السوريين في مختلف المناطق، والضيافة الأولى «فنجان أهلا وسهلا». ولدلالته على الاكتفاء بذاته، كان من سبيل المزاح أن يقول الضيف عند تقديم القهوة كضيافة أولى من قبل صاحب البيت «شو بدك تقلّعنا»، وكأن من يشربها يلغي باقي الأصناف أياً كان نوعها من أطعمة وفاكهة ومشاريب أخرى. وفي حال عدم وجود القهوة، كانت ربات المنازل تسعى لتأمينها واستدانتها من الجيران، الذين كانوا غالباً ما يلبون الطلب لمعرفتهم بما يتسبب به فقدان القهوة من إحراج، إذ كانت القهوة تمثل حالة من «ستر الوجه»، أي إكرام الضيف والقيام بواجبه.
ومن الدلائل التي توضح مكانة البنّ في حياة السوريين إطلاق اسمها للدلالة على الأماكن التي يجتمع فيها الناس، ففي الوقت الذي كانت هذه الأماكن يطلق عليها في العهد العثماني «جاي خانه» أي مكان الشاي، أصبحت تعرف بالمقاهي أو القهاوي أو الكافيهات. رغم ما تقدمه هذه الأماكن من مشاريب متنوعة، إلا أن اسم القهوة طغى بحضوره ليغدو سمة المكان.
البنّ ودلالاته
لم تعد القهوة مشروباً للخاصّة، بل باتت لاحقاً المشروب الأكثر شعبية بأنواعها المختلفة. بعد أن وجدت القهوة عند الصوفيين، خاصة ما يعرف بالطريقة الشاذلية، نسبة إلى الشيخ اليمني علي بن عمر الشاذلي، الذي تعرَّف إلى القهوة في القرن الخامس عشر الميلادي ونقلها إلى اليمن، وكانت تُستخدم لما لها من دور منبه يساعد أتباعه على السهر للاستزادة من الذكر والعبادة، حتى صار يطلق عليها «مشروب أهل الله»؛ وبعد أن كانت شبه خاصة لذوي الشأن في العهد المملوكي، مروراً بتحريمها في بداية العهد العثماني ثم إباحتها، باتت اليوم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياة السكان، لا بصفتها مشروباً فقط، بل أيضاً بصفتها الرمزية ودلالاتها.
في سوريا أصبحت القهوة السادة بدون سكر دليلاً للمثقفين، ألصقَ بهم هذه «التهمة» إن صحت التسمية جمهورُ الناس، إذ كان يطلق على الأشخاص من الذين يطلبون القهوة السادة لقب المثقفين، أحياناً يضاف إليها لكنة من السخرية وبعض الألفاظ من مثل «ارتشاف أو احتساء» كبديل عن لفظ «الشرب»، وإن كان الأصح استخدامها لما لها من طقوس سابقة، قبل أن تتحول إلى مشروب شعبي يمارس كيفما وأينما تريد. ومن المألوف في سوريا أن «يُعيَّر» الشخص بشرب القهوة السادة ليقال له «مثقف ما بتشربا غير سادة»، وربما جاءت تلك الصفة من المقاهي الثقافية والأدبية التي كان روادها من أصحاب الفكر، إذ كانت مدينة حلب على سبيل المثال تضم خمساً وسبعين مقهى في العام 1960، إثر تأسيس نقابة «القهواتية» في العام نفسه، أهمها تواجدت في الشوارع الرئيسية لقلب المدينة، وارتبط دخولها بصفات ولباس معينين من الأناقة والفكر والمكانة الاجتماعية. ترتبط القهوة بمعناها هذا بمواضيع النقاش الدائرة بين الأشخاص، وما يسبقها من صمت أو حديث بصوت منخفض خلال هذه المناقشات، بعكس «الشرب» الذي قد يكون في ظل احتدام نقاش عام أو صراخ أو في الأعراس.
تذكر الدراسة السابق ذكرها لناصر إبراهيم إن القهوة كانت تُشرب دون سكر، وإن إضافة الأخير لها في العصر المملوكي والعثماني كانت أمراً مستهجناً، ويُعرِّضُ شاربها للسخرية.
وللقهوة السادة خصوصية في دور العزاء أيضاً، إذ غالباً ما تُقدم دون سكّر لإكمال طقس المرارة والفقدان، مع عبارات دلالية يمتنع فيها ذكر كلمة «دايمة» التي يتم استخدامها في الحالات العادية بعيداً عن المآتم.
وللقهوة دور في إرسال رسائل عامة يفهمها الناس، إذ يعتبر تقديم القهوة وسيلة لرؤية الخطيبة قبل من قبل الخاطب قبل إتمام الخطبة، كذلك درجت بعض العادات على تقديم قهوة خفيفة أو ثقيلة جداً من قبل الفتاة لطالبها لإيصال رسالة بالرفض، كما تتداول بعض الأحاديث عن وضع ملح في فنجان القهوة لاختبار قدرة العريس على الصبر، وفيما إن كان سيكمل شرب فنجانه كدليل على استمرار الحياة بين العروسين رغم المصاعب التي ستعترضهم.
كذلك في «صبحيات» النساء اللواتي يجتمعن بعد خروج أزواجهن للعمل ليتبادلنَ الأحاديث، إذ كانت القهوة بداية وختام هذه الجلسات، وتقديمها منفردة يعني أن هناك من لا يُرغَب بحضوره من الضيوف، إذ يُكتفى ويُمل من وجوده، وعليه الخروج بعد الانتهاء من فنجانه.
وكذلك في المناسبة الرسمية، إذ غالباً ما كان الناس يطلبون الزيارة لطلب مهم فيقولون: «بدنا نجي نشرب عندك فنجان قهوة»، وهي في هذا الشأن تتشابه مع القهوة المرة العربية، إذ تتضمن رسائل بالموافقة بعد أن يمتنع الضيوف عن شرب القهوة حتى تلبية المطالب: «اشربو قهوتكم والي جيتو فيه بتطلعو فيه»، أو المسامحة والصلح بين المتخاصمين، وكذلك الرفض: «شربو قهوتكم والله معكم»، أو الامتناع عن الموافقة على الطلب ما يترك الفناجين ممتلئة إذ يخرج الأشخاص دون شربها كإشارة على رفض الطلب.
وفي الثأر كانت الفناجين توزع كـ «نخب» لمن يتولى المهمة، بعد أن يجتمع أهل القبيلة وينطق شيخها باسم المطلوب للثأر، ليتقدم أحد الموجودين ويشرب فنجانه، وفي ذلك أمر يتأرجح بين تحوله إلى بطل إن أتم المهمة وبين الأضحوكة إن فشل، لتغدو القهوة قسماً يجب أن يبرّ به.
«قهوتك مشروبة» هي رسالة أخرى يعرفها السوريين، ويتبادلونها للاعتذار بلباقة عن الحضور لمناسبة أو زيارة، وهي ذاتها تُعتبر رسالة غاضبة في حال الخلافات.
فنجان قهوة
ومن الرسائل الرسمية الشائعة في سوريا، ويعرف معناها معظم السوريين إن لم نقل كلهم، كلمة «فنجان قهوة»، وهي تعني الطلب لزيارة المؤسسات من قبل المتنفذين وأصحاب المناصب وكذلك الأفرع الأمنية، وفيها دلالات مخيفة قد تودي بصاحبها للهلاك إن كان الطالب أحد المؤسسات الأمنية القمعية في سوريا، وذلك للأشخاص الذين يطلب إليهم الحضور على «فنجان قهوة»، للتحقيق معهم أو توبيخهم أو تهديدهم وربما اعتقالهم.
كذلك باتت الكلمة ذاتها وسيلة لشرعنة «الرشى» للموظفين، أياً كانت مكانتهم والأماكن التي يشغلونها، وأحياناً تكون بطلب مباشر «ما بدك تعطينا حق فنجان قهوة»، وأحياناً تكون وسيلة للتملق «تفضل هاد حق فنجان قهوة»، وقد يصل ثمن هذا الفنجان إلى ملايين الليرات السورية في بعض الصفقات.
الاكسبريس ليس قهوة
يشيع لفظ الاكسبريس لقهوة «اسبريسو» في سوريا، وقد حوّلها كثر من السوريين إلى مهنة يعتاشون عليها. ولا تمتلك هذه القهوة طقوساً خاصة وليس لها الدلالات ذاتها، إذ غالباً ما تكون قهوة عجولة لعابري السبيل وركاب أو سائقي الحافلات، وتُقدَّم بفناجين كرتونية.
وخلال السنوات الماضية، خاصة في مناطق المعارضة السورية، شاع استخدامها من قبل السكان لندرة المقاهي من جهة، ولزيادة عدد العاملين فيها من جهة ثانية، وارتبطت في حياة السوريين بهذه المناطق بذكريات وحنين للأشخاص الذين «نادمونا» هذه الفناجين الكرتونية، وغيبهم الموت أو اللجوء، دون ذكر للطعم أو الدلالات أو الطقوس.
القهوة السورية اللاجئة
كيفما مررت في الشوارع والمدن التركية تجد محلات لبيع القهوة بأسماء مألوفة، غالبها لا يعود لأصحابها الحقيقيين، إلا أن بعض البائعين استعاروا هذه التسميات التي ارتبطت بذائقة السوريين كعلامة تجارية تجذب الزبائن. تغيب الطعوم الأصلية للقهوة المعتادة عنها، ويختلف الأمر تبعاً لنوع البنّ وطريقة تحميصه وتحضيره، بينما يلاحق اللاجئون هذه الأسماء أملاً في استحضار الذاكرة والحنين للأيام الماضية، وكذلك العودة والاحتفاظ بالطعم في ظل أنواع البنّ التي بدأت بالدخول إلى حياتهم، خاصة الماكينات الجاهزة التي تصنع الاسبريسو المنزلي بأنواع وطعمات ومواصفات مختلفة.
كذلك يسعى اللاجئون في أوروبا للحصول على هذه الماركات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي التي اختصت بشراء المواد الغذائية، غالباً ما تجد أنواعاً كالعلبي والحموي وحسيب في قائمة المشتريات للعائلات السورية. الأكثر حباً للقهوة المغلية بينهم، يحصل على حبات البنّ المحمصة ويطحنها في منزله مع حبات الهيل ليعيد شرب فنجان قهوته السوري مرة أخرى، ويجذب أصدقائه لزيارته بعبارة جديدة «عندي بن سوري».
من المفارقات التي نشاهدها في تركيا تسمية القهوة المغلية بـ «قهوة سورية»، في حين كانت تُطلق عليها في المقاهي السوري تسمية القهوة التركية، إلا أن الأكيد أن أول المقاهي في تركيا أسَّسه سوريان، أحدهما من دمشق والآخر من حلب، وكان ملتقىً للأدباء والكتاب والمثقفين.
*****
تحديث بعد النشر: في عنوان هذا المقال يحضر عنوان قصيدة للشاعر محمد شيخ إسماعيل، هي قصيدة «على وتر البن» من ديوان أول الكلمات الأخيرة.