تشير ظاهرة «الموجة الثانية» -التي تملأ التقارير الإخبارية- إلى تجدّد حدوث ارتفاع مطّرد في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد. تمّ تعريف هذه الظاهرة بشكل متضارب وفضفاض في الأدبيات الطبيّة، وتشير الظاهرة عموماً إلى زيادة عدد الإصابات بعد الانخفاض الأولي في عدد الحالات ضمن مجموعة سكانية محددة جغرافياً (قرية أو ضاحية). حيث يتم اعتبار كل دورة من زيادة الحالات «موجة». وتعتبر جائحة انفلونزا H1N1 التي اجتاحت العالم ما بين عامي 1918-1919 مثالًا كلاسيكيًا على هذه الظاهرة. ونظراً لأوجه التشابه في عالمية تلك الجائحة والأعراض وطرق الانتقال؛ فإنّه كثيراً ما تتم مقارنة جائحة كوفيد-19 (COVID-19) بجائحة الأنفلونزا عام 1918. بدأ انتشار ذلك التفشي في ربيع عام 1918، وتبعه ظهور الموجة الثانية -والتي كانت الأكبر والأكثر فتكًا- في خريف عام 1918، وسُجّلت الموجة الثالثة في ربيع عام 1919. أصابت تلك الجائحة المعروفة باسم «الأنفلونزا الإسبانية» ثلث سكان العالم (حوالي 500 مليون من 1.6 مليار نسمة).
تعريف «الموجة» في ظل جائحة كورونا صعب التأطير. قد يعكس التغيّر في عدد الحالات هبوطاً مستمراً بعد وصولها الذروة، والزيادة التي قد تتبع الهبوط الأوّلي يمكن أن يُشار إليها على أنها ذروة أخرى. إلا أنّ التفاوت في معدلات الإصابات الجديدة مرتبط بعوامل أخرى؛ منها ما هو خاص بالجرثومة (على سبيل المثال: الأنفلونزا موسمية، وتحدث في فصل الشتاء بشكل أساسي)، ومنها ما هو مرتبط بالقدرة على التشخيص والتتبع (الزيادة في عدد الفحوصات المُجراة والتحسن في قدرة القطاع الصحي على تتبّع الحالات). لم يشهد العالم موجة عالمية واحدة من فيروس كورونا المستجد، بل إنّ الفيروس ينتقل -بسرعات مختلفة- من مكانٍ إلى آخر. كما أنّه لا يبدو أنّ هناك اختلافاً موسمياً ملحوظاً في وباء كوفيد-19، فلا دليل على أنّ عدد الحالات يتأثّر بالطقس أو الجغرافيا.
على الرغم من العدد الكبير للحالات المُسجّلة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا الوباء، فلا تزال الغالبية العظمى من السكان عرضة للإصابة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد إجابات محددة حول مدة المناعة الطبيعية التي تنتج عن الإصابة بالعدوى، كما أنّ عدد الحالات المُبلغ عنها لم ينخفض بدرجة كافية لتعريف «موجة» حقيقية في دورة حياة الجائحة. يبدو أن عودة ظهور الحالات مرتبطة بشكل مباشر بتخفيف إجراءات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي في العديد من البلدان.
الحرب ووباء عام 1918
منذ فجر التاريخ والحرب والأمراض الوبائية شركاء في المصائب. تشير التقديرات إلى أن جائحة الأنفلونزا 1918 -التي صاحبت نهاية الحرب العالمية الأولى- أودت بحياة أكثر من 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. أدت الحرب إلى اقتلاع وتشريد ملايين المدنيين، وأجبرتهم على العيش في مخيمات اللاجئين المكتظة. كما شهدت الحرب العالمية الأولى تعبئةً غير مسبوقة لأعداد كبيرة من القوات من داخل أوروبا ومن خارجها، ووجدت القوات، من جميع أنحاء العالم، نفسها محشورةً في تجمعاتٍ مكتظة. سافر الفيروس مع العسكريين من معسكر إلى آخر وعبر المحيط الأطلسي، ويعتقد الخبراء أنّ سفن النقل العسكرية كانت الناقل المحتمل للإنفلونزا عبر المحيط الأطلسي. بطبيعة الحال، فإنّ الاتصال الذي توفّره سفن النقل هذه باهت مقارنةً بعالمنا الحالي وشبكات الاتصال فيه، حتى في عصر عمليات الإغلاق وقيود السفر المتعلقة بـ COVID-19.
إنّ نظرةً أعمق للوفيات خلال جائحة أنفلونزا عام 1918 تشير بوضوح إلى أن سوء التغذية لعب دوراً حاسماً في اختلافات معدل الوفيات عبر البلدان. في الهند، على سبيل المثال، ضربت جائحة إنفلونزا عام 1918 هذا البلد بالتزامن مع جفافٍ واسع النطاق. كذلك، شهدت العديد من مقاطعات شمال غرب وغرب ووسط الهند مجاعةً خلال عام 1918، وشهدت هذه المقاطعات أيضًا أعلى معدلات وفيات أنفلونزا عام 1918. أيضاً، كان سوء التغذية المُزمن متورطًا في ارتفاع معدلات انتشار المرض والوفيات بين أطفال غواتيمالا خلال جائحة إنفلونزا H1N1 لعام 2009.
من الصعب تقييم تأثير تدمير البنية التحتية الذي سببته الحرب العالمية الأولى، حيث كانت البنية التحتية للصحة العامة في أوروبا والولايات المتحدة لا تزال في مهدها. من الواضح، مع ذلك، أنّ الحرب أدّت إلى اضطراباتٍ كبيرة في قطاعات النقل والإنتاج الصناعي، كما أنّ القدرة على مراقبة تقصي الحالات وعزل المصابين والإبلاغ عن تفشي المرض كانت ضعيفةً جداً. كان هذا واضحًا بشكلٍ خاص في البلدان الأوروبية بعد الصراع.
إنّ النزاعات الحديثة في كل من سوريا واليمن وغيرها تمثل حالةً متكاملةً تجمّعُ كل أسباب تفاقم الأوبئة؛ من اكتظاظ سكاني وسوء تغذية وتدمير للبنى التحتية في الأماكن التي يقطنونها. كل هذه العوامل تتضافر في المناطق الموبوءة بالنزاعات المسلحة، وتجعل من هذه الجائحة خطراً مُحدقاً ذا أثر أكثر فجاعة مما نشاهد في باقي العالم. وإنّ غياب الإحصائيات الدقيقة عن عدد الحالات والوفيات لا يعني بأي شكلٍ أنّ أثر هذه المصيبة ضئيل على المجتمعات المُحاصرة تحت هذه الظروف.
النظم الصحية وكوفيد-19 في حروب العالم العربي
لتوضيح تأثير تفشي الأوبئة، مثل وباء COVID-19، في النزاعات العسكرية في العالم العربي، فإنّه من المهم فهم ديناميكيات العنف والعوامل المؤسساتية الأخرى التي ساهمت في تشكيل الأزمات الإنسانية وأثرت على قدرة النظم الصحية على احتواء الوباء.
إن حجم العنف الناجم عن الحروب الأهلية الدائرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) لا يمكن مقارنته بالحرب العالمية الأولى بالطبع، لكن الأزمات الإنسانية الناتجة في هذه البلاد تماثلها في الفداحة. لقد أدى النزوح الجماعي وتبدّد الموارد إلى إضعاف قدرة البلدان المتضررة على مكافحة تفشي الأوبئة، حتى قبل وصول جائحة COVID-19. على سبيل المثال، شهد اليمن الذي مزقته الحرب أكبر تفشٍّ لوباء الكوليرا تم تسجيله على الإطلاق مع أكثر من 2.2 مليون حالة مشتبه بها، و4000 حالة وفاة مرافقة.
في الواقع، توفر الحروب الأهلية الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إمكانية استثنائية لتحليل كيف أدى التشرذم والتسييس في النظام الصحي -من بين عوامل أخرى- إلى خلق الظروف المثالية لانتشار الأمراض الفتاكة. لقد أجبرت الحروب الأهلية في سوريا واليمن وليبيا ملايين السكان المتضررين على الفرار من ديارهم، ومع ذلك لم يتمكن معظمهم من عبور الحدود. هناك 6.2 مليون شخص -بينهم 2.5 مليون طفل- نازحون داخل سوريا، وهي أكبر نسبة نزوح داخلي في العالم. وبالمثل، خلّف النزاع المسلح في ليبيا أكثر من 400 ألف نازح. وفي اليمن يعيش ما يقدر بمليون نازح في مخيمات مؤقتة ومتهالكة، وهم من بين أكثر من أربعة ملايين يمني فقدوا منازلهم. وعلى الرغم من الصراع الوحشي في البلاد، يعيش في اليمن حوالي ثلاثمائة ألف لاجئ وطالب لجوء فروا من العنف والاضطهاد في الصومال وإثيوبيا.
انتهى الأمر بالغالبية العظمى من النازحين ضمن هذه البلدان في مخيمات مكتظة وغير مخدّمة، حيث يفتقرون إلى خدمات الرعاية الصحية والطعام والمياه الصالحة للشرب ومرافق النظافة، مما يجعلهم من بين أكثر الفئات السكانية هشاشةً في العالم.
كما أدت النزاعات المستمرة إلى تفتّت المؤسسات الخدمية في هذه البلدان، وخلقت أرخبيلًا من حكومات الأمر الواقع المتناحرة فيما بينها داخل نفس الحدود. كشفت أزمة COVID-19 عن الخلل الوظيفي في المؤسسات الخدمية في هذه البلدان؛ حيث لم يكن النظام الصحي معزولاً عن هذا التأثير. في سوريا على سبيل المثال، انكمش النظام الصحي المركزي، القائم قبل الحرب، ليشمل فقط المناطق التي يسيطر عليها النظام، في حين أن المناطق الثلاث الأخرى (شمال غرب سوريا، وشمال شرق سوريا، والمناطق التي تسيطر عليها تركيا) خلقت كيانات صحية خاصة بها، ولكل من هذه الكيانات قيادة وموارد وهياكل مختلفة. وبالمثل، تقسّمت المؤسسة الصحية في اليمن وليبيا إلى نظامين صحيين متصارعَين في كلٍّ منهما.
إلى جانب الاستقطاب الحاد، أدى تفتّت النظام الصحي في هذه البلدان إلى تضاؤل الموارد المحدودة أصلاً، وإنهاك ما تبقى من مرافق الرعاية الصحية ومقدميها، مما زاد من الهشاشة والضعف في هذه البلدان. علاوة على ذلك، لم يتم الاعتراف بالكيانات الصحية الناشئة بنفس السويّة من قبل المانحين الدوليين، مما جعل أهليتها للحصول على المساعدة الإنسانية شديدة التفاوت، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة التفاوت في الخدمات الصحية، وتركَ المزيد من الأشخاص بدون خدمات الرعاية الصحية الأساسية. على سبيل المثال، يسمح تفويض مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) بتقديم المساعدة الإنسانية خلال الأزمات والكوارث، ولكن يوجِب «العمل بموافقة الدولة المتضررة». أتاح هذا التفويض للنظام في دمشق بالسيطرة على المساعدات الإنسانية ليس فقط في مناطق سيطرته، ولكن أيضًا التأثير في إيصال المساعدات إلى ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة. مثال آخر، فإن 30 مليون شخصاً في اليمن زوّدوا فقط بستّة مختبرات قادرة على إجراء اختبار كوفيد-19، يوجد منها مختبر واحد فقط في المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها القوات الحوثية حيث يعيش أكثر من نصف سكان اليمن.
بالإضافة إلى التشرذم والاستقطاب، تعرّضت المرافق الصحية في مناطق النزاع المسلح في هذه البلاد لهجمات متعمّدة من قبل الأطراف المتحاربة، مما أدى إلى تعميق محنة المجتمعات المتضررة، وتدمير النظام الصحي المنهك أصلاً، والمساهمة في هجرة الكوادر الصحية المتخصصة. ففي سوريا، بين آذار (مارس) 2011 وشباط (فبراير) 2020، جرى الإبلاغ عن حوالي 600 هجوم عسكري على منشآت صحية، وقُتل حوالي 1000 عامل طبي (90٪ من الهجمات تنسب إلى القوات النظامية وحلفائها). بينما في اليمن، أفادت التقارير أن أكثر من ثلث الضربات الجوية منذ عام 2015 قد أصابت أهدافًا مدنية مثل المستشفيات والمدارس. حتى الآن تمّ الإبلاغ عن 130 هجومًا عسكريًا على الأقل على مرافق الرعاية الصحية والعاملين الصحيين (54٪ منها من قبل التحالف و41٪ من قبل مقاتلي الحوثي). لا يختلف الوضع في ليبيا، فمنذ بداية العام الجاري استهدف 15 هجوماً على الأقل المرافقَ الصحية وسيارات الإسعاف وعاملي الرعاية الصحية.
في المعركة ضد تفشي كوفيد-19، كانت النظم الصحية المنهكة في مناطق النزاع بشكلٍ خاص غير مستعدة لمواجهة هذه الأزمة. لا يزال 50% فقط من مرافق الرعاية الصحية في اليمن قيد الخدمة، مع وجود ثلاثة أطباء فقط وسبعة أسرّة في المستشفيات لكل عشرة آلاف شخص. في حين أنّ ما يقرب من 40% من المستشفيات في جميع أنحاء سوريا تعتبر معطلة، وأكثر من 70٪ من القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية غادروا البلاد. أدى الصراع المستمر في ليبيا منذ عقدٍ من الزمن إلى إغلاق أكثر من 50 في المئة من مرافق الرعاية الصحية، لا سيما في المناطق الريفية.
جرى الإعلان عن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في سوريا وليبيا في آذار(مارس) 2020، بينما أبلغَ اليمن عن أول حالة مؤكدة في نيسان (أبريل). تأثّرت الاستجابة للموجة الأولى من تفشي كوفيد-19 في هذه البلدان بعدّة عوامل، مثل عدم القدرة على إجراء الاختبار بشكل كاف، وسوء جمع البيانات، ونقص الاختصاصيّين المتمرّسين في الرعاية الصحية، والموارد المحدودة، والظروف التشغيلية غير الآمنة، ونقص التمويل المخصص لقطاع الصحة. على أيّ حال، لا ينبغي تجاهل السجل السيء للإدارة والقيادة عند السلطات الحاكمة في هذه البلدان، إذ توجد شكوك قوية على أنّ السلطات الصحية أخفت عن عمد معلومات وبيانات حيوية حول التأثير الحقيقي لكوفيد-19 على المجتمعات المتضررة. فعلى سبيل المثال، حذّرت السلطات في دمشق بشدة الأطباء في الخطوط الأمامية لتجنب أي مناقشات عامة حول حالات COVID-19، لأنّ القيام بذلك سيُعرّض «الأمن القومي» للخطر، وبعد أسابيع قليلة فقط أصبح تفشي المرض خارج نطاق السيطرة. وبالمثل، أعلنت سلطات الحوثيين في صنعاء، بشكلٍ غير معقول، عن عدد قليل من الحالات ووفاة واحدة في العاصمة، وهددت باحتجاز الأطباء والممرضات وغيرهم ممن تحدثوا عن الفيروس. كما أشارت العديد من التقارير من ليبيا إلى أن الإحصاءات الرسمية لا تعكس سوى جزءاً ضئيلاً من الانتشار الحقيقي عبر البلاد.
أدّى عدم مشاركة المعلومات بالتوقيت المناسب إلى تفاقم انعدام الثقة بين السلطات القائمة والناس، مما جعلهم أقل امتثالاً لإجراءات الوقاية وغيرها من التدابير الموصى بها. والأهم من ذلك، أنّ التأخير أو الامتناع عن مشاركة المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب ترك مقدّمي الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية دون احتياطات وقائية كافية، ما ساهم على الأرجح في ارتفاع معدل الوفيات نسبيًا بينهم. على سبيل المثال، وثّق النشطاء اليمنيون ما يقرب من 120 حالة وفاة بين العاملين في المجال الطبي منذ نيسان (أبريل) 2020، بينما تجاوز العدد في سوريا 70 مقدم رعاية صحية في نفس الفترة.
وغنيٌ عن القول إنّ العوامل الأربعة الرئيسية في الأوبئة (المجاعة، والتهجير، والازدحام، وانعدام الشفافية) كلها متوافرة في النزاعات المسلحة كتلك التي في اليمن وسوريا وليبيا.
عالم واحد.. تفشٍّ واحد
ما زالت البشرية ترزح تحت وطأة المصائب والأخطار على مدار التاريخ. لقد شهدت البشرية العشرات من الأوبئة والجوائح وقضت هذه المصائب على حيوات الملايين من البشر والعديد من الحضارات. إنّ أحد أهم الدروس المستفادة من أزمة كوفيد-19 هو أنّ عالمنا الحديث شديد الترابط، وبينما تتواصل مقارنة هذه الجائحة بجائحة إنفلونزا عام 1918 من حيث الانتشار، فإنّه تجب مقارنة الاستجابة لهذه الجائحة بشكل أكثر دقة بما فعله العالم لمواجهة تفشي فيروس إيبولا في عام 2013. لقد رأينا كيف -وفي غضون بضعة أشهر- وصلت العدوى التي نشأت في قرية ريفية في غينيا إلى الولايات المتحدة وأوروبا. يمكننا بسهولة طرح الحجة القائلة بأن عطسة طفل نازح في إدلب أو الحُديدة يمكن أن تزلزل الأرض في جنيف.
بالإضافة إلى الصدفة الحسنة، ساهمت الجهود المتعددة الأطراف من قبل الحكومات الغربية (وعلى رأسها الولايات المتحدة) من الحد من عدوى فيروس إيبولا التي قتلت ما يصل إلى 70 ٪ من المرضى المصابين. لقد كان سيناريو 1.4 مليون إصابة ومليون وفاة أحد السيناريوهات الممكنة والمحتملة.
إن جائحة COVID-19 هي اختبار صعب للمجتمع الدولي. لن تنجح الجهود والتدابير الوطنية «المحلية» للتغلب على الآثار القصيرة والطويلة الأجل لهذا التفشي، ولا يمكن تحقيق أية نتائج إلا من خلال التنسيق والتعاون العالميين. إنّ التضامن والتنسيق والتعاون ليس فقط ضماناً لرفاهية الناس، بل إنّ المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي لعقود قادمة مرهونٌ بهذه الاستجابة.
تضمّ المجتمعات المتضررة في مناطق النزاع المسلح أكثر السكّان ضعفاً في العالم في يومنا هذا. إنّ التصدي لهذه الجائحة في تلك المناطق المنكوبة خطوة أساسية لاحتواء تفشي المرض على مستوى العالم، حيث يمكن لمناطق النزاع المسلح أن تصبح بؤراً مستمرة ومداومة تنشر عدوى كورونا لسنوات طوال، ولا يمكن إطفاء الحريق حتى يتم إطفاء آخر شعلة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تقترن استراتيجيات سد الفجوات الإنسانية بمقاربات شاملة لمعالجة التحديات المؤسسية والاقتصادية الملحة. يجب أن تكون نماذج التدخل الإنساني التقليدية خالية من القيود البيروقراطية، وأن يتم تحديثها لتلبية الاحتياجات المتزايدة بشكل كبير على المسرح الدولي. إن الفشل في احتواء تفشي COVID-19 في ظلّ الأوضاع الإنسانية المتردية سوف يستمر بتهديد الأمن الصحي العالمي، وعلينا أن نتذكر أن قوة السلسلة تساوي قوة أضعف حلقاتها.