لعلّ سوريا من أخطر الأماكن بالنسبة لعمل الصحفيين في العالم، وتزداد المخاطر بالنسبة للصحفيات النساء على وجه الخصوص نتيجة التحيّز ضدهنّ. تعمل اليوم في شمال غربي البلاد، في مناطق سيطرة فصائل المعارضة بمحافظة إدلب وريف حلب الغربي، صحفيات عديدات في مواجهة عدد كبير من التحديات، على رأسها خطر المعارك والقصف شبه اليومي، الذي عاد مؤخراً على جنوب إدلب بعد توقفه منذ توقيع اتفاق موسكو بين تركيا وروسيا في شهر آذار (مارس) الماضي.

لكن هذا ليس كلّ شيء، إذ يواجه الصحفيون بشكل عام، والصحفيات تحديداً، أخطاراً أخرى تتعلق بأمنهنّ وسلامتهنّ، التي تهدّدها في كثير من الأحيان سلطات الأمر الواقع في المنطقة، فيما ستعاني بعض الصحفيات من الوصمة الاجتماعية الناتجة عن المواقف والأفكار الرافضة لعمل النساء، وخاصةً في المجال العام كالصحافة. ليس الأمر محبباً في أغلب الأحيان، وليس الخوض فيه قراراً سهلاً عليهنّ، لكن ها هنَّ ينتجنَ من إدلب وريف حلب مواد صحفية يومياً.

لم تكن البداية سهلة على سلوى عبد الرحمن، التي تعمل اليوم مراسلةً لقناة حلب اليوم في إدلب؛ تقول: «لظروف خاصة وعائلية، ولكي أُعيلَ أبنائي، اضطررتُ للبحث عن عمل، فوجدتُ في الإعلام والمجال الصحفي مهنة تؤمن مصدر دخل لي. لم أكن في البداية قارئة جيدة أو عارفة بالعمل الصحافي وتفاصيله، لكنني أحببتُ المهنة وحاولتُ جاهدة الغوص بأعماقها وتفاصيلها».

أما الصحفية سناء العلي، التي تعمل اليوم مراسلةً في محافظة إدلب، فقد بدأت العمل في الصحافة من خلال برنامج حكايات حارتنا على راديو فريش الذي أسّسه الشهيد رائد الفارس في مدينة كفرنبل. تقول سناء للجمهورية: «دخلتُ مجال الإعلام بعدما شاهدته من عنف واستبداد من قبل النظام». تعتبر سناء أنّ عملها في مجال الصحافة يمتلك أهمية كبيرة لمنطقتها وأهلها؛ «نحن كنساء يعملنَ بمجال الإعلام الحرّ، هدفنا يجب أن يكون إيصال رسالة إنسانية خاصة بشعبنا ومأساته».

زميلتهنّ رامية الأخرس اعتبرت بالمثل أنّ بداية عملها كصحفية لم تكن سهلة أيضاً: «لأنني امرأةٌ في مجتمع محافظ، كانت مسألة العمل والخروج والدخول صعبة بعض الشيء». بالرغم من ذلك، اختارت رامية مجال الإعلام الذي وَجدَته مجالاً واسعاً وكبيراً كما تقول: «قررتُ خوض المغامرة في هذه المهنة المتعبة صراحة، أحببتُ الصحافة والإعلام، وخاصة دوره المؤثر في نقل مأساة الحرب والنزوح والقصف. هناك آلاف الأصوات المغيبة في بلادنا، وعلينا إيصال رسالتهم ومعاناتهم إلى العالم».

تختلف التحديات بين منطقة وأخرى، وتختلف معها ظروف عمل الصحفيات. وبطبيعة الحال، فإنّ اختلاف البيئات وتنوعها يجعل التحديات والمشاكل التي تواجه الإعلاميات مختلفة ومتشعبة. كثيرات من الصحفيات اليوم يخفنَ من الاستمرار في مهنة تعتبرها شرائح من المجتمع في الشمال خروجاً عن المألوف، وتحدياً للعادات والتقاليد. تقول رامية الأخرس في حديثها للجمهورية: «كانت طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه من أكبر المصاعب التي واجهتني في البداية. مجتمعنا محافظ ومعقد إلى حد كبير، ونظرته إلى المرأة نظرة سلبية ودونية، ولذلك فنحن النساء نواجه صعوبات وعوائق كبيرة في سبيل تحقيق ذواتنا وطموحنا. كان اختلاف أماكن تصوير المواد التي نعمل عليها أمراً صعباً عليّ، لكوني لا أملك وسيلة نقل مناسبة للوصول إلى مواقع التصوير والعمل الخاص بي». وترى الصحفية رند الشامي أنّ غياب الحماية القانونية للصحفيين والصحفيات أحد أهم التحديات التي يواجِهنَها خلال عملهنّ: «لا توجد قوانين تحمينا، خاصة ونحن نعمل ضمن مناطق غير آمنة، لا تتيح المجال بسهولة لممارسة العمل الصحفي الحرّ».

حملات الكراهية ضد عمل الصحفيات على وسائل التواصل الاجتماعي كانت ما يؤرق سناء العلي: «بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية السيئة، أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت وسيلة للهجوم علينا بين كل حين وآخر، مثلاً عندما نعطي رأياً في أمر ما، نجد التعليقات السيئة والإساءات اللفظية حاضرة. لا شكّ أنّ مواقع التواصل الاجتماعي ساعدتنا على إيصال صوتنا وصوت المهمشين، لكنّها تمتلك في كثير من الأحيان تأثيراً سلبياً علينا».

تُوافِقُ سلوى عبد الرحمن على رأي سناء: «التعلّم من الأخطاء والتجديد والتغيير في الأسلوب أمر مهم لكل إعلامي وإعلامية وخاصة للمبتدئين، وأكثر ما يزعجني في الفترة الأخيرة هو تزايد حالات التنمر على مواقع التواصل الاجتماعي بحق الناشطات الإعلاميات، وهذا أمر مزعج لي ولغيري ولكل من يؤمن بالثورة ومبادئها».

تواجه الصحفيات السوريات أخطاراَ كثيرة خلال عملهنّ، خاصةً أثناء العمليات العسكرية والحملات التي يشنها النظام السوري مدعوماً بحُلفائه وميليشياته، وهذا ما يعرضهنّ لخطر الإصابة أو الموت في بعض الأحيان، ناهيك عن المنغصات التي تسببها سلطة الأمر الواقع متمثلة بهيئة تحرير الشام، تلك المنغصات التي تقوّضُ إلى حد كبير عملهنّ، وتجعل الخوف من الملاحقة سمةً مرافقة لنشاطاتهنّ وأفكارهنّ. كل هذا يحصل وسط غياب قوانين تنظّم وتحمي عمل الصحفيين والصحفيات في الشمال السوري، ما يجعل إمكانية ممارسة عملهنّ بحرية وأمان مسألة صعبة على الغالب، ويترافق هذا مع تجاهل المنظمات الحقوقية لأصواتهنّ المطالبة بتوفير غطاء لنشاطهنّ الإعلامي، والحماية لمهنتهنّ الصحفية في بقعة تعد من أخطر بقاع الأرض على الإطلاق.

التقت الجمهورية إحدى الطالبات في معهد الإعلام، التي طلبت منا عدم الكشف عن اسمها لوجودها في المنطقة الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام. تقول الطالبة إنها لا تستفيد كثيراً من محاضرات المعهد، وإنها تحاول تقوية مهاراتها من خلال الدورات والدروس التي تنظمها بعض المنظمات الأهلية والمدنية. وتضيف بأنّها تخاف البوح بأفكارها أمام أحد كي لا تتعرض للمساءلة والتحقيق، وقد تكون نهايتها السجن. قالت أيضاً إن هيئة تحرير الشام قامت بتصفية أحد أقاربها، وذلك نتيجة مناهضته للهيئة وحكمها الهمجي والمتخلّف حسب تعبيرها، وإنها دائمة الخوف والقلق على مستقبلها.

ليست التحديات الاجتماعية وحدها ما يهدد استمرار عمل الصحفيات في إدلب، لكن أولاً التهديد على الحياة من قبل العديد من الأطراف، وهو ما يمنع كثيرات منهنّ من العمل أو الدخول في مواضيع معينة يمكن أن تتسبب لهنّ بالملاحقة والاعتقال. في الوقت الذي تشق فيه صحفيات سوريات دربهنّ في ظروف بالغة الصعوبة في إدلب، يبدو واضحاً أن عوائق كثيرة تقف في طريقهنّ.