يعتقد سامر أنه أُصيب بفيروس كورونا وشُفي منه الشهر الفائت، ولكن دون أن يتأكد من صحة اعتقاده عبر تشخيصٍ يستند إلى فحص PCR في أحد المراكز المعتمدة من وزارة الصحة في دمشق. اعتقاده هذا نابعٌ من «تطابق» الأعراض التي شعر بها مع ما بات يعرفه الجميع عن أعراض كورونا، وكذلك من احتمال انتقال العدوى إليه «بسهولة» نتيجة ما يُعاينه يومياً من انتشارٍ كبيرٍ للفيروس بين القاطنين في دمشق، ولأنه أيضاً معتادٌ، مثل جلّ الناس، على أعراض الأمراض الموسمية التي قد تتشابه في أعراضها مع كوفيد19، وهي ليست ما أصابه تماماً.
لم يكن الازدحام وقلة مراكز إجراء الاختبارات بين أسباب عدم إجرائه للاختبار، وإنما الكلفة العالية التي لا يقوى موظفٌ حكوميٌّ في مثل وضعه على دفعها، والتي تبلغ ثلاثة أضعاف راتبه الشهري. يرى سامر أن الحكومة، حين قدّرت كلفة الاختبار بالدولار، ربما أرادت أن تقول للسوريين، الذين قد يُجرَّمون إذا تحدّثوا في شؤون الدولار علانيةً، إنهم ليسوا المعنيين إطلاقاً بالتأكد من خلو أجسادهم من فيروس كورونا، وإنما أولئك الذين لا يعتمدون الليرة السورية في تدبير شؤون معيشتهم.
تبلغ تعرفة إجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا في سوريا، كما حددته وزارة الصحة، ما يعادل 100 دولار أميركي وفق سعر صرف النشرة الرسمية لمصرف سوريا المركزي، أي 126 ألف ليرة سورية.
عند نهاية الشهر السابع من العام الحالي كان أحمد مضطراً للعودة إلى الإمارات من إجازته في سوريا، ما يعني ضمناً أنه مضطرٌ للحصول على نتيجةٍ سالبة لاختبار كورونا حتى يتمكن في خطوةٍ أولى من العبور نحو لبنان. لم يكن في دمشق حينها سوى ثلاثة مراكز يمكن إجراء الفحوص فيها: 7 نيسان و8 آذار وأبي ذر الغفاري. كانت العملية تقتضي الذهاب أولاً لقطع وصلٍ في أحد هذه المراكز، ومن ثمّ دفع قيمته في أحد فروع المصرف التجاري، والعودة أخيراً لإجراء المسحة في المركز الذي قطع منه الوصل، والانتظار بضعة أيام إلى حين الحصول على النتيجة. كانت مشاهد الازدحام التي رآها أحمد أمام أحد المراكز كفيلةً بإخافته ودفعه للتريث قبل التوجه إليها، رغم أن وزارة الصحة كانت حينها قد خصصت رقماً رباعياً لحجز مواعيد محددة اسميّة لإجراء الاختبارات منعاً للطوابير والازدحام.
«حاولتُ الاتصال مراراً بالرقم الذي تمّ تخصيصه من قبل الوزارة لحجز موعدٍ مسبق لإجراء المسحة، لكنه دائماً مشغول»، عن صحيفة العربي الجديد.
نصح أحدُ الأصدقاء أحمدَ بدفع المال لأحد مكاتب حجوزات السفر في العاصمة ليتكفّل أحدهم بمرافقته إلى مراكز إجراء الاختبارات، وإنهاء الأمر في دقائق قليلة، علاوةً على تسريع المدة اللازمة للحصول على نتيجة الاختبار، والتي يجب أن تصدر وثيقةٌ مختومةٌ بها بالتزامن تقريباً مع موعد السفر كونها صالحةً لمدة 72 ساعة. أخبره هذا الصديق، الذي يتعامل مع أحمد كسائحٍ أجنبي لا يعرف سوريا كما ينبغي نتيجة إقامته لعقودٍ خارج البلاد، أن بإمكان قليلٍ من المال أن يشتري فيروس كورونا بحد ذاته في عاصمة الياسمين. كَلّفَ هذا الأمر مئة دولارٍ إضافية، ولكنّ أحمد أحسّ بعد دفعها؛ نظراً إلى لطف المعاملة التي قوبل بها بأنه «وزير». يقول أحمد إنّ هذه ثاني زياراته إلى سوريا منذ اندلاع الثورة، وما زال الأمر على حاله المقيم منذ عقود: «يمكنك شراء كل شيء في سوريا الأسد مقابل المال… باستثناء كرسي الرئيس».
آخر تحديث لعدد الإصابات بفيروس كورونا في دمشق طبقاً لأرقام وزارة الصحة
آخر تحديث لعدد الإصابات بفيروس كورونا في دمشق طبقاً لأرقام وزارة الصحة
تَراجَعَ الازدحام أمام مراكز إجراء اختبارات كورونا في دمشق منذ مطلع شهر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، بعد أن سمحت وزارة الصحة للمخابر الخاصة، قبل ذلك بأيام، بإجراء الاختبارات، وبات في دمشق، فضلاً عن المراكز التابعة لوزارة الصحة، عدة مخابر خاصة تعطي نتيجة الاختبار بعد 48 ساعة عبر البريد الإلكتروني بسعر 120 ألف ليرةٍ سورية، وباتت هذه الوثيقة صالحة لمدة 96 ساعة. كما يمكن تثبيت الحجز في هذه المخابر من خلال منصةٍ إلكترونية أطلقتها وزارة الصحة مطلع شهر أيلول الفائت، وصار دفع التعرفة يجري مباشرةً في مركز إجراء الاختبار دون الحاجة للتوجه إلى المصارف.
خلال الأشهر الماضية استُعمِلَت الإصابة بفيروس كورونا عذراً يتغيّب بسببه العاملون في المؤسسات الحكومية مدةً قد تتجاوز الشهر عن وظائفهم، فيكفي أن تخبر مديرك بالتقاطك للفيروس حتى يطلب منك البقاء في منزلك، ومن ثم تتحوّل إلى مثالٍ قريبٍ يتداوله الزملاء لتوضيح مدى تفشي الوباء في المديرية التي تعمل فيها. هذا ما أخبرنا به الموظف الحكومي أبو ياسر، ولكنه أردف بأنّ تعميماتٍ داخلية صدرت في معظم دوائر الدولة منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) بوجوب عودة المتغيّب صحبة نتيجة اختبارٍ رسمية تؤكّد أنه كان مصاباً بالفيروس، وذلك بعد أن اتّسع نطاق استخدام هذه «الحجة» للتغيّب.
من المؤكّد، بحسب أبي ياسر، بأنّ الموظفين الحكوميين ذوي الدخل البائس لن يُجروا اختبار الكشف عن كورونا بمبلغ 120 ألف ليرة، ولذلك صار، حتى المصابون فعلاً، يداومون في أعمالهم. بعضهم يتوجهون إلى مديريهم المسؤولين بعد الوصول إلى العمل لشرح وضعهم الصحي، وحينها قد يقرّر المدير أن يُعفي الموظف من الدوام على كفالته ريثما يصحّ ويتعافى، لكنّ المدير المتفهّم ليس موجوداً في كلّ مكان، لذلك فإنّ قسماً من المصابين يداومون مع الأصحاء وينقلون لهم العدوى، وهذا ما حدث فعلياً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

من خلال اطلاعنا مساء الأمس على المواعيد المتاحة لإجراء مسحة PCR خلال الأيام الثلاثة القادمة، يتضح أنّ إجراء الاختبار صار متاحاً بسهولة لمن يملك المال. ويمكن معرفة عناوين المراكز المعتمدة لإجراء الاختبارات وآليات الحجز والحصول على النتيجة من خلال هذا الرابط التابع لوزارة الصحة في حكومة النظام السوري. ولكن يبقى أن بعض من تحدثنا إليهم قالوا إن النتائج غير دقيقةٍ ومتطابقةٍ دائماً، فبعض المسافرين أجروا الاختبارات في مركزٍ ما فحصلوا على نتيجةٍ إيجابية، وعند تكرار إجراء الاختبار في اليوم التالي في مركزٍ آخر كانت النتيجة سالبة.
نُقِلَ أبو أحمد إلى مشفى الأسد الجامعي بدمشق بعد أن ساءت أموره الصحية في شهر آب (أغسطس) الفائت، ولكنّ الأطباء لم يحددوا لولده أحمد سبب عدم قدرة الوالد على الحركة ومبعث الآلام التي يعانيها في جسده. كان أبو أحمد يستنشق الأوكسجين من أسطوانة حين فارق الحياة، وقال الأطباء بعد ذلك إنه توفي نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، لكنهم لم يمنحوا أسرته نتيجة تحليلٍ تثبت ذلك، ما يعني أنهم لم يجروا له اختباراً للكشف عن الفيروس، وهذا بديهيٌّ لأن المشفى ذاتها ليست مخصصةً لهذا الأمر. وضعَ الكادر الطبي الجثمانَ في كيسٍ أسود، وأحكموا إغلاقه مانعين أي أحدٍ من أفراد أسرته إلقاءَ نظرةٍ عليه، ورافقتهم سيارةُ إسعافٍ إلى مقبرة «نجها» حيث دُفن على الفور.
يقول أحمد إنه لا يستبعد أن يكون والده قد توفي بسبب كورونا، فنحن نسمع عن كثيرين يموتون بالطريقة التي مات بها والدي نتيجة الإصابة بالفيروس، ولكن هل من المعقول أن المشافي، التي كانت ترفض سابقاً استقبال من تشكّ بالتقاطهم للفيروس، لا تجري لأيّ مريضٍ يدخلها في مثل حالة أبي الاختبار! لقد باتت هذه الاختبارات محصورةً بأولئك المُجبرين على إجرائها بهدف السفر لأغراضٍ بيروقراطية، وأمّا المصابون الحقيقيون فمرضهم هو ما كتب الله عليهم.
يمكن للأخوة الأجانب الذين لا يحملون هوية سورية التسجيل في مركز الفيحاء أو مركز الجلاء أو مركز زهير حبي لإجراء اختبار الكشف عن كورونا، وعلى الأخوة الراغبين بالسفر إلى الصين إجراء فحص IgM بالإضافة إلى فحص PCR. كذلك، على جميع المواطنين، عند ذهابهم لإجراء المسحة في الموعد المحدد، إحضار جواز السفر وتذكرة الطيران، وإبراز الرسالة التي وصلت إليهم عند تحديد الموعد. موقع وزارة الصحة