ماذا تفعل في حال أحضر أحد أصدقائك الإيغو الخاص به إلى سهرة الليلة، التي وعدت نفسك بها بعد أسبوع شاق، مع العلم أنك وجهت الدعوة له فقط، ولم تُبدِ لا في هذه المرة ولا من قبل أي ترحيب بالإيغو الخاص به. هل من نصائح إسعافية؟ وغير تأنيبية بحيث لا يتم إلقاء اللوم عليَّ بالدرجة الأولى لأني أصادق أشخاصاً كهؤلاء؛ أشخاصاً شديدي التعلق بالإيغو الخاص بهم، ويصطحبونه إلى كل حفلة وفعالية واجتماع عمل، أو حتى جلسة في الحديقة. في أحيان كثيرة نعتب، وينكسر خاطرنا من الأصدقاء الذين يمنعهم الإيغو من اللقاء أو الاتصال أو تلبية الدعوة إلى مناسبات لا تليق بمقامهم، إلا أني شخصياً أجد ذلك أفضل بمرات عديدة من الأشخاص الذين لا يفارقون الإيغو الخاص بهم، لا بل يصرون على إخراجه معهم حتى عندما يكون متورماً أو جريجاً أو مصاباً بالحمى؟
15 مارس 2019
وجدتُ المقطع السابق أعلاه مكتوباً في مسودات قديمة. ومنذ كتابته حتى هذه اللحظة، استطعتُ إلى حدٍ ما تطوير بعض الملاحظات الشخصية، وبعض التقنيات غير العلمية، لكنها قد تكون مفيدة لتحسين علاقتنا مع ما يسمى الإيغو. جميعنا لدينا إيغو خاص بنا، نهتم بتغذيته، بتعليمه، بجماله الخارجي والداخلي، ونحرص على تقديمه بأفضل صورة أمام المجتمع لأنه جزء لا ينفصل عنّا. لكن أحياناً تمر على الإيغو الخاص بنّا أيام عصيبة، يعاني فيها من الرفض أو قلة الاهتمام، أو سوء في التغذية أو الامتصاص، أو خطأ في تقدير المعلومات، أو فشل مهني … إلخ. هذا يؤثر بشكل عنيف عليه، ويضطر حينها للدفاع عن نفسه والدفاع عنّا في الوقت ذاته، وغالباً ما تكون الطريقة غير مجدية ومؤذية في بعض الأحيان، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات العاطفية والمهنية والاجتماعية.
في سياق التوصيفات العلمية الدقيقة، زودنا علم النفس بالعديد من التعريفات للتمييز بين الشخص النرجسي والشخص المتمركز حول ذاته، أو المعجب بنفسه، وصاحب الأنا المتضخمة، والدرجات المختلفة بين كل تشخيص. لكن في لغة الحياة اليومية، يُنعَت صاحب الإيغو إلى جانب التوصيفات السابقة، بصفات سلبية مثل أناني (Egotistic) ، استعلائي، استغلالي، مغرور، أو متكبّر. أستطيع أن أفهم هذه العشوائية والتخبط في وصف هؤلاء الأفراد، وذلك لأن الإيغو المتورم الخاص بأحد الأصدقاء أو الصديقات يعمي بصيرتنا ويثير الحنق والتوتر داخلنا، لأننا نجد أنفسنا مضطرين لمداواة إيغو أحد آخر في حين أنّ «اللي فينا مكيفنا»، فنحن أيضاً لدينا مشاكلنا الخاصة مع الإيغو الخاص بنا، نحاول استيعابها ومداواتها. لكن ربط الإيغو بمجموعة صفات سلبية، ولو أن جزءاً منها قد يكون صحيحاً في أحيان كثيرة، يُعطل فهمنا لسلوك صديقنا صاحب الإيغو، ويلغي عنه صفات أخرى نحبها في صديقنا، مثل حس الفكاهة لديه، أو وقوفه إلى جانبنا في مواقف صعبة، أو إعداده الطعام الشهي لنا في أيام الأسبوع، وغيرها من الصفات التي نقدرها في شخصه فعلاً، وهي ذاتها الصفات التي تُعقِّدُ آلية التواصل معه.
كيف تتعرف على إيغو صديقك/تك؟
يُفصِحُ الإيغو عن نفسه في محادثات من نوع أنا… أنا… أنا…، أو استخدام كثيف لضمائر مثل لي ومني وعني، وأفضل مثال عن هذا النوع هو محادثة بين الأب وابنه أو ابنته. لكن هذا النوع الصريح صار يجد طرقاً أخرى ومفردات من نوع آخر لتخبئة نفسه أحياناً وراء ضمائر الجماعة، وأفضل مثال على هذا النوع هو إيغو المدير، فإذا استخدم المدير في العمل ضمائر وعبارات مثل «نحن» و«أنا وأنتم» و«الشركة ترغب»، ترى هل نصدقه؟!
أما الإيغو المتحذلق، وهذا النوع نصادفه بكثرة في أوساط الفنانين والمثقفين، فهو الإيغو الذي يعرف أن صوته غير مُرحَّب به، وأن رأس المال الرمزي الذي يتمتع به لا يشرّع أغلب ممارسات الإيغو الخاص به، لذلك طورّ الإيغو المتحذلق طرقاً قد تبدو في البداية أنها مقبولة، مثل السخرية من نفسه، أو إعادة تدوير نكات الآخرين عليه، من أجل إقناع المجموعة بخفة روحه وتواضعها. كما أنه يصر على مشاركة عبارات مؤثرة على صفحات التواصل الاجتماعي، تُشجع على التخلي عن الإيغو والتواضع الروحي والسلام الداخلي. لكن هذه الحلول مع الوقت «تضرب على العصب»، وتفقد فعاليتها إذا لم تقترن بإجراءات جدية تجاه بعض السلوكيات:
قد يفاجئك الإيغو الخاص بأحد أصدقائك برسالة خاصة مرفقة بلينك لمنشور كتبه على وسائل التواصل الاجتماعي، مع طلب مباشر بتسجيل «إعجاب» بحجة التشجيع والدعم تحت اسم الصداقة.
يعتمد الإيغو كثيراً على الثناء التكتيكي، كأن يثني على اختيارات الأصدقاء الموسيقية، اختياراتهم في أنواع القهوة أوالنبيذ لأنها ترضي تماماً ذوقه الخاص، والأسوأ عندما يعتقد أن نوعاً ما من الموسيقى أو القهوة أوالنبيذ صار محبباً بعد أن روّج له.
عند مشاهدة المباراة يمكن أن يراهن على أنّ فريقاً ما سيربح، وهذا أمر طبيعي، لكنه يعتقد بأن الفريق سيربح لأنه هو بجلالة قدره يشجعه.
لا يُفضِّلُ الإيغو الخاص بصديقنا أن نسمع رواياته أو قصصه من أطراف أخرى تخالفه بالرأي، وإلا سيتهمنا بشكل غير مباشر بخيانة الصداقة. وفي السياق ذاته، يجب أن يصدق مجموعة الأصدقاء والمقربين وأفراد العائلة أن سبب الانفصال هو الشريك الآخر، وأن حدث الانفصال جاء بناء على طلبه هو، أما الشريك الآخر فهو حتى اللحظة متمسك عاطفياً به.

يحاول الإيغو الجريح دائماً مقارنة جرحه الخاص بجروح زملائه، تماماً كما نفعل نحن البشر من مبدأ «اللي شاف مصيبة غيرو تهون عليه مصيبته»، لكن الإيغو يصل إلى خلاصات مختلفة؛ جرحه دائماً أكبر وغضبه دائماً أعنف، وبحسب التوصيف الدقيق لصديقنا ياسين، غالباً ما يكون واقعاً في غرام اكتئابه فيُذكرنا دائماً به.
إذا ترافق الإيغو المتحذلق مع شخصية تشق طريقها نحو العالمية لكنها لاتزال تخوض مفاوضات حول الاعتراف بها، ففي هذه الفترات العصيبة يمكن أن يقوم بتحويل أي خلاف أو مشاعر غضب أو غيرة أو حسد إلى قضية رأي عام، ويحشد حولها ذخيرة من الإعجابات والتعليقات التي تحمل رسائل مبطنة. مثلاً، إذا لاحظ الإيغو الخاص بأحدهم أن أحداً ما تم توظيفه في مكان كان يسعى له شخصياً، فإنه يمكن أن يتهم المؤسسات بالفساد، ويكتب بوستاً طويلاً عن غياب العدالة، وعن مطحنة النظام العالمي الجديد. لكن لو تم توظيفه، سيزداد تحذلقاً ويكتب البوستات ذاتها حتى لا يتم اعتباره شخصاً صاحب امتياز، أو راضياً لا قدر الله عن مكتسبات هذا الامتياز.
لكلّ إيغو مزاج متفرد يدفعه لاختيار ساحات معارك مختلفة. مثلاً، يمكن أن يحارب الإيغو في العلاقات العاطفية، العلاقات المهنية، العلاقات العائلية، العلاقات الدبلوماسية، على منصات التواصل الاجتماعي. إلّا إيغو الفنان المثقف، فهو يحارب على جميع الجبهات ويعمل على تدوير الصراعات واستثمارها في أكثر من حقل؛ الخلاف العاطفي يصبح خلافاً سياسياً، الخلاف المهني يصبح خلافاً عاطفياً، والخلاف الشخصي يصبح خلافاً ثقافياً هوياتياً وطبقياً.
كيف تحاور إيغو صديقك/صديقتك في السهرات؟
1- ما رأيك أن نتفق أولاً على ألّا نستفزّه وألّا نوقِظه؟ هذه أولى المحرمات التي في حال تجاوزتها فاعلم أنك مذنب بحق نفسك بالدرجة الأولى. لا توجه الثناء لأصحاب الإيغو. لا تقول «واوو برافو شغل رائع» أو «جميل أنك تهتم بموضوع…»، لأن أصحاب الإيغو يعتقدون أنفسهم أساساً أفضل منك، وكونكم أصدقاء أو خريجو جامعة واحدة أو مجال دراسي واحد، فذلك لا يردم الفجوة بينكما، وعندما تقول لأصحاب الإيغو ثناءً من قبيل أحسنت أو برافو، فأنت تظن نفسك في المرتبة نفسها، وهذا السلوك يثير حنق الأصدقاء أصحاب الإيغو.
2- لا تتسبّب في إغاظة الإيغو الخاص بصديقك عبر أسئلة تشكيكية أو جدلية من أجل معرفة حقيقة معلومة ما، لأنه مع أي سؤال تشكيكي سيجد الإيغو نفسه مستغرباً من أنك لا تشاركه قناعاته أو ما يعتقده صحيحاً بشكل مطلق. مثلاً، إذا اشتكى من زميله في العمل بسبب سلوك يعتقد أنه يقلل من احترامه، لا تسأل عن تفاصيل السلوك ولا تحاول أن توضح لماذا لا تراه سلوكاً غير مهذب، لأنه سيضطر حينها إلى أن يضع معايير أخلاقية استباقية لا يمكنك أن تختلف معها نظرياً.
3- في سهرة ما وتحت تأثير الكحول والدخان والموسيقى، قد يذكر صديقك الذي أتى برفقة الإيغو الخاص به معلومة خاطئة، أو معلومة صحيحة لكنك أنت ظننتها خاطئة. لا تُصحِّح. تصحيح الخطأ له مجموعة تبعات خطيرة على الصحة النفسية أسوأ من انتشار معلومة خاطئة، لأنه لو جاء التصحيح منك وكان كلامك في محله، فإن هذا سيستفزّ إيغو صديقك، ولو كان تصحيح المعلومة من جهتك خاطئاً، ستكون جرأتك على التصحيح مادة دسمة للسخرية منك طوال السهرة، وربما في جلسات أخرى.
4- اطلب معونة واحد من الأصدقاء الجالسين إلى جانبك، ضع يدك بشكل عفوي على ركبة صديقك الجالس قربكَ حتى تثير انتباهه للحديث، وحاول إشراكه إذا شعرت بأن إيغو أحد الأصدقاء قد استفرد بك. حاول ألّا تشرك أكثر من صديقين، لأنه في حال إشراك جميع الأصدقاء في السهرة بحديث شخصي عن صاحب الإيغو، سيُحلق الأخير عالياً في الغرفة مثل بالون الهيليوم.
5- ليست مصادفة أن أغلب النماذج التي نعرفها من أشخاص يصطحبون الإيغو معهم أينما ذهبوا، هم من الرجال: أب أو مدرس أو حبيب سابق أو زوج أو أخ، وذلك لأسباب نعرفها جيداً، وأخرى لا نعرفها. لذلك، في حال كان المستمع للإيغو يتمتع بوعي نسوي، من الممكن أن تستفزّه قصص الإيغو زير النساء عن الحبيبات السابقات أو المعجبات، أو عن حبيبته التي طردها من البيت في الساعة الثالثة فجراً. في هذه النقطة ليس لدي ما أنصح به، لا أزال أبحث عن طريقة تُخرِس الإيغو المتحدث دون أن أشعر بالحرج من كوني واحدة من قاتلات البهجة من السهرات.
6- في حال استفرد بك الإيغو الخاص بأحد الأصدقاء، يمكنك تشتيت انتباهه. كأن تقول مثلاً: ما هذا الذي على قميصك؟ أو لحظة… كأني سمعت صوتاً غريباً؟ أو تلوح بيدك لشخص من بعيد بشكل اعتباطي. في حال لم يعد بإمكانك تحمل المأزق العصيب، يمكن طلب التوجه الفجائي إلى التواليت، هذه الخطة تنجح دائماً، وبعد خروجك من الحمام حاول الانخراط سريعاً في أحاديث جانبية مع مجموعات أخرى.
7- الإيغو الخاص بأحد الأصدقاء ممتاز جداً بالمقارنات التي تتجاوز جميع جمل المقارنة المنطقية، وبمساعدة تقنية الثناء التكتيكي، من الممكن مثلاً أن يقارن نفسه معك شريطة أن يكون هو المتفوق في هذه المقارنة، والمتمسّك بمبادئه وقراراته التي تثبت صحتها على المدى البعيد. على سبيل المثال: «أه برافو… جميل جداً أن تكتب للصحافة، أنا أكتب أحياناً للصحافة، لكن أنت تعرف الصحافة مو شغلتي، أفضل أن أركز على الأبحاث وعلى العمل الإبداعي لأني فنان». في هذه اللحظة بالذات، وإذا كنت تعمل في مجال الصحافة، لا ترد ولا تناقش لأن صاحب الإيغو سيتهمك بالحساسية المفرطة، وبأنك مصاب بعقدة نقص لأنك لست فناناً مثله، أو لا تمارس الفن مثله.
8- حاول قدر الإمكان أن تتفادى دعوة أصحاب الإيغو، أو حاول التخفيف من مرات اللقاء. وإذا كنت أنت نفسك مدعواً، لا تتردد أن تسأل صاحب الدعوة قبل أن تقبل بها «بالمونة»: «مين اللي جاي؟».إذا كنت من تعيسي الحظ، أو تعمل في مجال يجبرك على لقاء أصحاب الإيغو، حاول أن تعتذر عن تلك الجلسات التي ليست ضرورية، لأن أمراض الإيغو مُعدية أحياناً، ولا بأس في حال تم تقييمك على أنك شخص غير اجتماعي، فهي تظل أفضل من تقييم «معجب بحالو زيادة».
9- جميع التقنيات السابقة يمكن استخدامها مع الأصدقاء أو الصديقات الذين نحبهم لكن في الوقت ذاته نعجز عن مصارحتهم، أو لا نستطيع أن نستثمر وقتاً طويلاً في نقاشهم بخصوص سلوكيات الإيغو الخاص بهم. لذلك نلجأ في مرات كثيرة إلى النميمة حتى نفرغ غضبنا. لكن النميمة ليست حلاً مستداماً، وللأسف نحن أمام حلين؛ إمّا استبعاد الصديق الذي نحب من السهرة أو مصارحته. يمكن ببساطة إرفاق الدعوة بملاحظة «لا تجيب الإيغو تبعك معك » أو «جنة الإيغو منازلهم »، أو أي طريقة مبتكرة، غير جارحة، تخلق نوعاً من التساؤل في ذهن صديقنا.
10- استَمِع لصوتك الداخلي أثناء قراءة السلوكيات أو التقنيات. جميعنا لدينا إيغو خاص بنا، ينتظرنا، وينتظر منّا الدعم والإحاطة بكافة احتياجاته. يذهب معنا إلى بعض السهرات، يناضل من أجل مداواة جروحه النرجسية، وتحصيل اعتراف من هنا أو هناك.