لماذا لا يحب الفرنسيون الحجاب: الإسلام، الدولة، والمساحة العامة (Why the French Don’t Like Headscarves: Islam, the State, and Public Space)، هو عنوان كتاب من تأليف جون ر. بوين (John R. Bowen). يعمل بوين أستاذاً في الآداب والعلوم، وهو باحث في الأنثروبولوجيا ومدير مبادرة التعددية والسياسة والدين بجامعة واشنطن. وقد صدر الكتاب في العام 2007 عن دار نشر جامعة برنستون.
بوصفه باحثاً في الأنثروبولوجيا، يدرس جون ر. بوين طريقة التفكير السياسي، الذي يسمح برؤية الروابط بين الفلسفة السياسية والسياسة العامة وكيفية تباحث الناس في الشأن العام. مؤخراً، سعت الحكومة الفرنسية لحلّ عددٍ من المنظمات والمؤسسات الإسلامية في فرنسا، وذلك كردّ فعلٍ على الأحداث الإرهابية التي أدت إلى مقتل أستاذ التاريخ صامويل باتي على يد الإرهابي عبد الله أنزوروف، وحادثة الهجوم الإرهابي على كنيسة نوتردام في نيس. وفي هذا الجو المشحون، اتخذت الحكومة الفرنسية عدداَ من الإجراءات، من ضمنها حلّ جمعية مكافحة الإسلاموفوبيا. لذلك يأتي الاهتمام بمراجعة كتاب «لماذا لا يحب الفرنسيون الحجاب»، من كونه يقرأ علاقة الحكومة ومؤسساتها بالمؤسسات الدينية في فرنسا، وطريقة تنظيم هذه المؤسسات فيها. يبدأ الكاتب جون بوين بحثه منطلقاً من قضية القانون الذي يمنع ارتداء الرموز الدينية في المدارس، ومن ضمنها الحجاب، والذي تم إقراره في عام 2004، ليتابع التوغل في تاريخ الفكر السياسي والقانوني الفرنسي في تعاطيه مع الإسلام في فرنسا على ضوء قيم الجمهورية. وفي مقدمة الكتاب، وبعد أن يشير إلى القانون الذي يحظر الرموز الدينية، يقول بهذا الصدد «على الرغم من صياغته بطريقة دينية محايدة، فهمَ الجميع أن القانون يهدف إلى منع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدرسة». من هنا، يركز بوين بحثه لمعرفة كيف شَكَّلَ حجاب الفتيات الصغيرات في فرنسا فضيحةً اشتملت في رمزيتها على قضايا مثل العنف ضد المرأة، ومشاكل الضواحي الفقيرة ذات الأغلبية المهاجرة، والأسئلة المرتبطة بالإسلام المتطرف.
في سياق الإجابة على هذا السؤال، يبين بوين أنه من الصعب البحث في حاضر فرنسا بعيداً عن تاريخها، حيث يرى أن «للفرنسيين نزعة لمراجعة التاريخ لدى العمل على حل أيّ حدثٍ راهن». لذلك، يتعذّر أحياناً تحليل الحدث الحالي دون الولوج إلى سرد تاريخي تتعقّد معه رؤية الحاضر بتجرّد. يراجع بوين الكثير من الأعمال الفلسفية وتلك المتصلة بعلوم الاجتماع، والتي تعتبر مفاتيح رئيسية لفهم الطريقة الفرنسية في قراءة الدين والمجتمع، حيث يرى بوين أن «معظم السياسيين والمفكرين والكتّاب الفرنسيين يقعون في فخ فكرٍ أحادي كنتيجة قراءتهم لأعمال بعضهم، فآليات النشر والتوزيع تساهم في تعزيز هذه الطريقة التي يسعى البعض من خلالها للحصول على فرصةٍ ضمنها».

يشير بوين إلى أنّ المواطَنة في الجمهورية تقوم على التزامٍ بقيم معينة أساسية، وهذا ما يتفق مع معظم ممارسات الدول، «لكن الاختلاف يأتي في إصرار الفرنسيين على تشريع القوانين بناءً على هذه الفكرة». لتحقيق ذلك، يجب الالتزام بفلسفةٍ عامة تُعلي المصلحة العامة على المصلحة الفردية. تأتي هذه الفلسفة كجزء من فكر جان جاك روسو، وهو ما يتطلب من الحكومة وضع مؤسساتٍ وسياساتٍ مُصمَّمة لإدماج الناشئين أو القادمين الجدد إلى فرنسا. لذا يتطلب من المهاجرين تبني القيم والسلوكيات التي ترمز إلى كونهم أصبحوا فرنسيين. بهذا يتم تصميم مؤسسات الاندماج لتضمن الامتثال لتعاليم الجمهورية.
العلمانية
في مقابلةٍ له مع بلاندين كريجل، مستشارة جاك شيراك والممثلة عن المحافظين والمختصة في الفلسفة السياسية، تبين كريجل رأيها حول الـ (Laïcité) اللائكية أو العلمانية الفرنسية، والتي بحسب بوين يصعب ترجمتها للإنكليزية رغم أن أقرب ترجمةٍ لها هي Secularism. وبحسب بلاندين: «نحن نتمسك بشدة بمبادئ الـلائكية. علينا أن نضع أنفسنا في الفضاء العام، من خلال تجريدنا من خصائصنا الفردية؛ من جذورنا. هذه هي الفكرة من العقد الاجتماعي (…) ننتقل من التعددية للوحدة من خلال القبول (consent)». وبالرغم من أنه في الواقع، تبعاً لمنتقدي جان جاك روسو، يصعب اجتماع الأفراد لتحقيق هذا العقد بتجرّدٍ من تاريخهم وماضيهم، فإن كريجل تؤكد على وجوب الالتزام بهذه الشرطية لتحقيق العقد الاجتماعي. يجدر بنا التأكيد هنا على أنّ العلاقة بين الحكومة والصالح العام هي علاقة قديمة متأصلة في الحكم الفرنسي، والتي من خلالها أُرغِمَ الملك على التخلي عن ممتلكاته لتصبح ملكيةً عامة وجزءاً من المنفعة العامة، والتي يقصد بها منفعة المجتمع وليس منفعة الإله.
الحكومة هي الراعي لتنظيم الدين
إنْ كانت الحكومة هي المُحدَّد للصالح العام، فهل هي من تراقب وتضبط الأديان؟ يتوجه بوين بهذا السؤال إلى فياني سيفيستر، مدير مكتب تنظيم الأديان في وزارة الداخلية (Chef du Bureau Central des Cultues). بحسب سيفيستر، فإن كلمة دين غير متداولة في الحكومة الفرنسية، ويتم استبدالها بكلمة Culte كما يبدو من عنوان المكتب الذي تصحّ ترجمته كمكتب تنظيم العبادات أو الجماعات الدينية وليس الأديان. ويقول سيفيستر: «إن الطائفة تتضمن ثلاثة عناصر، وهي: الاحتفال بالعبادة أو الطائفة، كما في القداس، ومباني الطائفة، وتدريس تعاليمها». هذا فقط ما تقتصر عليه الممارسات المرتبطة بالطوائف. فبحسب التاريخ، وبعد حروب بين البروتستانت والكاثوليك، والكاثوليك والعلمانية، قمنا بتنظيم العلمانية (Laïcité) لتجنّب الحروب. إذن يمنع على الدولة أن تروّج لدينٍ على حساب الآخر بحسب قانون 1905، الذي تبين المادة الثانية منه أن الحكومة لن تعترف بأي دين؛ أي لن تفضّل ديناً على آخر. ولكن بحسب بوين فإن الحكومة «تعترف بالأديان»، فاعتراف الحكومة بالمؤسسات الدينية يتم تنظيمه بحسب قانون 1905، حيث تتم دراسة الطلبات التي تسعى لتأسيس منظمةٍ دينية، والتي يجب ألا تتعارض مع النظام العام». اعترافُ الحكومة بالمؤسسة الدينية يترتب عليه إعفاؤها من دفع الضرائب، ولكنه يمنع هذه المؤسسات من الترويج لدينها أو بيع كتبها والاستفادة من ريعها. في المقابل، يُسمح للمجموعة الدينية نفسها تأسيس مؤسسةٍ ثقافيةٍ تُمارِس من خلالها هذه الأنشطة، وهذا ما تفعله أغلب المؤسسات الدينية.
تنظيم الإسلام
أضاف الإسلام مزيداً من التعقيد إلى النموذج الفرنسي بسبب تاريخ فرنسا الاستعماري وتشابكاته. بالتالي يعمل المثقفون والسياسيون والقانونيون في فرنسا ضمن تعقيداتٍ شائكة، فقد جرى تدريبهم ليجعلوا الإسلام فرنسياً بالتعاون مع حلفاء فرنسا الأجانب، والتأكيد على إبقاء الدين خارج فضاء شؤون الدولة بالتزامن مع الاعتراف بشركائهم المسلمين. في هذا الإطار، يتابع بوين قراءة علاقة العلمانية مع الإسلام، موضحاً أن الدولة تقوم بتمويل الجوامع وفتح أقسام إسلامية في المقابر وتأسيس مجلسٍ إسلامي فرنسي، بالتالي تعكس هذه الأمثلة صعوبة فصل الدين عن الدولة.
الإسلام في الفضاء العام
في مواجهة تاريخها الاستعماري، وخاصةً في شمال إفريقيا، عملت فرنسا على تنظيم علاقتها مع الإسلام ومع القادمين الجدد. فحكومة المغرب، البلد الذي كان محميةً سابقة لفرنسا من 1912 حتى 1956، استمدت شرعية حكمها ودعم فرنسا لها من خلال نسب الملك الممتد إلى آل الرسول محمد. بينما أظهرت تونس، كمحميةٍ سابقة لفرنسا من 1881 وحتى تاريخ 1956، عداءً للإسلام السياسي، والذي أدى إلى إبعاد الكثير من المفكرين التونسيين وطلبهم للعيش في الخارج، وقد وجدوا ملجاً لهم في المدارس والمؤسسات الإسلامية في فرنسا، وباتوا يسيطرون على عالم التعليم الإسلامي هناك.
بالمقابل، فإن تاريخ الجزائر مع فرنسا يسير بشكلٍ مختلف، ففي العام 1830 تم إعلان الجزائر مستعمرةً فرنسيةً كانت وطناً لجيلٍ من أصول فرنسية. وجرى اعتبار الجزائريين كسكان أصليين يتم تنظيم شؤونهم بحسب القانون الإسلامي، إلا إذا قاموا بالتقدم بطلب الجنسية، وعندها يتم تغيير وضعهم القانوني. بينما كان يتم اعتبار اليهود الجزائريين كمواطنين فرنسيين بشكلٍ تلقائي. حتى تاريخ 1961، كان يتم حكم الجزائر عن طريق وزارة الداخلية، وحتى ذلك التاريخ الذي اعتُبر فيه الجزائريون مواطنين كاملي الأهلية، كان يتم التمييز ضدهم في قضايا الاقتراع مقابل اليهود والمسيحيين، وكثيراً ما كان يتمّ منعهم من حرية التجول من قبل الشرطة الفرنسية. في هذا الصدد، يقول يزيد صابغ، وهو مفوّض التنوع في حكومة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي: «أنشأت فرنسا في الجزائر منظمةً اجتماعيةً متعددة الأعراق، تقوم على الطائفية والتمييز، متجاهلةً مبادئها الجمهورية».
المسجد الكبير في باريس
منذ 1895 بدأت فكرة إنشاء مسجدٍ على الأراضي الفرنسية بالظهور، لكن لم يبدأ العمل عليها بشكلٍ جدي إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما سعت الحكومة الفرنسية لاسترضاء القوميين العرب، وهدفت لتعزيز حضورها على أراضي مكة من خلال تشجيع الحجاج الفرنسيين على الحج. ومع وجود أقلية من أصول إسلامية ذات تعدادٍ كبير، أرادت فرنسا أن تروّج لذاتها «كقوة إسلامية عظيمة» هادفة إلى تشجيع الإسلام المعتدل وراء البحار وفي الداخل الفرنسي. لذا، للتحايل على قانون 1905، الذي يمنع الحكومة من تمويل المؤسسات الدينية، عملت الحكومة على أن يتضمن الجامع مركزاً ثقافياً ومطعماً. وبحسب قانون 1901، الذي يسمح للحكومة بتمويل مراكز ثقافية غير دينية، منحت فرنسا الأرض لبناء الجامع، وهي أرضٌ في الدائرة الخامسة، التي تعتبر من الأحياء الراقية وذات الطابع السياحي، ومنحت هذه المؤسسة حقَّ الإعفاء من الضرائب. أصبح الجامع فيما بعد عبارةً عن مؤسسةٍ فرنسيةٍ خاصة ذات حضورٍ عالمي، تمّ بناؤها بهدف الترويج لإسلامٍ مُسالم. قدمت الحكومة هذا الجامع كعرفانٍ منها للجنود المسلمين الذين سقطوا دفاعاّ عن فرنسا، ولكنه تَحوَّلَ في النهاية إلى صرحٍ يستمتع به الفرنسيون بكأس شايٍ مغربي، ويصلي فيه المسلمون الذين ينتمون إلى طبقاتٍ ذات دخلٍ جيد.
يتابع بوين تسليط الضوء على طريقة تدخّل فرنسا في مسألة المؤسسات الدينية من خلال سعيها لتعيين قيّمين ومعلمي دين من جنسياتٍ معينة واستثناء أخرى. فضمن التنافس بين المغربيين والتونسيين والجزائريين، تسعى الحكومة الفرنسية إلى إقصاء الجزائريين وتعيين مسؤولين من الجنسية المغربية، لأنها تعتبرهم أكثر اعتدالاً. لكن في نهاية الأمر، سيطر الحضور الجزائري على الجامع الكبير وعجزت فرنسا عن إقصائهم من المشهد.
الحجاب والمدارس
مما سبق، تبيّنَ أن الحكومة الفرنسية عملت على الاعتراف بالإسلام ومؤسساته في فرنسا، لكن لماذا بات الحجاب في المدارس يشكل مشكلةً لفرنسا؟
أثارت فتوى الخميني التي أهدرت دم الكاتب سلمان رشدي في عام 1989 استهجان الفرنسيين وقلقهم إزاء استخدام الإسلام كمبررٍ للقتل. وفي الفترة ذاتها في الشهر التاسع، تسبّب ظهور ثلاث فتياتٍ يرتدين الحجاب متوجهاتٍ إلى المدرسة بإثارة البلبلة، حيث ارتبط ذلك مع الحضور المكثّف لصور النساء الإيرانيات المحجبات على غلاف المجلات التي تنتقد الإسلام السياسي. هكذا، اقترنت التهديدات الداخلية والخارجية لتجعل من ارتداء الحجاب شأنا وطنياً. من المهم أيضاً قراءة السياق الاقتصادي الذي كانت تعيشه فرنسا في تلك الفترة من أجل فهمٍ أعمق للظاهرة. في السنوات بين 1982 و1983 كانت معدلات البطالة في ارتفاع، وكانت شعبية اليسار في تراجعٍ لصالح الأحزاب اليمينية. ومع استمرار ارتفاع البطالة عاد اليسار إلى الظهور مع شعورٍ عارمٍ بالرغبة في لوم المهاجرين على المشاكل الاقتصادية. كما أنه في تلك الفترة كان أبناء العمال المهاجرين، الذين كان يتم التعامل معهم كوافدين مؤقتين سيُصار إلى عودتهم إلى بلادهم قريباً، يطالبون بحقهم بالاعتراف بهم وبهويتهم. يأتي هذا بعد تهميش آبائهم لسنواتٍ عديدة، جرى فيها فصلهم داخل أحياءٍ ساهمت في عدم اندماجهم مع بلادهم. ورغم رغبة الفتيات بالتعبير عن هويتهن التي اعتبرنَها هويةً إسلاميةً فرنسية، أرادت الحكومة ضبط هذه الهوية والسيطرة عليها، خاصةً على ضوء الخطاب السلبي والعدواني للإعلام الفرنسي حول هذه القضية. ضمن تلك الظروف، بدأ التعامل مع حجاب الفتيات في المدارس كأزمةٍ قرر الفرنسيون اعتبارها كمسببٍ لمشكلاتٍ أكبر ترتبط بالبطالة والفقر، وبالمجتمعات المعزولة لمهاجرين عجزت الحكومةُ عن إدماجهم في المجتمع. حتى أن حالات العنف ضد النساء تم نسبها لارتداء الحجاب بشكلٍ أو بآخر.

فيما بعد، وعلى خلفية هجمات 11 سبتمبر 2001، تسبّبت المناقشات حول قانون حظر الحجاب في المدارس والأماكن العامة في معضلاتٍ خطيرة في فرنسا أواخر عام 2003 وعام 2004. لذا تم إنشاء لجنة ستاسي (التي سميت على اسم أمين المظالم الفرنسي برنار ستاسي)، التي أطلقها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك لمعالجة هذه القضية في عام 2003، والتي تضمُّ باحثين من بينهم باحثون في الإسلام وقادة جمعيات إسلامية ومدراء مدارس وقادةٌ سياسيون وعلماء اجتماع. يذكر بوين أن آراء علماء الاجتماع الذين بحثوا في أسباب ارتداء الحجاب، وتجارب الشابات اللائي طُردن من المدرسة بسبب القيام بذلك، لم تؤخذ في الاعتبار. إن استبعاد هذه المواقف الأكثر انتقاداً أدى إلى تقويض البحث وأعاد إنتاج وجهة النظر السائدة، والتي أشارت إلى أنّ الحجاب والمسلمين هم المشكلة، وذلك بدلاً من العمل على تسليط الضوء على الصور التنميطية التي تضعهم في قوالب جاهزة تأتي كنتيجةٍ لتصورات الآخرين عنهم. وكذلك تم تسليط الضوء على خطاب كثيرٍ من النسويات اللواتي اعتبرنَ أن الحجاب رمزٌ لقمع المرأة واضطهادها مثل فضيلة عمارة Fadela Amara، التي تكلمت باسم النساء المهاجرات من الأحياء الفقيرة بالرغم من كونها لا تنتمي إلى هذه الأحياء. بينما تم تجاهل خطاب نسوياتٍ مثل كريستين دلفي، من اللواتي أوضحنَ أهمية إعلان كثيرٍ من الفتيات عن أن قرارهنّ جاء بناءً على رغبتهنّ وليس بالإكراه. وبالرغم من أن العلمانية تؤكد على أن الدين كخيار وليس كموروث، هو حقٌّ أساسي؛ لكونه نتج عن اختيارٍ واعٍ، وبالتالي لن يتم استخدامه للتأثير على الصالح العام، فإن حق هؤلاء الفتيات كان يتم تجاهله في ظل خطابٍ يسعى إلى منع وقوع ظلمٍ على أخريات تمّ إجبارهنّ على وضع الحجاب.
ختاماً، يستشهد بوين برأي عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو: «في الإسقاط على هذا الحدث الصغير… الحجاب، مبادئ الحرية العظيمة، العلمانية، تحرير المرأة، وما إلى ذلك، قَدَّمَ المدّعون الأبديون لَِلقب المفكرين الكبار، كما في الاختبار الإسقاطي، مواقفهم غير المعلنة حول مشكلة الهجرة، بحيث يخفي السؤالُ الصريح: هل يجب أن تقبل الحجاب في المدرسة؟ السؤالَ الضمني: هل ينبغي قبول المهاجرين من أصول شمال إفريقية في فرنسا؟». بناءً على ما سبق، يُقدّم كتاب «لماذا يكره الفرنسيون الحجاب» قراءةً موضوعيةً لعلاقةٍ معقدةٍ بين فرنسا ومجتمعات المهاجرين من أصول مسلمة. وعلى ضوء الخطاب المتعجّل لرئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، يمكن قراءة تاريخٍ طويلٍ من التعقيد يستمرّ بِعكسه خطابُ الحكومة الفرنسية.