كان من المقرر أن تواصل قوات سوريا الديمقراطية احتجاز فتيحة ميجاتي، الملقبة بأم آدم، لكن المرأة المغربية تمكنت من الفرار من مخيم الهول في وقت سابق من هذا العام، وما تزال هاربة حتى اليوم. هذه المرأة، التي شاركت مع جماعات إرهابية لعدة سنوات، قادت خلال فترة داعش عدة بيوت نسائية في الرقة بسوريا.
اليوم، مجرد ذكر اسم «أم آدم» يكفي لإعادة شارلوت إلى حالة الرعب التي عاشتها سابقاً في سوريا. مكثت الشابة البلجيكية في الرقة عدة أشهر في العام 2015، قبل أن تفر من داعش وتعود إلى بلدها، وتم احتجازها لبضعة أسابيع في أحد بيوت النساء التي تديرها فتيحة ميجاتي. بعد خمس سنوات، لم تنسَ شارلوت شيئاً من قسوتها: «هذه المرأة ليس لديها فكرة عن الصواب أو الخطأ. هي تحب القوة فقط، ولن تستسلم أبداً. وأنا متأكدة من أنها تعتقد اليوم أنها استطاعت النجاة من جميع هذه الأهوال لأن الله اختارها». وتضيف سيدة فرنسية أخرى عائدة من سوريا، وقد أرهبتها أم آدم: «لقد وضعت هذه المرأة ذكاءها في خدمة الشر. والآن بعد أن هربت، ستستمر في الدفاع عن الإرهابيين، صدقوني».
في بداية هذا العام، تمكنت فتيحة ميجاتي، مثل مئات النساء الأجنبيات الأخريات، من الفرار من مخيم الهول الذي تسيطر عليه الوحدات الكردية، وفقاً لما كشفت عنه صحيفة إكسبرسن السويدية في 17 حزيران 2020. تمكنت السلطات المحلية المسؤولة عن مراقبة مخيم الهول الضخم من استعادة الهاتف الذي يحتوي على محادثات مكتوبة بين فتيحة ميجاتي وزوجة ابنها السويدية، التي ما تزال في مخيم الهول. وعثرت السلطات على العديد من المحادثات التي دعت فيها أم آدم زوجة ابنها للهروب من مخيم الهول والانضمام إليها.
ربما استفادت أم آدم من التواطؤ الداخلي والخارجي الذي يحدث في مخيم الهول، مما يسّر لها هروباً سهلاً للغاية. وبحسب معلوماتنا، فإن مجموعات التهريب التي تمارس أنشطتها في المخيم طلبت 14 ألف دولار لتنظيم هروب امرأة وطفلين، وذلك لضمان عملية التسلّل عبر سياج المخيم بالتنسيق مع المهربين حين يطفئ الحرّاس الأنوار ليلاً. وقد تخرج النساء من الباب الأمامي بتواطؤ واحد أو أكثر من حرّاس المخيم، ثم يقودهنّ المهربون وشبكات المافيا، ربما إلى منطقة إدلب، أو إلى الحدود التركية السورية إذا أردنَ الاستسلام للسلطات التركية.
امرأة في خدمة الجهاديين
«أريد الخروج من هنا والتحدث إلى عائلتي. أرجو مساعدتي». صرخةُ طلب المساعدة هذه وجدناها مكتوبة على قطعة من الورق، تبدو وكأنه تم اقتطاعها بسرعة كبيرة من دفتر ما. في أيار 2019، أخرجناها من حقيبة عثرنا عليها بين أنقاض مبنى في الرقة، كان مكتباً للمهاجرين الذين انضموا إلى داعش.
من الصعب معرفة من هو المقصود بهذه الرسالة. لكن تم تخزينها بدقة في غلاف بلاستيكي أحمر، وقد كتبتها امرأة تدعى أم مريم، وهي من أوزبكستان، تقول إنها انضمت إلى داعش في صيف 2015، وإنها محبوسة في منزل يطلق عليه اسم «المَضافة» منذ أربعة أشهر. تم إنشاء هذه المنازل من قبل داعش لإيواء النساء الأجنبيات. كل واحدة من هذه المَضافات لها رقم معين، وكانت أم آدم تدير اثنين من هذه المنازل: رقم 88، ومن ثم رقم 66.

في المنزل رقم 88، عام 2015، جمعت المرأة المغربية النساء من جنسيات مختلفة. جميعهنَّ كُنَّ عازبات أو مطلقات أو أرامل. النساء من جنسيات أوروبية وعربية، جميعهنّ كُنَّ على استعداد للزواج في أقرب وقت ممكن للتخلص من سوء المعاملة في هذه المَضافات.
بغرض تشجيعهن على قبول رجل لا يعرفنه، يُحظر على النساء الخروج، ويُعانين من سوء التغذية، وتقدم فتيحة ميجاتي لهنَّ الزواج باعتباره الحل الوحيد الممكن. ولكي تكون أكثر فاعلية في مهمتها كـ«خطّابة»، أنشأت المرأة المغربية سجلاً يتضمن وصف كل عضو في داعش يبحث عن زوجة جديدة، يتضمن عمره وتوقعاته. كان بمثابة كتالوج متاح للتصفح في مكتبها، وكانت تستخدمه في محاولة التوفيق بين النساء المحتجزات لديها في المضافة ومقاتلي داعش في الخارج، الذين يشكلون الأمل الوحيد لهؤلاء النساء للخروج من ذلك الجحيم.
في رسالة أخرى، تطلب أرملة كانت أسيرة هي وابنتها لدى أم آدم المساعدة عندما عرضت عليها الأخيرة الحل الوحيد للخروج من المضافة، وهو إيجاد زوج لها أو لابنتها: «أريد مغادرة هذا المنزل. لا أريد الزواج مرة أخرى. وإذا تزوجت ابنتي، لا أريدها أن تتزوج من رجل تم اختياره عن طريق كاتالوج».
مضافة رقم 66: سجن النساء
ما تزال جوليا تجد صعوبة في الحديث عن فترة بقائها في «مضافة 66». وقد وصفت هذه المضافة كأسوأ منزل نسائي تديره أم آدم. سُجنَت جوليا الفرنسية هناك لمدة ثلاثة أشهر عام 2015 إثر محاولتها الفرار من داعش. وقالت عندما تحدثنا معها: «كان منزل هذه المرأة عبارة عن مبنى كامل في مركز الرقة. كنا ثلاثة في كل غرفة. لم نتمكن من الاتصال بأي شخص. حين وصلت، تعرضتُ للضرب من قبل أتباع أم آدم. ضربتني امرأتان إحداهما مغربية والآخرى روسية على كل مكان في جسدي بالأصفاد. ضُرِبتُ دون توقف حتى أُغمي علي». جوليا الآن في فرنسا، بانتظار المحاكمة لانضمامها إلى منظمة إرهابية.
وبحسب التحقيق الذي أجريناه، فقد تم احتجاز مئات النساء الأجنبيات، أحياناً مع أطفالهنّ، في هذا المبنى من أجل «إعادة تأهيلهنّ» على يد أم آدم. ولمراقبة النساء القادمات من الخارج للانضمام إلى داعش، أنشأت المغربية أيضاً جهاز تجسس نسائي بالكامل داخل الرقة. لقد جندت النساء الأكثر تطرفاً، وكانت مهمتهنّ «المراقبة والاستجواب وجمع المعلومات» لتعقب الراغبات بالعودة إلى بلدانهنّ الأصلية، أو تجرأنَ على انتقاد داعش.

شارلوت، الشابة البلجيكية التي مكثت في الرقة لبضعة أشهر، التقت بامرأتين إيزيديتين في المضافة 88: «ذات يوم جاء رجل ألماني لوضع هاتين المرأتين هناك وكأنهما بضاعة. من الواضح أنه عرضهما على أم آدم لمساعدتها على تنظيف هذه المضافة».
العديد من النساء اللواتي اعتقلتهن فتيحة ميجاتي، واللواتي اتصلنا بهن، يتذكرن أيضاً صبياً إيزيدياً صغيراً. كان دائماً يسير خلف فتيحة ميجاتي. كان طفلاً مرعوباً. أعادت أم آدم تسميته بعبد الله، وقد نجا مع أخته الكبرى من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها داعش في صيف 2014 في سنجار.
أنيسة، التي عادت أيضاً إلى فرنسا بعد إقامتها في الرقة، لن تنسى أبداً نظرتها عندما التقت بهذا الطفل في أوائل عام 2015، وهو مقيد من عنقه: «كنتُ مع صديقة حين وصلت أم آدم مع هذا الطفل الصغير الفَزِع. لم يجرؤ على التحرك. أردتُ أن أعطيه كعكة، فتراجع ووضع يده أمام وجهه مثل طفل يخشى التعرض للضرب. وحين غادرت أم آدم الغرفة، أمسكت بيده كي لا يخاف مني». تروي أنيسة ذلك وعيناها مليئتان بالدموع: «لن أنساه أبداً. لم أره مرة أخرى بعد ذلك». حاولنا تعقب هذا الطفل الصغير، لكن في هذا الوقت لا يمكن لأحد أن يخبرنا بما حدث له، لأن أكثر من 3000 إيزيدي لا يزالون في عداد المفقودين.
قد تواجه فاتحة ميجاتي، إذا ما تم القبض عليها، المحاكمة على جرائم ضد الإنسانية بتهمة استعباد الأيزيديين على الأقل. قبل مغادرتها للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، كانت المرأة المغربية معروفة على نطاق واسع لأجهزة المخابرات المغربية والأوروبية. وبمرور الوقت، جعلتها قصتها «بطلة» في الأوساط «الجهادية». زوجها هو عبد الكريم ميجاتي، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، المنضوية في تنظيم القاعدة في المغرب العربي وأوروبا. عاش الزوجان في أفغانستان مع ابنيهما قبل هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.