رهف سيدة سورية مهاجرة في عاصمة أوروبية منذ بضعة سنوات، راسلت يمام منذ أسابيع في بوح واستفسار: «مرحبا، سيدتي، ابني المراهق باغتني بسؤال أحزنني حين قال لي هل دعوة زميلة من زملاء الصف إلى القهوة تعدّ تحرش؟». وفيما يلي جواب يمام الذي أخذ منها أسابيع في التأمل.

الحقيقة الموضوع أخد مني وقت وانقطاع عن الزاوية لأنو معقد، ولأنو هالمرة رح نزعّل قسم من النسويين والنسويات اللي ماسكين سيف الصواب النسوي والسياسي بدون أي جرأة على أشكلة المفاهيم ومقاطعتها مع مشاكلنا الجندرية الخاصة. عم قول بالتحديد مقاطعتها وليس «أقلمتها»، وبالمقاطعة بقصد بالضبط المفهوم النسوي المعروف، واللي هو مقاطعة الموضوعات النسوية والجندرية مع مجمل الموضوعات السياسية.

منرجع لموضوعنا. أكيد الرضائية، وهي موافقة ورضا فردين بكامل حريتهم على الخوض بمساحة خاصة حميمية بتخصهم وقد تؤدي لعلاقة جنسية كاملة، أكيد هالموضوع شائك ومعقد وليس ببساطة الجملة الشهيرة «لا يعني لا»؛ هالجملة اللي بشوفها أكيد أساسية ولكن بصراحة مبتورة وغير مكتملة، واللي حاملين لواءها من الأفراد المناضلين في بلادنا كتعبير أوحدي عن الرضائية دون تفكيكها وتعقيدها عندهم شيء من النفاق. الصوابية دون تنظير وتعقيد تحمل دائماً شيء من النفاق. تكرار هالجمل بدون تفكيك، برأيي المتواضع جداً، لا يؤدي إلا إلى الإخصاء واللجم في المواضيع الجنسية، مو بس للشباب الذكور ولكن للنساء الشابات كمان.

الصبي بيربى ببلادنا، والحقيقة ببلاد أكثر مما منتوقع، على إنو التعبير العاطفي الوحيد المتاح إلو للآخرين هو التعبير الجنسي. العاطفة والحنان والاهتمام والعناية والاحتفاء بالآخر المجندر (موضوع الرغبة) هو الجنس والإقدام والجرأة والدافعية اللي يعبَّر عنها بالجنس، والرجولة هي عدم التعبير عن المشاعر المرهفة، ولكن القدرة على الهجوم حتى بالجنس. لهيك كثير من الرجال بيصيبهم اكتئاب عميق ومشكلة هوية مع تراجع قدراتهم الجنسية مع العمر. المسألة وجودية، والقضيب هو الحياة. طيب.. كيف فجأة نفس هاد الصبي منقلو: «حبيبي، لا يعني لا»؟

النساء، من جهة ثانية، ما رح كرر الحكي عن مشكلتهن بهالمساحة الصغيرة، وهي إنو وجودهن وقوتهن الحقيقية إنو يكونوا موضوع الرغبة، بدون أي تعبير عن إنهن راغبات. التعبير عن الرغبة بالشكل المباشر مُستبشَع، وأي تعبير مباشر بهالمواضيع مُستبشع، وشي كتير إيجابي يكونوا النساء مرغوبات ويتمنعوا دلالاً، حتى إنو جزء كبير من فانتازمات بناتنا الجنسية مرتبطة بالتمنّع أو السلبية من جهتهن والعنف من جهة الطرف الثاني.. (على فكرة هاد موضوع مستقل ممكن نحكي فيه مرة ثانية، موضوع الفانتازمات الجنسية). بس فجأة بيسمعوا هالصبايا «لا يعني لا»، بدون أي مقدمات، بدون تهيئة تربوية عن الجسد والرغبات، وعن قوة الحياة فيهن بغض النظر عن القوة الإيروتيكية. شو هالفصام غير المحتمل اللي منعيّش البنات والصبيان فيه؟ وبعدين منستورد مفاهيم حول الرضائية بتزيد الفصام حدةً وضيقاً، دون شرح ودون تحضير؟

الحل، عزيزتي، تفهّيمه لإبنك المراهق، اللي هو ربيب بيئته وتاريخ عائلته السورية، وعايش ببيئة أوروبية صارت فيها هالمواضيع سياسية وشديدة الأهمية؛ تفهّميه إنو الرضائية شي لحظي ومستمر، تقوّي حساسيته للكلام الحساس، ولاستشعار حاجات الآخر، متل ما إنتي بتعملي غالباً كامرأة حساسة لحاجة الآخرين، تشرحي له إنو الكلام والتعبير هو اللي بيعبي مساحة «الغزل» – أو الـ«فْلِرت» متل ما بيقولوا الأجانب – وإيمتى هاد الغزل بيكون تقيل وسمج وسلطوي، وإيمتى بيكون ندّي ومحترم، وكيف بيتمّ التدرج فيه ببطء لالتقاط الإشارات الإيجابية من الآخر، والتوقف عند جفل الآخر أو امتعاضه، وقياس المسافة الدقيق، والتقدم والتراجع بأي لحظة.

الغزل والعلاقات المجندرة لا تحتمل عبارات «بتسمحيللي جَندرِك؟»، متل مو دارج حالياً بعصرنا – عصر ما بعد الـ«مي تو» – للبدء بعلاقة ما. هاد رأيي الخاص، وقد أكون من جيل آخر منقرض. والغزل ما بيحتمل المخاطَب يسأل «هل نحن في غزل؟» متل ما منسمع بالأفلام الأميركية. الغزل هو امتلاك ناصية الكلام عن الرغبة، وهو ضروري قبل كل شي للنساء الصغيرات في تعبيراتهن الأولى عن رغبتهن وأجسادهن، وكيف يعرفوا يقولوا لا، وكيف يعرفوا ينقلوا ويلقطوا التعبيرات الإيجابية عن الرضائية، وكيف تقييمهن لذاتهن ما بيتعلق فقط برغبة الآخر فيهن.

بالرجعة لابنك، عزيزتي القارئة، أهم شي يعرف إنو «لا يعني لا» هي مفروغ منها. هي النقطة صفر اللي لا جدال حولها. ولكن قبل هيك، ولحتى ما يجفل من كل شي، فيه خبرة وحساسيات تتولد بالكلام والحوار واللعب، والغزل المدوزن لحظة بلحظة وخطوة بخطوة، واللي ممكن يتراجع بدون إحساس بالفشل أو قلة الحيلة، مع شرح إنو رغبتي الشخصية كإنسان ليست رغبة الآخر بالضرورة. مافي شي إسمو «هي عاجبتني، فأكيد أنا عاجبها». في قياس لهالشي لا يبتدىء حتماً بالجنس مباشرة.

قبل ما إتركك تحكي مع ابنك، بقترح تسمعوا سوا مقطوعة شهرزاد لكوراسكوف، مقطوعة توحي بهي المراوحات الكلامية الجميلة اللي منسميها غزل:

,