حَدِّثنا عن مسيرتك الروائية بإيجاز؟ وكيفَ وُلِدَتْ في ذهنك مهنة الرواية والمسرح في ظل الطروف الصعبة في الصومال؟
في بداية الأمر كنتُ شغوفاً بالأدب العربي والصومالي، وكنت أقرأ الكتب الأدبية والأشعار العربية والصومالية، ومع كثرة القراءة زاد اهتمامي بهذا الجانب. كنتُ أكتب القصص منذ صغري وأيام دراستي، وفزتُ بالعديد من الجوائز في الجامعة، وشاركتُ في عددٍ من المسابقات الثقافية والأدبية وخصوصاً في القصص القصيرة والتمثيل المسرحي أثناء الدراسة، فلمع نجمي في مجال الأدب خلال الدراسة وكانت هذه بداية مشواري الأدبي في الصومال.
مهنة الكتابة ولدت لديَّ كهواية مند الصغر، بالإضافة إلى أنني أحب التعبير عمّا في مشاعري بشكل أدبي، يضاف إلى هذا الحالة الصعبة التي مرت بها الصومال خلال الحرب الأهلية والنزوح والقتل والهجرة نحو الخارج. كان هذا من أهم الأشياء التي شجّعتني على التعبير عمّا يجري داخل الوطن بطريقة أدبية أو روائية للمساهمة في لمّ شمل الذين فرقتهم الحرب.
ما هي أول رواية لك باللغة الصومالية في بداية مسيرتك سيد فارح؟ وما الذي شجَّعكَ على هذا؟
أول رواية صومالية أَلّفتُها تدعى قصة رجلين، وقد كتبتُ تلك القصة الأدبية عام 1994. وهي تحكي عن أحداث وقعت في الصومال في القرن الثامن عشر بين زعيمين اتّصفا بالبطش والغطرسة. وبما أنني دائماً مع الإنسان في تعبيراتي ومؤلّفاتي، كنتُ أحاولُ قدرَ الإمكان لفتَ الأنظار إلى المشاكل التي يسببها الاستبداد بالنسبة للشعب. لهذا كانت هذه القصة، التي وإن كانت مُتخيَّلة إلّا أنها تناولت المشهد الصومالي والإفريقي عموماً. وقد تطرقتُ أكثر من مرة إلى الحديث عن الاستبداد والحكم القمعي في البلاد، مُستخدماً الرواية والفن الصومالي.
معظم رواياتك لا تخلو من الحديث عن الحب والعشق، كما هو واضح في روايتك حب في قلب صبية وغيرها. ما هو سبب ميلكَ إلى عالم الحب دائماً؟
الحياة لا تخلو من هذه العناصر، فالحياة السعيدة هي التي توجد فيها عناصر الحب والجمال والسلام، وفي وقتٍ كانت تحدث في بلدي حروب طاحنة ومشاحنات قَبَلية، كنتُ أميلُ إلى إحياء روح الأمل بين الشباب ليروا جانباً جميلاً مختلفاً عمّا يجري في بلادهم، ولذلك كانت هذه القصة تمثل جانباً من هذا الأمر.
ومن هنا جاءت تسمية القصة، حبّ في قلب صيبة، لأنها تناولت مشاهد حقيقية عن الحب بين شابين في عمر الزهور، لكن ظروف الحياة الصعبة حالت دون تحقيق أهدافهما في الحب، إذ اندلعت حرب مريرة بين قبيلة الفتاة وقبيلة الشاب. ورغم الفراق الذي حصل، إلا أن الشابين تربطهما العلاقة الحميمة ويتشاركان مشاعر الحب. هذه الرواية ليست وحدها في مجال الحب، بل هناك غيرها أيضاً.
في إحدى رواياتك تتحدث عن أزقة مدينة قرطو، وعن صبايا الجيران الجميلات وكيف فرّقَ الدهر بينكم. هل كان هذا بداية دخولك في عالم الحب؟
مدينة قرطو محفورة في ذاكرتي بالطبع، فهي المكان الذي ترعرعتُ فيه، وبدأتُ في دراستي الأساسية. وهي مهد براءتي وطفولتي، ومع مرور الزمن اشتقت إلى كل شيء في تلك المدينة: أزقتها الضيقة، شوارعها الواسعة، الجيران، المدرسة، الأساتذة، الزملاء الذين تفرقوا في مختلف أنحاء العالم. كل هذه الأشياء تمسّ روحي وتجعلني أبالغ في وصفها في كتاباتي. مع ما ذكرت عن مدينة قرطو، هناك جانبٌ آخر لن أنساه أبداً في حياتي، ألا وهو عالم الحب كما تفضّلتَ في سؤالك. أقول بصراحة إن هذه المدينة علمتني الحياة في عالم الحب، ولا تخلو معظم أعمالي من الحديث عن العيش في قرطو من زمان، وكيف كانت الحياة حلوة وجميلة فيها.
أتذكر دائماًهذا البيت من الشعر عند زيارة قرطو:
أَقاطنٌ قومُ سلمى أم نَوَوا ظَعنا… إن يظعنوا فعجيبٌ عيشُ من قَطَنَا
ومن العجيب أيضاً أن اسم الفتاة التي تعلّقتُ بها في مدينة قرطو كان سلمى، وعلى هذا الأساس إن قلتَ لي: مدينة قرطو علَّمتك َالحب، فأنتَ مُحقّ.
أعطِنا لمحة عن الفن الصومالي، وعن دَورِ الرواية الصومالية والمسرح في المجتمع الصومالي إبّان الاستعمار مثلاً؟
مرّ الأدب الصومالي بفترات مختلفة من الازدهار والضعف. الفن الصومالي، أو بصفة أدق الأدب الصومالي، غنيٌ جداً من حيث التعبير والتصوير والتأثير على السامعين، وقد شارك الأدب الصومالي بشتى أنواعه في مقاومة المستعمر الغربي منذ وصوله إلى رحيله، ولعلّ هذا من الأسباب التي أدت إلى أن المستعمر لم يستطع أن يمحو ثقافة الشعب الصومالي.
فالأدب بأنواعه المختلفة كان له دورٌ كبيرٌ في تحرير الصومال، ومعلومٌ أن عملية تحرير البلاد من الاستعمار لم تكن من خلال العمليات العسكرية فقط، بل كانت باستخدام قوة الأدب والفن من موسيقا وأغنية وأشعار وقصص وغيرها، وكلها كانت تصبّ في خانة الفن التحرّري الذي كان سائداً في حقبة الاستعمار. وأيضاً، فإن كثيراً من المناضلين الصوماليين كانوا إما شعراء أو فنانين، ولهذا كان الفن سائداً في الساحة الصومالية مند وقت طويل.
هناك أوجه تشابه بين الرواية العربية والصومالية رغم اختلاف العادات والتقاليد بين الشعوب العربية والشعب الصومالي. ما سبب ذلك؟
هناك تشابه كبير بين الأدب الصومالي والعربي بصورة عامة، وهذا جليّ في الشعر العربي القديم والشعر الصومالي القديم، وذلك لعوامل عدة منها: العلاقات التجارية بين المصريين القدماء والصومال، والطبيعة الجغرافية والبيئية المتشابهة بين الجزيرة العربية وبين أرياف الصومال، والجوار والتبادل التجاري والهجرات المختلطة، ولهذا فإنه من الطبيعي أن يحدث تشابه في الثقافة والتقاليد ونمط العيش أيضاً.
إضافة إلى ما سبق، فإن الصومال عضو من الجامعة العربية وتتشاطر مع العرب الكثير من التقاليد والثقافة، كما هو واضحٌ في اللغة الصومالية التي تضمّ كثيراً من المفردات العربية، كما أن هناك أغانٍ صومالية باللغة العربية على لسان فنانين صوماليين. وأبعد من ذلك، فإن تشابه اللغتين الصومالية والعربية له دورٌ كبيرٌ في التقارب بين الثقافتين، ذلك أن حروف الهجاء الصومالية هي حروف الهجاء العربية نفسها عدا حرفين أو ثلاثة.
وهناك تشابه في الجانب النحوي والبلاغي، مثلاً: الترتيب بين الصفة والموصوف في اللغة الصومالية مثل الترتيب في اللغة العربية. كلّ هذه الأشياء شكلت علاقة وطيدة بين الثقافتين، وبسبب القصور الحاصل من كلا الجانبين، تصوَّرَ لدى كثيرٍ من الشباب الناشئ في الصومال أنه لا علاقة بين الأدب الصومالي والعربي، وهذا غير صحيح إطلاقاً.
أستاذ فارح، هناك كثيرٌ من الروائيين الصوماليين. هل يمكن تسرد لنا أهم أولئك المشهورين في هذا الفنّ؟ وأهمّ أعمالهم؟
هناك كتاب صوماليون اشتهروا بقوة كتاباتهم في الرواية الصومالية، مثلَ الكاتب فارح عول (1937-1991) صاحب رواية الضحية غير المولودة (1989). وأيضاً يُعدُّ الدكتور محمد طاهر أفرح (1952-2021) من أبرز الكتّاب في الأدب الصومالي، وله مؤلفات عديدة من أبرزها رواية مانا فاي (1979) التي تُرجمت إلى الإنكليزية والتركية، وقد قمتُ بترجمتها إلى اللغة العربية بموافقة منه. للأسف الشديد، توفي الكاتب قبل أن تتم طباعة النسخة المُترجَمة، وما زالت معي مخطوطة أرجو أن يتم نشرها قريباً في البلدان العربية.
مانا فاي هي أشهرُ رواية مكتوبة باللغة الصومالية، واستخدم المؤلف فيها تقنيات حديثة في السرد (بمعايير زمنها). تصوّر القصة المشهد الصومالي بعيون أدبية، فهي تضع أمام القارئ التصوَّرَ الكامل عن الحياة في العاصمة مقديشو فيتلك الحقبة التاريخية، وكذلك حياة البدو في الصومال، بين معاناة تكسر العظام وبين حياة مليئة بالتفاؤل والعيش الكريم.
ولا نستطيع أن ننسى أعمال الروائي الصومال نور الدين فارح (من مواليد 1945)، الذي ألّف العديد من الروايات باللغة الصومالية وبلغات أجنبية أخرى. من أعماله على سبيل المثال أغلق يا سمسم (close sesame/1983)، ومن رواياته الشهيرة أيضاً رواية من ضلع أعوج (1970).
بهذا أصحبت الرواية مورداً لفهم الحياة الصومالية، ولكن عبر الأدب وليس عبر التقارير الإخبارية التي تشوه صورة الحياة وتُظهر جانبها المظلم دون إنصاف.
هلا تعطينا صورة موجزة عن رواية مانا فاي وأبطالها؟ لماذا ترجمتها إلى العربية؟
هذه الرواية تمثل منعطفاً مهماً ذلك أنّها خطت طريقاً جديداً للرواية الصومالية، حتى أن الأديب محمد طاهر أفرح يُعّدُّ أبَ الرواية الصومالية، ومن جاؤوا بعده أصبحوا تلاميذ له، ولذلك فقد ظهرت مدرسة نوعية يمكن أن تُسمّى مدرسة «أفرح» في الرواية الصومالية. من قوة هذه الرواية أنها تجعلك جزءاً من الأحداث، وكأنك ترى الأشخاص يتحركون أمامك، وكأن البيوت والمنازل والشوارع ظاهرة أمام عينيك. من خلال هذه الرواية تكره أشخاصاً وتلعن أشخاصاً وتتعاطف مع أشخاص، وتحب أن يحدث شيء ما في ذهنك لكن يحدث عكسه فيزداد ضغط دمك وتكاد تكفّ عن القراءة. لقد ترجمتها إلى اللغة العربية ليرى العالم مدى قوة الأدب الصومالي.
ربما يتساءل القارئ غير الصومالي عن أهمية هذه الرواية للقارئ الأجنبي. بماذا تجيب؟
لقد تمّت ترجمة الرواية إلى اللغة الإنكليزية، وهناك طلبات عديدة بنشر الرواية وتجسيدها فيلماً روائياً. يشير هذا إلى أهمية الرواية، ولا شك أن أي قارئ سيتعرّف من خلال الرواية على الآفاق الواسعة للأدب الصومالي ويتمكن من فهم الكثير عنه، ويتعلم الكثير عن الثقافة والعادات في الصومال. لهذا السبب قمت بترجمة الرواية إلى اللغة العربية، ليتعرّف الجمهور في العالم العربي على الثقافة الصومالية، وتكون جزءاً من جسر التواصل بين الحضارة الصومالية في مجال الأدب والحضارات الأخرى. وفي تصوري، سوف ينتج عن هذا التواصل تبادل فكري وثقافي كبير.
صدر لكَ مؤخراً كتاب روائي باللغة العربية بعنوان سماسرة الدماء. هلا تشرح لنا أهم المواضيع الأدبية التي يتناولها الكتاب، ولماذا أسميته سماسرة الدماء؟
تجسّد هذه الرواية المشاكل التي تحدث في الصومال، وترسم الأطراف المختلفة التي تؤجّج الفتن والصراعات في البلد. كل طرف من هذه الأطراف يرى مصلحته من خلال استمرار العنف والحرب والقتال، وكأنهم يتاجرون بدماء الشعب، ولهذا أسميتُ الكتاب بسماسرة الدماء.
يحمل الكتاب في طياته معانيَ مختلفة ومتنوعة، وهو يتكوّنُ من عشرة فصول، كل فصل منها يتناول قصة مرتبطة بالأبواب التي قبلها. تشرح هذه الرواية الوضع الصومالي الحالي من الفوضى وعدم الاستقرار وغياب الأمن والقانون، وهشاشة الحكومة التي لا تستطيع بسط سيطرتها على كامل البلاد، كما تصف الرواية حياة المواطن العادي الذي يعيش بين مطرقة الحياة الصعبة وسندان الفوضى العارمة والفساد المستشري في الأروقة الحكومية.
من خلال حديثكَ عن الوضع الحالي في الصومال سياسياً وأمنياً، هلّا تعطينا صورة موجزة عن الحالة الراهنة حتى يفهمها القارئ بشكل أعمق؟
لقد مرت الصومال أربع حقب مختلفة: حقبة الاستعمار، ثم حقبة الاستقلال والحكومة ذات السيادة، ثم حقبة حكم العسكر، ثم حقبة الفوضى التي مازالت مستمرة حتى الآن. نالت الصومال الاستقلال عن المستعمر الغربي عام 1960، وانتُخبت حكومة مدنية، لكن الحالة السياسية في الصومال دخلت في نفق مظلم منذ اغتيال الرئيس الصومالي الثاني بعد الاستقلال عبد الرشيد علي شرماركي عام 1969، وفي العام نفسه حصل انقلاب عسكري بقيادة اللواء محمد سياد بري، الذي حكم البلاد بالحديد والنار ما يقرب من واحد وعشرين عاماً.
في آواخر الثمانينات بدأت بوادر انهيار الدولة الصومالية، وفي العام 1991 سقطت الحكومة العسكرية الاستبدادية نهائياً، وكانت هذه الفترة بداية مرحلة جديدة من الفوضى والحرب الأهلية التي راح ضحيتها مئات آلاف الصوماليين. ومنذ العام 2004 تم تشكيل حكومات انتقالية متعددة، لكن أي واحدة من تلك الحكومات لم تستطع استعادة السيطرة على جميع الأقاليم الصومالية التي تسيطر عليها جماعات معارضة من بينها تنظيمات متشددة مثل تنظيم الشباب المرتبط بالقاعدة، وغيرها من الميليشيات القَبَلية التي تخوض معارك مع القوات الحكومية بين حين وآخر.
كما فهمت من كلامك، فإن أحداث الرواية تدور في فلك السياسة والهجوم اللاذع على رجال الدين ورجال الأعمال والجماعات المسلحة إضافة إلى السلطة. هل يعني هذا أنك أقحمت الرواية الصومالية الاجتماعية في عالم السياسة والصراعات الفكرية والعشائرية؟
إن ما يحدث في الصومال أمرٌ يحتاج إلى تدوين، وكثيرون من الصوماليين لا يفهمون ما يحدث في بلادهم، ولذك حاولت كثيراً أن أكشف بعض خفايا ما يحدث في الكواليس بلغة يفهمها الجميع. ودائماً، لا يخلو الأدب من الحديث عن السياسة وأبوابها، لأن الحديث عن السياسة من خلال الأدب والفكر والرواية يمثل حجر الأساس في تكوين بيئة صالحة للعيش، وهذا ما أردت أن أفعله من خلال تأليف هذا الكتاب.
إن الكتاب يحاول معالجة ما أفسدته السياسة والقَبَلية في الصومال، ويساهم في تنوير الطريق نحو مستقبل مشرق للأجيال القادمة. التطرق للسياسة من خلال الرواية والأدب ليس عيباً، بل هو حق مشروع لكل روائي.
تعقيباً على كلامك. سمعنا أنه تم رفض عرض كتابك في هرجيسا من قبل سلطات جمهورية صومالاند هل هذا صحيح؟ ولماذا؟وكيف تمت تسوية هذا الإشكال؟
نعم، تم حجز نسخ الكتاب في مطار هرجيسا لمدة شهور، وفي النهاية أمرت الوزارة في صومالاندهي جمهورية تقع شمال غرب الصومال، لها رئيس منتخب وبرلمان وأعلنت استقلالها عن الصومال عام 1991، لكنها غير معترف بها دولياً رغم مساعيها المستمرة إلى ذلك. بمنع الكتاب من العرض، وهذا يدلّ على أهمية الكتاب البالغة. شجعني هذا كثيراً لأنه يعني أن كتاباتي مؤثرة، ما دامت الحكومة تفرض عليها أوامر صارمة لعدم نشرها في البلاد. هذا أمر طبيعي، فكل الكتّاب في الوطن العربي وغيره من بلدان العالم الثالث يتعرضون لمثل هذه المضايقات. فحرية الكلمة في بلداننا شبه معدومة، ولهذا يحصل دائماً منع إصدار كتاب ما، أو توقيفه، وهذا أمر ليس له مبرر لا من بعيد ولا من قريب. وقد حصل هذا مع عدد من الكتّاب الآخرين أيضاً، وهو ليس أمراً غريباً في ظل الوضع الحالي المتأزم في الصومال، لكننا نواصل العمل والإنتاج من أجل إحداث تغيير جذري في الوضع الحالي عبر الأدب والفن.
شاركتَ في عدد من الفعاليات الأدبية داخل وخارج الصومال. ما هي الرسالة التي كنتَ تحملها كروائي صومالي إلى تلك الفعاليات الأدبية في البلدان العربية؟
كنتُ دائماً أشرح أن الصوماليين لديهم أدب رفيع لا يقل أهمية عن الأدب العربي، ولكن المشكلة تكمن في أنه لم يتم ترجمة هذه الأعمال إلى اللغة العربية، وفي رأيي هذا أمرٌ له أهميته. أنا واثق تماماً على أن هذه الأعمال الأدبية سوف ترى النور في يوم من الأيام. سوف أسعى جاهداً إلى إيصال الرسالة إلى من يهمه الأمر، في كل أنحاء العالم، بأن الأدب الصومالي كنزٌ ثمين يحتاج إلى اكتشاف.
هّلا تحدثنا عن منبتك؟ أعطنا نبذة موجزة على تأثير أسلافك كما يتجلّى ذلك في رواياتك؟ وعن الأجواء التي تربيت وسطها في صغرك؟
أجدادي كانوا قرويين، وكانوا سكان أرياف. كانوا يعيشون في مرتفعات علمدو، حيث السحب والخضرة والأمطار وعيون المياه التي لا تنقطع. إن من يعيش في مثل تلك الأماكن الخلابة يمكن له أن يقول شيئاً عن مناظرها الأخّاذة، ولذلك كان أجدادي جلّهم يقولون الشعر، وأنا بدوري استفدت من هذه البيئة الجميلة وما زلت أحبّ الأمطار، وكنت أرسم أشكال الامطار والغيوم على التراب عندما كنت صغيراً.
لقد تربيتُ في بيئة بدوية تسود فيها الثقافة والاهتمام بالأدب بأنواعه. كنت أحضر الأمسيات البدوية في أوقات المطر والخصب، في موسم الربيع حيث الأجواء الرائعة. في تلك الأوقات كانت الحياة تميل نحو الاجتماعية الخالصة، ويتم خلالها إحياء التراث القديم. كان فيها مسابقات شعرية وقصصية، وكانت شبيهة إلى حدّ ما بأسواق العرب في الجاهلية مثل سوق عكاط ومجنّة وذي المجاز، لكن بنكهة صومالية.
كيف تصف الرواية الصومالية في ظل الأزمات السياسية والأمنية التي تمر بها الصومال حالياً؟
الوضع في الصومال صعبٌ للغاية والكاتب يحتاج إلى تحفيز ليكتب، وفي هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد من الصعب جداً أن تكتب شيئاً يمسّ الحقيقة الماثلة أمامك. قد تكون ضحية بسبب كتاباتك التي تتناول الحقائق، ومن الأفضل أن تسكت أو تهاجر إذا كتبت عن الحقيقة. وخلال الحرب الأهلية في الصومال، انهار الفن الصومالي بشكل لافت، لكنه بقي محفوراً في أذهان الأدباء الصوماليين، وقد تم إحياؤه مجدداً وهو الآن في حالة جيدة رغم الضعف الذي ما زال بادياً عليه. أستطيع القول إن الرواية الصومالية في حالة ازدهار رغم العقبات على الطريق.
هل يصح القول إن الرواية الصومالية تحتاج إلى التحديث لتتماشى مع متطلبات الجيل الجديد؟
هذا صحيح. توجد حالة من الضعف وعدم التحديث والتغيير في الأدب الصومالي بشكل عام. نحن الآن نخطط لتأسيس مشروع يعمل من أجل تشجيع الشباب لتقديم أفضل ما لديهم، حيث نخطط لإقامة مسابقات أدبية وتقديم جوائز قيمة لتشجيع الإبداع لدى الشباب الصومالي. كل هذه الأنشطة سوف تساهم على إحياء روح الأدب والرواية الصومالية بما يتماشى مع متطلبات الجيل الناشئ، ودائماً نقوم بتوعية المجتمع على أهمية الأدب والاهتمام به، لكن يبدو أن الجيل الجديد غير معني بهذه الأمور، لا من قريب ولا من بعيد. ولعلّ من أهم الأسباب التي أدت إلى ضعف الاهتمام بالأدب لدى الشباب هو ضعف استخدام اللغة الصومالية، وحلول لغات أجنبية محلّها. هناك غياب شبه تام للغة الصومالية في المدارس والمؤسسات التعليمية الصومالية.لغات التدريس في الصومال هي الإنكليزية في المرتبة الأولى، ثم العربية وبعدها الصومالية.
سيد فارح، ماهي طموحاتك المستقبلية في التأليف والكتابة؟
طموحاتي المستقبلية هي أن أرى الرواية الصومالية تزدهر. أودّ المساهمة في إيجاد أرضية خصبة للرواية الصومالية كي تتقدّم أكثر، ويحتاج هذا إلى جهد كبير من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.