«كنا وأهلي نائمين في تلك الليلة. كان عمري 15 سنة»، بدأ إبراهيم العتيق، من زملكا، كلامه، بصوتٍ متأثر وملامح متألمة، عن مجزرة الكيماوي في الغوطة في 21 آب (أغسطس) 2013، خلال مداخلته في ندوة إشهار رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية. وأكمل: «خسرت أمي وأبي وأخوتي في تلك المجزرة التي يحاول النظام طمسها وتغييبنا كلنا بشكل كامل. رأيت الكثير من الناس يختنقون من حولي. مات كثيرون وبقيتُ أنا حياً لأكون شاهداً على المجزرة». وختم العتيق كلامه بشرح سبب انخراطه في العمل لإنشاء الرابطة مع ضحايا آخرين: «لا شيء في الدنيا يعوّضني عن خسارة أهلي. لا شيء على الإطلاق. لكني قد أرتاح بعض الشيء لو تمكّنا من تحقيق عدالة لهم». الفكرة الأخيرة ذاتها شاركها أحمد اليوسف، من خان شيخون، وهو عضو مؤسس في الرابطة أيضاً. خسر اليوسف والده وأمه وأخته و34 فرداً من أقربائه في مجزرة خان شيخون الكيميائية في نيسان (أبريل) 2017. أضاف اليوسف في مداخلته: «هذه رابطة لنتساعد من أجل تحقيق العدالة، ولنعمل على عدم إفلات الفاعلين من العقاب. نعمل لكي لا يحصل ما حصل مرّة أخرى. أتمنى العدالة والمحاسبة الحقيقية على الأرض.. يجب ألا يتكرر ما حصل في أيّ مكان في العالم».

أُعلِنَ يوم الجمعة، التاسع عشر من آب (أغسطس)، عن إشهار رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية في سوريا، في ندوة في برلين عُقدت بالتعاون مع المركز السوري للإعلام وحرّية التعبير. أدار الندوة ثائر حجازي، الذي أشار في تقديمه للمتحدثين أن إشهار الرابطة يأتي في الذكرى التاسعة لمجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، في محاولة ألّا تكون «ذكرى للألم فقط، بل ذكرى لنفعل شيئاً». وقدّم الدكتور سليم نمور، رئيس الرابطة، فكرة الرابطة وبرنامج عملها، مشيراً إلى أن خطوة إعلان التأسيس جاءت بعد نحو عامين من النقاشات والمداولات بين الضحايا، أدّت لانتخاب مجلس إدارة وتعيينه رئيساً له. وعن تعريف الرابطة قال الدكتور نمور: «نحن مجموعة من الناجين وذوي ضحايا الجرائم ضد الإنسانية التي قام بها نظام بشار الأسد ضد المدنيين باستخدام السلاح الكيميائي، موجودون في عدة بلدان. تواصلنا ووجدنا أنه يجب أن نفعل شيئاً: هناك ضحايا، وهناك انتهاكات ضخمة، وهناك استخدام لسلاح دمار شامل، والعالم لا يفعل شيئاً. شكّلنا هذه الرابطة، رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية. شعارنا يوضّح خطة عملنا: معاً من أجل حقوق الضحايا، ومنع الإفلات من العقاب. نحن، مهما عملنا، لن نستطيع أن نعيد الضحايا إلى الحياة، لكن حقّ الضحايا هو محاسبة الجناة». كما قدّم الدكتور نمور أهداف الرابطة: العمل على محاسبة جميع المتورطين باستخدام الأسلحة الكيميائية، ومحاسبة المسؤولين عن تشويه الحقائق، والعمل على الحفاظ على السردية الحقيقية في وجه جهود التزوير؛ والتعاون مع جهود التوثيق والتحقيق والعمل على تعريف العالم بجرائم الأسد الكيميائية؛ والسعي لتأمين جميع حقوق الضحايا والناجين وتخليد ذكراهم؛ والتعاون مع جهود حظر استخدام الأسلحة الكيميائية عالمياً.

في كلمته خلال الندوة، أشار مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، الشريك التأسيسي للرابطة، إلى أن إشهار الرابطة هو «خطوة إضافية على طريق أن يتولى الضحايا وذووهم قيادة عملية المطالبة بالعدالة والمحاسبة»، مؤكداً على أن «سعي الضحايا للوصول إلى حقوقهم ليس مسألة تحصيل حقوق ومحاسبة جناة فحسب، وليست فقط قضية سورية بحتة إذ نرى سعي رعاة أطراف الصراع الإقليميين اليوم لإحراز تسويات على حساب حقوق الناس؛ بل إنه سعيٌ لحماية المدنيين في كل العالم»، مضيفاً: «يجب أن تلتقي هذه الجهود في حركة عالمية، بقيادة الضحايا، لتحقيق عدالة وسلام مستدامين». وأشار درويش إلى أن جهود المركز السوري للإعلام وحرية التعبير بهذا الصدد «هي استمرار لجهود زملائنا رزان زيتونة وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي، الذين كانوا في الغوطة حين ارتكاب المجزرة الكيميائية عام 2013 وعملوا على توثيقها وأصدروا التقارير بخصوصها». 

وفي كلمة مقتضبة قدَّمَتها عبر زووم من مكان إقامتها في الولايات المتحدة، أشارت الدكتورة أماني بلور، العضوة في الرابطة، إلى أن «استخدام السلاح الكيماوي كان أبشع ممارسات النظام، ومجزرة الغوطة الشرقية عام 2013 كانت أشنع هذه الاستخدامات»، مشيرةً إلى أن هذه المجزرة شكّلت «نقطة لا عودة» من حيث نقل النظام ممارساته الإبادية الشاملة إلى مستوىً أعلى. متمنية أن تتمكن الرابطة في عملها المستقبلي من أن تكون «صوتاً للضحايا، وصوتاً لفضح ممارسات النظام».

على هامش الندوة، في حديث مع الجمهورية.نت، تطرّق الدكتور سليم نمور، رئيس الرابطة إلى جهود التزوير وطمس الحقائق من قِبل النظام وروسيا: «عَملُنا يتوجه نحو إحياء ذكرى الضحايا؛ والحفاظ على السردية الحقيقية في وجه التزوير الحاصل على يد النظام، وفي وجه ترهيب الشهود. لقد رأينا كيف طبّق النظام مخططاته، بمساعدة روسيا، حين احتجز الناجين والكوادر الطبية وأجبرهم على تقديم روايات مزوّرة. لقد رأينا كيف عبث النظام بمقابر شهداء الكيماوي بعد سيطرته على الغوطة في محاولة تغيير آثار الوقائع حتى على الأرض، وكيف منعت روسيا دخول لجنة التحقيق إلى أن أتموا تجريف التربة وطمس الأدلة». وعن أنشطة الرابطة في الفترة اللاحقة أشار: «الرابطة مفتوحة لجميع ضحايا الأسلحة الكيميائية من مختلف المناطق السورية. هناك جهود توعوية حول استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، وحول المجازر المرتكبة والتوثيقات التي حصلت بخصوصها؛ وهناك مجموعات عمل ومنظمات تعمل على حقوق الضحايا، وهناك قرارات الأمم المتحدة. هذه كلها أمور تحتاج إحاطة جيدة، والجهود يجب ألا تبقى محصورة على مستوى العاملين في المجال الحقوقي، بل يجب أن تمتد على عموم الضحايا. سندعم كل جهود التقاضي الحاصلة، وسنكون صرخة بوجه العالم من أجل التحرّك الفعلي في سبيل أن ينقذ هذا العالم نفسه مصداقيته، وللعمل على إنقاذ من تبقّى من السوريين». وعن التوجّه الكبير نحو تشكيل روابط ضحايا وذويهم في السياق السوري خلال الفترة الماضية أشار الدكتور نمور: «المجتمع السوري تحوّلَ إلى مجتمع من الضحايا، ضحايا تعذيب، اعتقال، محارق، تهجير، كيماوي، براميل.. إلخ. بعيداً عن لعبة السياسة، إن تحدثنا بلغة الضحايا، وطالبنا بالعدالة لهم، فنكون قد حققنا التغيير الذي نريده». مضيفاً بخصوص ضرورة التعاون بين هذه الروابط: «المنطق يقول أنه لا بد للضحايا أن يتعاونوا، وهذا ليس مجالاً للتنافس أو للتسابق، كلنا ضحايا! نحن منفتحون على أي صيغة للتعاون ما بين روابط الضحايا، ومنفتحون أيضاً على أي صيغة للتعاون مع الجهات السورية وغير السورية العاملة على توثيق الانتهاكات والتقاضي وتحقيق العدالة».

فكرةٌ تكررت على لسان المتحدثين والمتحدثة في الندوة هي أن إنشاء الرابطة هي خطوة إضافية في طريق طويل، وضمن ظرف سوري وعالمي صعب. العدالة ليست بمتناول الأيدي، لكن السعي إليها لا يمكن أن يتوقف.