شكّلت ألمانيا إحدى الوجهات الرئيسية للاجئين السوريين منذ العام 2014، حيث يُمثّل السوريون النسبة الأكبر من طالبي اللجوء فيها، ويعيشُ حوالي مليون سوري في ألمانيا الآن. ارتفعَ عدد اللاجئين السوريين الذين حصلوا على الجنسية في العامين الماضيين بشكل كبير، ومن المتوقّع أن يرتفع بشكل أسرع في السنوات المقبلة، ما يعني أن السوريين أصبحوا ناخبين مُحتملين وحتى مرشحين سياسيين في ألمانيا. ولأن الاهتمام بالسياسة هو مقدمةٌ للمشاركة السياسية وأساسٌ في تكوين موقف الفرد السياسي، نحاول في هذا التقرير إلقاء الضوء على الاهتمامات والمواقف السياسية للاجئين السوريين، بالإضافة إلى بحث إمكانية المشاركة في السياسة الألمانية.
نستخدم في هذا المقال بيانات الاستبيان الإحصائي الممثل للاجئين في ألمانيا (IAB-BAMF-SOEP). يتم إجراء هذه الدراسة منذ العام 2016 سنوياً من قبل مركز أبحاث سوق العمل والعمالة (IAB)، ومركز الأبحاث التابع لمكتب الهجرة واللاجئين (BAMF)، والمركز الألماني للاقتصاد (DIW). بشكل عام، تضمّنت العيّنة حتى العام 2019 (8153) شخصاً من طالبي اللجوء تمّت مقابلتهم مرة واحدة على الأقل. وللحصول على المزيد من المعلومات عن (IAB-BAMF-SOEP)، يرجى مراجعة الموقع الرسمي لأحد مراكز الأبحاث المشاركة في الدراسة. في حال الرغبة بالحصول عن تفاصيل أكثر عن العينة المُعتمدة في هذا المقال، يمكن مراجعة أحد كاتبي المقال.
أين وكيف يمكن للاجئين السوريين المشاركة في الحياة السياسية في ألمانيا؟
لا يسمح القانون الألماني للّاجئين أو المقيمين غير الأوروبيين، الذين لا يحملون الجنسية الألمانية، المشاركة في الانتخابات أو التصويت. نتيجة لذلك، تُرك قسمٌ كبيرٌ من السكان المهاجرين، ومن ضمنهم اللاجئون السوريون، غير مُمثَّلين سياسياً. مع ذلك، فإن العضوية الحزبية مسموحٌ بها حتى دون امتلاك حق التصويت، حيثُ تسمح معظم الأحزاب المُمثَّلة في البرلمان الألماني (البوندستاغ) بالعضوية للمواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي، بناءً على تصاريح الإقامة في ألمانيا. علاوة على ذلك، يُسمَح للمواطنين غير الألمان بتسجيل حزبٍ إذا كانت غالبية أعضائه أو أعضاء مجلس إدارته مواطنين ألمان، كما هو مُحدَّد في قانون الأحزاب السياسية. وبخلاف ذلك، يُسمَح لهم بالتنظيم على شكل جمعيات سياسية فقط، وبالتالي يُمنعون من المشاركة في الانتخابات.
ونظراً لقلّة الفُرَص المُتاحة للأشكال التقليدية للمشاركة الديمقراطية، تمَّ إنشاء مجالس الاستشارات الأجنبية والهجرة للاندماج في العديد من المدن والبلديات الألمانية منذ منتصف السبعينيات، وذلك لضمان التمثيل السياسي للمهاجرين على المستوى المحلي. غالباً ما يكون لمجالس الاندماج هذه وظيفة استشارية، وبالتالي يمكنها فقط الدفاع عن مصالح السكان المهاجرين، لكنها لا تتخذ قرارات مُلزِمة، كما أن قلّة الموارد المالية للعديد من مجالس الاندماج تحدُّ من قدرتها على ممارسة التأثير على المستوى المجتمعي. وتُشكِّلُ المشاركة المنخفضة في العديد من انتخابات المجالس، والتي بالكاد تصل إلى عشرة بالمئة، تحدياً آخر لشرعية الهيئات التمثيلية للمهاجرين.
إلى جانب المبادرات التي تقودها الدولة الألمانية، تعمل العديد من منظمات المجتمع المدني والنقابات العُمّالية والمؤسسات السياسية على تعزيز المشاركة المدنية والسياسية للمهاجرين، حيث يمكن لطالبي اللجوء واللاجئين أن يكونوا أعضاء نشطين، ويمكن للمهاجرين أو اللاجئين في ألمانيا إنشاء منظّمات لمجموعاتهم مثل المنظمات الرياضية، العِرقية، ودور العبادة، والمنظمات الثقافية، والمنظمات السياسية، وجماعات المصالح. كما يمكن الانضمام إلى المنظمات والجمعيات الموجودة بالفعل، مثل منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المناهضة للعنصرية، والمنظمات الإنسانية أو الدينية، ومنظمات حقوق المهاجرين واللجوء.
مع ذلك، غالباً ما يواجه اللاجئون عقباتٍ جَمَّة في الانضمام إلى المنظمات القائمة أو تكوين مجموعات ومنظمات جديدة، أبرزها ضعف المهارات اللغوية الضرورية أو التعقيد في النظام السياسي في ألمانيا.
ما مدى اهتمام اللاجئين السوريين بالسياسة (الألمانية)؟
تُظهر البيانات أن اهتمام اللاجئين السوريين بالسياسة الألمانية أكبر مقارنة بالموضوعات السياسية العامة. إذ قال 23 بالمئة من السوريين أنهم يهتمون (بشدة) بالسياسة الألمانية، بينما 15 بالمئة منهم لديهم اهتمامٌ قويٌّ أو قويٌّ جداً بالسياسة بشكل عام. وبالتعمُّق في البيانات، يمكننا تحديد بعض الاختلافات فيما يتعلق بالاهتمام بالسياسة اعتماداً على بعض الخصائص الديموغرافية والاجتماعية. على سبيل المثال، هناك فجوة كبيرة بين اللاجئات السوريات واللاجئين السوريين فيما يتعلق بالاهتمام بالسياسة الألمانية. حوالي 60 بالمئة من السوريات ليس لديهنَّ أي اهتمام بالسياسة الألمانية، و17 بالمئة فقط مهتمّات (جداً). هناك نسبة أعلى بكثير من الرجال السوريين في ألمانيا مهتمون (جداً) بالسياسة الألمانية (حوالي 28 بالمئة)، وحوالي 40 بالمئة فقط غير مهتمين على الإطلاق. هذه الفجوة بين الجنسين موجودة أيضاً بين السكان الألمان، لكنها أكثر وضوحاً بين اللاجئين السوريين في ألمانيا.
علاوة على ذلك، يَظهر التفاوت في مستوى الاهتمام بالسياسة الألمانية بوضوح بحسب الفوارق في الخلفيات التعليمية، حيث يهتمُّ اللاجئون السوريون ذوو مستويات التعليم العالي بالسياسة الألمانية (حوالي 40 بالمئة) أكثر من أولئك الذين لديهم تعليم منخفض (17 بالمئة). كما تُظهِرُ مجموعة اللاجئين السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و49 عاماً مستوىً أعلى من الاهتمام بالسياسة. ومع ذلك، لا يبدو أن مدة العيش في ألمانيا عاملٌ يساهم في زيادة الاهتمام بالسياسة الألمانية. كما تبيّن أن اللاجئين الذين يعيشون في ألمانيا لمدة يصلُ حدُّها الأقصى إلى 3 سنوات يهتمون أكثر قليلاً بالسياسة الألمانية. يمكن للمرء أن يفترض هنا أن التغيير يستغرق وقتاً أطول ممّا يمكننا ملاحظته في البيانات، غير أن هناك سبباً مُحتمَلاً آخر هو أن سياسات الهجرة والاندماج الألمانية تجذب اهتمام اللاجئين في بداية إقامتهم بسبب تأثيرها المباشر على حياتهم.
إضافة إلى ذلك، فإن أخذ المناطق التي جاء منها اللاجئون بعين الاعتبار سيُظهِر صورة مختلطة للغاية. بينما لا يمكننا تحديد أي نمط واضح عبر المناطق السورية فيما يتعلق بالاهتمام بالسياسة الألمانية، يمكننا أن نرى أن الأشخاص من حمص وحماة وكذلك حلب وإدلب لديهم أعلى نسبة من الأفراد الذين يُظهرون اهتماماً كبيراً بالسياسة (7 بالمئة)، تليها دمشق وريف دمشق (6 بالمئة).
تُظهر البيانات أيضاً مدى الاهتمام والوقت الذي يُعيره اللاجئون السوريون للسياسة الألمانية في حياتهم اليومية. يتحدث 12 بالمئة من اللاجئين السوريين عن مواضيع سياسية بشكل يومي، وأكثر من نصفهم (57 بالمئة) يناقشون مواضيع سياسية مع الآخرين بشكل نادر. في المقابل، يتحدث غالبية السكان الألمان عن السياسة من حين لآخر. كذلك، يقول أكثر من ثلث اللاجئين إنهم لا يفهمون أهمَّ أسئلة السياسة الألمانية أو لا يفهمون سوى القليل منها، في حين أن 18 بالمئة فقط لديهم فهمٌ جيدٌ أو جيدٌ جداً للمواضيع السياسية في ألمانيا ولديهم رأي فيها، وقد يكون هذا سبباً إضافياً لانخفاض مستوى الاهتمام السياسي بين اللاجئين في ألمانيا.
ومن العقبات التي تَحول دون رفع الاهتمام السياسي أن غالبية اللاجئين السوريين (86 بالمئة) نادراً ما يشاركون في النشاطات والفعاليات المدنية، وأقل من (10 بالمئة) يشاركون في نشاطٍ من الأنشطة المدنية الأسبوعية أو اليومية. علاوة على ذلك، ثبُتَ أن الألمان والألمان من أصول مهاجرة يتعاملون مع القضايا السياسية أكثر من الأجانب، ما يُشير إلى أن غياب العامل الرسمي للمواطنة (حمل الجنسية الألمانية)، وبالتالي عدم القدرة على التصويت، قد يكون سبباً رئيسياً في ضعف المشاركة السياسية كما المدنية ضمن مجتمع اللاجئين السوريين. وبما أن اللاجئين السوريين يُظهِرون استعداداً كبيراً للتجنيس، فإن المستقبل سيُخبرنا ما إذا كان هذا الاستعداد سيتحول إلى استعداد للتعامل والتفاعل مع النظام السياسي الألماني.
ما هو موقف السوريين في ألمانيا من:
قيم الديمقراطية
على عكس ادّعاء الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا، فإن غالبية اللاجئين السوريين يتشاركون موقفاً مُشابهاً للسكان الألمان تجاه القيم الديمقراطية. حيث يُظهِرُ معظم اللاجئين السوريين (90 بالمئة) نزعة عالية للموافقة على انتخابات حرّة، والموافقة على أهمية الحقوق المدنية (85 بالمئة)، وحماية الأقليات (87 بالمئة)، وحماية حقوق المرأة (86 بالمئة) كجزء من النظام الديمقراطي. أيضاً، هناك ميلٌ أقوى نحو «فرض الضرائب على الأغنياء» والذي يمكن تفسيره من خلال التحيُّز اليساري بين المهاجرين بشكل عام عندما يتعلق الأمر بسياسات إعادة توزيع الثروة. بالإضافة إلى ذلك، تُظهِر مجموعة اللاجئين السوريين موقفاً أكثر تحفظاً قليلاً فيما يتعلق بالقادة الدينيين وسلطتهم على تفسير القوانين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن السوريين في سوريا يظهرون ميلاً محافظاً أكثر، ففي سوريا يؤيد أكثر من نصف (55 بالمئة) المشاركين في استبيان «ورلد غالوب بول» أن على الزعماء الدينيين أن يتخذوا قرارات بشأن القوانين.
شكل الحكومة
فيما يتعلق بالشكل الحكومي، نرى أن الرغبة في وجود نظام ديمقراطي عاليةٌ جداً بين معظم اللاجئين السوريين (91 بالمئة). في حين أن آراء اللاجئين السوريين متباينة حول وجود خبراء يقرّرون ما هو الأفضل للبلد، فإن غالبية اللاجئين السوريين لا يوافقون على وجود قائد قوي في القمة ليس معنياً بالبرلمان أو الانتخابات. بالمقارنة مع ذلك، يؤيد 59 بالمئة من الألمان حُكَم الخبراء و22 بالمئة منهم يؤيدون أيضاً فكرة وجود قائد قوي لحُكم البلاد.
حقوق المرأة
تبيّنَ أن موضوع المساواة كان مفاجأة كبيرة أُخرى للرأي السائد؛ الاختلافات بين اللاجئين والسكان الألمان ليست كبيرة كما هو متوقع. حيث أن 86 بالمئة من اللاجئين السوريين يعتقدون أن المساواة بين الرجل والمرأة هي أحد مكونات الديمقراطيات. لكن النظر إلى حقوق المرأة بمزيد من التفصيل يُظهِرُ بعض التمايز في الآراء، حيث يتفق معظم اللاجئين السوريين على أنه ينبغي السماح للمرأة بالعمل، وينطبق الشيء نفسه على النساء المتزوجات مع اختلاف طفيف في الانخفاض. علاوة على ذلك، يَعتبر غالبية اللاجئين السوريين أن تعليم بناتهم مهمٌّ أيضاً مثلما هو مهمٌّ لأبنائهم، وكذلك فإن حوالي نصف اللاجئين السوريين (52 بالمئة) ليست لديهم مشكلة على الإطلاق مع النساء اللواتي يكسبنَ أكثر من شريكهنّ، في حين أن أكثر من نصفهم يوافقون على القول بأن الزوج يجب أن تكون له الكلمة الأخيرة في المنزل.
وفقاً للدراسات، فإن الاتجاهات الليبرالية النسبية مقارنة بالميول الأكثر محافظة في الداخل السوري تُشير إلى أن عمليةً من الانتقاء الذاتي حصلت بين اللاجئين الذين وصلوا ألمانيا، أي أن اللاجئين الذين يأتون إلى ألمانيا على دراية أكثر بنُظُم ومعايير المجتمع الألماني قبل وصولهم. وتشير البيانات إلى أن معظم اللاجئين (81 بالمئة)، ومن ضمنهن السوريون، اختاروا ألمانيا كوجهة لهم بسبب احترام حقوق الإنسان فيها.
ما مدى ثقة السوريين بالمؤسسات الألمانية الرسمية؟
فيما يتعلق بالثقة في مؤسسات النظام السياسي الألماني، توشك مجموعة اللاجئين السوريين على الثقة الكاملة بجميع المؤسسات الألمانية تقريباً، سواء كانت الحكومة الألمانية أو النظام القانوني أو الشرطة التي تتمتع بأعلى نسبة ثقة. مع ذلك، تتمتع المؤسسات الإدارية بأدنى مستوى من الثقة حيث يثق بها 39 بالمئة فقط.
من المعروف بالفعل أن المهاجرين بشكل عام يتمتّعون بمستوى أعلى من الثقة بمؤسسات الدولة الألمانية مقارنة بالمواطنين الألمان، حيث يشكُّ الألمان بشكل متزايد في كفاءتها. مع ذلك، كما هو موضَّح بالفعل بالنسبة لمجموعات المهاجرين الأخرى، قد تنخفض درجات الثقة العالية هذه أيضاً لدى اللاجئين السوريين، حيث تتراجع درجات الثقة كلما طالت مدة بقائهم في ألمانيا. يعتقد الباحثون أنه مع عملية الاندماج، يتوجّه الميل العام عند اللاجئين والمهاجرين نحو آراء ومعايير غالبية المواطنين الألمان. لذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيكون حالَ اللاجئين السوريين. في الحقيقة، تُظهِرُ البيانات إشارات واضحة على بدء هذه النزعة، خصوصاً إذا ما ألقينا نظرة على قلة الثقة في المؤسسات الإدارية التي تشكّل أول تماسٍ مباشر مع اللاجئين السوريين (كتعامُلاتهم مع مكتب الأجانب، مكتب العمل، وغيرها) …
خاتمة
يُظهر اللاجئون السوريون مستويات منخفضة نسبياً من الاهتمام السياسي، مع درجة عالية من التباينات حسبَ خصائصهم الاجتماعية والاقتصادية. تنعكس بعض المؤشرات على هذا الاهتمام السياسي المنخفض أيضاً، ومنها المستوى المنخفض في المشاركة المدنية، وقلة المناقشات السياسية، وانخفاض نسبة فهم النظام السياسي الألماني والمواضيع السياسية المهمة في ألمانيا. من اللافت للنظر بشكل خاص أن نرى نزعة عالية لتأييد النظام الديمقراطي، ودعم الأقليات وحقوق المرأة، فضلاً عن الثقة العالية بالمؤسسات الألمانية. هذه المقومات ليست شرطاً مسبقاً جيداً لديمقراطية فاعلة فقط، ولكنها تَعِدُ أيضاً بإمكانية عالية للمشاركة المدنية في المستقبل وزيادة الاهتمام السياسي. ستعتمد المشاركة الاجتماعية والثقافية، وكذلك الاقتصادية، للّاجئين السوريين إلى حد كبير على تَطوُّر عملية الاندماج. ولكن تحتاج مثل هذه العملية إلى جهد كبير، ليس فقط من جانب اللاجئين السوريين، ولكن أيضاً من جانب الحكومة الألمانية والجهات المدنية الفاعلة في المجتمع.