تطرح الهجمة الأخيرة على المثلية، في لبنان والبلدان العربية، اتهامًا أساسيًا بأنَّ المثلية ممارسةٌ غيرُ طبيعية. ومن هذا الاتهام، وعليه، يُحذِّرُ خطاب الهجمة الأعم من تدهور الأخلاق واستهداف قيم العائلة وتوسع المؤامرة على المجتمع.
عن «الطبيعي» و«الفطري»، مرة أخرى
في محاولة لصدِّ الهجمة، يُقدِّمُ خطابُ الدفاع عن الحريات الجنسية المثليةَ على أنها تأبيد طبيعي لحالة خلقية، مُحاوِلًا الردَّ على تهمة «الشذوذ» عن «الطبيعة» و«الفطرة». ينزلق الخطاب إلى التأكيد بأنَّ المثلي لم يختر مثليته، فهو قد خُلِق كما هو عليه: مثليًا. إنه، بهذا المعنى، لم يُنتِج نفسه، ولم يَختَر «هويته». يحاول الخطاب استرداد نقاش «الطبيعية»، لكن بدلًا من إعدامه، يتبناه، وبذا ندور في حلقة مفرغة من نقاشات حول الغيرية والمثلية.
ليس سرًا أنَّ هذا الخطاب هو جزء من خطاب عالمي يحاول تطبيع المثلية ضمن النُظُم الاجتماعية المعهودة، نازعًا منها عصبها الاعتراضي في العيش على هامش أنظمة المجتمع. فالهامشيّون هم دومًا قنبلة على وشك الانفجار ينبغي دومًا السيطرة عليهم، إما بالعنف أو برشوتهم على طريقة رشوة السكان الأصليين المسلوبة مساحاتهم، وتقديمهم في صورة هويتهم التي نصنعها: المثلي الناجح الطيِّب (على نسق المهاجر الناجح الطيِّب).
عندما نقول إنَّ المثليين هم على الهامش، لا نعني أنَّ عليهم العيش دومًا بلا حقوق، أو أن يكونوا ذوي أداءات عدمية كارهين لذواتهم التي يصنعونها باستمرار (ولا يمكن إلا أن يصنعوها باستمرار لأنَّها سمة من سمات هذا الخيار). على العكس تمامًا، يأتي الهامش هنا كقوة إزاحة مثلها مثل باقي الديناميات الاجتماعية التي تصنع مستقبلها. الهامش هنا هو تحديدًا عكس الفقاعة والمجتمعات الصغيرة التي يُرمى لها الفتات. فعبر التاريخ، في مجتمعات كثيرة حرة الأداء الجنسي، عاش المثليون والمثليات والباقون من أحرار الجنس، جزءًا أصيلًا من صناعة مجتمعاتهم، لا في كونهم مثليين وأحرار الجنس فحسب.
قد يقول قائل إنَّ خطابًا كهذا يعطي للهجمة ما تود: تأكيد مؤامرة تغيير المجتمع. والحق أنَّ الهجمة كانت وما تزال مستمرة، وظُهورُها بالضخامة على ما هي عليه الآن، بالإضافة إلى مسوغات سياسية تختلف بحسب البلد والسياقات الداخلية، هو ردٌّ في الأساس على خطر ظهور حرية الأداء الجنسي. هذا ما تراه الهجمة في الهوية المثلية، وهذه هي بذرة الاعتراض. فحرية الأداء الجنسي تتعدى المثلية باتجاه فكرة الخيار الجنسي، وفكرة الاختيار بشكل عام. المثلية كهوية واضحة، يسهل التصويب عليها والتجييش ضدها في هذه الهجمة. فهي تُقدِّمُ صورة انسحاق الذكورة / الرجولة، ما قد يفتح المجال، بحسب خطاب الهجمة، لانفلات الأمور من عقالها على أكثر من مستوى. من خلال تجييش كهذا يطرح خطاب الهجمة فكرة الهجوم الغربي (التي نظَّرَ لها أكاديميون وقدموا لها الأساس النظري في ما أود أن أدعوه «الأكاديميا الطَّلْح»)، وسرعان ما ستُسلَب تحتها حريات مكتسبة أخرى صنعتها نساء المجتمعات، مثالًا لا حصرًا، بقوة نضالاتهنّ.
من جدل الرجال حول المرأة حتى «باربي»
فلننظر إلى أنواع الجدل «الرجولي» التي تسيَّدت المجال العام في الآونة الأخيرة عن النساء:
- صناعة العائلة ليست خيارًا: تَضربُ مربية في حضانة أطفالًا، فتُساءَل ُالأمهات لِمَ يتركن أطفالهن في الحضانات، في تهمة تُعدِمُ بشكل كامل الحالة المعيشية، والسياسة التي أنتجتها، وتعود بالأم إلى حالة الأمومة المقدسة بما هي على نقيض من خيار المرأة في صناعة صورة عائلتها (ومعها زوجها) وطريقها في المجتمع. وخلف هذه الرِدَّة، رغبةٌ بالعودة إلى صوَر سابقة للعائلة والمجتمع، المرأة فيها هي خادمة على أكثر من مستوى.
- الحياة المشكوك في «قيمها» ليست خيارًا: تُقتَل امرأة بسبب شبهة ما يسمونه «تلويث الشرف»، يقتلها زوجها ويتصافح مع أخيها في مكان عام، ليشكره الأخير على تنظيف اسم العائلة، في مانيفست مُصوَّر (والصورة هنا أساس) عن استعادة الرجل للمرأة وصولًا إلى تحديده ساعة موتها.
- الفكر ليس خيارًا: في بلد قريب، تقوم نسوية إسلامية بالإعلان عن ندوة عن النسوية، فتهدَّد من خلف المحيطات (كندا وأميركا). لا تناقش أصلًا. إذ كيف تجرأت على جمع «خيار» النسوية بمصير ديني وُلدت معه أو اختير لها بقوة القدر؟
هذه التنويعات الاجتماعية والعاداتية والدينية حول ضرورة منع الاختيار عامةً، تصل ذروتها وكاريكاتوريتها في خطاب وزير الثقافة اللبناني المُنظِّر لضرورة منع فيلم «باربي». فخطابُ الوزير، عبر تفاهته الخالصة، يوضح كل ما سبقَ بالحرف. فالتفاهة، مشكورةً، تُعرَّف بكونها فاقدة للقدرة على ضبط ما تقول وما تصنع: «فيلم باربي يتعارضُ مع القيم الأخلاقية والإيمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان، إذْ يروّج للشذوذ والتحوّل الجنسي، ويُسوّق فكرةً بشعةً مؤدّاها رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم وتسخيفه والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة، وتصويرهما عائقاً أمام التطوّر الذاتي للفرد لا سيّما للمرأة؛ الجميع مدعوون إلى الالتزام بتوافق ’الديمان‘ الذي أكّد على وجوب ’التشبّث بالهويّة الوطنية وآدابها العامة وأخلاقياتها المتوارَثة جيلًا بعد جيل، وقيمها الإيمانية، لا سيّما قيمة الأسرة، وحمايتها، ومواجهة الأفكار التي تخالف نظام الخالق والمبادئ التي يُجمع عليها اللبنانيون‘؛ كان من الجليّ أنَّ هذا الفيلم يُخالف بمحتواه الآداب والقيم لا سيّما قيمة الأسرة، ويخالف المبادئ الوجدانية والأخلاقية والإيمانية التي تُشكّل الحصن الحصين للمجتمع اللبناني، وأنّ عرْضه في لبنان سيكون له أبشع الآثار والنتائج لا سيّما على الأطفال بشكلٍّ خاص والناشئة بشكلٍ عام؛ لذلك باشرنا بالإجراءات الآيلة لمنع عرض هذا الفيلم في لبنان».
وزير «باربي»: الرجولة في خطر
يقدم وزيرُ «باربي» «الشذوذَ» والتحوّلَ الجنسي في واجهة خطابه، لكن وراءهما المعنى الكامن: اهلعوا فالرجولة في خطر. فوصاية الأب رجولة، والدور الكلاسيكي للأم هو إثبات لرجولة الرجل، وضرورة الزواج هو ضرورة للرجل (قبل المرأة)، والأسرة هي أسرة الرجل، وكل رجولة الرجل الفائضة هذه لن تعيق المرأة / الفرد عن تطورها الذاتي، فهي بالنهاية امرأةُ الرجل، وهذا نظام الخالق ومبادئ الوجدان أو الأخلاق والإيمان التي هي الحصن الحصين لمجتمع الرجل.
هكذا يتمحور الخطاب كليًا حول أفكار الهلع من مغادرة الرجولة. ومن فكرة مغادرة الرجولة هذه، يتركَّز الهجوم على المثليين الذكور وتُنبَذ المثليات بشكل كامل حتى من شرف الهجمة. وعلى النحو ذاته، يتركَّز الهجوم على الذكور اللواتي عَبَرنَ نحو أنوثتهنَّ، ويُهمِل النساءَ الذين عبروا نحو ذكورتهم. فالفتاة المثلية فتاة مقذورة لأنَّ الرجل (في خطاب الرجولة) يرفض أن يتخيل فكرة الرفض، لكن يمكن له في أكثر خيالاته البائسة جنوحًا، أن يحوِّر الرفض في المشهد الفانتازمي الشهير عن نسوة يمارسن الجنس سويةً من أجل الرجل الرائي لهنَّ فقط. بينما ارتكبَت العابرات نحو أنوثتهنَّ العار. لقد هربنَ من الرجولة ويجب عرضهنَّ كمشهد مقرف وفاضح ومستهجن كما فعل وزير «باربي» في تغريدة من تغريداته.
العبور من الرجولة هو كما المثلية، «نعنعة» و«مَحن»، ومؤامرة ماسونية وصهيونية تود القضاء على الرجولة بمغادرتها. فلندع تفاهة الربط بين الصهيونية والمثلية جانبًا، فقد يكون صعبًا على الوزير متابعة المواقف العامة من الـ Pink Washing، لكن هل يظن وزير «باربي»، ووراءه ممّن تحدَّثوا في المنحى نفسه وسطروا بيانات الدعم فعلًا، أنه ليس بين المثليين شهداء قبالة إسرائيل، أو أنهم جميعهم أذنابها، أو أنهم جميعًا ملحدون ويفتقدون للصلة الروحية مع معتقداتهم أيًا كانت أو لم تكن؟
خطاب الأمين العام: لا مكان للمثلي
يمكن العودة لخطاب أمين عام حزب الله الذي تَلقّفه الوزير، وأطلق الهجمة على نطاق واسع، بتكليف جمهوره نبذ قاموس المثلية، واستبداله بقاموس «الشذوذ»، ومجابهة «الظاهرة». فالحزب بمكانته المثبتة في حرب الشوارع في بيروت عام 2008، والمانع لكل ما لا يود السماح به، والمُعطِّل لكل شيء حتى يصبح ما يسعى إليه هو «تسوية الآخرين»، يمتلك مكانة معنوية عند خصومه قبل مريديه في الواقع الطائفي والجماعاتي للبنان الحالي. يستنهض هذا الخطاب مجتمع الحزب ويوجهه نحو حالة أكثر انغلاقًا، ويعرض فكرة تحالف طوائف واسع حول الخطاب، والتي تلقفها بدوره وزيرُ «باربي» مُذكِّرًا أنّ ممثلي السنة والموارنة هم من استخدموا عبارات «ضبط القيم الإيمانية» و«نظام الخالق»، وصولًا إلى طرحه قانونًا مناهضًا للـ«شذوذ» في مجلس الوزراء.
خطاب نصر الله، رغم آثاره الاجتماعية الخطِرة، مُتسق مع فكرة مشروع الحزب عن نفسه وعن صناعة مجتمعه. أنتم لستم أنفسكم. أنتم ذوات الثورة الإسلامية ومشروع التحرير. تناسلوا يا رجال، فأنتم الصورة في مقدمة المشروع. رجولتكم قضية، وحولها تُبنى أساطير البطولة. لكن أين موقع المثلي في هذا كله؟ لا موقع له. فهو غير قابل للبطولة، رجولته مخدوشة وبطولته معدومة، وهو أيضًا عادمٌ للتناسل ما يهدد صناعة المجتمع الذي سينجز مسيرة التحرير. لذا ينبغي لجمه عبر استنهاض المجتمع ضد الشرور، والاستثمار في الهلع الدائم الذي تَسبَّب به امتلاك فائض القوة.
من المؤامرة الصهيونية، وحتى الخطر على العائلات، يعترف خطاب مناهضة «الشذوذ» بسقوط قدرة الخطاب الوطني على التجييش. هذا واضح حتى في ما هو أبعد من لبنان، إذ كيف يمكن لك أن تُجيِّش وطنيًا بينما خطابك قائم على تسليم السيادة أو ضرورة بيع البلد بالتقسيط للشركات الآتية من الخارج والدول الباحثة عن بزنس ما بعد الانهيار وما بعد الحرب وما بعد الانقلاب؟
أبعد من لبنان: عروبة بلا سياسة
لقد دُفع الطائل من المال على مدى أعوام من أجل صناعة صورة العروبة الناجحة في كأس العالم بقطر. فماذا كانت النتيجة؟ الاحتفاء بنسوة أجنبيات يُجرِّبنَ الحجاب في الشوارع وتقديمُ المشهد على أنه فتح «ثقافي» عظيم. ولتكتمل الصورة كان لا بد من وقفة رجل واحد ضد «شذوذ» المستعمرين. في زمن يمنَع الحديث في كل شيء، أو يسمح للجميع بالحديث في اللا شيء فقط (وهذه سمة إعلام ما بعد 2013)، في زمن الدول التي تسلم سياداتها بالكامل، يُقدَّم خطاب الكراهية والتحريض كمُجابَهة للاستعمار، وفي أصل قِيَم مشروع العروبة الجديدة معدومة الانخراط السياسي. وبذا، لا يمكن عزل الاحتفاء بتحجيب امرأة في شارع، عن الاحتفاء بمنع الشارات الملونة على سواعد لاعبين أجانب. كلا الهبَّتين تتجاوزان الالتزام الإيماني / الديني. فكل من يتابع الرياضة، كرة القدم تحديدًا، يلاحظ مثلًا موقع ألعاب القمار الرياضية في واجهة ملابس اللاعبين المسلمين تحديدًا، أما الاحتفاء بالملايين المدفوعة للاعبين القادمين إلى ملاعبنا، فهو بدوره ليس من الالتزام الإيماني (الإسلامي تحديدًا) بشيء. لذا، فإنَّ ما يتبقى من هذا الهلع كله ليست قِيَمَ الالتزام الديني، بل صورة الرجولة في هذا العصر، حيث أندرو تايت هو آخر تمثلاتها الصارخة المحتفى بها عربيًا وإسلاميًا.
المثلي: الظل والخفاء
للظلّ والخفاء، والمعاني حولهما وبينهما، وجودٌ جذريٌ في عيش المثلي، داخل المنزل وخارجه. ويُرافِقُ هذا الوجودَ اتفاقٌ ضمني مع الأهل على تكرار رقصتي النكران والتحايل المستمر حول الموضوع. ما الذي يفعله خطاب أمين عام مجتمع حزب الله إذ يطرح تكليف المجابهة في مساحة عامة على هذا النحو؟ هل يحمي العائلات؟ على العكس تمامًا، يكسر هذا الخطابُ العائلات ويطلب من الأهالي أخذ المبادرة وتصعيب حياة الأبناء المثليين («تصعيب» هنا تبدو اختيارًا ملطفًا)، مُوحيًا لعموم الناس، الممنوع عنهم الاعتراض، أنَّ هذه معركتهم الشخصية. تصدير المعركة على هذا النحو يتعدى الحزب إلى كامل البلدان التي «يصدف» أن السياسة فيها ممنوعة.
الزواج المبكر ضرورة لمنع تفاقم «الظاهرة»، يقول خطاب الأمين العام. لكن ماذا لو فات الوقت، أو لم تنجح الخطة؟ هل نعود إلى تذكير الأمين العام في بداية خطابه بعقوبة المثلي الدينية: «يُقتَل»؟ وماذا لو نجح «علاج» الزواج المبكر (الذي يعيد وزير «باربي» تأطيره في مصطلح «ضرورة الزواج»)؟ أي رجولة ستنتج عنه؟
حبس المتعة
فلنضِف إلى خطة الزواج المبكر باقي العدة التي تتعدى الحزب إلى طوائف أخرى: تزويج الصغيرات، ومنع الجنس قبل الزواج، والزواجات المنظَّمة الني يدفع لها الشباب، والحد من الاختلاط بين الجنسين، وتصعيب الطلاق، والمواقف المعادية للمرأة، ومنع تعريف معنى العلاقات الرضائية خارج وداخل الزواج. كل هذا التأطير يهدف أولًا لإنتاج ما يمكن تسميته بـ«حبس المتعة»، وتوفير المتعة فقط للرجل في صورته الرجولية المُعتادة (ولهذا تشريعات معروفة تُبدّي الرجل على غيره).
بمعنىً آخر، الاعتراض هنا، ليس في كون المثلية شذوذًا، بل في كونها خيارًا يرى في إتاحة المتعة ضرورة نفسية لإنتاج فرد في جماعة. «الشذوذ» بهذا المعنى هو شذوذ عن الدرب الاجتماعية الواضحة بوصفها دربًا يسهل التحكم فيها سياسيًا. لكنَّ وضوح الدرب الاجتماعي لا يعني على الإطلاق سوية مجتمعية، وحالة النساء في محاكم الأحوال الشخصية يعرفها الجميع.
ما الذي يُنتِجُ مجتمعات على هذا النحو من العنف الكامن والتوحش الواضح؟ تقديري أن حبسَ المتعة سببٌ أساسي في مثل هذا الإنتاج وهو في أصل حالة حبس السياسة. لكن هل يُنتِجُ خطابُ إتاحة المتعة إنسانًا غير منخرط اجتماعيًا بالضرورة؟ قد تنتج المتعة أداءًا عدميًا في حالة حبس السياسة عندما تصير متعة لذاتها، لكنَّ أصل العدم هنا هو في تحويل المتعة لهوية استهلاكية لا في ضرورتها للمضي قدمًا، وهذا في صلب نقد خطاب الهويات. حبس السياسة يراد منه في الأصل تقييد المتعة ومعها الخيال. حبس السياسة يعني «ممنوع عليك أن تختار أن تصنع» و«هذا هو المتاح القليل»، ليصير الدين (ومنظومة القيم) الساحة الوحيدة التي تتحول فيه فرصة المتعة إلى فرصة عنف هي في أصلها اعتراضٌ على حبس السياسة، ما يُحوِّلُ روحانية الإنسان إلى فعل أدائي عنيف وموحش تجاه أبناء الدين الواحد والآخرين.
ينبغي السؤال أخيرًا: أي لبنان هو هذا اللبنان الذي صار فيه عنفه المكتوم والتاريخي خطابًا عامًا على هذا النحو بلا أي حرج من تحطيم الصورة الأثيرة والتاريخية عن البلد أمام العالم برمته؟ ومن هو هذا الرجل الذي يحاول خطابُ الهلع تمديد صلاحيته؟ وأي عائلة سيكون «قَوَّامًا عليها»، وأي أجيال لاحقة سيُنتِج؟ أي بلد هذا الذي يصنعونه من روث الكلام، مُضيفين إلى عنفه البيِّن عنفًا وحشيًا مضاعفًا؟
للأسف، في الدرك الذي يسلكه لبنان، تُنبئ محاولات الأجوبة عن هذه الأسئلة بقصص حزينة أخرى ستزداد فصولها «عتمة»، على حد قول وزير «باربي»… الهاجس بالأنوار.