قبل أيام قليلة من عملية طوفان الأقصى واشتعال الحرب في غزة، أُعلنَ في العاصمة الفرنسية باريس عن تأسيس الحزب السوري الديمقراطي الاجتماعي. عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، دعا الحزبُ أعضاءه وأصدقاءه إلى مؤتمر تأسيسي تم بنجاح في الثالث والعشرين من أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، وتمخَّضَ عن انتخاب قيادة الحزب وإقرار وثائقه التأسيسية ونظامه الداخلي.
وفي حين حضرت المؤتمر جهات وشخصيات سياسية وثقافية مُكرَّسة ومألوفة في المشهد السوري المعارض كبرهان غليون وجورج صبرا وفارس الحلو، غلبت الأسماء الجديدة والوجوه الشابة على أعضاء الحزب المُنتخَبين، بالإضافة إلى حضور نسائي معقول في الصفوف الأولى ضمَّ نغم العيسمي كنائبة للرئيس وفاطمة الحجي مديرةً لمكتب الإعلام. وعلى عكس أحزاب سوريّة ناشئة أخرى تبنّت بشكل أساسي الهوية الديمقراطية الليبرالية، وكانت الجمهورية.نت قد سبق واشتبكت معها بالتغطية والتحليل، ينهلُ مؤسسو الحزب السوري الديمقراطي الاجتماعي كما يدل اسمه من قيم الديمقراطية الاجتماعية الكونية، المرتكزة على الجمع بين الحرية والعدالة الاجتماعية، وصاحبة الإرث السياسي الغني في أوروبا، لا سيّما في البلدان الإسكندنافية.
الجمهورية.نت التقت عضو المكتب السياسي في الحزب، الكاتب والمحلل العسكري والسياسي عبد الناصر العايد، في مقابلة معمقة سألناه فيها عن قصة تشكيل الحزب ومواقفه تجاه القضايا السورية الخلافية والتأسيسية الكبرى وأهدافه في المرحلة القادمة.
أﻋﻠﻧﺗم ﻋن ﺗﺷﻛﯾل اﻟﺣزب اﻟﺳوري اﻟدﯾﻣﻘراطﻲ الاﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻗﺑل شهور قليلة، ھﻼّ ﺷﺎرﻛﺗﻧﺎ ﻗﺻﺔ ﺗَﺷﻛيل اﻟﺣزب؛ ﻣن أﯾن أﺗت اﻟﻔﻛرة وﻛﯾف ﺗﺑﻠورت ﻓﻲ اﻟﻔﺗرة اﻟﻣﺎﺿﯾﺔ؟
بداية، شكراً لموقع الجمهورية المميّز لاعتنائه بقصتنا. تعلمون أن السوريين، ومنذ العام 2011، يعيشون في خضمّ بحث دائم عن الذات والهوية والفعالية، وقد وُلدت فكرة الحزب تحديداً في أوساط اللاجئين في أوروبا، خاصة فئة النشطاء السابقين الذين وجدوا أنفسهم منفصلين عن مجرى الأحداث وغير قادرين على التأثير فيها على الرغم من اهتمامهم بكل صغيرة وكبيرة. وربما يكون تفضيلُ فكرة الحزب السياسي على أي نوع آخر من الأُطُر قد جاء بتأثير الحياة السياسية في أوروبا، وما شاهدناه من دور مركزي للأحزاب في الحياة والنشاط السياسي، حيث أنها تُمثّل شريان الديمقراطية التي يحلم المؤسسون بتحقيقها في بلادهم.
أما تبلوُرُ الفكرة فقد اتَّخذَ شكل حوارات ولقاءات صغيرة ومتوسطة بين المبادرين وجمهور اللاجئين السوريين في أوروبا، امتدت لسنتين، وكان تأطير الفكرة وصقلها يحدث في اجتماع مُوسَّع يتداعى إليه المتوافقون في أحد المدن الأوروبية ويستمر ليومين. عقدنا خمسة اجتماعات من هذا النوع في مدن أوروبية مختلفة، وكانت أشبه بمؤتمرات تحضيرية عُقدت بعيداً عن الإعلام، تخلّلتها أنشطة ولقاءات كثيرة جداً، من بينها لقاءات بهدف اكتساب الخبرة. وما ميّّزَ لقاءاتنا تلك أنها كانت بكاملها تقريباً فيزيائية، ورفضنا رفضاً كاملاً إجراء أي أنشطة أو حوارات على وسائل التواصل الافتراضية. وقد نتجت عن كل تلك النقاشات الطويلة وثيقتنا السياسية ونظامنا الداخلي، وعدد كبير من الأوراق التنظيمية المنفصلة التي واكبت تجاربنا الأولية ووُضِعَت على ضوئها.
بالإضافة إلى النظام الداخلي، والذي طبّقناه جزئياً لمدة سنة قُبيلَ إعلان التأسيس بهدف التأكُّدِ من صلاحيته، لدينا أوراق تُنظّم بالتفصيل الأنشطة الرئيسية، من عقد المؤتمرات إلى برتوكول جذب وتنسيب الأعضاء والإدارة المالية والإعلامية وغيره.
في النهاية وصلنا إلى حالة من النظام والتماسك الفكري والتنظيمي، مكَّنَتنا من عقد مؤتمرنا التأسيسي بإمكانياتنا الذاتية الخالصة، وهكذا فإن المشروع انطلق من إرادة ذاتية حقيقية وواعية.
ﻣﺎ ھﻲ اﻟﻘﯾم اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺣزب وﻣﺎ ھﻲ ﻣرﺟﻌﯾﺎﺗﮫ اﻟﻔﻛرﯾﺔ؟ ﻣﺎ ھﻲ اﻟﺗﺟﺎرب اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻣُﻠﮭِﻣﺔ ﻟﻛم ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد «اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ الاﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ»؟
قيمُنا الأساسية هي ذاتها القيم الديمقراطية الاجتماعية المعروفة جيداً؛ العدالة الاجتماعية والمساواة والتضامن. وفي وثيقتنا التأسيسية حدَّدنا ما نعنيه بكل واحدة من هذه القيم بدقة، وقبل تبني هذه القيم درسنا بشكل مُركَّز هذا النوع من التجارب سواء في ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا، لكن التجربة السويدية كانت الأكثر تأثيراً، وربما يكون نهوضُ السويد من موقع الدولة الأفقر في أوروبا بداية القرن العشرين ووصولها إلى موقع متقدم عالمياً بحلول السبعينيات قد لعبَ دوراً مؤثراً في ذلك، أقصد أنها حالة تشبه حالتنا من بعض النواحي الشكلية، ولهذا الغرض عقدنا لقاءً استمرَّ لثلاثة أيام مع خَبيرَين من الحزب الديمقراطي الاجتماعي السويدي، هما قائدان سابقان فيه، وشرحا لنا النموذج السويدي بالتفصيل.
هناك أحزاب سورية تاريخيّة ذات مرجعية يسارية في الأصل وتحولت نحو الديمقراطية بشكل يجعلها قريبة من الديمقراطية الاجتماعية، مثل حزب الشعب الديمقراطي والاتحاد الاشتراكي وغيرها؛ ما نظرتكم إلى هذه الأحزاب وما الذي يُميّزكم عنها؟
دعني أنقل لك في البداية تَصوُّرنا عن الحياة السياسية السورية. نحن نعتقد أنها فقيرة، بل ومُقفِرة، وأن ما يُدعى بأحزاب أو منظمات سياسية هي في الواقع بُنىً صُورية متيبسة، ومُحدِّثك على الأقل كان سيُفضل الانخراط في أي حزب موجود على السعي لتأسيس حزب جديد. واليباس الذي تحدثتُ عنه فكريٌ وتنظيميٌ وممارساتي، وأبرز مظهر من مظاهر ذلك هو عزوف الشباب عن الانخراط في تلك الأحزاب وعدم اكتراث تلك الأحزاب بهم. المسألة ليست في تبني هذا الفكر أو ذاك في الحياة السياسية، لأن جوهر العمل السياسي هو اشتباكه مع شواغل الجمهور اليومية، ومدى انخراطه في الصراع الاجتماعي السياسي، والأحزاب السورية القديمة منها والقليلة الناشئة لا تخوض اليوم غمار العمل السياسي الميداني، ونأمل أن حزبنا وُلدَ وهو بريءٌ من هذا التيبُّس، وأنه سيُظهِرُ قدراً معقولاً من الحيوية، ويمارس السياسة بالمعنى الذي أشارت إليه حنا آرنت: «أن تَرى وتُرى».
أفرزت انتخابات الحزب بعض الشخصيات القيادية؛ هلّا عرَّفتنا على بعض أهم الشخصيات الناجحة وخلفياتها؟ ما هي درجة انتشاركم على صعيد الجغرافيا والعدد؟ هل لديكم حضور في الداخل السوري؟ هل تشغلكم مسألة داخل وخارج أم أنكم متصالحون مع كونكم تجربة سياسية شتاتية؟
من انتُخِبوا هم جميعاً من غير المنخرطين في العمل السياسي السوري سابقاً، وعددٌ منهم، مثل أحمد بحري رئيس الحزب، لديه تجربة لسنوات عديدة في أحزاب أوروبية. كذلك فإن النسبة الكبرى منهم من الجيل الشاب، ونصف أعضاء الهيئة القيادية تحت الخامسة والثلاثين، وبعضهم في مطلع العشرينيات، وهم من اللاجئين الذين وصلوا أوروبا بعيد تفجُّر الثورة السورية، ويقيمون في فرنسا وألمانيا وهولندا والسويد والنرويج.
بالنسبة إلى العمل في الداخل، فإن هدفنا الرئيسي في السنتين القادمتين سيكون تمتين قاعدتنا الأوروبية وتأسيس وإطلاق تنظيمنا داخل سوريا، نحن نعتقد أنه في ظل الأوضاع الحالية في سوريا لا يمكن بناء تنظيم سياسي ما لم يستند إلى دعم من الخارج، وسيكون حزبنا هو الداعم الخارجي لتنظيم الداخل.
هناك اليوم الكثير من التجارب الحزبية الناشئة بين السوريين، لكن معظمها لا يصمد طويلاً أمام حالة الانشقاق والتفتُّت، في حين يستمر البعض الآخر دون نمو وفعالية. لماذا يحدث هذا برأيك؟ وكيف ستعملون في الحزب الديمقراطي الاجتماعي على تفادي هذا المصير؟
أعتقدُ أن حالة الفشل التي تحدثتَ عنها ناجمة بدرجة ما عن الافتقاد إلى المجال السياسي الذي تنمو وتزدهر فيه الأحزاب، الأمر لا يتعلق فقط بالسماح بقيامها أو منعه، بل هناك شروط أخرى على رأسها المنافسة، سواء على الشرعية أو الجمهور أو التمثيل أو حتى المنافسة الفكرية والإيديولوجية. غياب كل هذه المعطيات حرم السوريين من «سوق السياسة» الذي تتطور وتزدهر الأحزاب بفضله.
من ناحية أخرى هناك الافتقاد للعنصر البشري، ثمة فجوة في الفئة السياسية السورية، لا يوجد سياسيون شباب، لقد استقطبت منظمات المجتمع المدني التي ظهرت بُعيد الثورة السورية كل المؤهلين والراغبين بذلك، وابتلع اللجوء والاغتراب جزءاً آخر منهم، وعودة الأمور إلى وضعها الطبيعي تقتضي ظهور عدد من المنظمات السياسية وانخراطها في التنافس، أي ظهور سوق سياسي، وعودة جيل الشباب إلى مضمار العمل السياسي. دون ذلك ستبقى كافة التجارب غير جدية وبلا حيوية.
هناك اليوم أطرٌ جامعة لتشكيلات معارضة برزت خلال السنوات الأولى للثورة، مثل هيئة التنسيق والائتلاف وهيئة التفاوض. هل تعتقد أن هذه التشكيلات تجاوزت فترة صلاحيتها؟ أم أنها لا تزال ضرورية؟ ما هو موقفكم من هذه الأجسام لا سيّما الائتلاف؟ وهل لديكم نية «ﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ» ﻣن ﺧﻼل الاﻧﺧراط ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺎر اﻟﺗﻔﺎوﺿﻲ واﻟﻠﺟﻧﺔ اﻟدﺳﺗورﯾﺔ وﻏﯾرھﺎ؟
إن الأطر «الجامعة» والائتلافات والتحالفات يجب أن تضمّ قوى سياسية لها حضور فاعل، وإلا ستكون مجرد أجسام تلفيقية لها غاية «وظيفية»، وتفتقد إلى الماهية والمضمون السياسي، أي إلى السيادة والسلوك السياسي المستقل كلاعب سياسي. بطبيعة الحال نحن مهتمون بمسار التفاوض، وقد نشارك فيه لكن من خارج الهيئات والأطر الحالية، لأن لنا رأياً سلبياً فيها، خاصة لتفريطها باستقلال القرار الوطني.
ﻋﻠﻰ ﻣﺎذا ﺳﯾﻧﺻبُّ اھﺗﻣﺎﻣﻛم ﺧﻼل اﻟﻔﺗرة اﻟﻣﻘﺑﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﯾد اﻟﻧﺷﺎطﺎت واﻟﺑراﻣﺞ؟ ﻛﯾف ﺳﺗﻘوﻣون ﺑﺗﻣوﯾل ﻧﺷﺎطﺎﺗﻛم؟
سيكون اهتمامنا الأول هو توسيع قاعدتنا الأوروبية والتجذر في مجتمع اللجوء السوري الذي نقدره بمليوني شخص، وعقد الروابط مع القوى والأحزاب والمؤسسات والمنظمات الغربية التي تشبهنا بهدف اكتساب وتعميق الخبرة واكتساب الحلفاء، وبالتوازي مع ذلك إطلاق مسار العمل التنظيمي في الداخل وربطه بالعمل في الخارج. هذان المساران هما محورا تركيزنا في السنتين القادمتين. سؤال التمويل أجبنا عليه منذ البداية، نحن نعمل بتمويل داخلي من الأعضاء، وقد أوفى حتى الآن بتوفير كافة احتياجاتنا وهي لم تكن قليلة.
ما هي نظرتكم للحل في سوريا اليوم في ظل التطبيع العربي مع النظام وغياب أي قدرة عسكرية على تغيير الوضع القائم حالياً؟ ما هي الوسائل المتاحة اليوم للسوريين لاستعادة فاعليتهم السياسية؟
نتعاطى مع الأحداث من منظور تاريخي. ثمة سيرورة طويلة تمرّ بها بلادنا تكتنف ما لا يحصى من الأحداث والتحولات، ونعتقد أنها ستنتهي بتغيير شامل، سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي. من لا يشارك في صنع هذه السيرورة يجب عليه ألا يتوقع أن تسقط ثمارها تلقائياً في حضنه، ومن وجهة نظرنا فإنه لا شيء يحدث خارج السياسة، والعمل السياسي يقتضي التنظيم لكي يكون فعلاً منتجاً. بعد ذلك لا بد من المشاركة، وإذا أردت توصيف استراتيجيتنا بعبارة واحدة فهي مقولة لينين: «لننخرط ونرَ». أما استعادة السوريين لفاعليتهم السياسية فهي بالعودة إلى العمل السياسي، وهذا يعني شيئاً محدداً وواضحاً: «تجميع القوى».
كيف تنظرون إلى مسألة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة في سوريا المستقبل؟ وكيف تُقيّمون علاقة الأحزاب والشخصيات الديمقراطية السورية، ليبرالية كانت أم يسارية، مع الإسلام السياسي؟
لا تتطرق وثائق الحزب لقضية العلمانية بشكل مباشر. نحن نعتقد أن العلمنة تتحقق بمقدار ما يتم عَقلنته من أنشطة ومؤسسات وأفكار، وعلاقةُ الدين بالدولة بالنسبة لنا تحكمها القاعدة السائدة في كل الدول الديمقراطية، وهي أن المعتقدات جزء من الحرية الشخصية التي لا يُمَسّ بها إلا عند مخالفة القانون، ولا يحق لرجل الدين أن ينخرط في العمل السياسي، كما لا يجوز لرجل الدولة أن يستغل الدين سياسياً.
هذا الطرح بطبيعة الحال مبسط، لأن الحزب يرفض الانخراط أو «التورط» في أي جدل أو طرح هوياتي، نحن حزب برامجي، يهمنا ما يهم جمهورنا وما يمكن أن يُقدَّم له على صعيد تحسين ظروفه المُعاشة وحياته ومستقبله، ونعتقد أن بروز النزعات الدينية والطائفية والإثنية وغيرها من نزعات ما تحت وما فوق وطنية هي نتاج فشل الدولة في وظائفها، وستتراجع حدة تلك النزعات كلما تمكنت الدولة والمؤسسات السياسية ومنظمات المجتمع المدني من أداء دورها بشكل أفضل.
أما تقييمنا لتاريخ العلاقة بين الديمقراطيين والعلمانيين والإسلاميين، فأنا أعتقد، وهذا رأي شخصي، بأنه استندَ إلى سوء فهم متبادل وعميق للعلمانية والإسلام معاً من قِبَل من يعتنق كليهما، وأدّى ذلك إلى حرف بوصلة النقاش السياسي بالكامل بعيداً عن الهدف الاستراتيجي لكلا الطرفين، وهو نهضة مجتمعنا وعودته إلى التاريخ. وللخروج من حالة المراوحة العقيمة في المكان لدينا سبيل واضح ومعروف؛ هو التفكير في المستقبل والعمل على إنجاز المهمات التي سيأتي وقتُ استحقاقها قريباً، بدل التمترس في خنادق الماضي، أو الوقوع في أسر الجدل الفكري وإهمال أولوية الانخراط العملي في الصراع الاجتماعي والسياسي الذي تدور رحاه اليوم بلا هوادة من حولنا.
ﻛﯾف ﯾﻣﻛن ﺗﺟﺎوز ﺣﺎﻟﺔ الاﻧﻘﺳﺎم واﻟﺧوف اﻟﻣﺗﺑﺎدل ﺑﯾن اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت اﻷھﻠﯾﺔ واﻟطﺎﺋﻔﯾﺔ ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ ﺑرأﯾك؟ ھل ﺗﻌﺗﻘدون أن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣن ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﻧظﺎم واﻟﻘوى اﻟﺟﮭﺎدﯾﺔ ﻓﻘط؟ أم أن ھﻧﺎك ﺷرﺧﺎً ﺣﻘﯾﻘﯾﺎً ﯾﺟب اﻟﺗﺻدي ﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ والاﺟﺗﻣﺎﻋﻲ أﯾﺿﺎً؟
الانقسام نتيجة منطقية للدولة الفاشلة، والتموضع في أشكال طائفية وأهلية هي نتيجة منطقية أيضاً لغياب المؤسسات والأطر السياسية الحديثة العابرة، ومن خلال تجربتنا المتواضعة كحزب يضم سوريين من مختلف الخلفيات الهوياتية، وجدنا أن حضور الخطاب الوطني والمشروع الحي يُلغي تلقائياً أي طرح أو نقاش هوياتي. هذا لا يعني أن الهويات الفرعية ستختفي، ولا أنها يجب أن تختفي، بمجرد بناء الدولة الوطنية وظهور مجتمع مدني قادر؛ هذه الهويات ستبقى حيّة ويجب أن تبقى حيّة، لكن وفق تصور يضع الهوية الوطنية في محل الاعتبار الأول.
ھل ھﻧﺎك ﺷﺧﺻﯾﺎت ﻛردﯾﺔ ﻣؤﺳِّﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺣزب؟ ﻣﺎ ﻧظرﺗﻛم ﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻌدُّد اﻟﻘوﻣﻲ واﻹﺛﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺳورﯾﺎ؟ ھل ﯾﻛﻔﻲ اﻟﺣدﯾث اﻟﻌﺎم ﻋن ﻣواطﻧﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ؟ أم أن ھﻧﺎك ﺿرورة ﻟﺗﺑﻧﻲ ﺣل اﺗﺣﺎدي ﯾﻌزز ﻗﯾم اﻟﻼﻣرﻛزﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑﻼد؟
نحن لا نُعيّنُ أعضاء حزبنا وفق هذه الانتماءات، نحن سوريون وطنيون. فيما يخص الحكم الاتحادي، نحن ندعم اللامركزية القائمة على انتخاب الوحدات الإدارية من قبل السكان، من أصغر وحدة إلى مستوى محافظ.
هناك اليوم لحظة نسوية عالمية تقف عندها جميع التشكيلات السياسية، وهناك أيضاً حضور جديد للمسألة الكويرية في النقاش العربي وبثٌ للذعر الأخلاقي وخطاب الكراهية. كيف تنظرون إلى هذه المسائل؟ وهل تتعرضون لها في أدبياتكم؟
لا نتطرق بشكل مباشر لقضايا الجندر. نحن ندعم الحريات الشخصية والعامة، ونركز على تمكين النساء، ولدينا في الحزب كتلة نسائية وازنة، بعضها قادمٌ من عمل ونضال في مؤسسات معنية بهذا الشأن مثل نائبة رئيس الحزب السيدة نغم العيسمي. وجهةُ نظرنا في هذا الخصوص هي أن العمل على قضايا الجندر والكوير هو اختصاص منظمات المجتمع المدني الحقوقية، وواجبنا هو أن ندعم سياسياً حين يكون بوسعنا فعل ذلك، لكننا لا نستطيع أن نضع ذلك في صلب برنامجنا السياسي.
أنا أعرف بوجود جدلٍ في الأوساط السياسية والحقوقية، ومطالبات بتضمين النسوية والكويرية في جدول أعمال الأحزاب السياسية، وهذا الجدل يدور اليوم في العالم المتقدم ولم يُحسم بعد، ونحن كحزب ناشئ نراقب ونُتابع وسنتفاعل مع نتائج هذا النقاش في الوقت المناسب.
منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) تتجّه أبصارُ العالم والمنطقة العربية إلى غزة، وعاد النقاش السياسي السوري والعربي ليتمحور حول القضية الفلسطينية. هل لدى أعضاء الحزب موقف مفصّل وموحَّد تجاه هذه المسألة؟ ما هو الحل العادل والشامل برأيكم على صعيد الصراع العربي-الإسرائيلي والفلسطيني-الإسرائيلي؟ كيف تنظرون إلى حماس؟ إن كان على صعيد الهوية الإسلامية والتسلّح وعدم التمييز بين عسكر ومدنيين في إسرائيل؟ أو على صعيد المحاور الإقليمية وعلاقتها بإيران؟
موقف الحزب من القضية الفلسطينية واضح، هي قضية أخلاقية قبل أن تكون قضية سياسية، ولا يتمتع بأدنى قسط من العدل من يُنكِر حق الفلسطينيين في أرضهم ودولتهم المستقلة، لكن بين صفوف الحزب من يَفصِل بشكل حاسم بين القضية واستغلالها، فنحن كسوريين عانينا طويلاً من استغلال النظام الحالي لمشاعرنا نحو فلسطين لتأبيد الديكتاتورية وقمع طموحاتنا وحرماننا من حقوقنا الرئيسية، ونعتقد أن أنظمة عربية عدة قد استثمرت في الاتجاه ذاته. ننظر اليوم بحذر وقلق شديدين إلى المتاجرة الإيرانية بالحق الفلسطيني لفرض هيمنتها واحتلالها لدول المنطقة تحت هذا الستار.
نشرتم بياناً لافتاً قبل أيام يشير إلى خطة شبه متكاملة روسية-عربية-تركية-إسرائيلية تسعى لإقامة حكومات مناطق ذات قوات عسكرية شبه مستقلة، وذلك بهدف إخراج الإيرانيين و«تقويض» حكم الأسد تدريجياً من خلال حصره في دمشق. هلاّ شاركتم الرأي العام السوري طبيعة مصادركم حول هذه الأخبار؟ هل نتحدث عن شخصيات دبلوماسية أم عن تحليلات؟
بالنسبة لمصدر المعلومات فإننا نفضّل عدم الكشف عن طبيعتها في هذه المرحلة، لكننا نستطيع القول إن الحزب يحصل على معلومات من مصادر موثوقة بحكم نشاطه في الميدان السياسي، وتصله أيضاً معطيات من جهات سياسية ذات صلة، والبيان موضوع الحديث هو حصيلة تقاطع وتدقيق لكليهما، وتقديراتنا الخاصة حكمت فقط بشأن الاختيار بين نشره للرأي العام أو الاستفادة من المعلومات في تحركاتنا السياسية.
وليس لدينا ما نضيفه على المعلومات الواردة في البيان باستثناء معطيات ذات ملمح شخصي، مثل أن أحد القائمين الأساسيين على المشروع فنان سوري معارض ومعروف، وهو «وفقاً لما وصلنا» مرشح روسيا لتولي منصب رئاسة الجمهورية بعد إزاحة بشار الأسد.