بعد أشهر طويلة من موافقة لجنة العلاقات الخارجية في شهر أيار (مايو) من العام الفائت -موافقة التي جاءت وقتها بسرعة غير اعتيادية- بقي مشروع قانون «مناهضة التطبيع مع الأسد» مُعلَّقاً أمام مجلس النواب الأميركي إلى أن تمّ التصويت عليه الأسبوع الماضي، حيث حظيَ بأغلبية أصوات نواب الحزبين بعد موافقة 389 من أعضاء الكونغرس مقابل رفض 32 فقط.
حظيَ المشروع بدعم كبير من «التحالف الأميركي لأجل سوريا»؛ وهو تجمعٌ تأسَّسَ عام 2021، يضمّ 8 منظمات سورية أميركية كانت لها جهود في مناصرة ملف محاسبة النظام السوري. ويهدف التحالف، بحسب بياناته، إلى دفع السياسات الأميركية لدعم التحول الديمقراطي في سوريا، ومناصرة قضايا حقوق الإنسان والعدالة في البلد. ساهم أعضاء التحالف بشكل فعّال في عمليات حشد المناصرة والضغط لتمرير مشروع القانون طوال الأشهر الماضية، ويقول القائمون على التحالف إنّ هذا القانون يُعتبر نقلة نوعية في العمل ضد نظام الأسد من داخل واشنطن، وفي نوعية العلاقة التي تربط الجالية السورية بصانعي القرار في العاصمة الأميركية.
يهدف القانون بشكل أساسي إلى منع حكومة الولايات المتحدة من تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد، وتعزيز العقوبات على الجهات الدولية التي تقوم بذلك، كما أنّه تضمَّنَ تعديلات مهمة على قانون قيصر.
محمد علاء الغانم، مسؤول السياسيات في «التحالف الأميركي لأجل سوريا»، قال في حديثه للجمهورية.نت إنّ جهود منظمات التحالف جعلت الحزبين الديمقراطي والجمهوري يُوليان مشروع القانون اهتماماً خاصاً. ويَعتبِرُ الغانم في حديثه أنّ أهداف القانون الرئيسية تتمحور حول ثلاث نقاط أساسية: حظرُ اعتراف الحكومة الأميركية بأي حكومة يرأسها بشار الأسد أو تطبيع العلاقات معها؛ وسنُّ قوانين جديدة وتحديثُ وتمتينُ وتوسيعُ قوانين سابقة متعلقة بالشأن السوري؛ وإرسال رسائل سياسية وقانونية مهمة للدول التي طبّعت علاقاتها مع نظام الأسد، أو التي تسعى للتطبيع معه، بشأن العواقب التي تترتب على تلك الإجراءات.
وعن أبرز التعديلات التي طرأت على قانون قيصر، أشار غانم إلى تمديد صلاحيته حتى عام 2032، إذ كان من المفترض أن تنتهي مفاعيله عام 2024، مُشيراً إلى أنه بات يشمل أي جهة أجنبية تُقدِّم دعماً مالياً أو تقنياً أو مادياً لحكومة النظام، بما في ذلك أي عضو من أعضاء مجلس الشعب، أو أي مسؤول كبير في حزب البعث، علماً بأنّ الحظر يشمل عائلاتهم أيضاً.
وأُضيف إلى قانون قيصر أيضاً تعديلٌ ينصّ على معاقبة أي جهة «تُقدّم المساعدات المالية المصرفية للخدمات الهندسية والإنشائية المذكورة سابقاً في قانون قيصر»، و«تقديم تقرير عن المصارف المقرَّبة من النظام السوري التي يزيد رأسمالها السوقي عن 5 مليون دولار»، و«معاقبة أي شخص أو جهة تساهم في حرف المساعدات الإنسانية الدولية المخصصة للشعب السوري عن وجهتها، ومعاقبة جميع من يستولي على ممتلكات أي مواطن سوري أو يسرقها، أو يضع يده عليها بهدف الحصول على منفعة مالية أو لأغراض سياسية».
ستُساهم هذه البنود والإجراءات المفروضة في تضييق الخناق على نظام بشار الأسد بحسب الإعلامي والسفير السابق يحيى العريضي، إذ أن «القانون في حال نفاذه بعد تمريره من مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي، سيكون له نتائج طيِّبة، باعتباره واحداً من خطط الولايات المتحدة لاستنزاف نظام الأسد وعدم تكريره بأي حال من الأحوال، أي أن الأسد لن يقود سوريا، ولكن أميركا لن تحاربه بأسلوب عسكري مباشر، إنما من خلال الخنق والحصار». وأضاف الإعلامي السوري أن القانون سيُصبح جزءاً من المنظومة القانونية الأميركية، وسيكون مُلزِماً للإدارات الأميركية على تعاقبها، ومن هنا يستمد قوته «إذ أن مخالفته تعني مخالفة القانون».
عُزلة اقتصادية وأعباء بالجملة
من أهداف القانون تضييق الخناق على الأسد وعلى جميع المتعاملين معه، وهو ما سيساهم في زيادة عزلته سياسياً، ويرى قتيبة إدلبي، خبير البرنامج السوري في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، في حديثه مع الجمهورية.نت أن العزلة لن تكون سياسية فحسب إنما اقتصادية، وأضاف قائلاً: «التطبيع السياسي ليس له أي قيمة إن لم تتبعه أثارٌ اقتصادية»، مؤكداً أن النظام يسعى للحصول على الآثار الاقتصادية من التطبيع لمساعدته في حمل عبء «الدولة السورية» اليوم، لا سيّما أن قيمة عجز الحكومة وصلت إلى 100 بالمئة من ميزانية العام الفائت، لكن القانون سيَحرمُه ذلك.
وبالانتقال إلى الدول التي «طبّعت» مع النظام، فالقانون سيضعُ أمام تقديمها للمساعدات أو ترجمة التطبيع السياسي إلى علاقات اقتصادية حواجز عديدة، وبالتالي لن تستطيع هذه الدول تقديم مساعدات مرتبطة بإعادة الإعمار من جهة، ويقع عليها من جهة أخرى عبء مراقبة الأنشطة التجارية الخاصة من أي شركات في المنطقة تتعامل مع النظام أو مع شركات ضمن مناطق سيطرته. ووفقَ إدلبي، الذي نوّه إلى كلّ ما سبق، سيُغلق القانون الكثير من الثغرات التي كان النظام يستغلها من خلال شركاته وعلاقاته الاقتصادية في دول المنطقة، وهو يرى أنّ آثار القانون، في حال دخل حيّز التنفيذ، ستمتدُّ إلى الشركات المتواجدة في المنطقة، التي ستتردد كثيراً قبل التعامل مع نظام الأسد، إذ سيقع على عاتقها التأكُّد من أن أي عملية تجارية تقوم بها تخدم الشعب السوري فقط وليس للنظام أي فائدة مالية منها، علماً أن القانون سينطبق على الشركات الإقليمية والأوروبية والأميركية على حد سواء.
من جهته توقَّعَ كرم شعّار، الباحث الاقتصادي وأحد مؤسسي مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، حصول حالة من النفور عند المستثمرين خاصة ممّن هم خارج سوريا، وأن تزيد الأعباء الاقتصادية على النظام والسوريين مجتمعين، وأن يحدّ القانون من قدرة النظام على التهرُّب من العقوبات في حال تنفيذه، وأن يكون أثرها المستقبلي أقوى من أثرها في الوقت الحالي، مُرجِّحاً حصول حالة من التدهور الاقتصادي في سوريا. وأضاف شعار في حديثه مع الجمهورية.نت أن هذا التدهور سيكون أحد سلبيات القانون المؤسفة، مشيراً إلى أنه من الصعب أن يصدر قانونٌ يتفق الجميع مع مُختلَف آثاره.
أبواب خلفية لكسب المال… هل يغلقها القانون؟
أحد أقسام مشروع القانون ينصُّ على تقديم تقارير دورية حول تلاعب النظام بوكالات الأمم المتحدة، وفي حال تطبيقه سيكون من الصعب على منظمات الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق سيطرته أن تتعامل بالطريقة ذاتها معه، وستخضع للعقوبات في حال ثبوت ذلك. وبحسب الباحث قتيبة إدلبي فإن «العديد من المنظمات التي تسمح للنظام حالياً بالحصول على نحو 50% من المساعدات التي تقدمها بشكل مباشر أو غير مباشر ستخضع للعقوبات»، وأضاف: «سيكون هناك عبءٌ كبيرٌ على الأمم المتحدة كي تضغط على النظام للتوقّف عن استغلال المساعدات التي تُقدّمها، وطبعاً الأمر ذاته بالنسبة للأمانة العامة للتنمية التي ذُكرت في مشروع القانون، لأنها المؤسسة التي يخترق النظام من خلالها عملية تقديم المساعدات».
من جانبه، يُرجّح شعار أن يصبح التعاقد مع الأمانة السورية للتنمية أصعب في المستقبل، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تعمل معها بطبيعة الحال دون أن تُصرِّح عن ذلك. وتضمَّن مشروع القانون الجديد بنداً خاصاً بالأمانة السورية للتنمية، وبخصوص ضرورة البحث، بعد إقرار هذا القانون، إن كانت مستحقة لعقوبات قيصر أم لا.
والأمانة العامة للتنمية هي مؤسسة سورية غير حكومية وغير ربحية كما تُعرِّف نفسها، أسَّستها أسماء الأسد عام 2007 لتكون مظلّة العمل المدني في سوريا، واستطاعت الحصول على ملايين الدولارات من الأمم المتحدة منذ عام 2011، وبات دورها أكثر وضوحاً وأهمية مع فرض عقوبات قانون قيصر وعقوبات أوروبية على النظام منذ عام 2019، لتصبح باب النظام الخلفي للحصول على الأموال.
أما فيما يتعلق بعمل المنظمات الإنسانية، بما فيها من منظمات الأمم المتحدة، فمن المتوقع أن يصبح أصعب ولكن ليس بالمعنى السلبي، إذ سيصبح عليهم التحقق من المستفيدين النهائيين لخدماتهم ومن علاقاتهم مع النظام بحسب شعار الذي وصف الأمر بـ«الإيجابي»، مؤكداً أنّ ذلك يصبُّ في صلب مطالب نشرها مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية بالتشارك مع البرنامج السوري للتطوير القانوني، ضمن دراسة حملت عنوان عقود مشتريات الأمم المتحدة في سوريا: هل هي لـ مجموعة من الفاسدين.
من جانبه، أكَّدَ يحيى العريضي أنّ النظام يبتزُّ مكاتب الأمم المتحدة في دمشق، ويسرق مساعدات الشعب السوري الذي لا يصله سوى قسم ضئيل منها، علماً أن كثيراً من الموظفين المحليين مرتبطون بالسلطة، وهي التي تحددهم من أقرباء النافذين في مؤسساتها، ضارباً مثالاً على ذلك زوجة وزير الخارجية السوري فيصل مقداد.
دبلوماسية تحت الرقابة
من البنود المذكورة في مشروع القانون، ثمة بندٌ يتعلق باستراتيجية الوكالات الأميركية للوقوف ضد التطبيع مع الأسد، وينص على ضرورة تقديم تقرير واستراتيجية مناسبة للجان الكونغرس، للوقوف ضد الإجراءات التي تم القيام بها أو التخطيط لها من قبل الحكومات الأجنبية بهدف التطبيع مع النظام الذي يرأسه بشار الأسد في سوريا، أو رفع سوية العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو الاقتصادية، وغير ذلك. ويُرجّح إدلبي أن هذه التقارير بما تحتويه من معلومات، ستعطي الحكومة الأميركية سلطة في نقاشاتها وتفاوضاتها مع الدول التي خرقت القانون.
سيساهم القانون في حال نفاذه بزيادة عزلة نظام الأسد السياسية، لذا يرى العريضي أن الوقت أصبح مناسباً لتقديم بديل وطني عوضاً عنه، والمطالبة بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وليس الدخول إلى مسارات سياسية نتيجتها صفرية، على حد قوله، مُرجِعاً ذلك إلى أن النظام وإن ادّعى أنه يريد الحل السياسي لكنه غير مؤمن به، ولا يعترف بالمعارضة ولا ينوي تطبيق القرارات الدولية.
ليس مشروع «قانون مناهضة التطبيع ضد نظام الأسد» القانونَ الأميركيَ الأول من نوعه، لكّنه الأكثر شمولاً، وسبقه قانون «مكافحة الكبتاغون» الذي دخل حيّزَ التنفيذ مطلع العام الماضي، ويستهدف شبكات تصنيع ودعم الكبتاغون والمرتبطة بنظام الأسد، وقبل ذلك قانون قيصر لحماية المدنيين لعام 2019.
سيكون هناك دور أكيد لمدى التزام البيت الأبيض بتلك القوانين، وبالتالي قياس مدى تأثيرها على قدرة نظام الأسد على الاستمرار، إلّا أنّ شبه الإجماع الذي حصل عليه القانون في الكونغرس الأميركي، يعطي دليلاً واضحاً على وجود موافقة عريضة في الأوساط السياسية الأميركية على عدم العودة إلى الوراء، ونبذ نظام الأسد من المنظومة الدولية، وهو ما سيساهم بالتأكيد في الضغط على بشار الأسد الذي كان إلى وقتٍ قريب يحاول استثمار نتائج النصر الدبلوماسي الذي حصل عليه بتسارُع عملية التطبيع العربية معه منذ العام الفائت.