في البدء كان الظلام

أيُّ نومٍ هذا الذي غلبك وتمكّن منك

لقد طواك ظلام الليل فلم تعد تسمعني.

جلجامش

الظلام المُفترِس

في البدء كان الظلام، بحسب أسطورة جلجامش، وها نحن نعود إليه. أقف الآن على أحد أسطح البيوت العشوائية، وأتهيّأ للظلام الذي سيطويني.

بدأ الحَمَام يدخلُ إلى أقنانه قُبيل دقائق على حلول الظلام. أُراقبُ أنا وطيور الحَمَام دخولَ الظلام إلى المدينة والشمس التي بدأت تختفي.

انحسار الشمس في كل يوم يحوّل جبل قاسيون شيئاً فشيئاً إلى تلّةٍ من الفحم الأسود متلاشية التفاصيل. حتى الحَمَام يخشى من سطوة الظلام ويتقاطر إلى الأقنان محرّكاً رأسه ورقبته بقلق.

أُلملِمُ أغراضي عن السطح بقلق، نازلاً إلى قنّي المعتم. سأعيش الآن على ضوء اللِّدّات قبل أن تنفد البطارية. سأنزل إلى البراد المُعتِم المعشّش بالرطوبة شتاءً والمتحول إلى غرفة لهيبٍ مليئةٍ بالهواء الساخن الثقيل في الصيف. وبعد قليل سأعيش سبع ساعاتٍ من العتمة بعد نفاد البطارية، وهذه هي المرحلة الأصعب. ستتحالف العتمة مع العوامل الجوية برداً أو حراً، وتزيد من ثقلها علينا ريثما تأتي الكهرباء لمدة ساعةٍ تكون بمثابة نفس إنعاش. من المحتمل أن لا تأتي الكهرباء في هذه الساعة، وكذلك أن تكون فترة حضورها متقطعةً بزياراتٍ خاطفةٍ تستمر لربع ساعة.

بدأت أسئلة الضجر الكئيب تُلاحق رأسي: كيف سأقضي هذه الساعات السوداء؟ هل ستأتي الكهرباء في موعدها أم متأخرة؟ يبدد محمود درويش قلق قدوم الكهرباء ساخراً في رأسي:

 

فإن أقبلَتْ بعد موعدها

فانتظرها،

وإن أقبلتْ قبل موعدها

فانتظرها

 

بهذا القلق والعجز نعيش حياتنا في الظلام، ولا نملك سوى الانتظار والتسلُّح بمعداتنا من لِدّاتٍ وبطارياتٍ نُراهن على أن ننجو بها من ساعات الظلام، وتتدرّج حياتنا من الإضاءة الجيدة إلى نصف الإنارة وصولاً إلى الظلام الدامس. العيش في الضوء الخافت يُحوِّلُ بيوتنا إلى جحور مليئة بالمكتئبين لألف سببٍ وسبب، ومنها الضوء الخافت والعيش في شبه الظلام.

قرأت مرةً في دراسةٍ صادرةٍ عن المعهد الأميركي للصحة العقلية أن الأشخاص المعرضين للضوء الخافت أكثر قابليةً للاكتئاب من الذين يعيشون في الظلام الدامس. يُعتقَد أن تأثيرات الضوء في الليل تكون أكبر على الأشخاص الأصغر سناً الذين لديهم عيون أكثر حساسية، وبحسب الدراسة فإن القلق يزداد لدى الأشخاص الذين يعيشون في الظلام أو في الإضاءة الخافتة. نعم إنه عبء غياب النور يحفرُ في أنفسنا ويخدشها بمبضع القلق.

السماح للظلام بافتراسك يعني الشلل وعدم قدرتك على الحركة إلا بالقدر الضروري جداً؛ كأن تتلمّسَ طريقك إلى الحمَّام أو لشرب كأسٍ من الماء على حساب أي نشاطاتٍ أخرى، وكأنك فقدت حاسةً من حواسك الخمسة. حتى قدرتك على الكلام تتضاءل في الظلام الدامس، فهي تخفتُ مع خفوت الإضاءة ليختفي الكلام مع إطباق الظلام. كيف لك أن تُطلِقَ صوتك دون أن ترى أي ملامح حولك؟ عند السقوط في الظلام تجبرك جدران العزلة على التكوّر على ذاتك، ويصبح القلق من هذا السقوط هو العامل الأساسي الذي تُبنى عليه نشاطات اليوم، حيث تتقاطر الأعمال وتتكاثف الجهود لمسابقة الكهرباء عند زيارتها للبيوت، ويخفت هذا النشاط مع خفوت درجة الإضاءة ليصل إلى الشلل الحركي في الظلام الدامس.

والتكلفة المادية لدرء الظلام لم يَعُد دفعها ممكناً في كل الأوقات لدى معظم الأسر السورية، حيث تبدأ تكلفة مجابهته الأولية بحدود 350 ألف ليرة سورية (23 دولار) في بلدٍ معدل أجور الموظفين الحكوميين فيه 149 ألف ليرة سورية شهرياً (10 دولارات). إذاً يحتاج الموظف لتوفير راتبين بالكامل لشراء بطارية 7 أمبير، وهي أصغر شدة بطاريات متوفرة، ويتراوح عمرها من ستة إلى ثمانية شهور، وتستطيع في أول شهرٍ من عمرها أن تضيء قطعتي لِدٍّ معاً مدة خمس ساعات.

اللؤلؤ في مستنقع الظلام

أَفتحُ ستائر النافذة كل ساعة، كأنني أريد زيادة نسبة الأوكسجين في الإضاء الداخلة إلى الغرفة. كلما زادت الإضاءة الشحيحة سوف تُبدّد الظلام الذي بدأ يتكدس فوق قفصي الصدري.

ها هو جبل الفحم «قاسيون» بدأت تظهر فيه أزرار النور، وهي أضواء بيضاء وصفراء نراها على بعد كيلومتراتٍ كنقاطٍ في ظل الظلام الدامس. هذه البيوت هي مستقبل الاستقرار الذي نطمح به نحن الذين نتنقّلُ بين الظلام والنور رغم طول فترة الظلام التي نقضيها ورغم تَدرُّجها من الإنارة الخافتة إلى الظلام الدامس، والذين ما زلنا نرى أن النور هو حالة الاستقرار.

هذه الأضواء تأتي في غالبيتها من ألواح الطاقة الشمسية، التي باتت الحل الأكثر استقراراً لمحاربة الظلام، وخصوصاً في وجود أزمات الوقود وارتفاع أسعاره، ليتمكّنَ القادر على تركيب الطاقة الشمسية من الخروج من سوريا المظلمة ويمتلك رفاهية أن يكون أقل قلقاً حيال موضوع شحن الهواتف والبطاريات، فهو لا يبني جدول أعماله وميقات استحمامه وأنشطته على موعد زيارة الكهرباء طالما أن الشمس تسطعُ كل يوم. ببساطة، يمكنه أن يكون خارج معادلة «الأزمات المُلحّة»، والتي يكون أشدّها هو السقوط في الظلام الدامس.

تتركز كثافة الأضواء عند بداية تسلُّق دمشق على جبل قاسيون، حيث توجد الأحياء «الراقية» مثل المهاجرين وأبو رمانة، اللتين تعجان بالمباني الدبلوماسية و يقع في أعلاهما القصر الجمهوري حيث يعيش بشار الأسد، والذي تغطيه أيضاً ألواح الطاقة الشمسية مثلما تُظهِرُ صور الأقمار الصناعية.

 

القصر الجمهوري على جبل قاسيون بدمشق، خرائط غوغل

تلعبُ البيوت المنارة بالطاقة الشمسية دَورَ النور بالنسبة للفراشات، فقد أصبح لها دورٌ في نشاطنا وتواصلنا الاجتماعي. الصديق الذي يعاني منزله من الإنارة المنخفضة والمهدَّدُ بأن يسقط في الظلام نراه في وقتٍ لاحق، أو يمكن أن نلتقيه في بقعة ضوءٍ عند أحد الأصدقاء. بدأت أزمة الكهرباء تَنْحَتُ العلاقات الاجتماعية، فالبيوت الأكثر استقراراً من ناحية الكهرباء تكون عقدة مواصلات.

تفيضُ شبكات التواصل الاجتماعي بإعلانات بيوت للبيع والإيجار، وتكون البيوت الأكثر طلباً تلك التي فيها إغراءاتٌ مميزة كوجود طاقة شمسية تخدّم البناء، بما يعني العودة بالزمن خدماتياً إلى ما قبل عام 2011. سيعود المصعد للعمل، ويمكن أن يعود التيار الكهربائي للسريان داخل عروق البيت الذي يشتاقه. ولكن ما زالت الإعلانات المتعلقة بهذه المنازل قليلة نسبياً، ويكون إيجارها مرتفعاً.

يتراوح وسطيُ إيجار المنزل في دمشق، عندما يكون مُناراً بالطاقة الشمسية، بين 4 و6 ملايين ليرة سورية شهرياً في منطقةٍ يمكن اعتبارها «شعبية» مثل باب مصلّى. أما في ضواحي دمشق فيكون إيجار المنزل المُنار بالطاقة الشمسية بحدود مليون ونصف ليرة سورية في جرمانا تبعاً لمواصفات المنزل الأخرى، أي بمعدل ضعف مبلغ إيجاره الاعتيادي.
ويحتاج المنزل الواحد إلى منظومة طاقة شمسية مُؤلَّفة من ثمانية ألواح. أنواع الألواح الأكثر شيوعاً هي صينية المنشأ والواصلة إلى سوريا من خلال شركات توريد إماراتية، ويبلغ سعر اللوح الواحد باستطاعة 450 واط حوالي 2 مليون ليرة، بينما تكون تكلفة القاعدة الحديدية وبطارية التخزين والإنفيرتر حوالي 16 مليون ليرة سورية، لتكون التكلفة الاجمالية حوالي 32 مليون ليرة سورية.

بدأت الإجراءات الرسمية لاعتماد الطاقة الشمسية كمصدر يُعوِّضُ نقص الكهرباء منذ أيار (مايو) 2016، حيث تم تركيب ألواح طاقة شمسية على أول بناء رسمي في مدرسة جودت الهاشمي في دمشق، بتمويل من منظمة يونيسيف بموجب اتفاقية بين وزارتي الكهرباء والتربية، وتلاها تشغيل بئر مياه منطقة المزرعة داخل دمشق كذلك بالطاقة الشمسية.

المركز الوطني لبحوث الطاقة، وهو الجهة الرسمية المختصة بشؤون الطاقة البديلة، تأسّسَ عام 2003، وفق القانون رقم 8، وهو تابع لوزارة الكهرباء، وجاء تأسيسه خطوةً في إطار سياسة الانفتاح الاقتصادي التي كان النظام يسعى لأن يبدو عليها خلال تلك الفترة، ولكنه لم يستطع أن يحدث فرقاً من ناحية انتشار الطاقة الشمسية، ولم يقم بأي جهدٍ داعمٍ من خلال تقديم تسهيلاتٍ مناسبةٍ لزيادة الاعتماد على هذه الطاقة.

 

البيئة القانونية

خلال كتابة هذا النص، تشاركتُ مع أحد المحامين في دمشق البحث في أسس البيئة القانونية التي وضعها النظام لقطاع الطاقة الشمسية. في مكتبه الذي تطلّ واجهته على عددٍ من الأبنية في دمشق، أُشيرُ بإصبعي إلى عددٍ من الألواح الشمسية التي تستلقي مائلةً على الأسطح قائلاً بسخرية: «تبدو كسائحٍ مستلقٍ أمام الشاطئ بغرض البرونزاج».

يبدأ المحامي حسن، وهو بالطبع اسمٌ مستعار، حديثه هنا: «نعم فهي للسياح (في إشارةٍ إلى طبقة اقتصادية تعيش معنا في البلد ولا تعاني من المشاكل التي يعيشها الأكثرية الساحقة من السوريين). هذه المجموعات الشمسية ليست للأفراد، كل مجموعة طاقة شمسية لشركة أو لمكاتب سياحية أو فعاليات اقتصادية هي الوحيدة القادرة على شراء هذه الصفائح المُستلقية على الأسطح. وصول الأفراد للحصول على الطاقة الشمسية صار أصعب بسبب التكلفة الباهظة، وذلك رغم  الكلام عن التسهيلات التي تقدمها الحكومة للطاقة الشمسية».

يتابع حسن حديثه وأنا مُنصتٌ إليه: «بدأَ الضخ الإعلامي عن الطاقة الشمسية بعد العام 2020، عند صدور قانون قيصر وبدء أزمة المحروقات الحادة، لكن البيئة القانونية  لدخول الطاقة الشمسية لخدمة المرافق العامة كان قد شُرِعَ بالتجهيز لها منذ عام  2016 من خلال مسارين:

المسار الأول كان يُعنى بإنشاء بيئة قانونية للاستثمار يرتكز عليها قطاع الطاقة الشمسية، وذلك بعد العجز الرسمي الواضح عن تأمين الكهرباء المدعومة، وبطريقةٍ تعود بالربح على القطاع العام ودائرة الفساد التي تعيش ضمنه. جاء هذا المسار ضمن خطوتين:

الخطوة الأولى: القانون رقم 5 الصادر عن رئاسة الجمهورية المختصّ بالشراكة بين القطاعين العام والخاص هو الرافعة التي يعتمد عليها مجال الطاقة الشمسية من الناحية القانونية. بموجب هذا القرار سُمِحَ للقطاع الخاص بإدارة أصول القطاع العام في شتى المجالات الاقتصادية باستثناء القطاع النفطي، فهذا القانون هو الباب الذي دخلت منه بدائل الكهرباء العامة (كهرباء الدولة) لتحل محل الدولة التي كانت المصدر الوحيد لتزويد الناس بالكهرباء.

الخطوة الثانية: قانون الاستثمار الجديد رقم 18 الصادر عن مجلس الشعب في الشهر الرابع من العام  2021، والذي يمنح المستثمرين إعفاءً بنسبة 100 بالمئة من ضريبة الأرباح بدءاً من دخول المشروع حيّزَ الاستثمار، كما يمنح المستثمرين إعفاءً من الرسوم الجمركية على أدوات ومعدات الإنتاج المستوردة بهدف  الترغيب في الاستثمار في شتى المجالات، بما فيها قطاع الطاقة الشمسية.

أما المسار الثاني فهو يختص بإنشاء هيئة قانونية تقوم بإدارة البيئة القانونية للاستثمار، وكانت الواجهة القانونية من خلال تدعيم المركز الوطني للطاقة. ففي 24 آب (أغسطس) 2021 أصدرت وزارة الكهرباء مذكرةً تطلب فيها من المديرية العامة للجمارك فحص ومراقبة جودة الأجهزة الكهربائية ومعدات الطاقة البديلة المستوردة إلى البلاد، وذلك عن طريق إبلاغ المركز الوطني لبحوث الطاقة على وجه السرعة بوصول أجهزة كهربائية حدَّدتها المذكرة، بما فيها إمدادات الطاقة البديلة إلى المعابر الحدودية، ومنح  مركز بحوث الطاقة سلطة الموافقة على دخولها فقط بعد مطابقة المواصفات المحددة».

احتكار الضوء

بعد تجهيز البيئة القانونية بدأت عمليات الاحتكار بقرار من رئاسة مجلس الوزراء في 7  شباط (فبراير) عبر موافقتها على الاقتراح الذي قدمته «اللجنة الاقتصادية». تمنح هذه الاتفاقية الإذن بتدريب المِخبريين تحت إشراف وزارة الكهرباء، وسيوفّر المركز الوطني لأبحاث الطاقة مختبرات لفحص معدات الطاقة البديلة. وبحسب جولة في الأسواق، فإن الأكثر توافراً هو نوعان من ألواح الطاقة الشمسية ذات منشأ واحد هو الصين، وذات توريد واحد هو الإمارات.

خطورة إنشاء مختبرات الطاقة لا تأتي من الدور القانوني الذي تقوم به، بل تكمن في أنها آلية قانونية يتحكم من خلالها القطاع الخاص بمجال الطاقات البديلة تحت ستار «تعزيز تطوير قطاع الطاقة»، فهي المسؤولة عما يعرف باسم «اللصاقة الليزرية» التي هي بمثابة ختم للضريبة التي يفرضها مختبر الفحص على كافة مستلزمات الطاقة البديلة.

تعمل اللصاقة الليزرية بمثابة القفل الذي أَوصدَ الباب أمام التعددية في قطاع الطاقة البديلة، من خلال ضرائب على هذه اللصاقة يدفعها تاجر الجملة بما يعادل 100 ألف ليرة على كل منظومة طاقة يتم شراؤها، ولا يمكن الحصول إلّا على ألواح الطاقة التي يقوم بفرضها «حيتان السوق» القادرون على الحصول على اللصاقة الليزرية، وبدونها تُعتبر هذه المواد مُهرَّبة وتتم مصادرتها.

كما رافقت تجهيز البيئة القانونية للاستثمار بقطاع الطاقة البديلة إجراءاتٌ عملية من دعاية وتحفيز لـ«دخول عصر الطاقة البديلة»، ففي عام 2019 أطلقت وزارة الكهرباء ما قالت إنها إستراتيجية عام 2030، ليتم البدء باعتماد الطاقة البديلة في توليد الكهرباء، وكانت هذه الاستراتيجية تهدفُ إلى «ترميم ما يقارب نصف العجز الكهربائي»، حيث يغطي إنتاج الكهرباء ربع حاجة السكان، وبحسب وزارة الكهرباء فإن 13.49  بالمئة من هذا الإنتاج يتم من خلال الطاقة البديلة.
فيما كان الإعلان الرسمي للاستثمار في مجال الطاقة من خلال خطاب القسم الأخير الذي ألقاه بشار الأسد في تموز (يوليو) 2021، حين قال إن الطاقة البديلة «ستكون مجالاً للاستثمار في السنوات القادمة».

مشروع طاقة شمسية في الغوطة الشرقية
ألواح طاقة شمسية لإنارة شوارع دمشق

البحث عن مستثمر خارجي

في حزيران (يونيو) عام 2007 استضافت سوريا المؤتمر الإقليمي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حول الطاقات المتجددة، وبعد عامين منه تَبرَّعت ألمانيا بألواح طاقة شمسية لجامعة القلمون الخاصة، ليكون هذا أول مشروع لتركيب الألواح الشمسية في البلاد.

تبعَ ذلك في العام 2009 إصدار مجلس الشعب السوري القانون رقم 3 للحفاظ على الطاقة وحمايتها، وفيه ذُكِرَ المركزُ الوطني لبحوث الطاقة لأول مرة كجهة حكومية تقوم بمراقبة وتنفيذ مشاريع الحفاظ على الطاقة. 

في العام 2010 تم إصدار القانون 32 الذي سمح للقطاع الخاص بالاستثمار في مشاريع الطاقة البديلة، وكان محاولةً لترغيب القطاع الخاص المحلي والدولي في الاستثمار في قطاع الطاقات البديلة لتوليد الكهرباء بحسب ما ينص عليه القانون، وكانت خطوةُ النظام محاولةً لاستجرار المُستثمِر العربي وإعطاء صورة عن الوعي البيئي للسياسات الحكومية السوري أمام المجتمع الدولي. 

كان هذا القانون باباً لدخول أموال الشراكة والاستثمار، فبناءً عليه افتتح رئيس الوزراء الأسبق محمد ناجي عطري الشركة السورية الأوكرانية للطاقة الشمسية، التي كان مركزها ضمن معمل «سيرونكس» في منطقة القابون بدمشق.

كانت نسبة الجانب الأوكراني الثلث، وتتقاسم وزارتا الكهرباء والصناعة الثلثين الباقيين. كل الإجراءات الرسمية للترحيب بالطاقة الشمسية لم تكن تصل للشارع، وبقي انتشار الطاقة الشمسية محدوداً وبقيت رمزاً للارتياح المادي لدى فئات معينة من السوريين، وكان هدف النظام آنذاك إعطاء انطباع بأن هنالك مناخاً اقتصادياً مُحبّاً للبيئة يمكن الاستثمار فيه، لكن دون أن تصبح الطاقة البديلة في متناول المواطنين العاديين.

بعد الثورة السورية تَحوَّلَ الاستخدام السياسي والاقتصادي لقطاع الطاقة البديلة إلى أولوية، وكانت إيران سبّاقةً إلى الاستثمار فيه منذ أيلول (سبتمبر) 2019، حين وقعت إيران وسوريا اتفاقاً على التعاون لتوليد الطاقة البديلة بالقرب من مدينة حسيا الصناعية بين دمشق وحمص، وتم افتتاح المحطة في أيار (مايو) من العام الماضي 2023.

بدأ قطاع الطاقة البديلة يأخذ حيّزاً أكبر في الاجتماعات السياسية، والتقى وزيرا الطاقة السوري والإماراتي في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وبحسب التصريحات الرسمية السورية كان الاجتماع «للاستفادة من تجربة الإمارات في الطاقات البديلة»، وبعدها صرَّحَ وزير الكهرباء السوري أن الإمارات دخلت على خط الاستثمار بالطاقة البديلة، من خلال توقيع عقود لإنشاء محطة لتوليد الطاقة الشمسية في منطقة وديان الربيع  بالقرب من دوما في ريف دمشق.

عندها تَوجَّهَ النظام إلى إنشاء صندوقٍ مالي للطاقات المتجددة من خلال مرسومٍ جمهوري بداية تشرين الثاني (نوفمبر) حمل رقم 23 لعام 2021، ونص القانون على أنه «يحق للصندوق قبول التبرعات من الدول الخارجية»، وتم فرض ضرائب على فواتير الكهرباء بقيمة واحد بالمئة من سعرها ونصف بالمئة على سعر المشتقات النفطية من أجل دعم هذا الصندوق مالياً.

وقد سافر وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الهند في الشهر الأخير من العام 2022 لإجراء مباحثاتٍ مع وزير خارجيتها، كان جزءٌ منها متصلاً بموضوع الطاقة البديلة. الهند قالت إنها وقفتْ مع سوريا في أصعب الظروف وستقفُ معها مجدداً، وفي تموز (يوليو) من العام الماضي وقّعَ بشار الأسد على طلب انضمام سوريا إلى «الاتحاد الدولي للطاقات المتجددة» الذي تقوده الهند و يقع مقره الرئيسي في الإمارات، حيث يسعى الاتحاد إلى تقديم مساعدات للدول داخل الاتحاد تحت عنوان «تمكين الطاقة البديلة وتخفيف الضغط على استخدام منافذ الطاقة التقليدية».

إذاً يريد النظام السوري الإعلان عن أن زمن الطاقة الشمسية في سوريا قد بدأ، ولكن ما تزال هذه المشاريع مثل منازل على المخطط. يرى الناس ألواح الطاقة الشمسية تُنصَب هنا وتُنير هناك، ولكن هذه الرؤية هي نظرة محتاج خلف واجهات المحلات، دون القدرة على الوصول إليها بسبب تكلفتها المرتفعة التي لا تناسب الدخل، مع انعدام آليات المساعدة الفعالة.

تمر الأيام ومساحة العتمة تزداد، ومَناعتنا لمقاومة الظلام تتراجع، وتصبح الطاقة الشمسية مثل برامج الطبخ التي نراها كل يوم، فنحفظُ المقادير ونتعلّم الطرق المتعدّدة لصناعة الأطباق، ولكن لا نستطيع الحصول على مواد الطبخة، لذا أُشعِلُ شمعةً وأُتابع تصفّحَ فوائد الطاقة الشمسية وأي الأنواع أفضل، ولماذا يجب أن نسعى للحصول عليها، بما يتناسب مع الضخ الإعلامي الذي تقوم به وسائل الإعلام الرسمية عن مستقبلنا الوشيك معها.