احتدمت الأزمة حول الوقود الأحفوري خلال مؤتمر الأطراف الأخير «COP-28» المعني بقضايا المناخ، والذي انعقد في مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة نوفمبر الماضي بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك، وعلى رأسها السعودية والكويت، من جانب والمجموعة المكونة من 100 دولة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الداعين للخفض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري من جانب آخر.
عرقلت منظمة أوبك المفاوضات التي رمت للوصول إلى اتفاق دولي يتضمّن مسارًا واضحًا من أجل الإلغاء التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري، ودعا أمينها العام الدول الأعضاء إلى رفض أي اتفاق يستهدف تقويض إنتاج النفط والغاز.
وبينما رضخت دولة الإمارات لبعض الضغوط، وانسحبت بعض الشيء من النقاشات داخل الكتلة العربية في أوبك، حتى لا تجد نفسها في موضع حرج بصفتها الدولة المضيفة التي تسعى لكسب المزيد من النفوذ من نجاح المؤتمر، رفضت بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ضغوطات مجموعة المئة.
أعلنت السعودية عن عدم رضاها عن صياغة المسودة النهائية للمؤتمر، وغاب عن الجلسة العامة للأمم المتحدة وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، الأخ غير الشقيق لولي العهد محمد بن سلمان، بينما أشار عضو الوفد الكويتي الدكتور يحيى ناجي الهدبان إلى أن «مصطلح الإلغاء التدريجي هو قرار مثل حكم الإعدام».
وأمام معارضة دول «أوبك» وعلى رأسها السعودية، لم تتضمن المخرجات النهائية للقمة خطة تنفيذية للخفض التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري، واكتفت بالدعوة إلى «التحول بعيدًا» عن الوقود الأحفوري، وفي تعليق الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” على الوثيقة الختامية قال: «إلى أولئك الذين عارضوا الإشارة الواضحة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في مسودة المؤتمر، أريد أن أقول إن التخلص التدريجي منه هو أمر لا مفر منه؛ سواء شاؤوا ذلك أم لا».
وتعدّ المملكة العربية السعودية أكبر مصدِّر للنفط في العالم، والأكثر نفوذًا بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك، الذين يمتلكون معًا قرابة 80 بالمئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، ويتواجد منها ما نسبته 67 بالمئة من الاحتياطي العالمي في منطقة الشرق الأوسط، كما تساهم أوبك والمجموعة المتحالفة معها «أوبك بلس»، التي تشتمل على عشر دول إضافية على مجموعة أوبك من بينها روسيا والمكسيك بما يقارب 60 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.
وبالرغم من أنها المرة الأولي التي يتم الإشارة فيها إلى الوقود الأحفوري على أنه مساهم رئيس في تغير المناخ بعد سنوات من حظر مناقشة تلك القضية، لم يحتو الاتفاق النهائي على ضمانات قوية، ولم يخل من الثغرات التي ستوفر لمنتجي الوقود الأحفوري مسارات للمراوغة.
أظهرت تلك الأزمة أنه من المستبعد اتخاذ أي خطوة نحو «التخفيض التدريجي لاستخدام الوقود الأحفوري»، أو الحديث عن «التحول الأخضر» دون التفاهم مع الدول الخليجية، ومن ورائها الدول الأعضاء في منظمتي أوبك وأوبك بلس، ومحاولة فهم تحركات وسياسات وأفعال تلك الدول، لمعرفة دوافعها إلى الاستماتة في الدفاع عن إنتاج النفط والغاز؟ وهل في مقدرة اقتصادات تلك الدول التخلي عن الموارد الريعية من الوقود الأحفوري والتحول سريعاً إلى الطاقة المتجددة؟
مستمرون.. حتى آخر جزيء من الكربون
لا تُريد الدول الخليجية أن تتحمل اللوم وحدها على التغيرات المناخية عبر إجبارها على بدء التخلي عن إنتاج الوقود الأحفوري، كما تتوقع زيادة الطلب على النفط بنحو 15 بالمئة بحلول عام 2030 نتيجة النمو السكاني والاقتصادي، لذلك تسعى إلى زيادة إنتاج الوقود الأحفوري، وهو ما عبّر عنه وزير الطاقة السعودي حينما تعهّد بأن يأتي آخر برميل من النفط على وجه الأرض من بئر سعودي، حين قال في لقائه مع وكالة بلومبرغ: «مستمرون في استخراج النفط حتى آخر جزيء من الكربون»، كما استعرض خطط المملكة لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط بأكثر من 8 بالمئة بحلول عام 2027، لتصل إلى 13 مليون برميل في اليوم، كما أكدت وزيرة المناخ والأمن الغذائي في الإمارات، مريم المهيري، على نية بلادها مواصلة إنتاج وبيع النفط؛ حيث قالت في مقابلة مع CNBC: «طالما أن العالم في حاجة إلى النفط والغاز، فسنمده بهما».
تختلف تقديرات وكالة الطاقة الدولية، التي تتكون من الدول الغربية المستهلكة للوقود الأحفوري، مع تقديرات الدول الخليجية المنتجة للنفط؛ إذ ترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط والغاز والفحم في طريقه للتراجع، ومن المقرر أن يصل إلى ذروته قبل نهاية هذا العقد، كما تتوقع أن ينخفض الطلب مع تشديد الإجراءات الرامية إلى معالجة التغيرات المناخية.
كما يصعب التنبؤ بأي أرقام مستقبلية حول التغير السكاني ونمو الاقتصادات في ضوء التغيرات الجيوسياسية الحالية في العالم، وحول مدى التقدم الذي ستحرزُه تقنيات الطاقة المتجددة لتعويض الطاقة المتولدة من استهلاك الوقود الأحفوري، ومدى استعداد دول ذات معدلات نمو مرتفعة مثل الصين والهند الالتزام بالتحول الأخضر؛ حيث تأتي الصين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في استهلاك النفط بنحو 15 مليون برميل يوميًا، والهند في المركز الثالث باستهلاك يقترب من 5 ملايين برميل يوميًا.
حول هذا التضارب في التقديرات المستقبلية بين المنتجين والمستهلكين، يقول الباحث العماني في العلوم السياسية والعلاقات الدولية علوي المشهور لـمواطن: «إن الدول الغربية التي تطالب دول الخليج بالتخلص من النفط، هي نفسها من تضغط في الوقت الحالي على منظمة أوبك لزيادة الإنتاج؛ حيث إنها لا تتحمل أسعار الطاقة الباهظة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة الطاقة التي تشهدها أوروبا».
حجم الاحتياطات الخليجية المؤكدة من النفط
ويشير أستاذ العلوم البترولية والاقتصاد السياسي منذر ماخوس، في كتابه الاقتصاد السياسي للنفط في الشرق الأوسط، إلى أن نصيب الدول الخليجية من الإنتاج العالمي للنفط ضئيل مقارنة بما تمتلكه من موارد نفطية تُقدر بما لا يقل عن نصف الاحتياطي العالمي من النفط الخام، لذا يتوقع ماخوس أن تسعى تلك الدول في المستقبل إلى تعويض هذه الفجوة وتوسيع إنتاجها، لتستغل انخفاض تكاليف الإنتاج في المنطقة وكونها الأقل عالميًا.
كما يتوقع مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، راجات كابور، أن يستمر الطلب على مصادر الطاقة الأحفورية في النمو خلال السنوات القادمة، مع تطلع الدول الخليجية على زيادة نصيبها من الإنتاج؛ يقول كابور لـمواطن: «بينما ننتقل إلى بدائل أنظف؛ فمن الضروري ضمان إمدادات طاقة مستقرة في هذه الأثناء، وإدراك أن التحول إلى الطاقة المتجددة سيستغرق وقتًا ويتطلب مزيدًا من مصادر الطاقة».
قنابل الكربون وصعوبة التحوّل الأخضر
يأتي سعي الدول الخليجية إلى التوسع في مشاريع الوقود الأحفوري في وقت تستحوذ فيه تلك الدول على 60 قنبلة كربونية من أصل 195 قنبلة كربونية في العالم، بانبعاثات إجمالية تقدر بـ220 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، وتحتل المملكة العربية السعودية المركز الثاني عالميًا في عدد القنابل الكربونية على أراضيها بواقع 24 قنبلة، والقنبلة الكربونية هي مصطلح جرى استخدامه على نطاق واسع في دوائر المناخ خلال السنوات الماضية، لوصف مشروعات الوقود الأحفوري الكبيرة التي تضخ ما لا يقل عن مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدار حياتها، ولا تقدم دول الخليج أي استراتيجية للتعامل مع القنابل الكربونية إلا من خلال الحديث عن التقنيات الجديدة التي من المفترض أن تحجز الكربون، ولكنها ما زالت قيد التطوير.
عدد القنابل الكربونية في دول الخليج العربي
يشير أستاذ الاقتصاد السياسي أدهم هنيّة في كتاب تحدي الرأسمالية الخضراء إلى أن «محور شرق- شرق» الذي برز في بدايات العقد الأول من الألفية الحالية، والذي يشمل دول الخليج من جهة، والصين وآسيا من جهة أخرى، قد رسّخ من موقع الخليج في قلب «رأسمالية الوقود الأحفوري» المعاصرة، ولا يقتصر نشاط هذا المحور على تصدير النفط الخام فقط؛ بل يشمل قطاعات صناعية ضخمة تعمل في أنشطة مثل تكرير البترول والبتروكيماويات، لذا يجادل هنيّة بأنه من المستحيل حدوث أي «انتقال أخضر» في الشرق الأوسط أو عالميًا، دون وضع استراتيجيات كفؤة للتعامل مع بنية صناعة الوقود الأحفوري، التي تربط حقول النفط والمصافي والمصانع في الشرق الأوسط وآسيا، كما أن إيقاف التدهور المناخي مرتبط بالسيطرة المُلائمة على هذا المحور.
كما يشير الباحث والناشط البيئي ومحرر كتاب تحدي الرأسمالية الخضراء حمزة حموشان في حديثه لـمواطن، إلى أن النخب الحاكمة في دول الخليج يعرفون مركزية دولهم في قلب النظام الأحفوري والطاقي العالمي، ويؤمنون بصعوبة التخلي عنهم لعدة عقود قادمة، وهم سيواصلون تحقيق عائدات ضخمة ومراكمة لرأس المال أيًا كانت النتائج البيئية، للاستحواذ على نصيب ضخم من الفوائض المالية على المستوى الإقليمي والعالمي.
إجمالي الانبعاثات من القنابل الكربونية في دول الخليج
عوائق داخلية نحو التحول الأخضر
ترتبط اقتصادات الدول الخليجية واحتياجات مواطنيها بالنفط بشكل كبير، فما زالت الموازنات العامة لتلك الدول تعتمد بصورة شبه كليّة على مبيعاتها من الوقود الأحفوري، وينعكس كل دولار في سعر النفط والغاز سلبًا وإيجابًا بمليارات الدولارات في موازناتها العامة؛ فالسعودية على سبيل المثال تحتاج كي لا تُسجِّل عجزًا في موازنتها العامة للعام الجاري، أن يتراوح سعر برميل النفط حول 80 دولار أميركي، وقد أعلنت وزارة المالية السعودية عن عجز ميزانيتها للعام الماضي بقيمة 82 مليار دولار على خلفية استمرار تباطؤ نمو الاقتصاد، وتقهقر الأنشطة النفطية؛ خصوصاً بعد دخول الخفض الطوعي لإنتاج النفط الذي أقرته المملكة حيز التطبيق في مايو الماضي، في وقتٍ اتسمت فيه أسواق النفط العالمية بضعف نسبي للأسعار.
انفوجراف أسعار النفط التي لا تسبب عجزا في موازنات دول الخليج
تعمل دول مجلس التعاون على إنشاء مشاريع كبرى بغرض تنويع اقتصاداتها في المستقبل بعيدًا عن موارد النفط، وذلك لضمان استمرار تدفق الثروات المالية؛ حيث تُدرك الأنظمة الحاكمة في دول الخليج أن استمرارها واستقرار الأوضاع الداخلية فيها مرهون بالحافظ على الرخاء الاقتصادي لشعوبها. وتتربع السعودية على رأس تلك الدول بمشاريع طموحة في خطتها الاستراتيجية المسماة بـ«رؤية 2030»، والتي تتضمن إنشاء قطاعات تصنيع وإنتاج ضخمة، وتشييد مدن وبنية تحتية، بما في ذلك مشاريع خضراء مثل تطوير مدينة «نيوم» الجديدة، التي تصل كلفتها إلى 500 مليار دولار أميركي، ويراد لها أن تكون خالية من الانبعاثات الكربونية، وتعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة. بالإضافة إلى مشروع تشجير العاصمة الرياض، والذي يتضمن زراعة شجرة لكل مقيم في المدينة، وبطبيعة الحال لا يُمكن إنجاز كل ذلك دون إيرادات النفط.
مقارنة بين إيرادات النفط والغاز مقابل الموازنة العامة للدولة
كما تحظى دول الخليج بأدنى حصة من الأراضي الزراعية في العالم بنسبة 1 بالمئة فقط من إجمالي أراضيها، إضافة لانخفاض وعدم انتظام هطول الأمطار نتيجة التغيرات المناخية؛ فتعتمد في أمنها الغذائي على الواردات الخارجية؛ حيث تستورد دول مثل قطر والبحرين والإمارات ما بين 80-90 بالمئة من احتياجاتها من الغذاء، وبدون الإيرادات النفطية الحالية لن تتمكن من تحمل تكلفة فاتورة الغذاء المقدرة في دول مجلس التعاون الستة بـ 5 مليار دولار بحسب بيانات 2020، ومن المتوقع أن ترتفع مع الزيادة السكانية وزيادة أسعار الغذاء لـ 70 مليار دولار في العام 2030.
وبعيدًا عن الإيرادات المالية الناتجة عن صادرات الوقود الأحفوري؛ فإن استهلاك الدول الخليجية من النفط والغاز في ارتفاع مستمر، وتُعد السعودية أكبر مستهلك للطاقة في المنطقة، وخامس أكبر الدول المستهلكة للنفط عالميًا بنحو 3.717 مليون برميل يوميًا حسب بيانات عام 2022، ما يعني إن 35 بالمئة من إنتاجها النفطي يذهب إلى الاستهلاك المحلي، إضافة لاستهلاكها نحو 120 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي خلال نفس العام.
وتُعدّ دول الخليج من أعلى معدلات استهلاك الطاقة للفرد في العالم، والذي يعود لعدّة أسباب؛ من بينها استهلاك قطاع النقل الكبير للطاقة نظرًا لارتفاع أعداد السيارات الخاصة، وافتقار تلك الدول لشبكات مواصلات عامة تُسهّل التنقل دون سيارة خاصة، إضافة لاستهلاك الوقود من أجل توليد الكهرباء التي لا غنى عنها في مدن الخليج الحارة وصيفها الطويل.
نصيب الفرد من استهلاك الطاقة في دول الخليج
كما تحتاج عملية تحلية المياه إلى كميات كبيرة من النفط لتوليد الكهرباء وتشغيل المحطات؛ فبحسب وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية؛ فإن ربع إنتاج المملكة من النفط يستهلك في تحلية المياه. كما تقوم دول الخليج بأكثر من نصف عمليات تحلية المياه عالميًا، وفي منطقة من بين أكثر المناطق جفافًا في العالم، ويعتمد أمنها المائي على المياه المحلاة بما يتجاوز 90 بالمئة من استهلاك مياه الشرب؛ فإن الطلب المحلي على استهلاك الطاقة المعتمد على الوقود الأحفوري سيواصل الارتفاع لتلبية احتياج محطات التحلية من الكهرباء، وهو ما سيبقي على خطر القنابل الكربونية ويُفاقم من الاحترار العالمي، إلى جانب مشكلة بيئية أخرى، وهي ارتفاع نسبة ملوحة المياه في الخليج العربي والبحر الأحمر.
يعلّق الباحث والناشط البيئي حمزة حموشان على الحجة التي تقدمها دول الخليج، وهي احتياجها للموارد النفطية لتنويع اقتصادها بقوله: «منذ سنوات طويلة نسمع عن التخطيط لمرحلة ما بعد النفط وتنويع الاقتصاد، لكن في حقيقة الأمر لا نجد استراتيجية واضحة، وفي معظم الأحيان يتخذ هذا الهدف المشروع كمبرر لمواصلة إنتاج النفط». ويضيف حموشان: «تحظى دول مجلس التعاون بعكس دول عدّة بحظ أفضل في إمكانية إنجاز التحول نحو الطاقة النظيفة، وحبس الوقود الأحفوري في جوف الأرض نظرًا لانخفاض عدد سكانها، لكن ذلك لن يحدث لأن الأسر الحاكمة لا تريده».
ويخالفه الرأي الباحث العماني علوي المشهور؛ إذ يرى أنه من المستحيل على دول الخليج التحول للأخضر وتقليل الانبعاثات الكربونية دون الاعتماد على موارد النفط، يقول: «هناك دول لديها اقتصادات متقدمة ومتنوعة، وتملك قطاعًا صناعيًا حيويًا، وثروات زراعية وموارد مائية ضخمة، قد يكون بإمكانها فعل ذلك، ولكن بالنسبة لدول تعيش في بيئة صعبة ومناخ قاس وتضاريس غير صالحة للزراعة، ولا تملك بطبيعة الحال قطاعات صناعية أو خدمية متقدمة؛ فإنها إذا اتجهت نحو التحول النظيف بدون الحفاظ على صادراتها النفطية أو زيادتها؛ فإن تحولها سيفشل نتيجة عدم توفر موارد مالية لتمويل المشاريع التي تحتاجها».
كي نتحول للأخضر.. نُطلق المزيد من الانبعاثات الكربونية
في ظل التسابق العالمي نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو المورد المتوقع له أن يكون وقود المستقبل، ويحل محل الوقود الأحفوري، أعلنت العديد من دول المنطقة عن استراتيجياتها الوطنية للهيدروجين، جاءت سلطنة عُمان والإمارات والسعودية من بين تلك الدول؛ فأعلنت المملكة عن رغبتها في أن تصبح المصدِّر الأول للهيدروجين الأخضر بحلول العام 2030، مثلما هي المصدِّر الأول للنفط الآن، كما أكدت عزمها على إنتاج 2.9 مليون طن من الهيدروجين الأخضر والأزرق بحلول نفس العام. والإمارات هي الأخرى كانت ضمن الدول السباقة في التوجه نحو الهيدروجين الأخضر، بهدف تثبيت أقدامها في سوقه الذي يشهد اهتمامًا عالميًا متزايدًا، وأعلنت خطتها الطموحة في الاستحواذ على ربع السوق العالمية للهيدروجين بحلول عام 2030، وإنتاج 15 مليون طنا من الهيدروجين بحلول العام 2050، فيما تستهدف سلطنة عمان إنتاج نحو مليون طن بحلول العام 2030.
الحصص المستهدفة من السوق العالمي للهيدروجين
ولا تقتصر مشروعات الدول الخليجية لإنتاج الهيدروجين على دولها فقط؛ فتعمل على إبرام اتفاقيات وتفاهمات لإنشاء مشاريع في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بغرض التصدير، مثلما قامت شركة «مصدر الإماراتية» بتنفيذ واحد من أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر، وقيام شركة «أكوا باور» السعودية بإنشاء مشروع للهيدروجين بتكلفة 4 مليارات دولار، مع تشييد أكبر مزرعة رياح في الشرق الأوسط بقيمة 1.5 مليار دولار وبقدرة 1.1 جيجا وات في خليج السويس بمصر أيضًا.
من خلال تلك المشروعات داخل وخارج أراضيها؛ تعمل دول الخليج على ضمان استمرار دورها الاستراتيجي عبر السيطرة على سوق الطاقة العالمي؛ سواء كانت طاقة غير نظيفة بيئيًا كالنفط، أو نظيفة كالهيدروجين الأخضر والطاقة المولدة من الرياح والشمس، بينما يرى الباحث في الاقتصاد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط بجامعة «لايدن» الهولندية كريستيان هندرسن أن: التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة في دول الخليج يعود للحاجة إلى الاحتفاظ بالنفط للتصدير؛ أي أنَّ ما يحفزها هو التزام الاستدامة المالية، لا المخاوف البيئية، بالإضافة إلى أن دول مجلس التعاون تنظر لها على أنها فرصة لسوق جديدة.
يقول الباحث والناشط البيئي حمزة حموشان: «ينبغي تحقيق الانتقال العادل للطاقة الخضراء، بهدف خفض الانبعاثات وحماية البيئة لتكون صالحة للعيش في المقام الأول، بدلًا من التعامل مع الطاقة المتجددة على أنها مجرد مصدر لتوليد الإيرادات».
وبعيداً عن الغرض من الاستثمار، فإن مشاريع توليد الطاقة النظيفة التي سيجري تنفيذها على مدار عشرات السنوات، تحتاج إلى كلفة مالية ضخمة لتمويلها، وبطبيعة الحال سيأتي هذا التمويل من خلال الإيرادات النفطية، وهو ما يعني أنه إذا كان ثمة تحول للطاقة النظيفة في المنطقة؛ فضريبته هي المزيد من الانبعاثات الكربونية.
تعتمد اقتصادات البلدان الخليجية بصورة شبه كاملة على موارد النفط؛ ما يجعلها عالقة بين تحديات التغير المناخي وتأثيره الكارثي على دولها وشعوبها، والضغوط التي تمارسها الدول الغربية من أجل تخفيض الإنتاج من جانب، وبين اعتيادها طيلة عقود على الريع النفطي وحاجتها الملحة إليه من جانب آخر. كما تخشى إذا قبلت بخفض إنتاج الوقود الأحفوري أن تخسر مكانتها الاستراتيجية على الصعيد الدولي المتولدة من مركزيتها في إنتاج الطاقة التي يحتاجها العالم، وهو ما يدفعها لصوغ سياسة تتيح لها الاستفادة من كل من الوقود الأحفوري والطاقات المتجددة، وحتى توفر لها الأخيرة مخرجًا للاستمرار في الشيء الوحيد الذي تعرفه، وهو استخراج النفط لعقود قادمة، واكتساب المزيد من القوة والنفوذ، ومراكمة المزيد من الفوائض المالية.
ولا يجب أن نغفل دور الخليج ونفوذه في الاقتصاد العالمي من خلال ما يسمى بـ«البترودولار»، وهي الإيرادات الدولارية المتحققة من بيع المنتجات النفطية، والتي يعاد استثمار فوائضها عبر صناديق سيادية خليجية في استثمارات تتركز بشكل رئيس في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وقد سبق أن لعبت تلك الصناديق دور المنقذ في الأزمة العالمية 2008، بهدف منع اقتصادات الدول المستهلكة للنفط من الانهيار، ومن شأن استمرار نفس علاقة الاعتماد والمنفعة المتبادلة، أن تُقيّد أي سعي جاد للتحول بعيدًا عن الطاقة الأحفورية في المستقبل القريب، مثلما حدث في قمة المناخ الأخيرة في دبي.