زيارة في الاستديو هي سلسلة من الحوارات مع شاغلين وشاغلات في الشأن الفني والأدبي والثقافي بأطيافه الواسعة، من سوريا والدول العربية والشتات العربي، يحتل فيها سؤال المكان أو مُختبَر عمل الفنان دوراً محورياً، إلى جانب الإضاءة على محاور أخرى من عمله وسيرته الفنية.

كندة حميدان هي ممثلة سورية مقيمة في برلين، منذ تخرُّجها من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام 2015 شاركت في أعمال مسرحية وتلفزيونية وسينمائية بين سوريا وألمانيا التي تعيش فيها منذ عام 2016. عن هذه التجربة والتمثيل بثلاث لغات مختلفة وبين بلدين كان لنا هذا اللقاء، في مقهى رِواق العربي بحي كرويزبرغ، وفي لحظةٍ تحوّلت فيها نقاط التجمُّع العربية من مقاهٍ ومراكز ثقافية، إلى مراكز لقاء وبروفات فنية مع ما فرضته لحظة 7 أكتوبر في ألمانيا من صدامات مع المؤسسات والجهات الثقافية الرسمية وخطابها وسلوكياتها.

باعتبار سلسلة زيارة في الاستديو تتحدّث عن أسئلة المكان وأثره، لنتحدث عن لحظة نعيشها اليوم في ألمانيا، هي لحظة استثنائية من 7 أكتوبر وحتى الآن، كيف أثرت عليك هذه الأشهر؟

مررتُ بعدة مراحل بالتدريج منذ لحظة 7 أكتوبر. محاولةً استيعاب ما يحدث؛ أخبار المجازر المتتالية، ومحاولةً التوفيق بين الاستمرار في العمل والبروفات لعملٍ مسرحي كان يُفتَرض أن أُشاركَ فيه، مع كون ذهني منشغلاً بما يحدث هناك. التوتر وحتى المشاحنات مع أشخاصٍ من حولنا، مَن جَمعتنا معهم أعمال مشتركة، ومن انتقلوا من مرحلة رفع شعارات التسامح والقبول والتقاط وتفكيك أدق الحساسيات في الخطاب المرتبط بالفئات الأقل تمكيناً في أوقات سابقة، إلى استخدام أكثر أدوات سجالات الرأي العام عنصرية، ونعت مناصري الحق الفلسطيني بالـ«عاطفيون والهستيريون».

العمل المسرحي الذي كنتُ أُحضّر للمشاركة فيه في تلك الآونة مبنيٌّ على رواية رعية الإمبراطور (Der Untertan) لهاينرش مان، والتي سَعَت إلى تفكيك النزعات الإنسانية الموْدية إلى تعزيز وترسيخ حكم الشعبويات الفاشية، الرواية التي كُتِبت عام 1914 واعتُبرت بمثابة نبوءة بسيطرة النازية على مقاليد الحكم؛ عملٌ ذو ارتباط وثيق بجو اللحظة الحالية دون شك، ولكن في الوقت ذاته شعرتُ بانسلاخٍ بين السياق الذي نقدِّم فيه هاذ العمل اليوم وما يحدث حقاً خارج صالات التمرين والعرض.

مع مرور أسبوع على البروفات، أدركتُ استحالة تمكُّني من المشاركة في العرض. طبيعة العرض نفسه لعبت دوراً أيضاً، العرض كوميدي ينتمي لأسلوب الفارْس وفيه مساحة كبرى للأداء الجسدي، وفي ظروفٍ أخرى كان ليكون مساحة تجريب مثيرة للاهتمام. لكني لم أستطع في تلك اللحظة. قلتُ للمخرج: «أنا بهذه الحالة عثرةٌ في طريق كل المشاركين في العرض».

بعد ذلك اتخذتُ قراراً بأن الانكسار والانكفاء ليس ردة الفعل الأنسب التي ينبغي الاستسلام لها. إذا أردنا أن نرسم مراحل زمنية يمكنني القول إن الأمر بدأ بصدمة، ومن ثم بَرَزت الحاجة أكثر فأكثر تدريجياً لحس تضامن مجتمعي أسفر عن اجتماعاتٍ يومية مع أُخريات وآخرين، وتنسيق للمشاركة في الأنشطة والمظاهرات. شهدتُ وحشيةً من الشرطة الألمانية في هذه المظاهرات لم أرَ لها مثيلاً طيلة سنوات إقامتي هنا. لمستُ اختلافاً في التعامل والتصعيد في العنف كلّما اقتربَت التجمعات من حي نويكولن وشارع العرب كأنها بؤرة للإجرام.

أثارت هذه الأحداث في نفسي مخاوفَ وأسئلة قديمة حول هشاشة الجسد وإمكانية تسليمه والسيطرة عليه لأفراد هذا الجهاز، وعن مدى تفشي العنصرية وضآلة الجهود التي كنا وغيرنا نحاول من خلالها بناء جسور للتواصل، أو نحاول تجاوزها ونقاشها أمام الاحتمالات المتفجرة التي يزخر بها الأمر الواقع.

نتحدثُ عن جهود مجتمعية تنظّمت لمواجهة ما يحدث في ألمانيا، وبرزت الحاجة إليها خلال الأشهر الأخيرة. هل شعرتِ أن هذه الجهود ساهمت في تغيير الخطاب العام المعادي للقضية الفلسطينية؟

لا شكّ أن لهذه التجربة أثراً في المساندة وفي تعلُّم المزيد عن سبل المناصرة الأفضل وحتى اللغة المستخدمة في خطابات شبيهة. هناك أشخاصٌ تشرّبوا الإيديولوجيا المعادية لفلسطين منذ بداية تشكّل وعيهم. مع تتالي الأنشطة والحوارات التي لعِبَت فيها مراكز ثقافية مثل عيون دوراً هاماً، أرى أن هناك من لم يتبنّوا موقفاً بعد قد كوّنوا صورة أفضل عما يحدث. بالنسبة لأولئك، ممن كانوا يريدون أن يعرفوا، أظن أن نقاشاتٍ كهذه كانت مفيدة. الانتقال ليس سهلاً بعد ترسيخ قناعاتٍ ساهمت فيها مؤسسات تربوية ودعائية وسياسية، ولكن البعض تمكن من تجاوزها نتيجة الانخراط والاستماع إلى نقاشات مطولة شارك فيها حقوقيون وصحفيون وكُتّاب.

مع ذلك، أشعرُ أننا اليوم بحاجة لما هو أبعد من تحقيق التضامن المجتمعي. هناك غضبٌ متراكم ومستمر ونحن بحاجة لنقلةٍ تُفعّل هذا الغضب بأشكالٍ عملية وتتجاوز طرح خطاب غاضب. أزدادُ أيضاً قناعة بأهمية دعم مشهد أندرغراوند جديد والمساهمة فيه عوضاً عن العمل مع مؤسسات رسمية، ومما لمسناهُ خلال هذه الأشهر، أن الأقل تمكيناً وذوي الخلفيات المهاجرة من الفنانات والفنانين هم من يحملون عبء المواجهة الأكبر ومن تتم محاربتهم، لا من هم أصلاً في مراكز قوة.

تحدثتِ أيضاً عن تغير نظرتك عن الفن الذي تودين تقديمه…

استحوذَ عليّ سؤال «ماذا يمكن أن نفعل» منذ شهر أكتوبر سوى المشاركة في المظاهرات والاجتماعات وتوزيع البوسترات. عادت إليَّ أفكار ومشاعر كنتُ قد اختبرتها منذ مغادرتي لسوريا. الذنب وأسئلة الجدوى. ما هو الذي أستطيعُ فعله كممثلة وما الذي يعنيه الفن في ظرفٍ كهذا؟ كيف يمكن له أن يكون أداة مقاومة؟ تركّزت جلّ تجربتي المسرحية في تقديم مسرح سياسي. الآن أرى أننا كفنانات وفنانين قد ننحو بسهولة نحو الاكتفاء بأننا نقاوم من خلال الفن لمجرد تحميل عمل فني رسائل سياسية، وقول ذلك سهل. لكن ما الذي يغيره ذلك فعلاً؟ ما حدث خلال هذه الأشهر كثّف فكرة أن بُنى السلطة ومدى قوتها يفوق قوة الفن بشكله المباشر.

دفعني ذلك للإيمان بأن علينا تقديم فن يتواصل ويعبِّر عن اللحظة التي نعيشها الآن، وإما فالأفضل ألا نقدمه. بات بالنسبة لي السؤال متعلقاً أكثر بسلوكياتنا ومواقفنا كفنانات وفنانين أكثر من المنتج نفسه، علاقاتنا بالجهات صاحبة النفوذ الثقافي وكيف ندير هذه العلاقات. سؤال الجمهور أيضاً بات أكثر إلحاحاً بالنسبة لي. كيف أتوجه لجمهور أوسع خارج المساحات المغلقة.

لنعد إلى الوراء زمنياً قليلاً، نحو لحظة وجدتِ نفسك فيها في ألمانيا. ربما كان هذا مساراً مختلفاً عمّا تخيَّلتِه وأنت تدرسين التمثيل في دمشق، كأسئلة وكسياق فني.

تخرّجتُ من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2015، بعد تخرُّجي لم أكن أفكر بالسفر والعمل خارج البلاد. احتمال التمثيل بلغة أخرى لم يكن سهلَ التخيُّل بالنسبة لي. شاركتُ في ذلك الوقت بعرض no exit للمسرحي علاء الدين العالم في غاليري أنس نصار، بعد ذلك لمستُ قلة الخيارات الموجودة أمامي مع قلة فرص الأعمال المسرحية، ولكوني، كما لاحظت، لستُ الخيار المثالي لمعايير العمل التلفزيوني في سوريا. بعد ذلك قرّرت أن أتقدّم للمشاركة في مشروع كان مسرحُ مكسيم غوركي في برلين قد طرحهُ حينها، وبناءً على ذلك جئت إلى ألمانيا في نهاية عام 2016.

كيف توفِّقين كممثلة بين مستويي لغة؟ بلغة أجنبية. مستوى الحفظ والحديث واستخدام اللغة وكذلك مستوى الأداء بهذه اللغة.

اللغات المختلفة هي مساحات مختلفة، كلٌّ منها يؤثر بشكل مختلف حتى على نبرة الصوت وتعابير الوجه والجسد، وكان ذلك مثيراً للاهتمام بالنسبة لي. بالألمانية، أستطيعُ القول إنني فهمت اللغة إلى درجة أنني كوّنت إحساساً خاصاً بها. اعتمدتُ على فهم بنية اللغة أكثر من حفظ القواعد. بالطبع ذلك يشكل عبئاً زائداً على الممثل الأجنبي مقارنة بالناطق باللغة الأم، حاولنا تجاوز هذه المسألة من خلال حلول كتسلُّم النصوص في وقتٍ مبكرٍ عن المعتاد، خصوصاً وأننا نتعامل مع نصوص أدبية. مع هذه التحديات، كانت هناك متعة تدفعني للتمثيل بالألمانية. خصوصاً مع اختلاف النصوص التي عملتُ عليها بين واقعي وتجريدي وفارس (Farce).

اختبرتُ التمثيل بثلاث لغات. بالعربية، وكونها لغتي الأم، كانت الأسهل والتي أستطيع الارتجال وأنا أنطقها. الإنجليزية هي اللغة التي قلتُ من خلالها من أنا، إذ في بداية فترة وصولي إلى هنا كان من المفترض أن أتحدث بالإنجليزية لأعرّف عن نفسي بشكل مباشر وموجز، لذلك تحوَّلت إلى اللغة التي أتحدثُ فيها بهذا النَفَس المباشر الذي يصيب هدف الحديث. الألمانية تشبه العربية بالنسبة لي من حيث اتساعها وغناها بالمفردات، لكنني احتجتُ لإتقانها إلى تدريب عضلات نطق خاصة بها لأتمكن من الحديث بها بسلاسة على المسرح. استغرقَ ذلك وقتاً دون شك، وأراها أيضاً كلغة حاسمة وفيها بعض العدائية وأثّر ذلك على أدائي لها.

سوى تحدي اللغة، هناك تحدي من نحن وأين نحن. في سوريا أولوياتنا وأسئلتنا مختلفة، هنا ربما هنالك أولويات مختلفة وقوالب مختلفة أيضاً.

القوالب هنا موجودة دون شك. أحسستُ بذلك منذ وصولي إلى هنا ولم يتغيّر ذلك كثيراً. في بداية وصولي لم أكن راغبة بالحديث عن الحرب، وأنا قد غادرتها تواً. لم أرغب في ملء إحدى القوالب التي يُنظَر من خلالها إلى المكان الذي أتينا منه، كأشلاء أو تطرُّف أو حتى قصص نجاح مسطّحة. ربما ما يهمني نقله هو اعتيادية الحرب، كيف كانت أمراً عادياً نعايشه يوماً بعد يوم. كيف تحوّلت أخبار القتل إلى جزء من يومياتنا. مقابل أي مقاومة للخطاب السائد كان التهديد بالأحزاب اليمينية حاضراً، وكيف أنّهم قد يستخدمون أي سردية مغايرة عن المأساة المطلقة للتدليل على وجود أمانٍ نسبي أو أفراد يعيشون على هواهم في مكان كسوريا. في البداية لم أكُن مدركة لتعقيدات عدة مستويات من الخطابات لأتمكّن من الرد عليها على النحو الأمثل، ومع السنوات تلاشت عندي فكرة أنني أريد أن أكون مثلي مثل أي ممثلة أو ممثل ألماني، فيما أؤديه. توصّلت إلى تقبل فكرة أنني مختلفة ولا أريد أن أكون مثل أحد على اختلاف مسيرته المهنية والشخصية. الآن ألمسُ بعض التغيير، وإن كان طفيفاً، في صورة الممثلين من خلفيات مهاجرة، في أعمال سينمائية وتلفزيونية تجد ممثلين سوريين وأتراك في دور محققين أو أشخاص في مناصب نفوذ، وهو ما لم يكن يحدث كثيراً في وقت سابق.

هل تجدين أنّ هناك تطوراً طرأ على دور الممثل من حيث زيادة أهليته في ما يقدمه؟ من اختيار النصوص وتعديلها، وما يتجاوز قراءة نص وأدائه بشكل جيد. وهل هذا دور سلبي.

أشعرُ أن هذه النظرة لا تزال موجودة. وهناك من يستسلم لها مؤمناً بأن المُخرِج وحده صاحب الكلمة الأخيرة. التمثيل ليس عملية فردية وكلنا سوياً نخلق الرؤية المشتركة النهائية للعمل. من المؤكد أن المُخرج لديه منظور ورؤية، ولكن بالنهاية وجودي كمؤدية لا يقتصر على كوني أداة لتحقيق رؤية المخرج. أنا قادرة على التأثير والتغيير وقول شيء مختلف. نعمل أحياناً في تمارين متواصلة لساعات تشترك فيها كل عناصر العمل، فهي سيرورة عمل تتطلب جهوداً مشتركة بما يصل حتى إلى التدخل في بعض عناصر النص ونقاش صيغة أدائها الأمثل.

هل تجدين أن الحدود بدأت تقلُّ بين أوساط العرض المختلفة؟ مثل الأداء والتلفزيون والمسرح، بتداخل تقنيات هذه الأوساط مع بعضها. يتحدى ذلك أيضاً أفكارٌ سائدة مثل كون المسرح هو المكان الأمثل للنصوص والأفكار الأكثر تعقيداً، والتلفزيون هو مكان لخطابات أبسط موجه لجمهور أكثر عمومية. هل لا تزال رؤى كهذه صالحة اليوم؟

تعاملت مع عدة أشكال مسرحية خلال سنوات إقامتي هنا. دائماً كان التجريب حاضراً، لم أعمل مثلاً مع أي مُخرج أخذ نصاً شكسبيرياً وقدمه على حاله. تعلّمت الواقعية وكثيراً ما نعمل بأسلوب واقعي. فيما مضى تعلّمت أسلوب ستانسلافسكي المسرحي؛ وجود جدار رابع، وأن المسرح يخلقُ حالة سحر يبنيها الممثل، تفترض أن من يشاهده غير عارف بسيرورة العمل التي أوصلته إلى هذه الصورة. بعد ذلك جرّبت هنا نهجاً مختلفاً تماماً. هناك انتزاع واعٍ لحالة السحر المفترضة هذه. السيرورة واضحة للجمهور، حتى أنك أحياناً ترين الممثلين والممثلات يبدلون أزيائهمن خلف الكواليس. أنت كمتفرجة قادرة على رؤية «المكَنة» الكاملة التي تُشغّل هذا العمل. قادرة على رؤية الرسالة، وتعلمين أنه أُنتج ليخبرك شيئاً ما، وهي مقاربة بريختية في المسرح، وهي السائدة في ألمانيا وفي ما يقدمه مسرح غوركي بشكل خاص. حررتني هذه الفكرة كممثلة، حررتني فكرة عدم وجود جدار رابع، وأنني أتحدث إلى جمهور واضح أمامي. لا يوجد هنا شيء من قبيل «أنا بصدق الدور الي بلعبه»، كان ذلك فيما مضى دليلاً على أنك ممثلة جيدة، مدى قدرتك على إيجاد فصلٍ بين ما تقدمينه وبين الجمهور أمامك. كان الأمر وكأن الجمهور يشاهدك من خلال عين سحرية؛ هم يرونك وأنت لا ترينهم. ما عملتُ عليه من عروض منذ سنوات وحتى الآن كان على العكس، يُفترض أنني واعية لمن يشاهد العرض. في هذا السياق مثلاً سؤال المونولوغ هو سؤال مهم عندما تؤدي نصاً كهاملت مثلاً؛ مع من أتحدث ولمن أتوجّه؟ في الواقع عندما أتحدث لنفسي لا أفعل ذلك بصيغة المونولوج الخطابية، لذلك جربتُ حتى صيغاً مختلفة للمونولوغ يتضح فيها لمن أتحدث وما أريد قوله وغايتي منه. نزعنا السحر عن المسرح، وقد أعطاني ذلك مزيداً من الوضوح حول مهمتي كممثلة. أريد قول شيء ولست معنية بأن «أسحر» المتفرج وأن يخرج من العرض بعد أن نال قسطاً من الترفيه، الصيغة الأمثل هي أن يلهمه العرض وأن يدفعه للتفكير في أمر ما لا أن يكون «مسحوراً». يتطابق ذلك مع مقولات بريختية مسرحية وهو الذي قال إنه يريد للأشخاص أن يُسائلو واقعاً ما لا أن يطهّروا أنفسهم من خلال المسرح.

شاركت في عرض Mother courage لبريخت. كنا سبعُ نساء نتناوب في كل فصل على ارتداء زي «الشجاعة الأم»، فلم يكن هناك تركيزٌ على شخصية بعينها مع تبدل الشخصية الرئيسية من شخص لآخر، كان الاهتمام منصباً على المقولة من كل هذا الكولاج. النص هو بطل العرض في كثير من العروض التي شاركت فيها، وشاركت أيضاً في عروض سعت لتحطيم شكل الفصاحة الألمانية التقليدية في المسرح. وكل هذه التجارب ساهمت بالنسبة لي بتحطيم الشكل التقليدي للمسرح، وإمكانية أن تفتح آفاق واسعة للتجريب والأداء الجسدي مختلف الأساليب. رغم عملي في أعمال تلفزيونية وسينمائية لكنني أعتبر المسرح مكاني، الصيغة الفنية الأمثل لإبقاء قدمي على الأرض.

يرتبط المسرح إلى حد كبير بشرطه الفيزيائي، الخشبة والجمهور وصالات العرض. هل شعرت بتهديدٍ فرضتهُ فترة الوباء منذ أعوام على شكل المشاهدة المسرحية كما نعرفه؟

لم أمانع فترة السكون المؤقتة التي سادت أيام الوباء. رأيتُ فيها فرصة للتوقُّف والتفكير في ما نفعله. ولكن بمعرفتي بتاريخ المسرح؛ فقد استمرَّ عبر التاريخ ولم ينتهِ منذ نشوئه أياً كانت الظروف. بالنهاية تستطيعين خلق جوٍّ مسرحي لا يقتصر على قاعةٍ مغلقة. ربما تجمُّع ناسٍ في الطريق. أذكر أننا في تلك الفترة كنا نحاول إيجاد أماكن بديلة، والاستفادة من فكرة أن هناك جموعاً من الناس المتسمّرة أمام الشاشات. عمدت مجموعات مثل تجمُّع حمل اسم forced entertainment إلى تجريب أشكال من العروض المنفَّذة عبر الزوم، بتسجيل لقاءات زوم يؤدون فيها أدوار شخصيات مختلفة بأزياءٍ مسرحية، أو يرتجلون نقاشاتٍ أَنتجت في النهاية محتوىً كان يستمرُّ عرضه لثلاثة أيام أحياناً. ظهرت محاولات تجريب أخرى، أشعرني ذلك بأن المسرح والفنون بأشكالها تحمل مساحات واحتمالات تجريب قادرة على خلق صيغ تتجاوز ظروف المنع وإغلاق دور ومنصات العرض التقليدية.