يرصدُ برنامج مكافآت من أجل العدالة، التابع لوزارة الخارجية الأميركية، عشرة ملايين دولار أميركي لقاء معلومات عن أدهم طباجة، أحد ممولي «حزب الله» اللبناني بحسب البرنامج. من يرى حجم المبلغ المرصود، يتوقّعُ أن إيجاد أي أثرٍ للرجل أمرٌ صعبٌ للغاية، لا بل شبهُ مستحيل، ولكنّنا تفاجأنا أنّ إيجاد عقارات باسمه في إمارة دبي كان أسهل ممّا نتوقع! علاوة على ذلك، هناك رجالُ أعمالٍ مرتبطون بـ«حزب الله» والنظام السوري، يملكون عقارات فاخرة في برج خليفة ونخلة جميرا ودبي مارينا وغيرها من المناطق.

وفي سياق مشروع «مفاتيح دبي» بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد OCCRP، وخلال بحثنا في بيانات ووثائق عقارات دبي، وجدنا أن طباجة وآخرين مثله، ممّن يخضعون للعقوبات الأميركية، يملكون عقارات في دبي. 

«مفاتيح دبي» مشروع استقصائي عابر للحدود، يقوده مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP، وموقع الأخبار المالية النرويجي E24، بمشاركة 74 منصة صحفية من 58 دولة حول العالم، من بينها موقع «درج» وشريكهُ الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية «سراج»، ويتضمّن المشروع وثائق مُسرَّبة، تكشف معلومات حول مئات الآلاف من العقارات في دبي وملكيتها، تحديداً بين عامي 2020 و2022. 

تم الحصول على البيانات من مركز الدراسات المتقدمة للدفاع (C4ADS)، وهو منظمة غير ربحية مَقرُّها واشنطن، ويبحثُ المركز في الجرائم الدولية والنزاعات، وتمّت مشاركة البيانات مع OCCRP وE24.

البيانات التي يتضمّنها المشروع هي جزءٌ من سلسلة تسريبات تزيدُ على 100 مجموعة بيانات dataset، وتأتي معظم البيانات من دائرة الأراضي في دبي، بالإضافة إلى الشركات العقارية التي تملكها الدولة، وتشمل البيانات اسمَ المالك المُدرَج لكل عقار، بالإضافة إلى معلومات تعريفية أخرى. 

على مدار أشهر عدّة، استخدم الصحفيون المشاركون في هذا المشروع الوثائقَ كنقطة انطلاق لاكتشاف مشهد ملكية العقارات الأجنبية في دبي، وللتحقُّق من هويات الأسماء والشخصيات الواردة في البيانات، تحديداً تلك المُدرَجة على لوائح العقوبات الدولية، أو المُصنَّفة كشخصيات مكشوفة سياسيّاً PEPs.

أدهم حسين طباجة هو على لائحة العقوبات الأميركية كأحد ممولي «حزب الله»، ولكنّه ليس الوحيد، ففريقُ التحقيق وجدَ عدداً من رجال الأعمال المرتبطين بـ«حزب الله»، يملكون عقارات في دبي، من بينهم:

– علي رؤوف عسيران: رجل أعمال، كان يدير ثلاث شركات مَقرُّها دبي، وهو مرتبط بناظم سعيد أحمد، تاجر اللوحات المُدرَج على لائحة العقوبات بتهمة تمويل «حزب الله».

علي رضا البناي: تم تصنيفه وشقيقه كـ«إرهابيين عالميين» بسبب دعمهما لـ«حزب الله».

باسم حسين مراد: مواطن بلجيكي مرتبط بـ«حزب الله» بحسب بيان العقوبات، من خلال مُلكيته وسيطرته على شركات مختلفة متورِّطة في تجارة الألماس، بحسب العقوبات الصادرة بحقه.

محمد بزّي: مواطن لبناني بلجيكي ودبلوماسي لبناني، يخضع للعقوبات منذ عام 2019 بسبب «دعمه المالي لحزب الله». تم القبض عليه في رومانيا في شباط (فبراير) 2023، ثم تسليمه للولايات المتحدة الأميركية في نيسان (أبريل) 2023.

فمن هم هؤلاء؟ ولماذا اتخذوا من دبي ملاذاً لهم على رغم العلاقات المتوترة بين الإمارات العربية المتحدة و«حزب الله»؟ ويبقى السؤال الأهم، ما هي عملية العناية الواجبة التي تعتمدها دبي، والتي تسمحُ لشخصيات مُدرَجة على قائمة العقوبات من الاستثمار فيها، وتفتح أمامهم الأبواب والفُرَص لغسل الأموال؟ 

وقد بلغَ عدد المالكين اللبنانيين في قائمة التسريبات للعام 2022، 3800 مالكاً، استثمروا أموالهم في 4396 عقاراً في دبي بقيمة نحو 2.2 مليار دولار أميركي.

لماذا أصبحت دبي ملاذاً آمناً لمُموليّ «حزب الله»؟

المؤكَّد من وثائق المشروع أنّه حتى عام 2022، كان طباجة وغيره من رجال الأعمال المرتبطين بـ«حزب الله»، والمُدرَجين على لائحة العقوبات الأميركية، من بين مالكي العقارات في دبي، والمُستغرَب أنّ «حزب الله» نفسه مُصنَّف كجماعة إرهابية في الإمارات، وليس فقط لدى الولايات المتحدة الأميركية!

لا بدّ من التذكير أنّ الولايات المتحدة الأميركية صنّفت «حزب الله» كمنظمة إرهابية أجنبية في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 1997، وكمُنظمة إرهابية عالمية خاصة في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2001. وصَنّفه مجلس التعاون الخليجي أيضاً كمنظمة إرهابية في 2 آذار (مارس) 2016، لكن هذا التصنيف لم ينعكس على العلاقة الطبيعية مع الحكومات اللبنانية التي شارك «حزب الله» في معظمها. 

لا بدّ من الإشارة الى أنّ امتلاك عقارات في دبي، ليس أمراً خارجاً عن القانون، إلا أن وجود شخصيات مُدرَجة على لائحة العقوبات، ومرتبطة بـ«حزب الله» والنظام السوري (كما نكشفُ في تحقيق آخر في سياق هذا المشروع)، يطرحُ علامات استفهام كبيرة على امتثال السلطات في دبي للوائح العقوبات الدولية، لا بل يطرح علامات استفهام أكبر على مواقفها السياسية الظاهرة من هذه الأطراف.

في هذا السياق، يقول كرم شعّار، مدير مرصد الشبكات الاقتصادية والاجتماعية السوري، في حديث لموقعَي درَج وسراج، إن «الإمارات عموماً، ودبي تحديداً، لديها نزعة تنافسية إلى تسهيل عمل البزنس، هناك شيء اسمه Ease of doing Business Index، أي مدى سهولة العمل التجاري أو الاقتصادي، وهذا المؤشر هو مجال تتنافس فيه دول كثيرة… وفيه مساوئ ومحاسن. المحاسن أنه بالفعل يجذب البيئة الاستثمارية، أما المساوئ فتظهر في المعايير والآليات الناظمة للعمل، بما يتعلَّق بمكافحة الجريمة الإلكترونية، أو مكافحة الفساد العالمي، أو التهرُّب من العقوبات، أو مكافحة الإرهاب العالمي، حيث تكون متراخية أكثر ممّا يجب».

ويكشف حايد حايد، باحثٌ أول في معهد «شاتام هاوس» الملكي في المملكة المتحدة، في مقابلة مع فريق التحقيق، أن «دبي تاريخياً، كانت مكاناً آمناً للاستثمارات وشراء العقارات بالنسبة إلى رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السوري وحزب الله، وكان لديها هدفان رئيسيان. الهدف الأول، هو تبييض الأموال، إذ يحاول أصحاب الأموال غير المشروعة إخفاء مصادرها من خلال شراء العقارات وبيعها مراراً وتكراراً، ما يجعل من الصعب تتبّع أصول هذه الأموال التي تتحوّل إلى عقارات فاخرة تبدو نظيفة، أما الهدف الثاني، فهو الاستثمار في العقارات، إذ يُعتبَر شراء العقارات استثماراً ناجحاً في المنطقة العربية». 

«تُعرَف الإمارات بأنها جنّة ضريبية جزئياً، حيث يمكن بسهولة غسل الأموال فيها، من خلال شراء العقارات الفاخرة»، بحسب جوزف ضاهر، الأستاذ في جامعة لوزان في سويسرا ومؤلف كتاب حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني (2022)، في مقابلة مع فريق التحقيق.

أمّا عن التوجُّه للاستثمار في العقارات، فيقول شعّار إن «الاستثمار في العقارات هو أكثر ضماناً من أي استثمار آخر»، أي أن «درجة المخاطرة في العقار أقلّ من درجة المخاطرة في استثمارات أخرى». ويُضيف نقطة أساسية، هي أن «الملاحقة القانونية للمستثمرين في حال كانت مصادر تمويلهم غير مشروعة، تكاد تكون معدومة»، وإذ يلفتُ إلى «العلاقة المتوترة بين الإمارات ووزارة الخزانة الأميركية»، يؤكد في الوقت نفسه أن «الأولوية بالنسبة للإمارات هي الاستثمارات والبزنس».

في السنوات الأخيرة، شدَّدت السلطات الإماراتية التشريعات المتعلِّقة بمكافحة غسيل الأموال، بخاصة بعدما أضافت مجموعة العمل المالي (FATF)؛ الهيئة الحكومية الدولية لمراقبة غسيل الأموال، الإمارات إلى قائمتها «الرمادية» في عام 2022، بسبب فشلها في مكافحة تدفُّقات الأموال غير المشروعة بفعالية. وبعد جهود مبذولة لإزالة اسمها من القائمة، حصلت السلطات الإماراتية على أخبار جيدة في شباط (فبراير)، إذ «أثنت FATF على الإمارات لتقدُّمها الكبير»، وأزالتها من التحقق الإضافي، بحسب تحقيق الـ OCCRP في سياق المشروع.

في هذا السياق، قالت السفارة الإماراتية في بريطانيا لـThe Times، الشريكة في المشروع، «تُولي الإمارات لدورها في حماية نزاهة النظام المالي العالمي جدية بالغة، وفي شهر شباط، أشادت مجموعة العمل المالية (FATF)، وهي الهيئة الدولية المعيارية لاتخاذ تدابير لمكافحة غسيل الأموال، بالتقدُّم الكبير الذي أحرزتهُ الإمارات، وبمواصلتها عمليات ملاحقة المجرمين العالميين، وتعمل الإمارات بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين لعرقلة وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع. الإمارات ملتزمة بمواصلة هذه الجهود والإجراءات اليوم وفي المستقبل الطويل، بشكل أكبر من أي وقت مضى».

علاقة الإمارات و«حزب الله»!

تتّسم علاقة الإمارات بـ«حزب الله» بالتعقيد والمتغيّرات على مرّ الأعوام الماضية، فبعدما توترت العلاقات لسنوات وصَنَّفت الإمارات «حزب الله» كمنظمة إرهابية، وطردت الكثير من أبناء الطائفة الشيعية اللبنانيين من دبي، تحت ذريعة قُربهم أو انتمائهم إلى الحزب، وسجنت عدداً منهم بتهمة التخابر مع الحزب، إلا أننا تفاجأنا أخيراً من زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله»، وفيق صفا، الإمارات على متن طائرة إماراتية خاصة في آذار (مارس) 2024، للبحث والنقاش في ملف الموقوفين اللبنانيين في الإمارات بتهمة التخابر مع الحزب، والعمل على إعادتهم إلى لبنان.

وأكّدَ مصدرٌ مطّلع على الملف لموقع دَرَج، أن «الزيارة كانت سرّية، وتمّت بناءً على معطيات إيجابية، ولكن تسريب الزيارة إلى وسائل الإعلام من دون علم حزب الله، أدى إلى توقُّف المفاوضات، بخاصة أن شرط الإمارات كان عدم التسريب، لتجنُّب الحرج مع الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. والهدف من الزيارة كان إيجابياً، إذ كان من المُحتمَل أن يُصاحبها إصدار عفو أو الإفراج عن الموقوفين. وعلى رغم التطلُّعات إلى ذلك، فإن التسريب الإعلامي منعَ استكمال المشروع بالطريقة المناسبة، ولكنه أدّى وظيفتين: الأولى منعُ حزب الله من تحقيق إنجاز من هذا النوع وبالتالي تغيير محكوميات الموقوفين وإصدار عفو، والوظيفة الثانية، أضرَّ بالإمارات وشكّلَ ورقة ضغط عليها».

وأشار المصدر إلى أن «التواصل بين الطرفين لم ينقطع، وأن ’حزب الله‘، بالمباشر، ليست له أي علاقة بالإمارات، ولا باستهداف مباشر لها، ولا يسعى إلى تقويض الأمن أو التدخل بشؤونها الأمنية والداخلية»، سائلاً: «ما إذا كانت الإمارات اتخذت هذه الخطوات من دون علم الأميركيين».

ويرى ضاهر أنّ «الهدف المُعلَن للزيارة كان متابعة وضع سبعة لبنانيين موقوفين في الإمارات… لكن ربما كانت هناك مسائل أخرى تم طرحها… على سبيل المثال الاستثمارات المحتملة للإمارات في لبنان بعد الحرب الحالية ضد قطاع غزة… ومع ذلك، فإنه لا يزال من السابق لأوانه الجزم بالتداعيات الكاملة لهذه الزيارة، باستثناء أنها تشكل اعترافاً رسمياً من الإمارات بأهمية حزب الله وأنها تسعى إلى الحوار مع هذا الطرف».

لا شكّ في أن للحرب الإسرائيلية على غزة والموقف الإماراتي منها تأثيراً كبيراً على علاقة الإمارات بـ«حزب الله»، خصوصاً أنّ الإمارات وقَّعت اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 2020، وكان لـ«حزب الله» في السنوات الأخيرة مواقف عدائية من الإمارات، عبَّرَ عنها أمينه العام حسن نصر الله في مناسبات عدّة، فمثلًا:

في 14 آب (أغسطس) 2020، تحدَّثَ نصر الله عن «نيّة الإمارات التطبيعَ مع إسرائيل»، فقال: «بعض الأنظمة العربية هم خدم عند الإدارة الأميركية» واعتبرهم «أدوات أميركية في المنطقة_ ما قامت به الإمارات_ خيانة للإسلام وللعروبة وللأمة وللمقدسات… هذه خطوة غادرة وطعن في الظهر».

– في شباط (فبراير) 2022، قال نصرالله: «إن الإمارات دولة زجاجية ومدن زجاجية، فلماذا تورّط نفسها بحرب من هذا النوع»، متحدّثاً عن «وهن وضعف الإمارات» قائلًا بسخرية: «الذي يحمي الإمارات هو انسحابها من الحرب على اليمن، وعدم التدخُّل بالشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى»

أمّا نقطة التحوّل الأبرز في العلاقات، فتمثّلت بزيارة صفا للإمارات، إذ «تُعدُّ الزيارة الأخيرة لصفا، المسؤول البارز في حزب الله، إلى الإمارات العربية المتحدة تطوراً مهماً، إنها أول زيارة علنية لعضو في حزب الله إلى دولة في الخليج، ما يشير إلى تحوّل محتمَل في الديناميكيات… يعكسُ هذا التحرُّك النهجَ العملي للإمارات، على خطى التقارب الإيراني- السعودي، الذي يسعى إلى تعزيز دور الخليج الدبلوماسي، وفي الوقت ذاته معالجة النزاعات الإقليمية. لقد كانت العلاقات بين حزب الله والإمارات متوترة بسبب تزايد نفوذ حزب الله المدعوم من إيران، لكن هذه الزيارة تُشير إلى استعداده للدخول في حوار وإيجاد أرضية مشتركة»، وفقًا لعماد سلامة، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت ورئيس المركز العربي للبحوث والتنمية CARD.

ويتحدّث سلامة عن «مصالح استراتيجية عدة تدفع الإمارات إلى التفاعل مع حزب الله»، وذلك يشمل:

«الحدّ من التوترات الإقليمية، خصوصاً مع تقارب السعودية والإمارات مع إيران…

– تأكيد النفوذ الدبلوماسي: تطمحُ الإمارات لأن تكون وسيطاً قوياً في السياسة الإقليمية…

– التعامل مع الواقع العملي: على الرغم من العداوات السابقة، تدفع الاعتبارات العملية إلى تغيير نهج الإمارات، إذ تُدرِك الأخيرة أن الدبلوماسية والحوار يمكن أن يؤديا إلى نتائج أفضل من العداء المستمر».

ويُضيف: «أظهر كلٌّ من الإمارات وحزب الله استعداداً للانخراط في opportunistic pragmatism ’البراغماتية الانتهازية‘»، ويرى بناءً على ذلك أن «الإمارات قد تلعب دوراً في إيجاد حل وسط للجمود الرئاسي في لبنان، وذلك مع مراعاة مصالح حزب الله»، مُستدرِكاً «ولكن، يظل مع ذلك، أي تقارب كبير، سابقاً لأوانه وخاضعاً لتحولات جيوسياسية مختلفة، لا سيما تلك المتعلقة بحرب غزة».

ويقول رئيس لجنة المُبعَدين من الإمارات حسان عليان، المُقرَّب من «حزب الله»، في مقابلة مع موقع درج، إنه «من الممكن أن يكون هناك تصوّر جديد أو استراتيجية جديدة للإمارات في التعامل مع الملفات الإقليمية، وقد تسعى الإمارات إلى تعزيز دورها في لبنان»، ويضيف: «ربما تقوم الإمارات بقراءة تغييرية لكل ما حصل في السابق، لبناء معطى وتحوُّل سياسي جديد، من ضمنه ترييح الوضع الداخلي في لبنان، فحزب الله موجود وله تأثيراته فلماذا نقطع الاتصال به؟… خصوصاً أن حزب الله ليس له عداءٌ مع الإمارات»، ويرى عليان أن «الإمارات تذهبُ إلى تخفيف التوتر في العلاقات والاحتقان في المنطقة».

أمّا ضاهر فيرى أنّ «الإمارات أصبحت أكثر اعتماداً على سياسة الابتعاد عن الأزمات، إذ تحاول قدر الإمكان تجنُّبَ المشاكل في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الإقليمية، بعد سنوات عدة من المشاركة في الصراعات من خلال مجموعات وسيطة. أبو ظبي عملية للغاية، بدءاً من النظام السوري إلى حزب الله، ولكن تبقى الولايات المتحدة الأميركية قوة استراتيجية مهمة بالنسبة الى الإمارات»، مشيراً إلى أن «واشنطن تظلُّ المُورِّدَ الرئيسي لأسلحة الإمارات، إذ تمثّل نحو 60 في المئة من هذه الواردات بين عامي 2019 و2023، وفقاً للمعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، ولكن يجب أن يُنظر إلى التطورات الإقليمية أيضاً، على أنها نتيجة لتآكل القوة الأميركية العالمية».

بالعودة إلى مشروع «مفاتيح دبي»، نستعرضُ أبرز الشخصيات المرتبطة بـ«حزب الله»، التي ظهرت في المشروع واستطاع فريق المشروع التحقُّق من هويتها.

أدهم حسين طباجة:

بحسب وثائق «مفاتيح دبي»، يملكُ طباجة ستة عقارات في منطقة ند حصة في مبنى Silicon Gate 3، واستطاع فريقُ التحقيق التأكّد من استمرار ملكية طباجة للعقارات الستّة حتى اليوم.

طباجة ليس مُدرَجاً على لائحة العقوبات فقط، بل هو أيضاً على لائحة المطلوبين، وبحسب موقع مكافآت من أجل العدالة، يقدم البرنامج «مكافأة تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار أميركي، مقابل الإدلاء بأي معلومة تؤدي إلى عرقلة الآليات المالية لحزب الله، ويُعد أدهم حسين طباجة… عضواً في ’حزب الله‘، وله علاقات مباشرة مع عناصر تنظيمية عليا في الحزب، بما في ذلك ’الجهاد الإسلامي‘، وهو جناحُ الجماعة للعمليات الإرهابية».

بحسب البيان، «يملكُ طباجة عقارات في لبنان نيابة عن ’حزب الله‘، ولكن هل أميركا على علم بعقاراته في دبي؟».

كان طباجة يملك غالبية أسهم شركة مجموعة الإنماء للأعمال السياحية والتطوير والبناء العقاري، الكائن مقرها في لبنان، «والتي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عليها عقوبات في حزيران (يونيو) 2015»، بحسب البيان نفسه

يركِّزُ البيان على دور شركة الإنماء للهندسة والمقاولات في «احتكار عمليات البناء في منطقة ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان»، وعلى دور الفرع العراقي للشركة في «الحصول على المشاريع التنموية في مجالي النفط والبناء في العراق، التي توفِّر الدعمَ المالي والبنية التحتية التنظيمية لحزب الله… والحصول على عقود تجارية مربحة في المنطقة الخضراء في بغداد، وقد عمل طباجة مع مسؤولي حزب الله، من ضمنهم المسؤول السياسي في الحزب محمد كوثراني، للحصول على هذه المشاريع».

أُدرِجَ طباجة على لائحة العقوبات العالمية في 10 حزيران (يونيو) لعام 2015، وبناءً على ذلك، تم حظر جميع ممتلكاته والفوائد العائدة لها، التي تخضع للولاية القضائية الأميركية، وصَنَّفت المملكة العربية السعودية طباجة وشركاته ككيانات إرهابية.

وفي أيلول (سبتمبر) 2021، أصدر مجلس الوزراء الإماراتي قراراً يصنّف 38 فرداً و15 كياناً على القائمة المحلية للإرهاب، وكان من بينهم طباجة، وطالب القرارُ السلطات التنظيمية بمراقبة وتحديد أي أفراد أو كيانات مرتبطة بأي علاقة مالية أو تجارية أو تقنية واتخاذ الإجراءات اللازمة، وفقاً للقوانين السارية في البلاد، بحسب وكالة أنباء الإمارات – وام

لم يَرُدّ طباجة على أسئلة حق الردّ التي أرسلها فريق التحقيق.

إلا أنه ليس استثناءً، فوثائق مشروع «مفاتيح دبي» تحوي أسماء شخصيات عدّة مدرجة على لائحة العقوبات، تأكّدنا من صحّتها خلال العمل على المشروع.

هنا يسأل شعّار: «هل من مصلحة السلطات الإماراتية مساعدة أفراد من حزب الله على تملُّك عقارات لديها؟ أنا برأيي لا، الفكرة لا تكمُن في أن الإمارات ستحقق مكسباً من خلال السماح لهؤلاء الأشخاص بالاستثمار رغم العقوبات، بل في أنه ليست لديهم قواعد امتثال واضحة (due diligence) لضبط هؤلاء الأشخاص… لا أتوقّعُ أن السلطات الإماراتية هي عملياً على دراية مباشرة بهذا الموضوع، ولكن لديهم شراهة مذهلة للبزنس… بالنسبة إليهم الـBusiness is Business».

علي رؤوف عسيران: 

هو رجل أعمال آخر تربطه واشنطن بـ«حزب الله»، ويخضعُ للعقوبات الأميركية، ويديرُ ثلاث شركات مقرّها دبي، وهي التالية:

Best Diamond House DMCC

 G and S Diamond FZE 

Bexley Way General Trading LLC

بحسب بيان وزارة الخزانة الأميركية، سهَّلَ عسيران عملية الدفع والشحن واستيراد أعمال فنية اشتراها ناظم سعيد أحمد، وهو مموِّل بارز لـ«حزب الله»، مِن دور المزاد الكبرى والمعارض الدولية، لتمويل الحزب، ولفت البيان إلى أن «عسيران ساهم في تيسير الدفع والشحن وتوصيل النقد والألماس والأحجار الكريمة والفنون والسلع الفاخرة لصالح ناظم سعيد أحمد، ومساعدة الأخير على تجنُّب العقوبات الأميركية».

وهنا لا بدّ من التذكير بشخصية ناظم سعيد أحمد، وهو رجل أعمال وتاجر لوحات فنية مُدرَج على لائحة العقوبات منذ 13 كانون الأول (ديسمبر) 2019، بتهمة تمويل «حزب الله». وكطباجة، يقدّم برنامج مكافآت من أجل العدالة مكافأة تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار أميركي، مقابل الإدلاء بأي معلومة تؤدي إلى عرقلة الآليات المالية لـ«حزب الله»، من بينها الإدلاء بمعلومات عن ناظم سعيد أحمد.

في تحقيق سابق لموقع درج في سياق مشروع وثائق باندورا بقيادة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، ظهر اسم صالح عاصي، رجل أعمال خاضع للعقوبات الأميركية، يرتبط اسمه باسم ناظم سعيد أحمد أيضاً.

عندها، التقى فريق موقع درج بناظم أحمد «في شقته الفخمة في وسط بيروت، التي حوّلها إلى متحف متجدّد ممتلئ باللوحات القيمة والتحف الثمينة، حتى لا يكاد يخلو جدار أو زاوية في منزله من تلك القطع». ولدى سؤاله عن هذه التهم، ابتسم ولم يذكر أي تفصيل «عن علاقته بنصر الله وقيادات حزب الله»، ويختزل تلك التهم بأنها «حرب ضد الشيعة»، ويقول: «اتهموني بأنني حزب الله، أنا جسمي لبّيس، لأني أصوم وأصلي، وأنا أفتخر بمن نحن ومن أين نحن»

يعتبر أحمد أنّ اتهامه بأنه مُموِّل أساسي لـ«حزب الله» بدأ مع بدء ازدهار أعماله، وذلك بسبب «تقارير استخباراتية بلجيكية لشخصيات موالية لإسرائيل»، ويقول: «حققوا معي وهذه القضية تبرّأتُ منها في بلجيكا، اتهموني بأني أموّل حزب الله وأثير النعرات الطائفية».

كان عسيران يملك عدداً من العقارات، تحديداً سبعة عقارات، بحسب ما تبيّن في تسريبات المشروع:

– أربعة منها في منطقة برج خليفة (وحدتان في 29 BLVD T1 ووحدة في كلّ من BD STANDPOINT A، CLAREN TOWER 2).

– عقار في دبي مارينا (Marsa Dubai) (مبنى Marina Quay West).

– عقار في AL YELAYISS 2 (مبنى TOWN SQUARE SAFI 2A).

– عقار في AL RUWAYYAH

ولكن لم يستطع فريق التحقيق التأكُّد ممّا إذا كانت هذه العقارات ما زالت باسم عسيران، ولم يَرُدّ الأخير على أسئلة فريق التحقيق. 

علي رضا البناي:

صُنِّفَ علي رضا البناي، وهو قطري الجنسية، إلى جانب شقيقه عبد المؤيد البناي، باعتبارهما إرهابيين عالميين (SDGT) بسبب دورهما في تقديم المساعدة المادية، أو الرعاية، أو توفير الدعم المادي، أو التكنولوجي لـ«حزب الله»، وشارك علي البناي في إرسال مئات الملايين من الدولارات سِرّاً إلى «حزب الله»، وحوّلَ الأموال إلى «حزب الله» حتى نهاية عام 2020، وخَطَّطَ لتحويلات مالية كبيرة لكبار المسؤولين في «حزب الله»، بحسب بيان الخزانة الأميركية

لفتَ البيان الأميركي إلى أن البناي كان يلتقي بمسؤولي «حزب الله» لدى زيارته لكلّ من لبنان وإيران، كما بدأ بتقديم التبرعات لـ«حزب الله» عبر مانح في الكويت وفرع من «مؤسسة الشهداء» في الكويت، التي أُدرجت أيضاً على لائحة العقوبات عام 2007.

عشر سنوات بعد ذلك، أي عام 2017، خطط البناي لتحويل ملايين الدولارات إلى مسؤول كبير في «حزب الله»، واعتباراً من عام 2018، كان مشاركاً في عملية تحويل أموال من قطر إلى منظمات تابعة لـ«حزب الله»، بحسب بيان العقوبات.

بحسب مشروع «مفاتيح دبي»، ظهرَ اسم البناي كجهة مُسيطرة (controlling party) على خمس وحدات في منطقة Al Yufrah 2، ومن المرجّح أنّ البناي لم يعد يملك/ يسيطر على الوحدات المذكورة، ولم يَرُدَّ على الأسئلة التي أرسلها له فريق التحقيق.
باسم حسين مراد

من بين الشركات المُدرَجة على لائحة العقوبات، من ضمن شبكة ناظم سعيد أحمد، هي شركة MSD SPRL Diamon Trading لتجارة الألماس، وصُنِّفَت الشركة ضمن أفضل 10 مشترين للماس من متداول الألماس الرسمي في الدولة، بحسب موقع Daily Maverick (جنوب أفريقيا).

باسم مراد هو مواطن بلجيكي يملك أو يُسيطر على Antwerp، وهو فرع MSD في بلجيكا، وMSD Capital (PTY) LTD الموجودة في جنوب أفريقيا، وMSD DMCC الموجودة في دبي، وMSD SPRL Diamond Trading الموجودة في جنوب أفريقيا، ويرتبط بـ«حزب الله»، بحسب بيان وزارة الخزانة الأميركية.

ترتبط MSD SPRL Diamond Trading، التي يديرها مراد، بشركة أخرى تدعى Mega Gems التي يملكها فراس أحمد، ابن ناظم سعيد أحمد، الذي كان يتولّى أعمال والده في جنوب أفريقيا، بحسب وزارة الخزانة الأميركية. وشارك كل من مراد وشركة MSD SPRL Diamond Trading في المشروع التجاري لتصميم وتطوير وبناء مركز ألماس جديد، لإيواء مكاتب شركة Mega Gems  ومرافقها.

قام باسم مراد أيضاً، وفق العقوبات، بإجراء معاملات أو التَصرُّف كوسيط لصالح فراس أحمد، للمساهمة في مرحلة الـ layering، وهي المرحلة الثانية في عملية غسل الأموال، بهدف خلق طبقات تخفي مصادر الأموال غير المشروعة.

ظهر اسم باسم مراد في وثائق مشروع «مفاتيح دبي» كجهة مسيطرة (controlling party) على عقارات في Al Thanyah Third ودبي مارينا (Marsa Dubai)، ولكن من المُرجَّح أنّ العقارات لم تعُد له، ولم يَرُدّ مراد على أسئلة حق الردّ التي أرسلها له فريق التحقيق.

محمد بزّي

مواطن لبناني بلجيكي، وقنصل فخري لبناني في غامبيا سابقاً، صَنَّفهُ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) كإرهابي عالمي، لمساعدته في تقديم الدعم المالي والمادي والتكنولوجي والخدمات المالية لـ«حزب الله» في أيار (مايو) 2018. بحسب OFAC، يعتبر بزّي ممولاً رئيسياً لـ«حزب الله» عبر أنشطته التجارية في بلجيكا ولبنان والعراق وفي جميع أنحاء غرب أفريقيا، بزّي أيضاً كان على لائحة برنامج مكافآت من أجل العدالة

عَقِبَ تصنيفه على لائحة العقوبات، حاول بزّي وشريكه طلال شاهين، استخدام شخص أميركي لتصفية مصالحهما في بعض الأصول العقارية الموجودة في ميشيغان، ونقل مئات الآلاف من الدولارات من عائدات التصفية من الولايات المتحدة إلى لبنان، من دون التراخيص المطلوبة من OFAC، وعبر التظاهر بأن الشخص الأميركي كان يجري معاملات شرعية غير متعلقة بهما.

وجّهت إليه محكمة أميركية تهمة محاولة التهرُّب من العقوبات، وقُبِضَ عليه في رومانيا في شباط (فبراير) 2023، وسُلّم  للولايات المتحدة الأميركية في نيسان (أبريل) 2023.

ظهرَ اسمه في الوثائق كجهة مسيطرة على عقار واحد في AL THANYAH FIFTH، ولكن من المُرجَّح أنّه لم يعد يسيطر/ يملك العقار، وتعذّرَ تواصلُ فريق التحقيق مع محاميه.

لم تَرُدّ وزارة الخزانة الأميركية على الأسئلة التي أرسلها فريق المشروع، ولم يتجاوب مكتب «حزب الله» الإعلامي والكثير من الوجوه الإعلامية والشخصيات المرتبطة بالحزب، مع محاولات فريق التحقيق التواصل معهم.