لساعات طويلة أحسستُ بالشلل التام، لم أستطع فعل شيء. الخروج من المنزل غير ممكن بالطبع، ومتابعة ما يجري هنا في مدينة غازي عنتاب وفي الشمال السوري أصابني بالدوار. ما الذي أفعله هنا؟ سألت نفسي.

خلال صيف عام 2012، وقبل أن تُفضي حملة عسكرية واسعة للنظام السوري إلى تهجير جميع سكان المدينة التي كنت أسكن فيها، رنَّ الهاتف الأرضي بينما كنت وحيداً في المنزل، وقد قُطعت الكهرباء والاتصالات الخليوية فجأة عن المنطقة قبيل منتصف الليل. كان المتصل صديقاً انضمَّ حديثاً إلى إحدى مجموعات الجيش الحر المحلية، وسألني السؤال نفسه: ما الذي تفعله عندك؟ هناك مجزرة تحدث بالقرب من منزلك.

في الحالتين لا أمتلك إجابةً عن السؤال، شُلَّ تفكيري تماماً عمّا يمكن فعله لتجنب خسائر أكبر، وما الذي سيوْقف حملات الجنون العنصرية في تركيا، والتي تؤجّجها سياسة حكومية قائمة على عمليات ترحيل وانتهاكات واسعة بحق اللاجئين، من بينها الإخفاء قسراً والتعذيب والاعتقال خارج إطار القانون.

في الحالتين لا أدري بالضبط ما الذي أفعله هنا، وما الذي سأفعله عندما تصل المجزرة إلى منزلي، لم تصل في المرة الأولى وأتمنى أن تخطئ حشود العنصريين الأتراك منزلي اليوم.

ورغم كل هذا الشلل هناك ما نعلمه؛ نعلم بأنّ الحملات العنصرية في تركيا تقاطعت دوماً مع سياسات حكومية ضيّقت على حركة ونفس اللاجئين السوريين، وجعلتهم مستباحين أمام أي اعتداءات لا يمكنهم فيها الاحتكام أمام القانون، إذ تقوم الحكومة التركية بترحيل اللاجئين السوريين في حال كانوا طرفاً في أي قضيةٍ أو إشكال، حتى لو كانوا في موقع الضحية أو مجرد شهودٍ عليها.

أما في الشمال السوري، فإنّنا نعلم بأنّ السياسات التركية ودعمها لفصائل تمتهن الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والخطف والقتل، أدّى إلى تعاظم الاحتقان والنقمة عليها هناك، ما سيتسبّب لاحقاً باستمرار التوتر وأعمال العنف كما شاهدنا يوم أمس.

نعلم أيضاً بأنّ عدم تنظيم تركيا لحركة الهجرة واللجوء منذ عشرة أعوام، وترك الأبواب المفتوحة لدخول الجهاديين الأجانب إلى سوريا، وعدم تقييد السوريين على أراضيها بأي قوانين أو أوراق رسمية لسنوات، وعدم تطبيق أي برامج تهدف إلى مساعدة مجتمعات اللاجئين بصورة منظمة، أدى إلى أن يكون هذا الملف في أسوأ أحواله اليوم. ونعلم أيضاً بأنّ هذا الملف الذي استُخدم طوال السنوات الماضية خلال الانتخابات التركية، هو الحل الأفضل لتجنب مواجهة التناقضات والمعضلات الحقيقية في تركيا، والتي يعود بعضها لأكثر من مئة عام. وبدل نقاش حلولٍ للتضخم الخانق الذي يسجل في تركيا أحد أعلى المعدلات العالمية، كان من الأسهل ربما بدء حملة لترحيل اللاجئين السوريين وإشعال فتيل أعمال الشغب ضدهم، إذ أنّ وقوع ضحايا سوريين هو ثمنٌ أقل كلفة من أن يضحي رجلٌ واحدٌ بموقعه في السلطة.

على الرغم من التصريحات الرسمية التركية، التي تحدثت عن تطويق أي أعمال شغب أو عنف لأسباب عنصرية، كالتي حدثت في مدينة قيصري أول أمس الأحد، فإنّ الهجمات تكرّرت يوم أمس في غازي عنتاب ونزب والريحانية وأضنة، ودفع سوريون من دمائهم وممتلكاتهم ثمناً لأخطاء لم يكونوا مسؤولين عنها.

هل يعقل بأن يكون صاحب دكان للبقالة في حي شعبي هو المسؤول عن ديون البنك المركزي التركي التي وصلت إلى ستين مليار دولار بعد نفاد احتياطي المصرف من العملات الأجنبية؟ ولا أظن أنّ سيدةً سورية تمّ ترحيلها بعد القبض عليها في الشارع، بينما أطفالها وحيدون في المنزل، هي المسؤولة عن انهيار سوق العقارات؟ وبالتأكيد لا يتحمل أحد من اللاجئين السوريين المحاصرين في بيوتهم منذ أمس مسؤولية نسب التضخم التي وصلت إلى أكثر من سبعين في المئة، وهو معدلٌ من الأعلى في العالم! 

إذا لم نكن مسؤولين فلماذا ندفع الثمن؟ بطريقة أخرى يمكننا جميعاً أن نسأل أنفسنا اليوم: ما الذي نفعله هنا؟